أهم شخصيات التراث الغنائي في اليمن، وتأثيرها الفاعل على الثقافة والمجتمع
صوت الأمل – هبة محمد
تعد الأغاني التراثية في اليمن قيمة ثقافية تعكس جوهر الهوية اليمنية، وتروي قصصًا عميقة عن الماضي والتراث العريق، وتأثيره الفاعل على الثقافة والمجتمع. وأصبحت الأغاني رمزًا للوحدة والوطنية، وكان لها دور كبير في تعزيز الروح المجتمعية والتلاحم بين أفراد المجتمع، وقد كان لشخصيات الغناء التراثي تأثير على حياة الناس وعلى الإرث الثقافي لليمن.
أغانٍ تراثية وهوية وطنية
يقول الفنان عبد الباسط الحارثي: “تتميز الأغنية التراثية في اليمن بمقاماتها الموسيقية الفريدة وإيقاعاتها المتنوعة التي تختلف عن الإيقاعات والمقامات العربية الأخرى، وتنبع هذه الأغاني من جذور الأرض، وتحتضن أصواتًا جميلة تحمل تراث العصور، ولا تزال تتداول وتصدح في عالمنا المعاصر، على الرغم من تطور الآلات الموسيقية والتكنولوجيا وظهور أصوات شابّة جميلة استحقت مكانتها في الساحة الفنية وفي قلوب الجماهير”.
من جانبه يشارك الفنان أمين رزاز، الذي جعل منزله مكانًا للجلسات الغنائية القديمة بقوله: “تعدُّ الأغاني التراثية تعبيرًا فنيًّا أصيلًا يعبّر عن تراث الشعب اليمني وثقافته، إنّها تجسّد الهوية الوطنية، وتعكس تجارب الحياة والمشاعر الجماعية، وتتميز الأغاني التراثية بالعديد من الألوان الغنائية، مثل الصنعاني واليافعي والحضرمي واللحجي والتعزي، ولكل نوع منها طابعه ونكهته الخاصة وإيقاعاته المميزة”.
ويؤكد الإعلامي أمين الغابري أنّ الأغنية التراثية اليمنية تذكير بالماضي الجميل، وربط جميل بين حداثة اليوم وعتاقة الماضي؛ إذ تعزز الشعور بالانتماء الذي فقده كثير من شباب اليوم، وتمثل أيضًا وجهًا من وجوه الحفاظ على الهوية الثقافية من الاندثار.
رواد الغناء اليمني القديم
يعد التراث الغنائي اليمني تجسيدًا للثقافة المتنوعة في اليمن، وقد أسسه العديد من الفنانين البارزين في هذا الإطار، يقول الفنان أمين رزاز: “من بين مؤسسي الفن الغنائي القديم هناك محمد الماس، وحسين بهلول، وأبو بكر باشراحيل، ومحمد جمعة خان، وسعد الخميسي، وقاسم الأخفش، وأحمد زايد، والشيخ البار، وكل فنان منهم يتميز بطابعه الفني الخاص وأسلوبه الفريد في الغناء، إنهم يعدون مدارس فنية مهمة؛ إذ أثْرَوا التراث الغنائي اليمني بتجاربهم وإبداعاتهم.
ويكمل: “وفي العصر الحديث، ظهرت مجموعة جديدة من الفنانين المتميزين في مجال الأغنية اليمنية، على سبيل المثال، لدينا علي الآنسي، والسنيدار، وأحمد بن أحمد قاسم، والحارثي، وأيوب طارش، ومحمد سعد عبد الله، والمرشدي، وأبو بكر سالم، هؤلاء يعدون مدارس فنية كبيرة في تطوير الأغنية اليمنية، وإضافة جديدة إليها”.
وأشار أنّ لهذه الشخصيات الفنية الغنائية تأثيرًا كبيرًا على المجتمع المحلي والخارجي؛ إذ يستمتع الجميع بالاستماع إلى هذه الأغاني، ويحاولون تقليدها في أصواتهم وسلوكهم. مضيفًا: “أنها تعكس تواصلًا إيجابيًا ينشر الحب والتلاحم بين الناس، بالإضافة إلى ذلك، تؤثر هذه الفنون بشكل كبير على متذوقي الفن، ويعدُّ الفن رمزًا للتقدم والحضارة”.
من جانبه يقول الحارثي: “إنّ من أبرز رواد الغناء التراثي اليمني الذين غنوا الأغاني التراثية قديمًا، تبرز شخصيات مثل القعطبي، والعنتري، والشيخ عوض السلمي، وفضل اللحجي، ومن بعدهم جاء الأخفش والحارثي والسنيدار والخميسي، وعلي الآنسي، ومحمد مرشد ناجي، وعلي السمة، وغيرهم من المبدعين”.
ويرى الحارثي أنّ الأغاني التراثية تترابط مع الحقب التاريخية المختلفة، ممّا يعكس قوة لحنها وأصالتها، ويكمن الواجب الوطني في الحفاظ على هذا التراث، وعدم التلاعب بنمطه وطابعه اليمني، كما نحافظ على المدن الأثرية والسدود وغيرها من معالم التراث.
ويكمل: “أنّ من بين الأغاني التراثية الأكثر شهرة واستمرارًا في الانتشار، تأتي “أمغرد بوادي الدور”، وهي أغنية يمنية صنعانية عمرها ما يقارب ثلاثة قرون، من كلمات القاضي علي بن محمد الآنسي، وتعدُّ من أشهر رواد الشعر الحميني، وتعبر عن الحنين والشوق للوطن والأحباب، تحكي الأغنية قصة شخص يقطن في وادي الدور، وهو يناجي جلب العافية والسلامة، وأن يبعث رسولًا من قومه ليعطيه إشارة بالعودة. تتميز الأغنية بإيقاعها المميز، وكلماتها العاطفية التي تلامس شغاف القلوب، وقد غناها كثير من عمالقة الغناء اليمني”.
ويضيف الحارثي: “بالإضافة إلى “أمغرد بوادي الدور”، هناك العديد من الأغاني التراثية الذهبية المتداولة والمستمرة حتى اليوم، وتشمل هذه الأغاني الصنعانية والحضرمية واليافعية واللحجية، بما في ذلك الهيدات وأغاني الزراعة والزامل الشعبية وأغاني المزمار. تتنوع هذه الأغاني من حيث المضامين والألحان، وتعكس الثقافة والتراث لكل منطقة ومحافظة في اليمن”.
ويؤكد الحارثي أنّ الإنشاد الديني يحتل مكانة مهمة في التراث اليمني، وتنفَّذ مثل هذه الأناشيد خلال المناسبات الدينية، مثل الأعراس والموالد، وتعبّر عن الفرح والتقدير لله والأنبياء، كما توجد أيضًا أغانٍ نسائية تعبّر عن مشاعر المرأة اليمنية، وتعزز قوتها وجمالها.
وعن إسهامات رواد الغناء اليمني يشاركنا الحديث الفنان والملحن أحمد الحيلة بالقول: “لا يمكن إغفال الإسهامات القيمة التي قدمها الفنانون القدامى في الحفاظ على اللحن التراثي وأصوله، لقد وثّقوا هذا التراث بشكل لافت وأسهموا في تطوير بعض جمل الأغنية اليمنية التراثية، ممّا أضفى عليها مزيدًا من السلاسة والانسيابية”.
ويكمل: “هؤلاء الفنانون المبدعون أضافوا للتراث اليمني ألحانًا متميزة؛ إذ بذلوا جهودًا كبيرة لكي يصل إلينا كما هو عليه في الواقع، وأظهروا خلفية موسيقية رائعة وذوقًا فنيًّا يفوق الخيال، ما يتجلى بوضوح في أغانٍ مثل “يا حي يا قيوم”، وأغنية “غنّى على نايف البواسق”، وأغنية “ياغصن صنعاء اليمن”، وأغنية “ما أجمل الصبح في ريف اليمن حين يطلع”، التي غناها الفنان أحمد السنيدار”.
ويتابع: “لا يمكن نسيان المرحوم علي الأنسي وروائعه مثل “الحب والبُن”، و”وقف وودع”، و”ممشوق القوام”. ومن بين الإبداعات الاستثنائية لعلي السمة، يبرز “البالة” كملحمة غنائية غير عادية”.
وذكر لنا الباحثون في مجال الأغنية اليمنية أنّ هناك العديد من الأغاني العاطفية والوطنية والزراعية التي غناها الفنانون العظماء؛ مثل محمد سعد والمرشدي وأيوب طارش عبسي، والتي لا يسعنا ذكرها جميعًا في هذا السياق، وإبداعات هؤلاء غنية ومتنوعة، وقد أثْرَوا التراث الغنائي اليمني بصوتهم الرائع وأدائهم المميز.
أصول الموسيقى اليمنية وتفردها
“لا شك أنّ التاريخ اليمني زاخر بمآثر وتراث عريق منذ أقدم العصور، ومنها الغناء والموسيقى، فقد اهتمَّ المتابعون بهذا الجانب دون الإشارة إلى تاريخ محدد لظهور الأغنية اليمنية، لكن بعضهم كنزار غانم مثلًا أكّد بأنّ ممارسة الفنون الأدائية عند اليمنيين بما فيها الغناء والعزف والرقص يعود إلى ما قبل التاريخ، مع الترجيح أنّ الغناء قد نشأ خلال أنشطة العيد والزراعة” هذا ما أشار إليه الدكتور أحمد عقبات، عميد كلية الإعلام سابقًا في جامعة صنعاء.
ويواصل الحديث: “وعلى الرغم أنّ الغناء اليمني له أنماط متعددة تبعًا للاختلاف المناطقي والطبقي، منها الغناء الصنعاني القائم على الشعر الحميني، واللون الحضرمي المقترن بالأمير أحمد القُمندان، واللحجي… وغيرها، فإنّ هذه الألوان تداخلت فيما بينها في حالات كثيرة حين اقتُبس بعضها من بعض متجاوزة الزمان والمكان”.
ويوضح عقبات أنّه على الرغم من ذلك فقد عدّت منظمة اليونسكو لون الغناء الصنعاني من التراث الثقافي للإنسانية، وأُدرجت أقدم الأغاني الصنعانية في قائمة اليونسكو للقرن الرابع عشر الميلادي، مع الإشارة إلى أنّ مصدر مؤلفي الكلمات والملحنين أحيانًا ظل مجهولًا، ويُكتفَى بأن يُنسب إلى التراث كلام وموسيقى.
وعن نوعية الآلات الموسيقية التي صاحبت الأغنية اليمنية القديمة يقول: “الآلات التي رافقت الأغنية اليمنية هي العود اليمني (القنبوس)، وهو مكون من أربعة أوتار فقط، والربابة اليدوية ولها عدة أوتار، ثم دخلت فيما بعد آلات الموسيقى الحديثة كتجديد للأغنية التراثية، مثل أغنية أبو بكر سالم (ومغرد بوادي الدور من فوق الأغصان) من التراث الصنعاني”.
ويكمل حديثه عن الموسيقى اليمنية وحدود انتشارها بقوله: “والموسيقى اليمنية قديمها وحديثها لم تبقَ أسيرة حدود اليمن، فقد انتقل معظمها إلى الخليج والجزيرة العربية حتى صارت فنًّا من فنونها، أما بناء الأغنية الموسيقية فيقوم عادة على استهلال غنائي خالٍ من الإيقاع يؤدَّى بأسلوب الموال”.
وأشار عقبات أنّ الموال يتحول في جزئه الثاني إلى الأداء بمرافقة الإيقاع الثقيل، ليصبح بعد ذلك في جزئه الثالث هزجًا سريعًا بمرافقة الرقص، كأغاني أحمد السنيدار، ومحمد حمود الحارثي، ومحمد مرشد ناجي، وفيصل علوي وغيرهم، وخاصة تلك التي تقام في الأعراس والأعياد والاحتفالات، وأشار أيضًا أنّ للموشحات حضورها في غناء التراث اليمني.
فيما يقول الحيلة: “التراث اليمني من أغنى ألوان الغناء والموسيقى في العالم؛ من خلال اللحن الشجي المتميز والمرتبط بالبيئة والعادات والتقاليد؛ تشعر بأنه يعبر عن ثقافة وهوية لها خصوصياتها التي تميزها عن غيرها، أيضًا ألحانه متنوعة ما بين المعقّد (المركب من عدة جمل لحنية في اللحن الواحد) ممّا يضيف إلى الأغنية قوةً ومسارًا عميقًا”.
ويوضح الحيلة أنّ الغناء اليمني يتميز باللحن الخفيف الذي يتكون من جمل بسيطة ومعبرة في الوقت نفسه، واللحن الشعبي الذي يرتبط ويعبر أكثر عن جو الريف وبيئة الريف بكل معانيها.
وذكر أنّ من الألحان التراثية هناك اللحن الراقص، واللحن الطربي، واللحن المطول (أغنية على شكل موال)، وألحان الزراعة والفلاحة، وألحان روحية يدمج فيها الدعاء والرجاء، وأغاني البالة والدان… وإلخ.
تنوع الإيقاعات اليمنية
وحول تنوع الإيقاعات اليمنية بين منطقة وأخرى وحتى في المكان نفسه، يُشير الحيلة إلى أنّ إيقاعات الأغنية اليمنية كثيرة التنوع ولها أسماء مختلفة وطرق مختلفة؛ ذكر منها الإيقاع الصنعاني الذي يتكون من ثلاثة إلى خمسة أشكال إيقاعية (أزمنة موسيقية)، والإيقاع اللحجي، واليافعي، والصعدي، والشعبي، والعدني، والحضرمي، وأكد أنّ هذه الإيقاعات هي من مكونات الأغنية اليمنية وأهم مميزاتها، ويشير أيضًا أنّه لو لم يكن التراث اليمني غنيًّا ويستحق الاحتفاظ به والتعلم منه، لما تمسكنا به، ولكنه يستحق الاهتمام، وفوق ذلك قابل للتطور.
الأغنية التراثية في اليمن تروي حكاية الشعب، وتعبّر عن روحه وهويته، إنّها لغة الأجداد وصوت الأرض، ومن خلالها يُمرَّر التراث من جيل إلى جيل، فلنحمل راية التراث الغنائي اليمني بكل فخر، ولنحافظ على تراثنا الثقافي الغني؛ فهو كنز لا يقدَّر بثمن، ويجدر الذكر أنّ البحث عن الأغاني التراثية المختلفة يستغرق وقتًا وتنوعًا؛ إذ تختلف العُزل والقرى والمدن والمحافظات في اليمن، ولكل منها لونها الخاص وخصوصياتها الفنية المميزة.
73.2% من المشاركين يعتقدون أن التراث الغنائي في اليمن يعكس الهوية الثقافية اليمنية بشكل كبير
صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد الفن الغنائي واحدًا من أقدم الفنون في التاريخ وأكثرها …