للقطاع الخاص دور حيوي في إحياء الفلكلور اليمني وإنعاشه
صوت الأمل – أحمد باجعيم
تتجلى جماليات الفلكلور الشعبي في كل زاوية وزقاق، وفي طياتهم قصصٌ عريقة وتقاليد تاريخية تعكس جمال هذه البلاد الغنية وثرائها بالثقافة والأصالة. مع هذا، لا يمكن الحفاظ على هذا التراث الثقافي القيم دون دعم من القطاع الخاص الذي يمثل ركيزة أساسية في تعزيز هذا الجانب المهم من الحياة الثقافية لليمن وتشجيعه.
لا يقتصر دور القطاع الخاص في دعم التراث الشعبي على مجرد دعم مالي فحسب؛ بل يمتد إلى تقديم الموارد اللازمة للحفاظ عليه وتعزيزه من خلال استثماراتهم في مشاريع ثقافية وفنية، ويمكن للشركات والمؤسسات الخاصة أن تسهم في تعزيز الوعي بالتراث الشعبي وجذب السياح والزوار عبر النشاطات المختلفة التي تقوم بها في هذا المجال.
تتركز قيمة الفلكلور المحلي في التعبير عن هوية الشعب اليمني وأصالته المتجذرة في عمق التاريخ. ومن خلال الدعم المتنوع الذي يتبناه القطاع الخاص يمكننا الحفاظ على هذا الإرث الثمين ليظل شاهدًا على الحضارات التي نشأت منذ بداية التاريخ، كما أنها مسؤولية مشتركة بين القطاع العام والخاص للحفاظ على هذا التراث الشعبي المهم من ثقافتنا وتاريخنا العريق.
دعم المشاريع
في إطار دعم المشاريع قالت مديرة مكتب وزارة الثقافة بساحل حضرموت عبير الحضرمي: “لا تقتصر أهمية مكتب الثقافة على بعض الفنون أو تراث معين، بل إن له دورًا شاملًا على كل ما يتعلق بالثقافة الحضرمية، واليمنية على وجه العموم”.
وتضيف: “يهتم المكتب بالفلكلور الشعبي والتراثي والحرف والمصنوعات اليدوية التي تعمل فيها النساء والرجال قديمًا؛ فهو عبارة عن هوية وموروث ثقافي تتميز بها اليمن عن غيرها من البلدان”.
وبالحديث عن القطاع الخاص تابعت الحضرمي تصريحها قائلة: “هناك مشاريع وخطط عُرضت على المنظمات الخارجية لتمويلها، وهي تصب في حفظ التراث الشعبي وتطوير العاملين فيه وإبراز الصناعات التقليدية وتوثيقها. فمن المشاريع التي عمل عليها المكتب في سبيل التوثيق والحفاظ على المعالم الأصلية قبل أن تندثر مشروعُ “السفرة الحضرمية”، وهو عبارة عن نشاط يوثق المأكولات الشعبية التاريخية، تم تنفيذه مطلع العام 2024، وقد وثق حتى الآن 50 وجبة تاريخية شعبية في 12 مديرية بساحل حضرموت”.
وتضيف: “موَّل المشروع مؤسسة (صلة) للتنمية التي تعد قطاعًا خاصًا ضمن مشروع (مهنتي بين يدي). وعملت (مؤسسة الأمل الثقافية الاجتماعية النسوية) بالشراكة مع مكتب الثقافة بالساحل على تنفيذ النشاط، وجاءت فكرة المشروع بعد اندثار بعض الأكلات أو انتسابها إلى مجتمعات أخرى”.
وأشارت الحضرمي إلى أن توثيق الأكلات الشعبية يعد من المواضيع التي تعطي طابعًا خاصًا للمجتمعات، وهي جزء أساسي من التنوع الثقافي والتراثي لليمن مثلها مثل المصنوعات التقليدية والأزياء الشعبية، والفنون، والرقصات التي بدورها تعطي طابعًا فلكلوريًا خاصًا بالمجتمع نفسه”.
وتؤكد أن القطاع الخاص لعب دورًا كبيرًا في إبراز التراث سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي. كما أسهمت المؤسسات بحضرموت والوطن عمومًا بشكل فعال في إحياء التراث التاريخي وتجديده والحفاظ عليه من الاندثار، وشملت التدخلات الأواني الفخارية والمصنوعات الخوصية، وتطريز الأزياء الشعبية التي تتميز بها بعض مديريات ساحل حضرموت مثل “دوعن” وغيرها من الصناعات الحرفية التقليدية.
من جانبه، أوضح مدير مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر الدكتور عبدالله الجعيدي أن المركز قدم العديد من الدراسات حول التراث المحلي الشعبي، ومنها المصنوعات التقليدية اليدوية والأزياء والفن والرقصات الشعبية التي تختلف من منطقة لأخرى، ومن محافظة لأخرى، وأن المركز كرَّم الأفلام الوثائقية التي وثقت الفن الشعبي والمصنوعات الحرفية القديمة.
يلعب القطاع الخاص والجمعيات المهتمة بالفلكلور الشعبي دورًا كبيرًا في دعم المشاريع في هذا المجال، وذلك من خلال دعم العاملين في هذه المهن ماديًا أو معنويًا، وإقامة ورش عمل، وتدريبٍ وتأهيلٍ وتوفير بعض الأدوات، وتسويق الحرف والأزياء، سواء في معارض داخلية أو في المشاركات الخارجية.
وفي ذات السياق ذكر رئيس (مؤسسة الرناد للتنمية الثقافية) أحمد باحمالة أن المؤسسة تعمل على دعم المشاريع الثقافية بشكل عام، سواء كانت مشاريع تراث مادي أو لامادي. ومن المشاريع ندوات وورش عمل ومحاضرات ودراسات لترميم بعض الحرف والصناعات التقليدية المتعلقة بالموروث الثقافي المحلي وإعادتها.
ويضيف: “عملت المؤسسة على تدوين بعض الرقصات والألعاب الشعبية وإعادة توظيف بعض القصور والترويج السياحي وتنشيط السياحة وتنميتها من خلال عمل أبحاث ودراسات واستقبال الوافدين من خارج الوطن، وعملِ تدخلات لتنشيط السياحة الداخلية والخارجية، وعملت المؤسسة على توظيف الإعلام لنشر الموروث الشعبي وتسويقه”.
ويتابع باحمالة: “المشاريع التي عملت عليها المؤسسة في إطار دعم الموروث الفلكلوري الشعبي وحفظه، سواء في مديريات وادي حضرموت أو في اليمن عمومًا، التوقيع على مذكرة تفاهم مع جمعية الحرفيين بمدينة شبام وجمعية النجارين بمديرية تريم، وإقامة عدد من الدورات التأهيلية لتطوير الصناعات والحرف التقليدية. وإقامة ندوات، منها (ندوة علمية عن العمارة الطينية بين الواقع والطموح) بمناسبة الذكرى المئوية لرحيل باني منارة المحضار المُعلِّم (عوض سليمان عفيف)، والخروج بتوصيات أكدت أهمية تدريب الشباب على تعلم العمارة الطينية والبناء والتشطيب بطرق متطورة تواكب التغيرات المناخية. ومن المشاريع التي حققتها مؤسسة رناد للتنمية الثقافية إعادة فتح مركز العمارة الطينية بجامعة سيئون، التي تعد من أبرز المعالم الأثرية والتراثية اليمنية”.
وأردف بالقول: “وتعمل المؤسسة في الوقت الحاضر على تسويق معرض للحرف والصناعات التقليدية المتعلقة بالفلكلور الشعبي المحلي، ودورات تدريبية للعاملين في البناء الطيني بناءً على مذكرة التفاهم التي وُقِّعت مع جمعية معالمة العمارة الطينية بمدينة تريم”.
وأكد مدير مركز المكلا الإبداعي، المهندس محمد بالجعد، أن المركز معني بالجانب الثقافي والتراثي والإبداعي، ويهدف بصورة أساسية إلى دعم الجانب الفني والثقافي وحمايته من الاندثار والضياع. كما يركز إلى تعريف المجتمع به، ويقدم مركز المكلا الدعم للعاملين بالحِرَف التراثية الفلكلورية، من خلال إكساب العاملين في المجالات الإبداعية والجوانب الثقافية المعارف التي تمكنهم من تطوير فنهم وإبداعهم المهني.
وتابع المهندس بالجعد: “مركز المكلا الإبداعي قدم للعاملين بالمهن الحرفية والتراثية العديد من البرامج الخاصة في تسويق المنتجات والمواد الفلكلورية منذ تأسيس المركز وحتى اليوم، وكذلك قدم المركز العدد من المنح المالية التي تساعد المهتمين بالمجال التراثي والثقافي في تمويل مشاريعهم وصناعاتهم الحرفية والفنية”.
التحديات
أوضحت عبير الحضرمي أن أبرز التحديات التي تواجه القطاع العام أو الخاص في اليمن في مجال الفلكلور التراثي هي: “الوضع المالي نظرًا للظروف التي يمر بها البلد والأزمة الحالية، وكذا توثيق بعض الأعمال التراثية القديمة التي لم تنسب لصاحبها الحقيقي؛ نتيجة وفاته، وعدم حصول المعلومات الدقيقة من ذويهم، ومنها التواريخ وكيف تم اختراع هذا النوع التراثي، وغيرها من المعلومات التي تعد تحديًا واضحًا للقيام بدراسات صحيحة حولها وتوثيقها. وللعلم، العديد من الأطباق الشعبية أو الصناعات الحرفية أو الفنون لم توثق أو تندرج من ضمن التراث؛ لشحة الوصول إلى المعلومات والأشخاص الممتهنين لها”.
وذكر الدكتور عبد الله الجعيدي أن القطاع الخاص نفسه يواجه ظروفًا اقتصادية صعبة جعلته يقلص نشاطه في العديد من المجالات ومنها التراث الشعبي والتاريخية، وجعلته يركز على الاحتياجات الضرورية والمهمة.
وتابع الجعيدي: “كذلك هناك تحديات في عدم تطور بعض المصنوعات الحرفية وتجديدها، دون التخلي عن أصالتها؛ لتتمكن من مجاراة الصناعات المتطورة والحديثة التنافسية بالأسواق؛ مما جعل العائدات المالية منها ضعيفة ومحدودة”.
كما أشار باحمالة إلى ضعف وانعدام الدعم في هذه المجالات وعدم التفاف المؤسسات الحكومية نحو هذه المشاريع، وقلة تسويق المصنوعات الحرفية المتنوعة بسبب الظروف السياسية التي تمر بها البلاد، مخلفةً أضرار جسيمة على مختلف القطاعات والمجالات ومنها التراث والفلكلور الشعبي.
ويستطرد بالقول: “هناك أيضًا تحديات اقتصادية للعاملين أنفسهم تسببت بعزوف الكثير من القوى العاملة وإيقاف نشاطهم في هذا المجال، وضعف الإقبال من قبل المواطنين على اقتناء المنتجات، وتوقف القطاع السياحي”.
وفي سياق متصل يرى بالجعد أن قلة الأشخاص المهتمين بمجال الموروث الشعبي وخاصة بين فئة الشباب يعد من أبرز التحديات؛ إذ لا يوجد اهتمام بهذه المجالات التي يرون أنها لا تدر عليهم دخلًا عاليًا، وضعف إقامة المهرجانات والبازارات المشجعة لهذه الصناعات الحرفية والتراث الفلكلوري بكل مجالاته مما تسبب بتراجع الاهتمام المجتمعي والشعبي بهذه المهن التاريخية التي تعبر عن أصالة الحضارة اليمنية القديمة وعراقة.
الحلول
فيما يخص الحلول والمعالجات المطروحة، تقول عبير الحضرمي: “هناك بعض الحلول طُرحت لزيادة عملية توثيق الصناعات التقليدية والفنون والرقصات، وحتى الأكلات الشعبية منها تعزيز الجهود المجتمعية في المبادرات والإسهامات للتوثيق والحفظ، وهي تعد حلولًا لمجابهة نقص الموارد المالية في هذا الشأن”.
وتضيف: “ضرورة تقديم دراسات للمنظمات الدولية والجهات المانحة عن التراث الثقافي للإسهام بالدعم اللازم حتى يتمكن مكتب الثقافة من دوره في تحسين الصناعات التقليدية والفلكلورية، وحصر العاملين بالمهن التراثية وتقديم الدورات وورش العمل للرفع من كفاءتهم”.
ويؤكد باحمالة على أهمية توجُّه المنظمات الدولية إلى هذه الصناعات والحرف التراثية والفلكلورية، ودعمها وتطويرها مع الحفاظ على هويتها التاريخية، وتسويق الأنشطة التي تهتم بالجانب التراثي والتقليدي والصناعات، وإقامة المعارض والمهرجانات من قبل القطاع الخاص والمؤسسات المعنية، وتسليط الجانب الإعلامي على كل المشاريع التراثية؛ للنهوض بها والرفع من الجانب الاقتصادي للعاملين فيها.
ومن طرفه أكد بالجعد وجوبَ تسليط الضوء على هذا الجانب وتثقيف المجتمع المحلي وتوعيته بأهمية الموروث الشعبي، ودعم العاملين في هذه المهن عبر اقتناء المنتجات التقليدية أو الدعم المعنوي الذي يعد ضرورة حتمية.
كما يضيف: “يتطلب على القطاع الخاص رفد العاملين في الصناعات الحرفية والفلكلورية بالدورات التدريبية والتأهيلية وورش عمل في كيفية تسويق هذه التراث، أو عبر منح قروض ميسرة أو منح مالية ليتمكن المهنيين من الاستمرار في أعمالهم”.
وبشكل عام، يمكن القول إن عملية الحفاظ وتوثيق الموروث والثقافي والفلكلور الشعبي يعد قاسمًا مشتركًا بين القطاعين العام والخاص، وأيضًا دور المجتمع المحلي نفسه، وإن تعزيز الاستثمارات في هذا المجال العريق وزيادة المشاركات في المهرجانات والفعاليات الخارجية سيكون له مردود إيجابي على أصحاب المهن والحرف، سواء ماديًا عبر تحسين المستوى الاقتصادي وتحقيق تنمية ملحوظة، أو معنويًا عبر تقوية الروابط بين الأجيال اليمنية الغنية بالتراث والثقافة التاريخية.
96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…