تجارة الأسلحة وتأثيرها على الاقتصاد اليمني؛ تحديات وفرص
صوت الأمل – هبة محمد
تعدُّ تجارة الأسلحة من الظواهر العالمية التي تشكل تحديًّا كبيرًا للعديد من الدول، واليمن ليست استثناءً في هذا الصدد؛ إذ يشهد اليمن تحديات اقتصادية هائلة نتيجة النزاع المسلح الذي يعصف به، ومن بين العوامل المؤثرة في هذه التحديات (تجارة الأسلحة)، وتلعب دورًا حاسمًا في تشكيل مسار الاقتصاد اليمني ومستقبله.
يتم تداول الأسلحة بشكل واسع ومتواصل في السوق السوداء، وتسهم في تأجيج النزاع وتصعيده، وتنتج هذه التجارة تداعيات سلبية عديدة على الاقتصاد اليمني، منها الآثار المباشرة، مثل تدهور الأمن والاستقرار الاقتصادي وتعطيل عملية إعادة الإعمار وتنمية البنية التحتية، كما تؤثر أيضًا على القطاعات المختلفة، مثل الصناعة والتجارة والسياحة؛ مما يؤدي إلى تراجع النمو، وزيادة معدلات البطالة، وتفاقم الفقر.
تجارة السلاح وتحديات التنمية
تجارة السلاح، تعدُّ واحدة من الصناعات الأكثر رواجًا وتوسعًا في العالم، وإنّ حجم التجارة وانتشار الأسلحة يشكلان تحدّيًا كبيرًا للدول والمجتمعات التي تسعى لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، واليمن واحدة من الدول التي كان فيها الصراع وانتشار تجارة السلاح عائقًا أمام السلام والتنمية الاقتصادية.
في هذا السياق يقول ماجد الداعري (باحث ومهتم بالشأن الاقتصادي): “ندرك تمامًا التحديات الاقتصادية التي تواجه اليمن في الوقت الحالي، ولتجارة السلاح وانتشارها في بلدنا تأثير كبير على الاستقرار والتنمية الاقتصادية، ويعدُّ اليمن واحدًا من أكبر البلدان التجارية في مجال السلاح على مستوى المنطقة والعالم، وهذا الواقع يشكل تحدّيًا كبيرًا أمام جهود تحقيق التنمية والاستثمار في بلادنا”.
وأشار إلى أنّ انتشار السلاح وتداوله داخل المجتمع اليمني له تأثير مباشر على استقرار البلاد وتفاقم الصراعات المستمرة، وبأنّ هذا التحدي يعوق جهود العمل على إعادة إعمار البنى التحتية المتضررة، وتعزيز الفرص الاقتصادية، وتحسين حياة الناس.
ويؤكد أنّه بفعل انتشار السلاح تعاني اليمن من تدهور اقتصادي حادّ، مثل انهيار صادرات النفط والعملة المحلية، بالإضافة إلى ذلك، يصعب تحقيق التنمية الاقتصادية في ضوء استمرار الصراع، وعدّ اليمن مصدرًا رئيسيًا لتجارة السلاح.
ويكمل حديثه: “يجب أن نفهم أنّ أيّ محاولة لتعزيز الاقتصاد وتحقيق التنمية في اليمن تتطلب تأمين الاستقرار والأمن الشاملين؛ ولتحقيق ذلك، ويجب أن تتم مكافحة تجارة السلاح بفاعلية، وتنفيذ قوانين صارمة تنظم حيازة السلاح وتجارته”.
وأكّد على ذلك أيضًا دكتور الاقتصاد أحمد شماخ؛ إذ قال: “أعتقد بشدة أنّ تجارة الأسلحة النارية غير المنظمة وغير المسؤولة أثرت وستستمر في التأثير على الاقتصاد وحجم الاستثمارات العامة؛ إذا لم نجد لها رادع، كما تخلق بيئة غير مستقرة للاستثمار الأجنبي والمحلي، بالإضافة إلى ذلك، تساعد على انتشار الفقر وهروب رؤوس الأموال خارج حدود اليمن، كما حدث في العقد الماضي؛ إذ بلغت قيمتها أكثر من 30 مليار دولار من أموال مهربة”.
وأوضح أيضًا أنّ الخسائر التي نتجت عن الصراع تمتد إلى خطوط الإنتاج الاقتصادي، وبالتالي يجب أن نتخذ إجراءات للحدِّ من هذه الظاهرة المدمرة، وأنّ الدراسات تشير إلى أنّ عدد قطع السلاح الموجودة في اليمن يتجاوز 65 مليون قطعة، أي أكثر من قطعتين لكل فرد يمني.
في حين يرى الإعلامي عمر الباشا أنّ الساحة تعكس بطريقة أو بأخرى مأساة الوضع الاقتصادي في اليمن، الذي وصل إلى هذا الحال بعد أكثر من تسع سنوات من الصراع، وانتهائها بهذا الشكل الكارثي؛ إذ ازدادت فقراء البلاد فقرًا، مع زيادة انتشار السلاح في كل أرجاء اليمن بشكل كبير.
ويشير بالقول: “إنّ انتشار تجارة السلاح يشكل أحد أهم التحديات في اليمن، ويترتب عليه آثار عديدة تتجلى في تراجع عملية التنمية، ورغم عدم وجود أرقام دقيقة حول حجم التجارة المتعلقة به، فإنّ انتشاره يثير قلق المستثمرين في ظل انتشار السلاح واستخدامه في هجمات على بعض المشاريع، وهذا يحدث في ظل ضعف الدولة والتهديدات المستمرة التي تواجهها”.
تجارة السّلاح واعتبارها مصدر دخل
لقد تسبب الصراع في اليمن في تشريد الملايين من اليمنيين وتجويعهم، وأثرت على الحياة الاقتصادية، ومن ضمنها الحرف التقليدية واليدوية في قلب صنعاء القديمة، التي تعدُّ من أهم الأسواق التاريخية؛ إذ تحول العديد من التجار من ممارسة حرفهم التقليدية وتجارة المنتجات اليدوية إلى بيع الأسلحة والذخائر.
يذكر أحد التجار في محافظة إب أنّه يمتلك تشكيلة متنوعة من الأسلحة الخفيفة والمعدات العسكرية، بدءًا من المسدسات والكلاشينكوف والبنادق والقنابل اليدوية وغيرها، ويشير إلى أنّه لا يزال في بداية طريقه، ويسعى لتطوير متجره عن طريق توفير المزيد من البضائع المطلوبة.
وفي نفس السياق، يرى الباحثون والمهتمون في اليمن أنّ تجارة السلاح أصبحت مصدرًا رئيسيًّا لتحقيق الثراء للعديد من البائعين، بالإضافة إلى ارتفاع أسعارها إلى الضعف وبشكل جنوني.
من جهته يقول المستشار القانوني محمد عمر: “في الوقت الحاضر تشهد اليمن تجارة غير منضبطة وغير مراقبة لمختلف أنواع الأسلحة في الأسواق والمتاجر، بصورة تهدد الحياة المدنية، وتثير القلق والهلع بين السكان، وتتم بطرق عشوائية، وخارج نطاق أي إجراءات أمنية أو قانونية”.
ويؤكد أنّ هذا الوضع يرفع من معدلات جرائم القتل، ويخلق بيئة من الرعب والهلع بين الناس، وأنّ الأسلحة تباع بشكل علني دون أيِّ رقابة؛ ممّا تعرض المجتمع لمخاطر جسيمة؛ منها الانعدام الأمني، وانهيار الاقتصاد الوطني.
من جانبه يقول دكتور الاقتصاد أحمد شماخ: “تعدّ انتشار الأسلحة، سواء بصورة قانونية أو غير قانونية، ظاهرة تهدد حياة المجتمعات البشرية في جميع أنحاء العالم، وهذا ما يُعترف به على الصعيد المحلي والدولي، أنّ الأسلحة تسبب دمارًا شاملًا حيثما وُجدت”.
ويواصل: “حجم الذخائر التي يتم إنتاجها سنويًّا، وفقًا للتقارير المتوفرة، يصل إلى أكثر من 13 مليار طلقة نارية، وهذا يعني أنّه يتم إنتاج ما يعادل رصاصتين لكل فرد في العالم سنويًا، وهذا ما يخص الرصاص دون الأسلحة الأخرى”.
ويضيف: “دون أدنى شك نصيب اليمن يعدُّ النصيب الأوفر في كمية تجارة الذخائر والأسلحة القادمة إليها في المنطقة العربية، بعدِّها بلدًا غير مستقر، ونشاهدها يوميًا في الأسواق اليمنية بكميات كبيره؛ لكونها أسواقًا مفتوحة لمهربي الأسلحة”.
تحديات اقتصادية ومعالجات مستقبلية
حول التحديات الاقتصادية الناتجة عن تجارة الأسلحة يقول الدكتور شماخ: “يعاني اليمن في الوقت الحالي من مرحلة صراع ونزاعات مختلفة، وترتب على ذلك تراكم أزمات اقتصادية، ومن أبرز نتائج هذا الصراع ارتفاع معدلات البطالة والفقر؛ إذ وصلت إلى أكثر من 75%، مع تدهور الأجور وغياب المرتبات”.
وذكر أنّه على الرغم من توافر الثروات الطبيعية المتنوعة في اليمن، فإنّ البلاد تعيش في فقر مدقع، وتعاني من أزمات متتالية، وانهيار اقتصادي، ويعود ذلك جزئيًّا إلى الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وانتشار السلاح، وسوء استغلال موارد الدولة، إضافة إلى غياب الخطط والبرامج والسلطة القانونية.
ويكمل حديثه: “لإيجاد حلول لهذه المشكلات، يجب أن تكون هناك دولة قوية وقوانين تطبق على أرض الواقع، يتم تنفيذها بشكل صارم لمنع حمل السلاح وحصره على الدولة والجيش، وما يجري اليوم لا يخدم الاقتصاد والاستثمار، ولا يحافظ على التراث الثقافي والتاريخي، وبالتالي ستكون البلاد طاردة للاستثمارات، إذا لم يتم تفضيل المصلحة العامة الوطنية على المصالح الشخصية والحزبية”.
ويضيف: “يجب أن يكون هناك ارتباط وثيق بين مختلف القوى الوطنية؛ إذ تضع القوى السياسية والحزبية مصالحها في إطار واحد وهو مصلحة اليمن، كما يجب أن تتلاقى المصالح وتتوحد الرؤى، وإلا فإنّ البديل سيكون كارثيًا، وسيغرق الجميع”.
ويشدد الداعري على ضرورة وضع قوانين رادعة لمنع حمل السلاح العشوائي، وتهريب الأسلحة إلى دول أخرى، وضرورة التعاون مع المجتمع الدولي والإقليمي لتعزيز الجهود المشتركة في هذا الصدد، فقد أدّى انتشار السلاح بطريقة عشوائية إلى عرقلة التنمية الاقتصادية، وخروج التجار ورجال الأعمال اليمنيين إلى دول أخرى لاستثمار أموالهم في ظروف أكثر أمنًا واستقرارًا من اليمن.
ويتابع: “نظرًا لانعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي في اليمن، لم تتمكن الحكومة من تنظيم عملية منع حمل الأسلحة، ولذلك من الضروري بشدة وقف تدفق الأسلحة غير المنضبطة إلى اليمن، بجميع أشكالها، بدءًا من الأسلحة اليدوية، وصولًا إلى الأسلحة الأخرى، كما يجب تنفيذ إجراءات صارمة لمنع حمل السلاح بين المواطنين في اليمن، الأمر الذي يعدُّ ضروريًّا لاستعادة الاستقرار، وتحقيق التنمية الاقتصادية والرفاهية للشعب اليمني”.
83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية
صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…