المرأة اليمنية؛ نضال مستمر في إحياء التراث الغنائي
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
تحرص العديد من الفتيات في محافظة الحديدة على أن تغني في فرحها إحدى المطربات الشعبيات في المدينة، لأنّ ذلك يدفع كثيرًا من الأقارب والأصدقاء إلى الحضور؛ كونهنّ يفضلنَ وجود صوت نسائي شعبي يقيم الحفل.
وأكدت النساء على أهمية استدعاء فنانة لإحياء أيّ مناسبة تضيف نوعًا من البهجة والفرح بالأغاني التراثية الشعبية، لا سيّما أنّ العديد من المطربات اليمنيات الشعبيات يحرصنَ على تقديم الألوان الغنائية اليمنية المختلفة التي تفضلها النساء، وتستمتع بسماعها، والرقص عليها، والتي تعدّ عادة اجتماعية منتشرة في أنحاء البلاد كافة.
دور نسوي في الأغنية التراثية
في فبراير 2023م، تأسست فرقة موسيقية نسائية في مدينة عدن جنوب البلاد، وهي تتكون من عشر فتيات يستخدمنَ العديد من الآلات الموسيقية، وتعدُّ الأولى من نوعها في اليمن، وذلك بهدف إحياء التراث الغنائي في اليمن، وتأتي هذه الخطوة لتثبت أنّ المرأة اليمنية تبذل كثيرًا من الجهود من أجل الحفاظ على التراث الغنائي واستمراره وحمايته من الاندثار، كونه أرثًا حضاريًّا وجب الاهتمام به.
وتأتي هذه الفرقة في وقت اختفى فيه نشاط العديد من الأصوات النسائية اليمنية في الساحة الفنية، وذلك بفعل فوضى الصراع؛ إذ عبر كثير من المرحبين بفكرة الفرقة النسائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن ارتياحيهم من هذه الخطوة، التي عدُّوها امتدادًا لإنشاء فرق نسائية مشابهة في بقية المحافظات اليمنية، والتي تزخر بفن غنائي عريق.
وقد برزت العديد من الأسماء النسائية في مجال التراث الغنائي في اليمن منذ القدم؛ إذ قدمت مختلف الألوان الغنائية لمناطق يمنية، منها اللون الصنعاني والعدني والتعزي والحضرمي، وقد تخلدت أغانيهنّ في أذهان اليمنيين على مرّ السنين.
كما ظهرت أصوات نسائية شابة واصلت مسيرة ما بدأته الأصوات النسائية القديمة، وساعدت في إحياء التراث الغنائي بشكل كبير على المستوى المحلي والعربي، ومنها ما ظهر عبر وسائل الإعلام المختلفة ومنصات التواصل الاجتماعي، وأخريات فضلنَ عدم الظهور والاكتفاء بإحياء المناسبات والحفلات الخاصة بالنساء، وجميعهنّ أسهمنَ في بقاء الغناء الشعبي واستمراره والحفاظ عليه.
أهم الشخصيات النسائية التي تغنت بالتراث اليمني
في كل مدينة يمنية توجد مطربات شعبيات، لا يقتصر غنائهنّ على لون غنائي يخص المنطقة ذاتها، بل يقدمنَ جميع الألوان الغنائية التي يشترك بسماعها والتغني بها جميع اليمنيين؛ فالمطربة الشعبية في تهامة تغني الأغاني الصنعانية، والمطربة الصنعانية تقدّم في الحفلات اللون الغنائي العدني، وكذلك يفعل جميع المطربات في مختلف المناطق اليمنية.
تناول كتاب “الأصوات الغنائية النسوية في اليمن 1950 – 2000م” أبرز المطربات اليمنيات في جميع المحافظات اليمنية، وهو أحد المؤلفات للكاتب يحيي قاسم سهل، يتحدث عن حياة المغنيات في اليمن، كما صنف الأصوات النسائية لكل مدّة زمنية محددة.
وعدَّ الكتاب الفنانة “نبات أحمد” و”كلثوم حيد” و”فتحية الصغيرة” و”نبيهة عزيم” و”رجاء باسودان” والمطربة “صباح منصر” و”بهجة نعمان” و”تقية الطويلية” و”منى علي” و”مايسة أحمد” و”نجاح أحمد” و”فائزة عبد الله” و”روضة أحمد” مطربات الجيل الأول في اليمن.
أمّا مطربات الجيل الثاني بحسب المؤلف يحيي قاسم سهل فهنّ: “لوله حسين” و”أمل كعدل” و”كفى عراقي” و”جميلة مرعي” والفنانة “أروى” و”نوال محمد حسين” و”منى همشري” و”ماجدة نبيه” و”إيمان إبراهيم” و”وفاء سعيد أحمد”.
كما تطرق الكاتب في كتابه إلى تناول حياة العديد من المطربات منهن “نبيهة عزيم” التي تعد أول الأصوات الغنائية النسوية في اليمن، وقد بدأت مشوارها الفني بالغناء على المسرح في مدينة عدن، وهي المدينة التي ولدت بها.
وبحسب الكتاب فإنّ مسيرة “نبيهة عزيم” الغنائية مهدت الطريق للعديد من المطربات اليمنيات سواء في محافظة عدن أو في مدن يمنية أخرى؛ إذ كسرت قيود العادات والتقاليد، ودخلت المجال الغنائي في وقت كان المجتمع يستنكر وجود المرأة في مجال الغناء.
ومن أبرز ما غنّت “ياللي غرامك زاد” وأغنية “أنا أنثى عربية” إلى جانب أغنية “يا ساحر يا هاجري” و”أنا خائفة”، كما غنت للعديد من المطربين اليمنيين، مثل الفنان الكبير “أبو بكر سالم” و”محمد مرشد ناجي” والموسيقار العدني “يحيي محمد مكي”.
وتعدُّ الفنانة “رجاء باسودان” من المطربات التي تطرق لمسيرتها كتاب الأصوات الغنائية النسوية في اليمن، الذي أشار إلى أنّها مطربة يمنية دخلت مجال الغناء في سنٍّ صغير، وتعود أصولها إلى أسرة حضرمية محافظة، إلَّا أنّ والدها شخصية ثقافية ساعدها على ممارسة الغناء بعدما اكتشف موهبتها وتمكينها.
وبحسب الكتاب بدأت مشوارها في الغناء من خلال فرقة ثلاثية شكلها الفنان الراحل “أحمد قاسم”، تتكون من رجاء باسودان والفنانة صباح منصر وأم الخير، وكانت مشاركتها مع مطربين كبار في زمنها فرصة لاكتشاف موهبتها في الغناء؛ إذ غنت للعديد من الكتاب والملحنين والشعراء.
كما تناول الكتاب حكاية الفنانة “تقية الطويلية” التي تعد إحدى المطربات الشعبيات في مدينة صنعاء، ومن أهم الفنانات اللائي أسهمنَ في إحياء التراث الغنائي في اليمن، وقدمت العديد من الأغاني الشعبية منها: “سلام يا حبايب ديرتنا”، وأغنية “ما بش نصيب”، والأغنية الشهيرة “يا طير”.
بدأت الفنانة تقية الطويلية مسيرتها الغنائية من خلال الجلسات النسائية المختلفة، ثم انطلقت للغناء بمشاركة العديد من الفنانين اليمنيين المشهورين، مثل “أحمد السنيدار” والفنان “علي بن علي الآنسي” والفنان “أحمد فتحي” وغيرهم من الشعراء والملحنين.
تأثير الأغنية القديمة بأصوات نسائية على المجتمع
يقول طه الرجوي (رئيس ملتقى الفنانين والأدباء اليمنيين): “تلعب الأغنية القديمة بأصوات نسائية دورًا مهمًّا في الحفاظ على الهوية الوطنية، وتعزيز الشعور بالانتماء الوطني، كما أنّ الأغنية القديمة تستخدم في إحياء المناسبات الاجتماعية، مثل الأعراس والمناسبات الدينية، ممّا يضفي عليها جوًا من البهجة والاحتفال”.
ويضيف الرجوي في حديثه لصحيفة “صوت الأمل”: “أنّ الأغنية القديمة تُسهم في تعزيز التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، وتبادل المشاعر والأفكار، وتلهم الأجيال الجديدة وتشجعهم على التمسُّك بتراثهم الثقافي.
وأشار إلى أنّ النساء لعبنَ دورًا مهمًّا في الحفاظ على التراث الغنائي اليمني، ونقله عبر الأجيال، ابتداء من “دندنتهنّ” عند رؤوس الأطفال، وأثناء أدائهنّ المهام اليومية في المنازل، وصولًا إلى مشاركتهنّ في المناسبات الاجتماعية والعائلية. وهكذا أصبحت الأغنية اليمنية تتوارث عبر الأجيال عن طريق الأمهات.
وأوضح أنّه على رغم من إسهام النساء الكبير في التراث الغنائي اليمني، فإنّهنّ ما زلنَ يواجهنَ تحديات في مشاركتهنّ في إحيائه؛ بسبب الأعراف والتقاليد الاجتماعية، بالإضافة إلى صعوبات قلة فرص الدعم والترويج.
من جهته يقول الفنان سامي غالب: “إنّ هناك نوعًا من الأدب الشعبي القديم في اليمن يسمى بـ (الغَنَاوي) ومفردها (غُنوِية)، وهذا النوع تقريبًا خاص بالنساء بعكس (الأغاني) التي يختص بها الرجال”.
وأوضح أنّ في (الغناوي) يتغنى به النساء في الحقول الزراعية، أو على مشارف الجبال، أو في مجالس الأعراس، أو مآتم العزاء، أو حتى في الأزمات، فتعبر المرأة بـ(الغنوية) عمّا تشعر به من حب أو بغض أو أسًى، ولكن للأسف كثيرًا ما تتناقله الألسن، ويذهب هذا اللون مذهب الأمثال كشعر لقائل مجهول لا يدون في كتاب، ولكنه يخلّد على الألسن، وهو في الحقيقة صادر من صوت نسائي، ويأتي ذلك الضياع لضعف التدوين والتوثيق في اليمن منذ القدم.
كما يضيف: “أنّ المرأة ساعدت في إحياء التراث الغنائي في اليمن منذ سنوات عديدة، فقد كانت وما زالت تحيي هذا التراث عن طريق أداء الأغاني التراثية والقصائد الشعرية في الحقول الزراعية ومجالس الأعراس والحفلات الوطنية”.
تحديات وصعوبات
في تصريح سابق أشارت الفنانة اليمنية أروى إلى أنّ العديد من المطربين اليمنيين غادروا اليمن واضطروا إلى تغيير جنسياتهم، وأنّ آخرين ينكرون أنّ أصولهم يمنية؛ لأنهم لم يجدوا في بلادهم الاهتمام والتشجيع، ووجدوه في بلدان أخرى؛ إذ أكدت أنّها وجدت الدعم من دول غير بلادها اليمن، الأمر يختصر وضع الفنانين اليمنين داخل البلاد، الذين يحتاجون الاهتمام بهم، وتوفير الدعم اللازم لمواصلة مسيرتهم الغنائية.
الدليل على ذلك هو أنّ كثيرًا من المطربين اليمنيين الذين غادروا اليمن واستقروا في دول أخرى حققوا نجاحات ملموسة، واستطاعوا أن يصنعوا لهم اسمًا فنيًّا، وتكونت لهم قاعدة جماهيرية؛ من خلال مشاركتهم في العديد من المهرجانات والاحتفالات العربية والدولية.
تقول فنانة شابة (طلبت عدم الإفصاح عن اسمها): “إنّ المطربة في اليمن تواجه العديد من التحديات ابتداء من الأسرة، وصولًا إلى المجتمع، وحتى الجهات المعنية؛ إذ لا يقدم لها ولا للمطربين والفنانين بشكل عام الاهتمام والرعاية اللازمة، فيواجهون العديد من الصعوبات؛ منهم من يستطيع التغلب عليها، ومنهم من يستسلم ويتوقف عن مواصلة مشواره الفني”.
وتضيف: “ينظر لي المجتمع بأنّي جريئة؛ لأنّ كثيرًا من الناس يسمعون صوتي، وأختلط بالرجال، وأسافر من مكان إلى آخر، وأعود من السهرات التي أحييها في وقت متأخر، وقد واجهت العديد من المضايقات، إلى جانب المشاكل التي أتعرض لها أثناء عملي؛ كوني فتاة”.
الأمر يختلف عند المطربة “أمّون باعكيم”، وهي إحدى الفنانات الشعبيات في محافظة حضرموت؛ إذ تقول: “واجهتُ الدعم والتشجيع من المجتمع، ولم أجد أي تحديات أو مشاكل أثناء مسيرتي الغنائية”.
وتضيف: “أهلي قدموا لي الدعم والتشجيع، ولم أواجه أيّ عقبات أثناء مسيرتي الغنائية، وكذلك كل فنان عرفني شجعني، وقد استفدت كثيرًا من فنانين وفنانات، مثل الفنانة “قمر سعيد باهارش”، وقد كوّنت فرقةً أطلقتُ عليها اسم هذه المطربة التي تعلمت منها الكثير”.
المطرب الشعبي “محمد شجون” قال في مقابلة سابقة لصحيفة “صوت الأمل”: “إنّ التحديات التي تواجه المرأة اليمنية العاملة في نشر التراث الغنائي في اليمن كثيرة، تتمثل في نظرة المجتمع الخاطئة للفن؛ بسبب نقص الوعي بأهمية هذا الإرث الحضاري المتميز”.
وأضاف قائلًا: “رغم التطور الذي وصلت إليه كثير من المجتمعات العربية، ومنها انطلقت المرأة نحو تحقيق طموحاتها، فإنّ المرأة في اليمن، لا سيّما المطربة، معاناتها تبدأ من الأسرة حتى المجتمع، فالكثير متناسٍ دور الفن في معالجة كثير من القضايا، وأهميته في الحفاظ على الموروث الغنائي للبلد”.
ويرى أنّ توفر الإمكانيات المادية تساعد المطربات في الحصول على الأدوات اللازمة لممارسة أي نشاط فني. مؤكدًا: “إلى جانب توفر المعاهد الفنية التي من شأنها صقل المواهب، إلى جانب نشر الوعي بأهمية دعم النساء في تكثيف أدوارهنّ المتمثلة في نشر التراث الغنائي وتشجيعهنّ”.
من جهته يرى الفنان سامي غالب أنّ أبرز الصعوبات التي تواجه المرأة العاملة في الغناء اليمني، عدم وجود تكتل أو جمعية تضمهنّ وتعرّف بهنّ، فمن خلال هذا التكتل أو الجمعية يستطعنَ إظهار مواهبهنّ بطريقة رسمية بعيدًا عن العشوائية التي نراها في المجال الفني في اليمن، فالفنان اليمني، سواء أكان ذكرًا أم أنثى، يفتقر إلى كليات ومعاهد لدراسة الفن وصقل موهبته، وضعف الخبرة الفنية لدى الفنان يساعد على انتشار الفن الهابط، واندثار التراث اليمني العريق.
كما أوضح أنّ الفن أصبحَ حديث العصر، وبه تستطيع الدولة أن تجني أرباحًا هائلة، وتستطيع البلدان أن ترفع من اقتصادها، وأكبر شاهد على ذلك ما رأيناه مؤخرًا في كوريا الجنوبية من نهضة في الاقتصاد الكوري بسبب الفن والفنانين، ونحن نملك من التراث الفني ما يجعلنا في صدارة العالم في هذا المجال، لذا وجب على الجهات المسؤولة فتح كليات ومعاهد تساعد في تأهيل الفنان في اليمن ورعايته وتوسيع مجاله الفني؛ ليصبح مؤهلًا علميًّا وأكاديميًّا”.
73.2% من المشاركين يعتقدون أن التراث الغنائي في اليمن يعكس الهوية الثقافية اليمنية بشكل كبير
صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد الفن الغنائي واحدًا من أقدم الفنون في التاريخ وأكثرها …