المناسبات الاجتماعية والدينية في اليمن.. إحياء للتراث الغنائي وضمان للاستمرار
صوت الأمل – علياء محمد
يعد الغناء اليمني من أهم عناصر التراث الثقافي اليمني، ويحظى بشعبية كبيرة بين أبناء الشعب اليمني. وهو يتنوع بين الأغاني الشعبية والدينية والحضرية، ويعد جزءًا لا يتجزأ من حياة اليمنيين ومراسمهم الاجتماعية.
وتعد المناسبات الاجتماعية من أبرز الوسائل التي تسهم في إحياء التراث الغنائي، وتشكل منعطفًا مهمًا في حياة اليمنيين، وفرصة للحفاظ على تقاليدهم وعاداتهم؛ إذ يتطلعون إلى إقامة الفعاليات للاحتفال والتعبير عن ثقافتهم وتراثهم. وبفضل هذه المناسبات استطاع اليمنيون الحفاظ على تراثهم ونقله إلى الأجيال القادمة، الأمر الذي أسهم في التواصل بين الأجيال السابقة والحالية وضمن استمراريته.
وفي هذا التقرير نسلط الضوء على أهم المناسبات الاجتماعية التي تعمل على إحياء التراث الشعبي اليمني، وأبرز العادات والتقاليد الاجتماعية التي أثرت على تداول الأغنية التراثية.
المناسبات الثقافية والاجتماعية
يرى يحيى محمد يحيى -مهتم بالأغاني التراثية- أن المناسبات الاجتماعية والثقافية والتراثية تعد من أهم الوسائل التي أسهمت في إحياء التراث الغنائي اليمني، عبر تنظيم العديد من المهرجانات والفعاليات الثقافية في مختلف مناطق اليمن التي تسهم في الترويج للفنون التقليدية، كالموسيقى والرقص والشعر الشعبي.
ويقول: “تتيح المناسبات الاجتماعية المختلفة بأنواعها فرصة للشباب للتعرف على تاريخهم وتراثهم الغنائي، وتعزز قيمهم الثقافية. كما تلعب الطقوس والمراسم الاجتماعية، مثل الأعراس والاحتفالات والمناسبات الدينية، دوراً كبيراً وحيويًّا في انتشار الأغاني التراثية وترويجها، وتداولها خلال هذه الفعاليات لتصبح جزءًا من التجربة الاجتماعية والثقافية للمجتمع”.
مضيفًا: “تتعدد المناسبات الاجتماعية التي يتم فيها أداء الأغاني اليمنية، أبرزها الأفراح والأعياد والمناسبات الدينية، ويكون الغناء فيها جزءًا مهمًا للتعبير عن المشاعر والعواطف، ويسهم في خلق جوٍّ من السعادة والسرور؛ نظرًا لما تتميز به الأغاني اليمنية من تنوع في الألحان والكلمات”.
وفي سياق متصل يؤكد عمر محمد -كاتب وموزع موسيقي- أن العادات والتقاليد الاجتماعية أثرت بشكل كبير على تداول الأغنية التراثية، على أساس أن هذه الأغاني جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي والاجتماعي للمجتمع اليمني في مختلف المحافظات. ونظرًا لتنوع الألحان والكلمات التي تعكس تراث الشعب اليمني وثقافته، فإنها تتناول في مواضيعها قضايا اجتماعية وثقافية تعبر عن حياة اليمنيين.
وأشار إلى أن الأعراس وحفلات الزواج اليمنية هي من أكثر المناسبات الاجتماعية التي يتفنن ويبدع فيها الفنانون اليمنيون بتقديم الفن الغنائي اليمني التراثي بشكل مؤثر؛ إذ تختلف أنماط الأغاني التي يتم غناؤها في الأعراس من مكان لآخر، كما تتميز أغاني الأعراس في اليمن بطابعها الشعبي والتراثي العميق، وتتنوع بين الأغاني التقليدية والشعبية والمعاصرة، كما تتنوع الآلات الموسيقية المستخدمة في أدائها ما بين الطبل والعود وغيرها من الآلات المستحدثة.
“هـُديَّني وا هـُـــداني ودونْ.. صوت العيدان شجاني يا هدون
هــــدّنوا قـالت أمّه يا هــدون عُـرُس وربي يتمّه يا هــدون
هدّنت لك يا مُهــلّا يا هــدون وامُشترى وا مُمَنّى واهدون
أم العروس جابروها يا هدون.. تبى فلوس سلّفوهــــا يا هدون”
تعد إغنية “هُدَيِّني” إحدى أهم الأغاني اليمنية التراثية التي يتغنى بها أصحاب محافظة لحج في أعراسهم وأفراحهم، وتتميز بأدائها العذب والمؤثر؛ إذ يشعر المستمع بالاندماج مع كلماتها وألحانها. وعلى الرغم من قِدَمِ هذه الأغنية فإنها ما زالت حاضرة في أعراس الكثير من الأهالي في عدة محافظات في جنوب اليمن”.
المهاجل والأهازيج أبرزُ الفنون التقليدية
“اليوم والله والله دايم
يا شهر نيسان أين المسايل
أين الغمامة أين الأصايل
يا طير غني فوق الخمايل
الورد يرقص والغصن مايل”
بهذه الكلمات وبهذه الترانيم يتفرد الشعب اليمني بلون غنائي يرددها المزارعُ اليمني البسيط وتتغنى بها النساء في الصباح والمساء، خاصة في الأرياف اليمنية. ويعد فن المهاجل من أبرز الفنون التقليدية التي انتشرت في الأرياف اليمنية، وتميزت بالجمع بين الموسيقى بين الغناء والرقص. أما أداؤه فمحبوب في الأعراس والمناسبات الاجتماعية. إضافة إلى ذلك يتميز فن المهاجل بالإيقاع السريع والحيوي، وقدرة الراقصين على الحركات الدقيقة والسريعة.
يشتهر فن المهاجل باعتماده على الآلات الموسيقية التقليدية، مثل الدف والطبل و”الصنج”، ويتميز بالإيقاعات الشعبية والألحان البسيطة التي تجذب الجمهور، ويعد وسيلة لتعزيز الترابط الاجتماعي والتواصل بين أفراد المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، يعد فن المهاجل وسيلة لجذب السوَّاح وتعزيز السياحة الثقافية في اليمن، إذ يأتي السوَّاح الوافدين من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع به الرائعة والمليئة بالحيوية والحماس.
إلى جانب ذلك تشتهر اليمن بالأهازيج الشعبية التي اُستخدمت للتعبير عن جميع الحالات الإنسانية بكل تنوعاتها وتقلباتها؛ ما بين فرح وحزن وشوق وحنين. واشتهرت المناطق الساحلية في اليمن بالتغني بهذه الأهازيج، فهي تعتمد على اللحن الجميل والكلمات المؤثرة، التي تتناول مواضيع متنوعة تتناسب مع المناسبة، سواء كانت فرَحَيَّة أو حزينة، إذ تعكس مشاعر الشعب اليمني، وتعبر عن مختلف الجوانب الثقافية والاجتماعية للمجتمع.
علاوة على ذلك، تعد الأهازيج اليمنية وسيلة لنقل التراث الشعبي والثقافي اليمني إلى الأجيال القادمة، وتحمل في طياتها تاريخًا غنيًا وتراثًا عريقًا يجب الحفاظ عليه ونقله إلى الأجيال القادمة.
الموشحات والمناسبات الدينية
تشتهر اليمن بالموشحات والأناشيد المختلفة والمتمثلة في عدة ألوان، أبرزها الصنعاني والحضرمي وغيرها من الألوان. وتعد من الفنون الشعبية التي تميزت بها الثقافة اليمنية على مر العصور، ويُعد هذا الفن من أبرز الفنون الذي تزخر به اليمن التي تتميز بطابع ديني وروحاني، وتُغنى بصوت عذب وموسيقى هادئة.
تاريخيًا، يُعد فن الموشحات اليمنية من أقدم أشكال الفنون الشعبية في اليمن؛ إذ كان يستخدم كوسيلة للتعبير عن مشاعر الفرح والشوق والغزل، إضافة الى الثناء والمدح. وكانت تُنشد في المناسبات الدينية والاجتماعية. وصنفت الموشحات والأناشيد إلى عدة أنواع، أبرزها الموشحات العامة التي تنشد في المِقْيَل (مناسبة اجتماعية) وقصائد المدح والثناء والشكر، إضافة إلى موشحات مدح الرسول والشوق إليه وقصائد الأفراح والغزل والفخر التي تُنشد في مناسبات الأعراس والأفراح عامة.
يقول المنشد عبد الله صالح: “الموشحات عنصر أساسي في التراث الثقافي اليمني، وموروث ثقافي قديم يتميز بلغة عربية شبه فصيحة، تعبر عن المشاعر. كما تعد من أبرز أشكال التعبير الفني في الثقافة اليمنية، وكانت تستخدم في سابقًا كوسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار، وتُغنى في المناسبات الدينية والاجتماعية كالأعراس والاحتفالات”.
وأوضح أن الموشحات والأناشيد من أقدم الفنون اليمنية التراثية التي ما تزال محافظة على أصالتها وجمالها رغم التطور الحالي ودخول الكثير من الألوان المختلفة في الغناء اليمني التي سلبت من بعض الأغاني اليمنية الروح التاريخية الجمالية.
شكلت المناسبات الاجتماعية في اليمن، من أعراس ومهرجانات وفعاليات وأعياد، بيئة خصبة للحفاظ على التراث الغنائي في مختلف المحافظات اليمنية بجميع ألوانه وأنماطه، وساعدت في نقله من جيل إلى جيل، كما عززت من الشعور بالانتماء، وخلق فرص لبروز مواهب جديدة تساعد في نشر التراث الغنائي اليمني وتطويره. وكذلك ساعدت المناسبات الاجتماعية في تشكيل بيئة تفاعلية تشجع على مشاركة الجميع في نشر ثقافة الغناء التراثي وتعزيز الوعي بأهميته، بالإضافة إلى تعزيز التواصل بين مختلف المناطق والقبائل اليمنية.
73.2% من المشاركين يعتقدون أن التراث الغنائي في اليمن يعكس الهوية الثقافية اليمنية بشكل كبير
صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد الفن الغنائي واحدًا من أقدم الفنون في التاريخ وأكثرها …