انتشار السلاح.. مستقبل مظلم لحاضر أكثر قتامة
صوت الأمل – حنين الوحش
تعاني اليمن عواصفَ من الأزمات والاضطرابات والنزاعات المختلفة. ورغم تعقيداتها فهي ليست وليدة الحاضر بالنسبة للمجتمع اليمني؛ فطوال مراحلها المختلفة ظلت تراوح بين أزمة وأخرى، وما بينهما حالة استقرار قد لا تدوم طويلًا، غير أن ما يجعل الأمر أكثر تعقيدًا اليوم هو انتشار السلاح بشكل مهول ومرعب عما كان عليه واقع الحال فيما قبل.
وعلى الرغم من تأصل ثقافة حمل السلاح في اليمن، مع ما عاشه اليمني من أزمات عنف سياسي وصراعات قبلية، فإن الخطر الذي يلوح اليوم يتخطى السلاح الخفيف لتصبح اليمن سوقًا مفتوحة لتجارة الأسلحة الثقيلة، فضلًا عن وصولها إلى أيادٍ متطرفة، وتنامي ظاهرة تجنيد الأطفال وتسليحهم مع ما يعيشه البلد من انفلات أمني وغياب القانون.
كشفت تقارير، في العام 2014 قبل عام من اندلاع النزاع المسلح في اليمن، عن وجود أكثر من 60 مليون قطعة سلاح في الداخل اليمني، ويعد هذا رقمًا ضئيلًا عما يشير له الواقع اليوم؛ إذ أتاح النزاع المسلح للجميع في العديد من المحافظات اليمنية حمل السلاح دون ضوابط، كما ازدهرت تجارة الأسلحة بشكل مرعب، من بينها أسلحة رشاشة وثقيلة، وفتح الصراع مخازن الأسلحة للكثير من المقاتلين؛ وهو ما أحال البلد إلى سوق سوداء للسلاح في الوقت الراهن.
لقد شاع حمل السلاح الخفيف منذ فترات طويلة في الريف اليمني، خصوصًا في المناسبات الاجتماعية أو الدينية أو غيرها من المناسبات، غير أن الخطير اليوم وصول أسواق السلاح إلى المدن، خصوصًا المدن التي عرفت بثقافتها ونبذها للسلاح، مثل مدينة عدن وتعز وحضرموت، وذلك بحسب مراقبين.
تحديات جمة
يرى الصحفي بلال عبده أحمد أن من الصعب الحد من ظاهرة حمل السلاح في ظل استمرار النزاع المسلح في اليمن، وضخامة انتشار السلاح بين أوساط المواطنين، وانخراط عدد كبير ومهول جدًا من المجتمع في هذا النزاع؛ فقد قامت أطراف النزاع بتوزيع السلاح بشكل عشوائي على المواطنين. وبحسب رأيه يؤكد أن “كل من يحمل السلاح اليوم يرى في نفسه مقاومًا، وتجريده منه يعني بالنسبة له تجريده من استحقاق وطني قادم”.
كما يؤكد أيضًا أن ضم جميع المقاتلين إلى الجيش سيكون حلًا صعبًا لانعدام الموارد الأساسية، فضلًا عن خطر عسكرة الحياة العامة، ووجود خلايا إرهابية وعناصر إجرامية منخرطة في صفوف قوات أطراف النزاع المسلح. وأشار إلى أن حملات أمنية لنزع السلاح سبق أن باشرت عملها في وقت سابق، غير أنها تعرضت لاعتداءات مختلفة من قبل مسلحين.
يعتقد بلال أن هذه الصورة القاتمة والسيناريو المرعب سيظل حاضرًا لسنوات قادمة. ويزداد الأمر تعقيدًا مع لجوء شخصيات اعتبارية وتجار إلى حمل السلاح قسرًا لحماية أنفسهم؛ إذ نجد السلاح الآلي بجوار العاملين في القطاع المصرفي، وكذا تجار المواد الغذائية، حتى في الظروف التي يشهد الأمن فيها حالة من الاستتباب والهدوء النسبي.
يوضح عبدالله قحطان -تاجر مواد غذائية- أن مواقع التواصل الاجتماعي غارقة بمقاطع فيديو وثقتها كاميرات المراقبة لتجار تعرضوا للاعتداء والقتل بدافع السرقة، وهو ما اضطره إلى حمل السلاح وإبقائه قريبًا منه في متجره الخاص أو على متن سيارته.
وشكلت جرائم القتل بدوافع السطو والنهب حالة ذعر وخوف مجتمعي دفع التجار والعاملين في قطاع الصرافة -خصوصًا- إلى وضع السلاح في مكان لافت وبارز داخل المحل التجاري؛ لردع اللصوص، كما جاء في حديث غالبيتهم.
ثغرة قانونية
يجيز القانون اليمني رقم (40) لسنة 1992 بشأن حمل أسلحة نارية في المادة التاسعة منه حملَ السلاح لمن وصفهم بمواطني الجمهورية؛ إذ تنص المادة (9) على أن “لمواطني الجمهورية الحق في حيازة البنادق والرشاشات والمسدسات وبنادق الصيد اللازمة لاستخدامهم الشخصي بكمية من الذخيرة لأغراض الدفاع المشروع”.
ويرى المحامي ياسين القاضي أن هذه المادة القانونية بررت -قبل نشوب النزاع المسلح- لقطاع كبير من المواطنين حمل السلاح، كما بررت للأجهزة الأمنية إعطاء رخص حمل السلاح لمن هب ودب. مؤكدًا ضرورة سن قوانين جديدة لتنظيم حمل السلاح قبل الانتقال إلى قوانين أكثر صرامة تجرم حمله أو اقتناءه في المنازل، مع تشكيل لجان أمنية لسحب الأسلحة من المواطنين ولو عبر شرائها أو مصادرتها في حال رفضوا تسليمها طوعًا.
يهدد الانتشار المنفلت واللافت للسلاح حياة الأبرياء في مختلف المدن اليمنية. ومع تنامي نسب جرائم القتل، فإن جزءًا منها كان بدوافع غير قصدية كسقوط السلاح إلى الأرض وانطلاق عيار ناري يصيب شخصًا في مقتل.
ومن بين عدد حوادث رصدنا واقعة مقتل المعلم طاهر ردمان، الذي أصيب بطلق من بندقية سقطت من على كتف شخص مسلح كان يمر في الاتجاه المقابل، بحسب شهود عيان.
وحصدت ظاهرة حمل السلاح الكثير من الخسائر البشرية والمادية، فضلًا عن تداعياتها السلبية على الأمن والتنمية والسلم الأهلي، في ظل تنامي جرائم القتل وتفشي ظاهرة الثأر في المدن والعواصم اليمنية، والريف على وجه الخصوص.
تحدي التنمية
يرى الباحث في العلوم الأمنية وليد الأثوري أن لانتشار حمل السلاح انعكاسات سلبية على أي توجه تنموي في اليمن؛ إذ يجعل أفراد المجتمع في حالة نفسية وذهنية غير مستقرة، ويعمل على إيقاف كثير من التحركات التنموية والاستثمارات لتفادي المخاطر المحتملة من انتشار السلاح.
ويؤكد أن النجاح -فرديًا أو مجتمعيًا- على علاقة وثيقة بالشعور بالأمان والاستقرار، الأمر الذي يكاد يكون معدومًا في واقعنا المحلي مع وصول السلاح إلى أيادٍ غير نظامية تتفوق عددًا وعُدة على القوات النظامية الأخرى.
دور الحكومة
يلقي الأثوري باللوم على السلطات الحكومية في انتشار هذه الظاهرة وتأثيرها السلبي على الواقع المجتمعي؛ إذ تعد مسؤولة عن تحقيق الأمن وتثبيت ركائزه. كما يرى أن الضبط المباشر فقط يبدو خيارًا غير عملي ما لم يواكب أعمال أخرى، كحملات التوعية، عبر تضافر جهود جميع الوحدات الإدارية في السلطة للعمل في قناة واحدة وخطة مشتركة.
ويشير إلى الدور المناط بجميع القوى الوطنية، خصوصًا الأحزاب السياسية، في تقديم مقترحات ورؤى وتنفيذ أنشطة مدنية توعوية؛ للحد من انتشار ظاهرة السلاح، خصوصًا أن الفئات الأكثر حملًا للسلاح هي فئة الشباب.
فيما يزعم بلال عبده أحمد -صحفي ومختص بالشؤون الأمنية- أن على الحكومة صياغة خطة وقائية وأخرى احترازية لمواجهة الظاهرة، خصوصًا أنها في حالة استفحال مقيت ومميت، وصياغة القوانين والضوابط، وتشكيل لجان مختصة في هذا الشأن (ضبطية وغير ضبطية، ومباشرة وغير مباشرة)، إلى جانب تثبيت الأمن والاستقرار، وتطوير عمل القضاء كحافز رئيسي لدفع المجتمع إلى التخلي عن حاجته للسلاح.
83.2%من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أن حمل السلاح في اليمن له علاقة وثيقة بالثقافة الشعبية اليمنية
صوت الأمل – يُمنى الزبيري منذ قديم الزمان، ارتبطت حيازة السلاح بالعادات والتقاليد ال…