‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة التراث الغنائي في اليمـن بين الأهمية والتحديات.. آراء مجتمعية تؤكد دور التراث الغنائي اليمني في تعزيز الهوية

بين الأهمية والتحديات.. آراء مجتمعية تؤكد دور التراث الغنائي اليمني في تعزيز الهوية

صوت الأمل – أفراح بورجي

يعد التراث الغنائي في اليمن إرثًا مليئًا بالتميز والتنوع الفريد من نوعه، وهو يعبر عن ثقافة اليمن وتاريخها، ولكل منطقة من مناطق اليمن خصوصيتها في الغناء، سواء من حيث اللحن أو الكلمة أو الأداء وبألوان متعددة؛ فهناك الغناء الصنعاني والحضرمي والعدني والتهامي وغيره، وله أهمية كبيرة بين أوساط المجتمع على نطاق توسعهِ في المناطق اليمنية.

يؤدي التراث الغنائي اليمني دورًا هامًا في المجتمع، فهو يعبر عن مشاعر الشعب اليمني وتطلعاته، وينتشر بشكل واسع في جميع أنحاء اليمن؛ ففي حضرموت، على سبيل المثال، يمكن سماع الأغاني الصنعانية، وفي صنعاء يمكن سماع اللون الغنائي التعزي، وهكذا؛ لأن المجتمع بطبيعته مهتم بالغناء ليرفه الناس عن أنفسهم من الواقع المرير.

وفي هذا التقرير نسلط الضوء على آراء المجتمع اليمني على أهمية الأغنية التراثية اليمنية في واقعهم.

الذاكرة الوجدانية للشعب اليمني

يقول الكاتب والمهتم بالفن الغنائي صلاح الواسعي: “التراث الغنائي ذو أهمية كبيرة كونه يمثل الذاكرة الوجدانية للشعب اليمني، ويعد النبع الذي ينهل منه الفنان اليمني المعاصر ألحانه وأغانيه وكلماته، ومرجعًا أساسيًا ينظم ويطور ويبدع من خلاله، وامتدادًا واحدًا كما لو كان رفيقًا قادمًا من الزمن الماضي، وإلى اليوم ما يزال يؤثر في كثير من النتاج الغنائي المحلي وينظمه، ويعد المرجع والأساس الذي من خلاله يُطور ويبدع ويجدد”.

ويتابع الواسعي: “الأغنية اليمنية التراثية بدأت بالموشحات التهامية، وهي نوع من الغناء الشعبي يتميز بألحانه العذبة وكلماته الراقية، ولكن لا يوجد تأكيد على صحة الرواية المتداولة بين أوساط المجتمع. كما يعد الشعر الحميني، الذي يمثله شعر الغناء الصنعاني، بداية الأغنية اليمنية أو عنوانها التراثي حاليًا”.

ويضيف: “في اليمن، وعلى امتداد الخارطة الجغرافية، كانت هناك مدارس غنائية كثيرة أهمها المدرسة الصنعانية، التي يعد الفنان علي الآنسي، والفنان محمد حمود الحارثي، والفنان علي السمة أبطالها ورموزها. والحقيقة أنهم كانوا مبدعين، فقد أضافوا أغانٍ خالدة، وأجادوا التعبير عن الروح اليمنية من خلال كلماتهم وألحانهم”. 

وأوضح أن هناك المدرسة الحضرمية بقيادة أحمد فضل القمدان وحسين المحضار، والمدرسة العدنية واللحجية. ويمكن القول إن المدرسة التعزية أيضًا تعد تراثًا لحنيًا خالدًا ما يزال الى اليوم يعمل في نفوس الأجيال، يسمعونه كما لو أنتج اليوم، والفنانون يعيدون تجديده للتغني به باستخدام أدوات فنية جديدة.

تعدد المجتمعات ووجود ثقافات محلية

أما جمال حسن، الكاتب والناقد الموسيقي، فيتحدث عن أهمية التراث الغنائي في اليمن قائلاً: “للتراث الغنائي في اليمن أهمية كبيرة، في ثرائه وتنوعه، بسبب تعدد المجتمعات ووجود ثقافات محلية عديدة ومختلفة، ساعدت في ثراء الموروث الغنائي في اليمن وتنوعه”.

مشيرًا إلى أن التراث الغنائي أسهم في تعزيز اهتمام اليمنيين بتراثهم الغنائي؛ إذ يعد الموروث الشعبي علامة للفخر في المجتمع اليمني، خاصة الموروث الغنائي. ويمكن القول إن أي شعب في العالم لديه شكل من الفخر بموروثه، لكن بالنسبة لليمنيين يكاد يكون هو القيمة الأبرز، وذلك لعدم وجود تطور ملحوظ أو قفزات كبيرة في تحديث الغناء. وعملياً، يعد التراث الغنائي تعبيرًا عن قيمة ثقافية تعتز بها جميع الشعوب؛ لأنه يمثل ذاكرة جماعية تحافظ على الهوية الوطنية وتعزز الشعور بالانتماء.

وفي السياق ذاته يقول الطالب الجامعي ياسر فتحي: “التراث الغنائي اليمني يعد عنصرًا مهمًا وأساسيًا في ثقافة كل الشعوب ذات الحضارات المتنوعة، مثل اليمن، وله مكانة خاصة في قلوب اليمنيين، وعلى مختلف الأصعدة؛ فالتراث الغنائي يبني ثقافات وحضارات، ويعزز مشاعر الهوية الثقافية والوطنية والترابط الاجتماعي والإبداع والأصالة.

ويتابع: “للفن الغنائي اليمني دور مزدوج في الترويج للسياحة وتوثيق تاريخ اليمن؛ كونه يسهم في تعريف العالم بجمال اليمن وثقافتها الغنية والمتنوعة، ويوّصل رسائل تثقيفية عن أهمية المحافظة على التنوع الثقافي والحضاري الذي تتمتع به اليمن، كما يعبر عن مشاعر الشعب اليمني وتاريخه العريق في مختلف ألوان الغنائي الشعبي”.

وأردف ياسر قائلًا: “مع تطور المجال الموسيقي وأدواته، هناك تطور في الأغنية اليمنية والتراث اليمني بشكل كبير، سواء في جودة الإنتاج أو في كميته، وقد ظهرت أنواع جديدة من الأغاني اليمنية، مثل الأغاني الرومانسية والوطنية، وواكبت تغيرات الفن مع التغير العام الحاصل في البلد، وأصبح الفنانون اليمنيون معروفين وأكثر شهرة على المستوى العربي والعالمي”.

وأشار إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في نشر الأغنية اليمنية، كما أن هناك فوارق كثيرة أحدثتها هذه الوسائل، وشكلت أحداثًا إيجابية في نشر الأغنية التراثية على المستوى المحلي والعالمي، وتعريفها.

الشعب اليمني وارتباطه بالتراث الغنائي

أوضح الصحفي إسماعيل القاضي أن المجتمع اليمني مهووس بالتراث الغنائي القديم، وهو مرتبط به ارتباطًا وثيقًا، ويشعر بالنشوة والراحة في حال استمع لأغانٍ تراثية، بوصفه الطرب العظيم الذي يفضلونه.

كما يوضح القاضي أن الأساس في الأغنية اليمنية التراثية هو اللحن السلس والعذب؛ إذ يشعر المستمع إلى أغاني الزمن الجميل بعظمة اللحن والأداء والكلمات، ولا يضاهي التراث الغنائي أي تراث آخر. أما حاضرًا فبعض الأغاني يتم تجديدها من التراث، ومع ذلك تبقى رائعة وذات تأثير كبير على المجتمع المحلي. وقد شهدت الساحة الفنية اليمنية تجديدًا في هذا الجانب، وهناك أسماء لامعة تستحق القول إنها متميزة مثل القديم.

وأشار إلى أن الساحة الفنية في الآونة الأخيرة شهدت تحديات جمة، لكنها أثبتت أن ارتباط الأغنية التراثية بالمجتمع رصين وثابت، ورغم التجديد لكنها تبقى الذوق الرفيع لدى مجتمع عريض من اليمنيين.

الأغنية اليمنية في الماضي والحاضر

بهذا الخصوص، يقول جمال حسن: “موضوع الأغنية اليمنية التراثية سابقًا وحاضرًا موضوع واسع، وكما قلنا سابقًا هناك تعدد في الأنواع الغنائية اليمنية، وتختلف في طابعها اللحني وأساليبها الغنائية بدرجة أساسية؛ لأن اللحن يمكن أن يتشابه كما نراه في بعض الأناشيد الدينية، لكنه يُؤدَّى بما يميز أسلوب كل ثقافة غنائية محلية عن الأخرى”.

وأوضح أن الأغنية اليمنية ما تزال محتفظة بسماتها، ومعظم الجمهور اليمني مازال يتمسك بتقاليد الغناء، ويرفض تطويرها من حيث استخدام الآلات الموسيقية، وانفتاحها أيضاً. وكانت عدن منذ خمسينيات القرن الماضي حاضنة لتيارات التجديد، لكنها كانت مرحلة وتوقفت ولم تستمر، وحاليًا يكاد النشاط الغنائي يكون مختفيًا في عدن، مقارنة بوجود نشاط وفنانين في صنعاء.

ومن جانب آخر يقول ياسر فتحي: “الأغاني اليمنية تستخدم في مختلف المناسبات الاجتماعية مثل الأعراس والمناسبات الدينية والاحتفالات الوطنية وكثير من المناسبات. وقد تميزت الأغنية اليمنية في الماضي بتنوعها الكبير، وكان لكل منطقة أغانيها الخاصة، وهناك ألوان عديدة للفن اليمني التراثي، فالفن اليمني حاضر وبقوة”.

التحديات والصعوبات

يستعرض صلاح الواسعي أهم التحديات التي تواجه التراث الغنائي اليمني في الآتي: 

  1. غياب الأرشفة الجيدة والكاملة؛ إذ إن هناك كثير من التراث الغنائي اليمني لم يوثق بعد.
  2. غياب الأكاديميات المتخصصة بالفن اليمني، الأمر الذي يجعل من الصعب تطوير التراث الغنائي والبناء عليه، فلا يوجد في اليمن معاهد فنية متخصصة، فضلاً عن الموقف الديني من الأغنية الذي أدى بشكل كبير إلى إعاقة حركتها.
  3. ظهور خطر يهدد الأغنية التراثية يتمثل في محاولات التجديد غير المدروس على أسس علمية ثابتة، وتعرض الأغنية التراثية لعملية تشويه وضياع.

وفي ذات السياق أوضح جمال حسن أن أهم التحديات والصعوبات التي تواجه التراث الغنائي تتمثل في كيفية المحافظة على الهوية الموحدة للأغنية اليمنية؛ فهناك أزمة هوية في اليمن، ليس في الغناء وحسب، بل وفي السياسة والفنون والثقافة. ومن الملاحظ أن هناك محاولات تجديد، ومع ذلك يوجد بعض التخبط بين هويات غنائية مختلفة، فنجدها تتقارب مع الفن المصري أو الخليجي، وأحيانًا تقليدًا لأسلوب غناء اليهود من أصول يمنية.

كما أشار إلى أن مشكلة المجددين تكمن في أنهم يأخذون اللحن ويمسخون هويته. أما سابقًا فالفنانون يحافظون على هوية الغناء حين عمدوا إلى تطوير اللحن، فيصبح مشابهًا لأنماط عربية، وأحيانًا مقاربة للون الهندي والشرقي، والمشكلة تكمن في عدم وجود صناعة غناء بالمعنى الحديث.

أما ياسر فتحي فيلخص أهم التحديات التي تواجه التراث الغنائي قائلاً: “أهم التحديات التي تواجه الأغنية اليمنية في الحاضر هي الصراع؛ إذ من الصعب أن يتم إنتاج فنٍ يعد منهارًا بسبب تداعيات الصراع أو حتى تطويره. ومن التحديات كذلك الفقر الذي يعد سببًا رئيسيًا في تدني الإنتاجات الصوتية والمرئية والفنية بشكل عام، وقلة الدعم والاهتمام من القطاعات الحكومية والخاصة، فأغلب الجهود المبذولة في تحديث الفن تكون من قبل الفنانين جميعها كجهود شخصية”.

وأشار إلى أن هناك تحديات كثيرة تتمثل في عدم وجود معاهد أو جهات تهتم بالفن وتُدَرِّسُه كمادة علمية مدروسة ومرتبة. ولا ننكر أن هناك معاهد، لكن جهودها قليلة بسبب عدم توفر الدعم اللازم. وبمعنى آخر معاهد بدائية لا توجد لديها الإمكانيات الكبيرة الموجودة في بقية الدول التي لديها معاهد لتدريس الموسيقى.

التوصيات

يرى جمال حسن أن التوصيات لتطوير الأغنية اليمنية التراثية موضوعها واسع، إذ إن مجال الغناء يمكن تحويله إلى اقتصاد إبداعي يفيد البلد. وأوضح أنه يتطلب استثمارًا حقيقيًا للفن التراثي في اليمن من قبل الجهات الداعمة، خاصة أن هناك انهيارًا في السيطرة الحكومية المركزية، ولا يمكن التعويل على أشكال الدعم أو التنشيط من جانبها؛ لذا على المستثمرين أن يخوضوا في هذا الجانب، وأن يتبنوا الغناء من مفهوم استثماري محض، يراعي النجاح السوقي وليس القيمة الفنية، لكي ينشط الغناء، ويسهم في إيجاد فرص عمل للعازفين والمغنيين، وفي التنافس وفتح آفاق جديدة، كما سيعمل على ظهور طبقة واسعة من الفنانين الشباب الذين يعتمدون على الغناء ويحترفونه.

وأضاف: “أما من ناحية الفن، فيجب أن يكون هناك رؤىً تحدد الملامح التي يمكن البناء عليها، والتطوير التدريجي الذي يمكنه الانفتاح على موسيقى العالم، مع تشكيل خصوصية يمنية، ليست بالضرورة شبيهة لما كان عليه القدماء، لكنها تكتسب طابعًا يمنيًا مختلفًا عن الأساليب المعروفة؛ وهذا الأمر يتطلب استثمارًا في المبدعين والأصوات، وإتاحة الفرص لها في تدريبهم منذ وقت مبكر.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

73.2% من المشاركين يعتقدون أن التراث الغنائي في اليمن يعكس الهوية الثقافية اليمنية بشكل كبير

صوت الأمل – يُمنى الزبيري يعد الفن الغنائي واحدًا من أقدم الفنون في التاريخ وأكثرها …