دور الشباب في إحياء الموروث الثقافي.. مبادرات وفعاليات وتحديات
صوت الأمل – أفراح بورجي
الشباب هم أهم شرائح المجتمع اليمني المؤثر من ناحية الأدوار التي يقومون بها في إحياء الموروث الثقافي والشعبي اليمني عبر مشاركتهم في كثيرٍ من المجالات والقطاعات بكل نجاح. ولهم دور مهم في المبادرات والتكتلات التي يقومون بإنشائها والمشاركة بها في مختلف القضايا، ومنها قضية الحفاظ على الموروث الشعبي.
هناك أنشطة وفعاليات كثيرة يقوم بها الشباب تدعو معظمها إلى تعزيز السلام في ظل الصراع، كما أن هناك مبادرات تسعى إلى الحفاظ على الفلكلور الشعبي عبر عملها على أرض الواقع؛ للمحافظة على الموروث الثقافي والشعبي الذي تضرر نتيجة الصراع، ولإحياء التراث بعد أن اندثر مع مرور الزمن، ومحاربة كثيرٍ من الثقافات الجديدة أو ما يسمى بـ”الدخيلة” على التراث الشعبي.
في هذا التقرير سنتحدث عن أهم المبادرات والفعاليات الشبابية المدعومة من المنظمات والمنصات، ودورها الفعال في إحياء الموروث الثقافي، والتحديات والصعوبات التي يمرون بها.
يقول محمد أمين -رئيس منصة “مشاقر ميديا” في تعز-: “هناك كثير من المبادرات والأعمال الشبابية على مستوى اليمن تعمل على إحياء الموروث الثقافي بشكل عام مواجهة بذلك جميع التحديات”، موضحًا أن منصة “مشاقر” لديها مشاركات صغيرة مدعومة بشكل بسيط في مجال الحفاظ على التراث الشعبي، وعلى الرغم من ذلك ما زالت تحتاج إلى تطوير واستمرارية وديمومة.
وأضاف أن المنصة تهدف إلى تشجيع الشباب على تنفيذ مشاريع تعمل على إحياء الموروث الثقافي والفلكلوري في اليمن خاصة، وأنه أصبح مهددًا بالاندثار على مستوى المحافظات اليمنية.
ويتابع أمين: “تركز المنصة على عدة مجالات ثقافية واجتماعية وفنية وغيرها من الجوانب التي تقوم على توثيق التراث والموروثات الثقافية اللامادية كالألعاب الشعبية والفنون”.
أنشطة منصة “مشاقر ميديا”
يوضح محمد أمين أن المنصة أعدت كتابين، الأول كان في عام 2019م والثاني في 2022م، وهما يهدفان إلى توثيق الموروث الثقافي المتنوع من الشعر والفن والألعاب الشعبية أيضًا. وكذا طبعت المنصة مجموعة كتب متنوعة تعليمية ومصورة، بالإضافة إلى إنتاج مواد مرئية تعليمية منشورة في موقع المنصة عبر (اليوتيوب).
ويضيف أن للمنصة نشاطات تتعلق بالتعريف بكيفية إحياء الألعاب الشعبية التراثية القديمة على مستوى الأطفال، من خلال عمل يوم مفتوح يتم فيه دعوة كثير من الأسر في مدينة تعز إلى القيام بأنشطة وفعاليات ترتبط بالألعاب الشعبية القديمة، لا سيما أن فيها مهارات كثيرة يستفيد منها الأطفال ثقافيًا ورياضيًا وحسابيًا وقياديًا، واجتماعيًا أيضًا.
ويشير أمين إلى أن من المشاريع التي نفذتها المنصة كيفية دمج الألعاب الشعبية في الأنشطة المدرسية، وذلك من خلال ورشة تدريبية استهدفت مسؤولي الأنشطة بثلاث مدارس في مديريات مدينة تعز، التي هدفت إلى تنفيذ أنشطة تبرز أهمية الألعاب الشعبية كموروث ثقافي ورياضي واجتماعي.
جهود دولية حثيثة
وفقًا لبيان صادر عن منظمة اليونسكو في مايو 2023م بعنوان “من أجل تعزيز حماية التراث الثقافي والرقي بالتعليم: فريق من اليونسكو في زيارة عمل رسمية إلى صنعاء اليمن”، فإن لجنة التراث العالمي أضافت مدينة صنعاء القديمة إلى قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر في عام 2015، وأن المدينة تعاني من أضرار كبيرة بسبب الصراع وقلة الموارد الاقتصادية، وانعدام الصيانة، وبسبب التغييرات المناخية والأعمال الإنشائية غير الخاضعة للرقابة.
وأضاف البيان أن المنظمة تجدد تأكيدها على أهمية تضافر الجهود المشتركة من الجهات المعنية مع لجنة التراث العالمية؛ لضمان الحفاظ على التراث العالمي المتميز لمدينة صنعاء القديمة، وعمل التعديلات الضرورية التي تحافظ على التراث المعماري للمدينة من خلال تقديم الوثائق والمستندات الفنية الكاملة.
كما أشار البيان إلى أن منظمة اليونسكو نفذت مشروعًا بقيمة (20 مليون يورو) لدعم التراث الثقافي وحمايته، وتعزيز الصناعات الإبداعية والحرفية في ثماني محافظات يمنية. ومهتمًا بإشراك الشباب وتشغيلهم عبر خلق فرص عمل جديدة لثمانية آلاف شاب وشابة أسهموا في ترميم وإعادة تأهيل أكثر من 500 مبنى تاريخي في ثلاثة مواقع تراثية مهددة بالخطر، والمتمثلة في محافظات صنعاء وشبام وزبيد.
كما ذكر تقرير صادر عن منظمة اليونسكو والاتحاد الأوروبي بعنوان “الصلة بين الثقافة والتراث والشباب في اليمن” أن المنظمة عقدت في 2020 فعالية ضمن مشروع “النقد مقابل العمل” بتمويل من الاتحاد الأوروبي؛ لتحسين فرص كسب الرزق للشباب الذين يعيشون في المدن اليمنية (صنعاء، شبام، زبيد، عدن)، وذلك عبر إيجاد فرص عمل لهم في القطاع الثقافي والتراثي.
دور الشباب اليمني في الحفاظ على التراث الثقافي
من أهم الأنشطة التي ينظمها الشباب في مختلف المحافظات اليمنية ضمن مشروع “النقد مقابل العمل” إقامة معرض ثقافي فريد يجمع بين الصور الفوتوغرافية التراثية، وتقنية الواقع الافتراضي، وعروض موسيقية تقليدية؛ بهدف الاحتفاء بالتراث اليمني الغني وإحيائه.
وقد عزز المشروع من مشاركة الشباب في إعادة تأهيل التراث الثقافي والفلكلور الشعبي وتطويره، عبر عدة برامج تشمل الآتي:
- تنفيذ مناسبات للموسيقى والأغنية اليمنية، التي تتألف من مجموعة من الأغاني اليمنية تنتمي إلى تقليد موسيقي غني ومتنوع؛ إذ تنتشر ممارسته في مجمل أنحاء اليمن. ويشكل هذا النوع الغنائي تقليدًا شعريًا وثقافيًا متنوعًا يرجع إلى القرن الرابع عشر، ويعد جزءًا لا يتجزأ من المناسبات الاجتماعية، مثل طقوس السمر في حفلات الزفاف و”المقايل” حين يجتمع الأصدقاء والزملاء يوميًا بعد الظهر لمضغ أوراق القات وسماع الموسيقى والأغاني. وتفسح الأغاني المختارة لأدائها في المناسبات الموسيقية المجالَ لاستكشاف الموروث الغنائي اليمني الذي يتضمن أربعة أنماط موسيقية مختلفة هي: موسيقى الدان الحضرمي، والغناء الصنعاني، والأغاني التهامية، والأغاني العدنية.
- معرض الصور الفوتوغرافية الذي يهدف إلى تسليط الضوء على التراث الغني للمدن الأربع المشمولة في المشروع (صنعاء، زبيد، شبام، عدن)، وعلى الصعوبات التي تواجهها في التنمية البشرية وصون التراث؛ كون مدينة صنعاء تقع في منطقة جبلية، وتشتهر بفنها المعماري الفريد والغريب في عمارته. وأما شبام فتعد مدينة صحراوية تتفرد بمنازلها البرجية الطينية. وما يتعلق بمدينة زبيد فقد كانت عاصمة اليمن في العصور الوسطى، ولها مكانة تاريخية عريقة، أما عدن فمدينة ساحلية تشتهر بمينائها وعلاقتها المعقدة مع محيطها الساحلي.
- زاوية الواقع الافتراضي الذي يقدم عرضًا لمدة 7 دقائق يسلط الضوء فيها على الموقع التراثي لمدينة صنعاء القديمة. العرض عبارة عن فيلم وثائقي للمخرجة الشابة (مريم الذبحاني) الذي يصور آثار النزاع المسلح والصراع في الصناعات الحرفية.
أنواع تراثية متضررة
يقول علي مغربي الأهدل -باحث في مجال اللغة والتاريخ والتراث والموروث الثقافي، ونائب مدير عام الهيئة العامة للآثار في محافظة الحديدة-: “الموروث الشفهي يعد من أكثر الأنواع الثقافية والفلكلورية تأثرًا بسبب عوامل كثيرة أدت إلى اختفائه، ومن تلك العوامل وفاة العديد من الرواة والمعمرين الناقلين للتراث الشفهي، وتأثيرات العصر الحديث، كما أن كثيرًا من جوانب الموروث الثقافي تعرضت للعبث أو الهدم بهدف طمس الثقافة والهوية اليمنية، كما حدث لبعض المساجد الأثرية التي هُدمت، وبعض المواقع والمعالم التي يُعبثُ بها.
الصعوبات والتحديات
يذكر محمد أمين التحديات التي تواجه الموروث الثقافي والشعبي في اليمن قائلاً: “من التحديات: توقفُ الفاعلين الثقافيين في مجال التوثيق الشعبي عن العمل التوثيقي في ذات المجال، ونقصُ الكوادر المؤهلة والمتخصصة في التوثيق الشعبي؛ الأمر الذي يهدد بضياع الكثير من مظاهر التراث اليمني، بالإضافة إلى قلة الإمكانيات المادية، إذ يواجه الفاعلون في هذا المجال نقصًا في التمويل والدعم المادي، مما يحد من قدرتهم على تنفيذ مشاريع التوثيق بشكل فعال، وعدم وجود إستراتيجية وطنية لتوثيق التراث؛ إذ لا يوجد في اليمن خطة وطنية شاملة للتعامل مع التوثيق الشعبي مما يؤدي إلى تشتت الجهود وازدواجية العمل، وغياب التنسيق بين الجهات المعنية والمجتمعية مما يؤثر على فعالية هذا العمل”.
وفي ذات السياق يقول علي مغربي الأهدل: “تزخر اليمن بثراء كبير في الموروث الثقافي، وفيها تنوع غير عادي في التراث والموروث الثقافي والحضاري والفلكلوري المتميز والفريد، ولكل منطقة من مناطق اليمن موروثها الثقافي وعاداتها وتقاليدها وإرثها الشعبي الخاص الذي يغطي مختلف الحقول الثقافية”.
مشيرًا إلى أن كثيرًا من التراث والموروثات الشعبية لم توثق. ومع دخول اليمن في الصراع المتواصل منذ تسع سنواتـ، شهدت الساحة ركودًا في المجال الثقافي؛ إذ لم يعد هناك اهتمام بالنشاط الثقافي على مستوى الفعاليات والكتابات والتوثيق بالشكل المطلوب؛ الأمر الذي أثر سلبًا على الوضع الثقافي، خاصة أن أغلبَ الموروث شفهيٌ أو عبارة عن ممارسات شعبية غير مكتوبة وتحتاج إلى توثيق، وكثيرٌ من هذا الموروث يُفقد ويضيع مع استمرار عدم الاهتمام.
الحلول والمعالجات
وحول الحلول يقول علي مغربي إن الحفاظ على الموروث يأتي عبر إحيائه كثقافة شعبية من خلال تنفيذ الفعاليات والأنشطة الثقافية، والتركيز على إحياء الموروث من قبل المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي من خلال توثيقه ودعم الباحثين والكُتَّاب والمساهمين في توثيق الموروث الثقافي والفلكلوري ومظاهره، وإصدار الكتب وإعداد الدراسات والأبحاث التي تتناول الموروث الثقافي في مختلف المجالات.
96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…