تجربة شعبية لإحياء التراث الغنائي في اليمن
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
تشتهر اليمن بامتلاكها تراثًا غنائيًا زاخرًا، يختلف من منطقة إلى أخرى حسب لهجة المنطقة وثقافتها؛ فهناك الغناء الصنعاني، والتهامي، والحضرمي، والعدني، والتعزي، واللحجي وغيره. وكل لون من هذه الألوان له روَّاده من شخصيات قديمة وحديثة عملت على إحيائه ونشره لينافس أفضل الفنون الغنائية في العالم.
في تعز يبرز الفنان أيوب طارش مُقدِّمًا الأغنية التعزية بصورة مميزة ومختلفة، وقد عرف الكثير من الناس بالتراث الغنائي التعزي الأصيل، إلى جانب مُنى علي، وعبد الباسط عبسي، ونجيبة عبد الله، وكثير غيرهم.
وفي عدن قدمت الفنانة أمل كعدل الأغنية العدنية إلى العالم بشكل يعكس مدى تميز الغناء العدني، إلى جانب الكثير من المطربين أمثال محمد مرشد ناجي، وأحمد بن أحمد قاسم، ومحمد محسن عطروش، ومحمد سعد عبد الله ومحمد صالح عزاني. وفي لحج يعد صوت الفنان فيصل علوي أفضل من قدم الأغنية اللحجية وأشهرهم.
أما في صنعاء فهناك الفنانة تقية الطويلية والفنان علي بن علي الآنسي وأحمد السنيدار، والفنان محمد حمود الحارثي وغيرهم من المطربين الذين صنعوا للأجيال تراثًا غنائيًا غنيًا يستحق الاهتمام به والحفاظ عليه وتوثيقه.
الأغنية اليمنية التهامية
تهامة مثل غيرها من المناطق اليمنية التي تزخر بتراث غنائي مهم، له خصوصياته التي يتفرد بها، سواء من ناحية الكلمات والألحان أو حتى الرقصات التي ترافقها. ويعد الفنان أحمد فتحي والفنان عبدالله آل سهل والفنان محمد شجون من أكثر المطربين المعروفين في تهامة، الذين نشروا التراث الغنائي التهامي من خلال تقديمهم للأغنية التهامية في العديد من المحافل والمهرجانات والفعاليات المختلفة، وقبلهم أحمد علي مروعي وسالم بازغة، وحسن علوان وجابر علي أحمد، وعلي الذهبان، ويوسف رامي، والفنانة انتصار تكرير، وغيرهم.
وقد شهدت الأغنية التهامية مؤخرًا ظهورًا متميزًا بعدما تراجعت لسنوات عدة وكادت أن تختفي، على عكس الأغاني اليمنية الأخرى في مختلف المناطق اليمنية التي بقيت متداولة؛ إذ جاء مطربون جدد أعادوا له شهرته باهتمامهم له وتقديم أغانٍ عصرية جددت في التراث التهامي الأصيل، الذي عرفه كثير من الناس من محبي الغناء الشعبي في اليمن، سواء داخل اليمن أو خارجه.
الفنان محمد شجون يعد من أبرز الفنانين الشعبيين في محافظة الحديدة، يتميز بصوت جميل إلى جانب أنه عازف متمكن، ويجيد استخدام آلة العود، وقد عزف لأشهر المطربين اليمنيين منهم الفنان أيوب طارش عبسي، وشارك في العديد من الجلسات الغنائية التي تقدمها بعض القنوات اليمنية.
الفنان التهامي محمد شجون
الفنان محمد عبده عزي شجون، من مواليد عام 1980 في محافظة الحديدة، ويعد فنانًا وملحنًا. وهو أحد أعضاء هيئة التدريس في كلية الفنون الجميلة، قسم التربية الموسيقية في جامعة الحديدة، وقد درس في معهد الموسيقى في جمهورية مصر العربية.
كان الفنان شجون قد تعرض لخطأ طبي نتيجة عملية جراحية أجراها ليده مما أدى إلى إصابتها فتوقف عن العزف والغناء مدة طويلة؛ نتيجة عدم قدرته على العزف بآلة العود، وهذا دعا الكثير من الناشطين والجهات والمسؤولين إلى الاهتمام بالفنان محمد والاعتناء به تكريمًا لجهوده في إحياء التراث الغنائي في تهامة.
عن بداية مشواره الفني يقول لصحيفة “صوت الأمل”: “بدأت مشواري وسط كم هائل من التحديات؛ فقد مارست العزف على آلة بدائية من صنعي إلى أن وصلت إلى العزف على آلة العود. وقد استطعت أن أسلك طريقي إلى الغناء بهدوء وبساطة، إلى أن أُتيحت لي المشاركة في حفلات بعض الأعراس في المدينة، ووجدت ترحيبًا وقبولًا وتشجيعًا من كثيرين”.
أول أغنية للفنان محمد شجون هي أغنية “كم تصافينا” من ألحانه، ومن كلمات الشاعر إبراهيم شعيب، وله العديد من الأغاني مثل: أغنية “كلهم خاينين”، و”رضينا بهم”، و”دايم أفكر فيك” و”انت محبوبي” و”امَّسمر امحالي”، وأغنية “ياقدس”، وأغنية “حب اليمن”، وأول أنشودة روحانية بعنوان “أهلا بشهر الصوم” وغيرها كثير.
يتحدث الممثل سعيد حكمي، من محافظة الحديدة، عن دور الفنان محمد شجون في إبراز الأغنية التهامية والحفاظ على الموروث الغناء التهامي، بقوله: “عُرف الفنان محمد شجون بتقديم الأغنية التراثية في تهامة وتألقه وإبداعه فيها، ويعد من أفضل العازفين في المحافظة، كما يغني تراث تهامي يلامس الواقع ويواكب جميع الأجيال، إضافة إلى أنه عازف متمكن ذو أوتار ذهبية. وفي الحقيقة نعده وريث الموسيقار اليمني ابن تهامة الموسيقار أحمد فتحي”.
ويضيف: “قدم الفنان محمد شجون العديد من الجلسات الغنائية في اليمن وخارج اليمن، ولديه مشاركة جميلة في تلحين وأداء شارة مسلسل “همي همك” التي حصلت على شهرة كبيرة على المستوى المحلي”.
وأشار إلى أن الفنان محمد شجون ما يزال يعطي جمهوره كل جديد، وهو يحتاج الاهتمام به تكريمًا لما يقدمه من أجل الأغنية التهامية، ونشرها والتعرف بها بشكل أوسع على المستوى المحلي والعربي وأيضًا العالمي.
كما يواصل: “سمعت الفنان الكبير أيوب طارش عبسي في إحدى القنوات اليمنية يمدح الفنان محمد شجون، وهو الذي لم يمدح فنانًا آخر بهذا المديح؛ وهذا يدل على أن الفنان شجون شخص مبدع وله دور كبير في دعم الأغنية اليمنية التهامية واستمرارها ونشرها والتعريف بها”.
دور الفنان شجون في إحياء الأغنية التهامية
يوضح الفنان محمد شجون أن أهم حدث في حياته هو حصوله على منحة في المعهد العالي في العاصمة المصرية القاهرة، وحصوله على المركز الأول بامتياز مع مرتبة الشرف. وهي فرصة أتاحت له ليلتقي بالموسيقار أحمد فتحي الذي فتح له قلبه وباب بيته، حسب وصف شجون.
وقال: “أفدت كثيرًا من الفنان الكبير أحمد فتحي، ولاقيت عناية وتشجيعًا كبيرًا من قبله، وعدت إلى وطني لأسهم مع الفنانين الشباب في رفد الحركة الفنية. وما زلت أعمل مدرسًا في قسم الفنون الجميلة بقسم الموسيقى بجامعة الحديدة. وقد حققت نجاحات على المستوى الداخلي عبر عدة مشاركات فنية، وكُرِّمتُ بعدة جوائز، وما زلت أتطلع إلى مشاركات خارجية وظهور أكبر”.
يرى الفنان محمد شجون أن الفن في اليمن بشكل عام يشهد تدهورًا وضعفًا في طرحه؛ لذا فإن الفنان اليمني يحتاج إلى العناية والدعم المستمرين، ويحتاج الغناء الشعبي الذي يعد ثريًا بماضيه إلى كثير من الدعم من المؤسسات المعنية؛ فكل فنانيِّ العالم يعتزون ويفتخرون بتراثهم الغنائي، لذا نجد كثيرًا منهم يجتهدون في تقديم الأغنية التراثية لبلاده في أي فعالية يشارك بها؛ بهدف نشر موروث وطنه. وكفنانين يمنيين يجب العمل على نشر التراث الغنائي الغني والمتميز وإحيائه بشكل متواصل”.
تراجع الأغنية التهامية
ظل الغناء التهامي مغيبًا لفترة طويلة عن الجمهور مقارنة بالألوان الغنائية الأخرى رغم تميزه بخصوصية جعلته منفردًا عن غيره من الفنون الغنائية اليمنية، منها اللهجة والألحان المستخدمة في تأديته وكذلك الإيقاع.
الكاتب والشاعر على مغربي الأهدل أرجع غياب الغناء التهامي عن الساحة الفنية في اليمنية خلال السنوات الماضية إلى عدة أسباب، منها غياب الدعم والتشجيع من قبل الجهات المعنية تجاه الفنانين التهاميين الذين يجدون صعوبة في تنفيذ بعض الأعمال الفنية؛ نظرًا لظروفهم المتردية.
ويضيف في حديثه عن أسباب غياب الموروث الغنائي التهامي بقوله: “عدم تسليط الوسائل الإعلامية على الغناء التهامي؛ فهي بدورها تستطيع إيصاله إلى أكبر شريحة من الناس، داخل اليمن وخارجه، وكذلك عدم وجود جهات تشجع المبدعين وتساعدهم في إنتاج أعمال تحاكي التراث الغنائي في تهامة”.
ويؤكد علي مغربي الأهدل، وهو من أكثر المهتمين بالأغنية التهامية، أن الموروث الغنائي التهامي يحتاج إلى الاهتمام؛ كونه يمثل تاريخ اليمن وحضارتها، ويعد موروثًا يمنيًا صنعه الأجداد ويجب الحفاظ عليها من الضياع والاندثار.
الجدير بالذكر أن الشاعر والكاتب علي مغربي الأهدل يعد من أهم الشخصيات في تهامة الذي أعاد للأغنية التهامية بريقها بعد اختفائه لسنوات؛ فهو من كتب كلمات أغنية “الليلة خميس” وأغنية “واباه ومناصف”، وأغنية “ووجون”، وكذلك أغنية “جمل الحسين”، وجميعها لاقت صدىً واسعًا من قبل المهتمين بالتراث اليمني، واستطاعت أن تصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى عدد كبير من الجمهور، وغناها أحد مبدعي تهامة، الفنان عبدالله آل سهل.
التحديات التي تواجه الأغنية التهامية
الفنان محمد شجون أشار في حديثه إلى أن هناك العديد من الأغاني التراثية اليمنية التي سُرِقت، وأن من الضروري أن تتخذ الجهات المعنية إجراءات تجاه ما يتعرض له الموروث الغنائي في اليمن من نهب وتشويه، أهمها توثيق الأغاني التراثية وتفعيل جانب الرقابة والمتابعة لحماية التراث الغنائي والحفاظ عليه.
الفنان محمد شجون وغيره كثيرون من فناني تهامة يسهمون في إحياء الأغنية التهامية وحضورها، كغيرها من الأغاني اليمنية في الساحة الفنية المحلية والعربية؛ كونها تستحق الاهتمام والحفاظ عليها، بوصفها إرثًا حضاريًا صنعه الأجداد، ولا بد أن تكون حاضرة مع الأغاني اليمنية الأخرى وبكل قوة.
73.2% من المشاركين يعتقدون أن التراث الغنائي في اليمن يعكس الهوية الثقافية اليمنية بشكل كبير
صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد الفن الغنائي واحدًا من أقدم الفنون في التاريخ وأكثرها …