‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة التراث الغنائي في اليمـن تفعيل الجهات الرسمية في اليمن ضمان وحماية لإرث الأغنية اليمنية

تفعيل الجهات الرسمية في اليمن ضمان وحماية لإرث الأغنية اليمنية

صوت الأمل – علياء محمد

يعدُّ التراث الغنائي اليمني جزءًا مهمًّا من التراث الثقافي الغني لليمن، ولطالما عُرف التراث الغنائي اليمني بجماله وعمقه وأصالته. ولقيت أنواع الفن الغنائي اليمني وألوانه رواجًا واسعًا في كثير من البلدان العربية والعالمية؛ نظرًا لما يحمله في طياته من روائع فنية وقيم ومعانٍ عميقة جعلته من أكثر ألوان الغناء إقبالًا، ومن أجل صيانة هذا الفن الغنائي ودعمه يجب أن تقوم الجهات الرسمية والمؤسسات الثقافية بدور مهم في الحفاظ عليه وتعزيزه وتطويره، وأن تقدِّم الدعم المالي واللوجستي للفنانين والموسيقيين اليمنيين.

يرى شعيب العفيف (عضو في معهد الفنون الجميلة) أنّ الجهات الرسمية والمؤسسات الثقافية والفنية الخاصة تلعب دورًا مهمًّا في دعم التراث الغنائي اليمني وتعزيزه؛ إذ يقول: “يعدُّ معهد الفنون الجميلة من أهم الجهات الرسمية المهتمة بالتراث الغنائي اليمني في عدن، ويلعب دورًا حاسمًا للحفاظ على التراث الغنائي، ويسهم في نقله وتعزيزه للأجيال القادمة، ويعدُّ اللبنة الأُولى لتعليم الطلبة والأجيال الجديدة التراث الغنائي وصقل مواهبهم وتعزيز وعيهم بالفن اليمني الفريد، إضافة إلى ذلك يقدم المعهد عددًا من الدورات والورش للمهتمين بالموسيقى”.

مضيفًا: “يقوم مكتب الثقافة بدور كبير في دعم التراث الغنائي؛ من خلال تشجيع الفنانين الموهوبين في مجال الغناء، وتنظيم المهرجانات والفعاليات والاحتفالات الثقافية والموسيقية، إضافة إلى ذلك يُسهم صندوق التراث في دعم الفنانين الشباب؛ عبر تقديم منح مالية للفنانين المتميزين في مجال الغناء”.

وحول الدور الذي تقدمه وزارة الثقافة، أوضح العفيف أنّ وزارة الثقافة تعدُّ الجهة الموجهة والمرشدة والمستشارة والحاضنة لجميع الجهات المهتمة بالتراث الغنائي.

ويقول: “تقوم وزارة الثقافة بجهود وأدوار كبيرة للحفاظ على هذا التراث، وتقدم الدعم للمبدعين في مجال الغناء؛ من خلال تنظيم فعاليات ومهرجانات ثقافية فنية تسلط الضوء على الأغاني اليمنية التقليدية والمعاصرة، بالإضافة إلى ذلك، تهتم الوزارة بحماية حقوق الملكية الفكرية، وتنظيم القوانين التي تحمي الموسيقى اليمنية من الاستغلال غير المشروع، وهذا من صلب مهامها، كما تعمل على رصد التراث الغنائي اليمني وتوثيقه؛ ليظل متاحًا للأجيال القادمة.

في سياق متصل يوافقه الرأي محمد عبد الرحمن (مدير عام المصنفات والملكية الفكرية الثقافية في ديوان عام وزارة الإعلام والثقافة والسياحة في عدن)؛ إذ يشير إلى أنّ وزارة الثقافة الممثلة بقطاعاتها المتخصصة مثل: قطاع الفنون، وقطاع المصنفات والملكية الفكرية – الثقافية، وقطاع التراث اللامادي، تلعب دورًا حيويًا في الحفاظ على التراث الغنائي اليمني وتعزيزه في المجتمع.

تحديات حماية التراث الغنائي

“قلة الدعم المالي وعدم وجود خبراء في المجال الفني، إضافة إلى عدم المعرفة الإلكترونية لدى الجهات المسؤولة عن حماية التراث الغنائي، تعدُّ من أبرز أسباب تدهور الأغنية اليمنية واندثار تراثها”. هذا ما أكد عليه العفيف في حديثه عن أهم التحديات والصعوبات التي تواجه التراث الغنائي اليمني.

ويقول: “لا يتلقى التراث الغنائي اليمني الدعم الكافي من الجهات المعنية لحفظه وتوثيقه، الأمر الذي يعوق عملية الحفاظ عليه ونقله إلى الأجيال القادمة بصورته الحقيقية، كما يعاني التراث الغنائي اليمني من عدم وجود خبراء مختصين في المجال الفني في توثيق هذا التراث وحفظه بشكل صحيح، ونتيجة لذلك قد يحدث تسجيل التراث الغنائي وتوثيقه بشكل غير صحيح أو غير دقيق؛ ممّا يؤدي إلى فقدان أجزاء مهمة من التراث”.

من جانب آخر أشار محمد عبد الرحمن إلى أنّ الصعوبات التي تواجه التراث الغنائي كثيرة أهمها: ما يتصل بجمع التراث الفني الغنائي والموسيقى، وتوثيقه وفهرسته، مثل أغاني الأهازيج والأشعار، وأنّ جمع التراث الغنائي يتطلب جهودًا وخططًا وأجهزة، وإمكانيات بشرية ومادية كبيرة، لا تستطيع الوزارة أن تقوم بها في الوقت الراهن، نظرًا لعدم توفر الإمكانيات للقيام بذلك، خاصة في الظروف والأوضاع الصعبة التي يمر بها البلاد.

 بدورها أفادت الفنانة سهير ثابت أنّ الجهل وقلة الوعي بتاريخ الأغنية اليمنية يُفقد التراث الغنائي لليمن قيمته ويجعله عرضة للسرقة؛ إذ يجهل الجيل الجديد تاريخ الأغنية اليمنية وتراثها العريق، وقد يستمعون إلى أغانٍ عديدة ولا يعلمون بأنّ أصلها يمني قد غُنّيت في زمن سابق ومن قِبل فنانين يمنين قدماء.

وأوضحت أنّ التقدم التكنولوجي وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي كان سببًا في قلة وعي الجيل الجديد بأهمية هذا التراث، ونتيجة لذلك، يُقبل كثير من الشباب إلى الاستماع إلى الأغاني الحديثة ولا يعيرون لأصول الأغاني اليمنية التقليدية وتاريخها أي اهتمام.

حماية الأغنية اليمنية

 تواجه الأغنية اليمنية تحديات وصعوبات في مجال الحفظ والأرشفة والتوثيق، وقد تعرضت كثير من الأغاني والألحان والكلمات الفنية إلى التداول بشكل غير قانوني، وأيضًا للسرقة والاستخدام غير المشروع، كما قام بعض من الأفراد والجهات الخارجية بنسب بعض من الأغاني والألحان لهم، والتبديل بها حسب رغباتهم، دون الحصول على الإذن اللازم أو دفع الحقوق المالية المناسبة لأصحابها، الأمر الذي أدّى إلى تشويه الصورة الأصلية للأغنية وتقليل قيمتها الثقافية.

وللتصدي لهذه الظواهر، وحماية حقوق الملكية الفكرية لأصحاب الأغاني التراثية، وجب القيام بعدد من الإجراءات والآليات التي تحظر الاستخدام غير المشروع، وتحدد العقوبات المناسبة للمخالفين، وتعزّز الوعي حول أهمية حفظ الأغاني التراثية وحمايتها.

ترى الفنانة سهير ثابت أنّ التنوع الغنائي اليمني وألوانه المتميزة جعلته من أكثر الفنون اقتباسًا، ولكن مع غياب الجهات المختصة بمجال الفن ونشره وتوثيقه فتحَ فرصةً للسطو على الأغاني اليمنية دون الإشارة إلى ذلك، لذا تتطلب حماية الأغنية اليمنية جهودًا مشتركة من قبل الجهات الرسمية والمؤسسات الثقافية والمنظمات الشبابية والفنانين أنفسهم، والقيام بتنظيم فعاليات وورش وندوات تعريفية بتاريخ الفن والأغنية اليمنية، وتنفيذ حملات توعية تسهم في نشر المعلومات حول الحقوق الملكية الفكرية والأساليب الصحيحة لاستخدام الأغاني التراثية.

 ويرى محمد عبد الرحمن أنّ حماية الأغنية اليمنية عمل متكامل؛ يبدأ بتفعيل عمل قطاعات الوزارة المتخصصة، وتنفيذ نصوص قانون حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، رقم (15) لسنة 2012م، وتوفير المتطلبات والمستلزمات لتنفيذ هذا القانون، واهتمام المؤلفين والفنانين والملحنين بتسجيل أعمالهم وإيداعها لدى قطاع المصنفات والملكية الفكرية في الوزارة.

مشدّدًا في حديثه على ضرورة الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتسجيل هذا الفن عبر الوسائل الحديثة، وإنشاء موقع إلكتروني للأغنية اليمنية، وأرشيف إلكتروني، إضافة إلى ذلك تفعيل دور الوزارة، وقطاعاتها المتخصصة، ودور السفارات والبعثات الدبلوماسية اليمنية في الخارج للتصدّي لأيّ انتهاكات، وضمان حماية التراث الغنائي من السطو والتحوير والسرقة.

ومن جانبه أشار محمد اليوسفي (صحفي مهتم بتوثيق الأغنية اليمنية) إلى أنّ تميز التراث الغنائي اليمني جعله محط إعجاب كثير من المطربين العرب من دول الجوار، الأمر الذي أدّى إلى التسابق والتسارع لأدائه، وقد يشعرنا بالاعتزاز بما نملك من تراث موسيقي متنوع.

مضيفًا: “أنّ أداء الأغنية اليمنية بأصوات عربية وبتوزيعات موسيقية حديثة أمرٌ يُسهم في انتشار الموسيقى اليمنية على مستوى عربي وعالمي، إلَّا أنّ عدم الإشارة إلى مبدعي هذا الإرث الفني أمر مؤسف وإجحاف في حق مبدعي هذه الروائع الغنائية التراثية اليمنية”.

وأوضح اليوسفي في حديثه أنّ مسالة الحفاظ على الحق الفكري للفنان اليمني سواء أكان مطربًا أو ملحنًا أو شاعرًا يقع في المقام الأول على عاتق وزارة الثقافة في البلاد؛ كونها المخولة بتفعيل قوانين الملكية الفكرية، وإنصاف المبدعين، والاعتراف بحقهم الفكري والمادي.

ويقول: “تتعاظم هذه المسؤولية مع تزايد عملية السطو على الأعمال الغنائية وعدم الإشارة إلى مبدعيها وذكرهم والاعتراف بإبداعهم، وهذا الأمر ليس جيّدًا، فالنماذج الغنائية التي حدث السطو عليها وعدم ذكر أصحابها أو الإشارة إليهم تعدُّ كثيرة.

توصيات

قدّم شعيب العفيف عددًا من التوصيات للحفاظ على التراث الغنائي اليمني أبرزها:

  1) توحيد جهود المؤسسات الثقافية الحكومية والخاصة، وسن قوانين صارمة تحمي حقوق الملكية الفكرية للفنانين والموسيقيين، وتنظم استخدام الأغاني بشكل قانوني.

2) البدء في مشروع أرشفة التراث الموسيقي اليمني، ودعم الفنانين اليمنيين وتشجيعهم على إنتاج أغانٍ يمنية جديدة، تتضمن ألحانًا وأنماطًا يمنية أصيلة.

3) حرص الفنانين على استخدام التكنولوجيا في توزيع الأعمال الفنية بشكل قانوني عبر منصات رقمية موثوقة، وتسويقها بشكل يحافظ على قيمتها الثقافية.

إضافة إلى ذلك شدد اليوسفي على أهمية تبني وسائل الإعلام اليمنية بمختلف أنواعها أمر الترويج والتعريف بالغناء اليمني ومبدعيه، وتخصيص مساحة واسعه لذلك، للإسهام في الحفاظ على الإرث الغنائي، وجعل الأجيال المتعاقبة على صلة بتراثها.

وأشار إلى أهمية تأدية التراث الغنائي من قبل الفنانين الشباب بهويته المعهودة وبخصوصيته الإيقاعية، ولن يأتي ذلك إلّا من خلال سماعهم لرواد الطرب اليمني الذين أوصلوا هذا الإرث الفني وحملوا على عاتقهم مسؤولية الحفاظ عليه ونقله من جيل إلى جيل.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

73.2% من المشاركين يعتقدون أن التراث الغنائي في اليمن يعكس الهوية الثقافية اليمنية بشكل كبير

صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد الفن الغنائي واحدًا من أقدم الفنون في التاريخ وأكثرها …