دور وسائل التواصل الاجتماعي في نشر التراث الغنائي اليمني
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
تعدّ وسائل التواصل الاجتماعي متنفسًا لعدد كبير من اليمنيين الذين لجؤوا لها، بعدما تحولت الوسائل الإعلامية اليمنية إلى وسائل تهتم بنقل أخبار الصراع والمعارك الدائرة في مختلف مناطق البلاد، فوجد المواطن اليمني المنصات الاجتماعية ساحة مناسبة للتعبير عن رأيه والحصول على برامج للترويح عن نفسه، والتعرف على عالم من المبدعين سواء من ممثلين أو فنانين أو مطربين، والاستمتاع بما يقدمونه من محتوى على تلك المنصات.
يرى رشاد منصور (من متابعي منصات التواصل الاجتماعي) أنّ الإعلام التقليدي أصبح مملًّا؛ إذ أصبح يركز على تغطية أخبار الصراع ومآسي اليمنيين، وتغيب في برامجه العديد من الجوانب المهمة التي تمنح المتابع مساحة للتعرف على ثقافته وموروثه الشعبي.
الأمر جعل رشاد يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي باستمرار للبحث عن المتعة والفائدة والتسلية، خاصة المنصات الفنية التي تركز على محتوى الفنانين والمطربين اليمنيين الذين قدموا التراث الشعبي الغنائي بصورة مختلفة ومشرفة، وعرّفوا العالم بالعديد من الألوان الغنائية بمختلف المناطق اليمنية.
ولقد استطاعت تلك المنصات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن تحصل على جمهور كبير من المتابعين اليمنيين والأجانب، لا سيّما المطربين الشباب الذين يعملون على تجديد الأغاني الشعبية القديمة التي تعود لمطربين يمنيين قدامى قدّموا تراثًا غنائيًّا للبلاد يتغنى به العديد من المطربين العرب.
يقول رشاد: “لم أكن أتابع التلفزيون ولا أسمع الأغاني القديمة التي تقدمها بعض البرامج القليلة التي يستضاف فيه مطربون؛ إذ أصبحت أعرف كثيرًا عنهم في منصات وسائل التواصل الاجتماعي من خلال متابعتي للعديد من حسابات الفنانين اليمنيين في الفيس بوك وتويتر وغيرها”.
ويتابع: “تعرفت على أسماء العديد من الأغاني الشعبية اليمنية التراثية القديمة والمجددة عبر تلك الصفحات، وأصبحت أسمعها باستمرار، وكذلك أصدقائي الذين باتوا يحرصون على سماعها في السيارة، وفي أماكن مقيلهم، وأثناء سفرهم، وفي المناسبات”.
وهذا ما أكدته سعدية عبد الله (إعلامية)؛ إذ قالت: “إنّ وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت بشكل كبير في نشر التراث الغنائي في اليمن وإحيائه؛ إذ حصلت الأغنية اليمنية من خلالها على ترويج كبير، سواء من خلال تداول الأغاني التراثية أو اعتماد كثير من المطربين القدماء والجدد في نشر أغانيهم بواسطة منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، سواء في صفحات الفيسبوك أو قنوات اليوتيوب ومنصة إكس (تويتر) أو التيك توك والإنستجرام وغيرها.
وتضيف: “قد حظيت العديد من الأغاني التراثية على نسبة متابعة كبيرة، لا سيّما بعد تجديد العديد منها، وتقديمها بصورة جديدة تجذب المتابعين لها، وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًّا في تعريف العديد من الناس في دول عربية وأجنبية بالتراث الغنائي اليمني”.
وسائل التواصل ودورها المهم
أنشأت سماح الحرازي صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) بهدف تسليط الضوء على أهم الفنانين الذين قدموا العديد من الأعمال الفنية التراثية، ومنهم المطربون القدماء، كما نشرت معلومات عن كثير من عمالقة الغناء وأشهرهم في مختلف المحافظات اليمنية، بعد البحث والتحري عن مسيرتهم الغنائية وأهم إنجازاتهم على الساحة الفنية، معدّةً ذلك تكريمًا منها لهم على ما قدّموه من تراث غنائي تفتخر به.
وذكرت أبرز الشخصيات الغنائية التي نشرت عنها في صفحتها، المطربة الراحلة رجاء باسودان، والشاعر إسكندر ثابت صالح، والمطرب عبد القادر عبد الرحيم بامخرمة، والفنان اللحجي فضل محمد اللحجي، وعازف الكمان الفنان نديم محمد عوض، والموسيقار محمد جمعة خان.
إلى جانب هذه الأسماء فقد تناولت سماح في صفحتها مسيرة الفنان كرامة مرسال، والفنان عبد الرب إدريس، والفنان جعفر حسن، والمطرب إبراهيم طاهر، والفنان أصيل أبو بكر، والفنان سعودي أحمد صالح، وعبد الكريم توفيق، وغيرهم كثير.
تقول سماح في حديثها لصحيفة (صوت الأمل): “إنّه من خلال نشرها عن العديد من المشهورين في مجال الغناء والشعر اليمنية استطاعت تحقق العديد من الإنجازات؛ إذ حصلت على نسبة متابعين كبيرة لصفحتها من داخل اليمن وخارجها، والأمر يعد إنجازًا كبيرًا لوصول ما ننشره إلى خارج الوطن”.
وتضيف: “ليس لي هدف ولا مصدر يدعمني؛ إذ أنفق ما يصل إلى ثلاثين ألف شهريًا لشراء إنترنت، خاصة أنّي لا أملك شبكة إنترنت منزلية، المشكلة أنّ عملية البحث والتحري عن معلومات حول هؤلاء الشخصيات تتطلب إنترنت أقوى وسعة كبيرة، ورغم ذلك أعتمد في تشغيل صفحتي على البيانات”.
وتتابع: “على الرغم من التحديات التقنية والمادية التي أعاني منها، فإنّني أسعد بتحقيقي بعض الإنجازات الملحوظة، المتمثلة في إدخالي فنانات في معهد الموسيقى في جمهورية مصر بمقاعد مجانية، كما استطعت أن أساعد أولاد بعض الفنانين المتضررين ماديًّا من الحصول على مقاعد مجانية في جامعة صنعاء”.
وتوضح سماح في حديثها أنّ جهودها في إحياء التراث الغنائي من خلال نشرها أبرز المطربين اليمنيين في صفحاتها، إلى جانب تسليط الضوء على الفنانين اليمنيين في مختلف المجالات، لقيت ترحيبًا واسعًا من قبل مطربين وإعلاميين من مختلف الدول العربية، وكذلك من سفراء يمنيين وعرب.
نشر التراث الغنائي وتقديره
يقول محمد سلطان اليوسفي (باحث ومهتم بالغناء اليمني): “إنّ وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا مهمًّا في نشر التراث اليمني، بما في ذلك العادات والتقاليد والممارسات الحياتية؛ إذ صار بإمكان كل من يملك جهازًا محمولًا أن يوثق ما يدور حوله، ويقوم بنشره على أوسع نطاق”.
ويرى أنّ هذه الوسائل خلقت مساحات شاسعة ونوافذ جديدة للتواصل بين المهتمين بالفنون التراثية، ومنها فن الغناء، وتتزايد أهمية هذه الوسائل في الوقت الذي عجزت إلى حدٍّ كبير القنوات الفضائية في تبني برامج ثقافية وفنية تبرز بشكل كامل الموروث الغنائي والثقافي في اليمن، وتسلط الضوء على جمالياته وما يتصل به.
وأوضح بأنّ وسائل التواصل الاجتماعي قد فتحت آفاقًا واسعة لنشر التراث اليمني، إلا أنّنا نلاحظ في كثير من الأحيان أنّ هذه الوسائل المتاحة أمام الجميع تخلق حالة من الفوضى واللامسوؤلية، والتعاطي مع القضايا الفنية والموروث الغنائي اليمني بسطحية وعدم وعي، وفي الغالب يرافق هذا العبث الكثير من التزييف في نسبة الأعمال الغنائية إلى غير أصحابها، ويغلب خطاب المناطقية والعنصرية والتعصب لهذه المنطقة أو تلك، وكل هذا على حساب جوانب مهمة في الأعمال الغنائية يمكن تناولها بدلًا من الخوض في أمور لا طائل منها.
وقال: “على الرغم من هذه المآخذ وغيرها تبقى وسائل التواصل الاجتماعي نافذة مهمة أمام المبدع الواعي، والمدرك لأهمية ما تمثله الأغنية من قيمة غنية في المجتمع، وبالأخص الموروث الغنائي اليمني، فنلاحظ كثيرًا من الأسماء الشابة برزت من خلال هذه الوسائل، وصنعت لها حضورًا مرموقًا، وفي الوقت نفسه أسهمت هذه الأسماء في لفت الأنظار إلى موروثنا الغنائي العريق بمختلف ألوانه الزاهية”.
فيما أشار محمد المخلافي (إعلامي وناشط على وسائل التواصل الاجتماعي) إلى أنّ وسائل التواصل الاجتماعي قد لعبت دورًا كبيرًا في إيصال مواهب كثير من الفنانين الذين لم ينالوا نصيبًا من الظهور والانتشار، وهناك القليل من الفنانين فقط من برزت مواهبهم عبر شاشات التلفزيون، والصحف والمجلات، وصفحات المواقع الإخبارية.
وقد أوضح المخلافي أنّ السبب في التركيز على قلة من الفنانين عبر الوسائل التقليدية يعود إلى ندرة وجود وسائل إعلامية مستقلة بشكل حقيقي تسلط الضوء على التراث الغنائي، وتخصص مساحات لرواد هذا المجال من المطربين، ومساحة للقضايا الفنية والثقافية في اليمن، وتعمل على الترويج للتراث، وإنتاج أعمال فنية، وإجراء حوارات ومقابلات لإحياء الفن، ومناقشة القضايا المتعلقة به وتعزيز قيمها.
ويضيف المخلافي الذي يعد أحد القائمين على منصة “ريشة”، وهي منصة مهتمة بالتراث الغنائي في مواقع التواصل: “أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت نافذة أمل لكثير من الفنانين والموهوبين لنشر أعمالهم؛ إذ شكلت تكتلّا ثقافيًّا من الأدباء والفنانين والشعراء، وكان له دور مهم في الارتقاء بالوعي، وتنمية الحس الفني في المجتمع، خاصة بعد أن أصبحت معظم وسائل الإعلام تركز في خارطة برامجها على الأحداث والقضايا التي لها علاقة بالصراع ونشر الأحداث السياسية، وابتعدت عن نشر الإنتاجات الفنية، وتوثيقها، والحفاظ عليها من التلاشي”.
وسائل التواصل في دعم المطربين الشعبيين
يقول أحمد نبيل الأديب (فنان): “إنّ وسائل التواصل الاجتماعي لعبت دورًا كبيرًا في نشر التراث الغنائي في اليمن، عبر الفنانين اليمنيين الذين غنوا للتراث اليمني سواء أكان في داخل اليمن أم خارجه؛ إذ استطاعت تلك الوسائل إيصال صوتنا إلى أماكن بعيدة لم نكن نتواقع الوصول إليها، الأمر الذي ساعد في تطوير مسيرتنا الغنائية كفنانين؛ إذ كونت قاعدة جماهيرية متنوعة على المستوى المحلي والعربي والعالمي”.
ويرى أحمد أنّ كثيرًا من المطربين معتمدين على منصات التواصل الاجتماعي لنشر أعمالهم الغنائية؛ إذ استطاعوا من خلالها الظهور في وسائل الإعلام المختلفة، نظرًا للشهرة التي حصلوا عليها عبر العديد من المنصات.
ويتابع: “في بداية مسيرتي الفنية لم أكن أهتم بمواقع التواصل الاجتماعي وأهميتها في تعريفنا للجمهور؛ إذ إنّ الأشخاص الذين كانوا يعرفونني كفنان عددهم محدود وبسيط، ولكن بعدما دخلت عالم التواصل الاجتماعي وخاصة صفحات (الفيس بوك واليوتيوب والتيك توك والإنستجرام) لاحظت أنّ هناك فرقًا كبيرًا في حصد عدد من الجمهور من مختلف المحافظات اليمنية، وانتشار أعمالنا بشكل سريع، والحصول على متابعين ومعجبين كُثر لأعمالنا في العديد من الدول العربية والأجنبية خاصة في الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا.”
فعاليات في وسائل التواصل تسهم في إحياء التراث
في الأول من يوليو في كل عام يحتفي اليمنيون بيوم الأغنية اليمنية؛ إذ تشهد وسائل التواصل الاجتماعي حملة إلكترونية ينفذها نشطاء في مجال الفن والتراث عبر نشر “هشتاجات” تعبر عن المناسبة في كل منصات التواصل الاجتماعي، وذلك بهدف إحياء التراث الغنائي في اليمن ونشره، وأهمية توثيقه، والحفاظ عليه من الاندثار، بالإضافة إلى نشر العديد من الأغاني التراثية لمختلف المحافظات اليمنية التي تمتلك ألوانًا غنائية متعددة، ونشر صور لأشهر المطربين والفنانين والشعراء والملحنين والكتاب اليمنيين.
ويؤكد ناشطون في التراث الغنائي أنّ الحملات التعريفية عبر مواقع التواصل الاجتماعي حول يوم الأغنية التراثية ساعدت في إيصال التراث الغنائي اليمني المتنوع إلى أماكن مختلفة من العالم، وتعريف الأجيال الجديدة بجمال الأغاني التراثية اليمنية، وروعتها، وأهمية الحفاظ عليها.
73.2% من المشاركين يعتقدون أن التراث الغنائي في اليمن يعكس الهوية الثقافية اليمنية بشكل كبير
صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد الفن الغنائي واحدًا من أقدم الفنون في التاريخ وأكثرها …