رقصات الفلكلور الشعبي اليمني؛ تأملات مجتمعية وتاريخ يستحق الاهتمام
صوت الأمل – هبة محمد
في اليمن، تعدُّ الرقصات الفلكلورية الشعبية جزءًا لا يتجزأ من ثقافتها وتراثها التاريخي، وتحمل في طياتها تأملات مجتمعية عميقة، وتعبيرًا فنيًا عن هُوية الشعب اليمني، وتمثل هذه الرقصات تراثًا لا يقدّر بثمن، يستحق الاهتمام أكثر من الجهات كافة، إذ يعدُّ أثرًا تراثيًّا للأجيال القادمة.
تمتاز رقصات الفلكلور الشعبي اليمني بتنوعها وتقنياتها المتعددة، إذ تعدُّ لوحة فنية غنية تجسد تنوع ثقافات اليمن العريق عبر العصور، كما تأثرت رقصات الفلكلور اليمني بالطبيعة المتنوعة لليمن وثقافاته العريقة، التي شهدت تأثيرات مختلفة من العديد من الثقافات والحضارات الأخرى، التي أضاف إليها غنى وتنوعًا مميزًا، ومن خلال دراسة الرقصات وتحليل أساليبها المتنوعة يمكننا أن نفهم مدى عمق هذا التراث.
نظرة المجتمع نحو الإرث الفلكلوري
في الوقت الحالي، تشهد رقصات الفلكلور الشعبية اليمنية تحديات جمّة تتعلق بالحفاظ على الإرث الثقافي الحي، وتشكل نظرة المجتمع تجاه الرقصات الفلكلورية تحدّيًا مهمًّا، إذ تلعب دورًا حاسمًا في مستقبلها؛ لكونها تجسّد في طياتها تأملات مجتمعية، وتوازن بين الاحتفاظ بالتقاليد وتطويرها لتتناسب مع الزمن الحاضر.
يقول علي المحمدي (مدير الفنون الشعبية في وزارة الثقافة، صنعاء): “نظرة المجتمع تلعب دورًا حاسمًا في مستقبل الرقصات الفلكلورية الشعبية اليمنية؛ فمن جهة، هناك الإعجاب والفخر بتراث الرقص الشعبي والتمسك به كعنصر مهمّ من عناصر الهُوية الثقافية، ولكن من جهة أخرى، تعبّر فئات مختلفة من المجتمع اليمني عن نظرتها السلبية تجاه الرقصات الشعبية اليمنية، وتحديدًا (الرقص الشعبي)، وتأثيرات العولمة، وتراجع الاهتمام، وعدم التقدير الكافي لهذا الفن التقليدي”.
ويكمل: “أمّا بالنسبة للنظرة المجتمعية في الوضع الحالي هناك انقسام في الأفكار، فمنها التقليدية التي تؤمن بأنّ الرقص ما زال عيبًا، وينظرون للراقص نظرة دونية، ويعدّون الرقص مخالفًا للقيم والتقاليد، والأخرى الواعية التي تنظر إلى الرقصات الفلكلورية بأنها جزء من التراث الثقافي، ويقدّرون هذا الإرث التاريخي، ويدعمون استمراره”.
فيما يرى الباحث التراثي فؤاد عبد الجبار أنّ هناك استياء واستهجانًا مجتمعيًّا نحو الرقصات التراثية التي تؤديها النساء؛ بسبب العادات والتقاليد والمنطلق الديني أيضًا، وهناك انفتاح ملحوظ نحو الرقصات التراثية الذكورية، مع وجود النظرة الدونية من قبل شريحة صغيرة من المجتمع.
ويشير مدير عام الاتّحاد الثقافي اليمني فؤاد الحميري إلى أنّ نظرات المجتمع اليمني للرقصات الفلكلورية الشعبية ما زالت نظرات جميلة، تبعث الأمل والتمسك بالتراث الثقافي العريق، ويظهر ذلك جليًّا من خلال إقامة الفعاليات والمهرجانات والأعراس، وجلُّها تحمل طابع التراث الثقافي الجميل، من خلال التمسك بتلك الأهازيج والرقصات الشعبية في المهرجانات اليمنية.
أهمية الحفاظ على الرقصات الشعبية
يقول علي ناصر المرح (رئيس الاتحاد الثقافي اليمني): “الرقصات الشعبية اليمنية تعكس تراثنا الثقافي الغني، وتعبّر عن هويتنا الوطنية، التي يجب أن نقدّر قيمتها، ونعمل على تعزيزها، ونقلها إلى الأجيال القادمة؛ للحفاظ على هذا الإرث الثمين، الذي يعدُّ جزءًا لا يتجزأ من الهُوية الجماعية للشعب اليمني، ونحتاج إلى مواصلة البحث والدراسة والتوثيق لكل أنواع الرقصات التقليدية في التراث التاريخي اليمني، لتمكين الشباب من ابتكارها وتعلُّمها”.
وحول هذا الأمر، يوضح الحميري أنّ الرقصات الشعبية اليمنية تعدُّ تجسيدًا حيًّا للتراث الثقافي الذي يمتدُّ لآلاف السنين، وأنّ عملية الحفاظ على التراث والقيم الثقافية وإرث الأجداد تعدُّ محدودة، الأمر الذي يوجب على كلِّ الجهات المعنية أن تلتزم في الحافظ عليه، ونقله إلى الأجيال القادمة، فالرقصات الشعبية اليمنية لا تمثّل فقط تراثًا تاريخيًّا، بل هوية شعب، وجب التشجيع على تعلُّم الرقصات الفلكلورية الشعبية وممارستها، عبر إقامة ورش تدريبية ومشاركات في فعاليات تعزز من الفخر والتواصل الاجتماعي بين الأجيال.
من جانبه أشار فؤاد عبد الجبار أنّ صيانة التراث الفلكلوري وتوثيقه تكون من خلال الدعم والتحفيز للمهرجانات والاستعراضات في المناسبات والاحتفالات الوطنية أو غيرها؛ للمساعدة في حفظ الهوية الوطنية، وإحياء التراث الشعبي، كما وجب دعم الجهود المشتركة للحفاظ على الرقص الشعبي؛ من خلال فتح المعاهد الفنية، والترويج للرقصات الشعبية والاحتفالات الثقافية، ودعم الفنانين والمجتمعات المحلية في هذا الجزء الثمين من التراث الفلكلوري.
وأكد المحمدي على ضرورة دعم الأبحاث والدراسات الأكاديمية حول الرقصات الشعبية اليمنية، وتوثيقها بشكل دقيق وشامل، للوصول إلى عملية التوثيق المنهجي الذي يحافظ على التراث الفلكلوري، ويمكّن الأجيال الحالية والمستقبلية من دراسة هذا الفن التقليدي وفهمه ومعرفة أهميته.
وأضاف المحمدي: “أنّ عملية الحفاظ على تراث الرقص الفلكلوري تكون عبر الترويج للقيمة الثقافية والتاريخية للرقصات الشعبية اليمنية، من خلال حملات إعلامية، وتنظيم فعاليات ثقافية، تهدف إلى توعية الجمهور بأهمية الحفاظ على التراث، وتشجيع المجتمع على دعم الفرق والفنانين الشعبيين”.
مميزات الرقصات الشعبية وأنواعها
تتميز اليمن بتنوعها الثقافي الفريد، الذي ينعكس على الرقصات الشعبية في كل منطقة يمنية، ومن أشهر أنواع الرقص اليمني (رقصة البَرَع) التي تعد من أشهر الرقصات الشعيبة في اليمن، يؤدّيها الرّجال في العادة باستخدام الخناجر (الجنبية)، و(رقصة الشَّرح) التي تؤديها النساء باستخدام الدفوف والطبول، وعادة ما تقام في المناسبات والأفراح.
بالإضافة إلى (رقصة العِدّة) التي تشتهر في محافظة حضرموت، ويؤديها الرجال في المناسبات الاجتماعية، بالإضافة إلى (رقصة الحاجب) التي تشتهر في منطقة تهامة، وتتميز بحركاتها الهادئة والرشيقة، و(رقصة الرَّزحة) التي تشتهر في محافظة سقطرى، تتميز بحركاتها الإيقاعية، ويؤديها الرجال والنساء معًا في المناسبات الاجتماعية، و(رقصة الوَرِعة) التي تشتهر في المناسبات الاجتماعية في مختلف المحافظات اليمنية، و(رقصة العَلَويّة) التي تؤدّى في المناسبات الدينية، مثل المولد النبوي الشريف، و(رقصة الحُسَينيِّة) التي تؤدّى في المناسبات الدينية، مثل العاشوراء.
يقول أسامة الراشدي (مدير فرقة فنّ وحضارة): “تتميز الرقصات الشعبية في المحافظات اليمنية بالملابس الأصيلة والمتنوعة؛ إذ كل محافظة تنفرد عن الأخرى في اللبس والعادات والتقاليد، حتى في الرقصات والإيقاعات والموسيقى، وتعد اليمن أغنى بلد في العالم بالتراث الفلكلوري الشعبي، فمثلًا محافظة الحديدة تتميز بعدد 60 رقصة”.
ويكمل: “أنّ محافظة حضرموت تتميز برقصات كثيرة متنوعة؛ إذ تعدُّ المحافظة الوحيدة التي لديها تراث أكثر من بقية المحافظات في مختلف المجالات. وبصورة عامة، يتميز اليمن بتنوع كبير من الفلكلور الشعبي التراثي، وأهمية الحفاظ على الرقصات الشعبية تكمن في الحفاظ على الهُوية، والتراث الثقافي اليمني، والعادات والتقاليد العريقة، التي تتميز بها كلُّ منطقة يمنية عن الأخرى”.
فيما يشير الباحث في التراث اليمني فؤاد عبد الجبار إلى أنّ تنوع الفلكلور اليمني جعل لكل منطقة تراثها الغنائي الراقص المختلف عن الأخرى، والميزة المشتركة لذلك التنوع أنّ جميع الشعب اليمني يمارس كل الرقصات اليمنية، ويظهر ذلك جليًّا في المناسبات والأفراح والاحتفالات.
ويوافقه الرأي المحمدي بقوله: “اليمن من أغنى الدول في الفنون الشعبية، وخاصة الرقصات الشعبية، وتختلف من محافظة إلى أخرى، ويكمن الاختلاف في الحركة الإيقاعية والأزياء، ويختلف الرقص في تهامة عن حضرموت، وفي المهرة عن صعدة، كما أنّ لكل محافظة ألوانًا متعددة تختلف في الإيقاعات”.
ويواصل: “أنّ الرقصات تتكون من أربع إيقاعات، مثل (البَرَع) التي تعدُّ رقصة حربية سبئية، وتعني لغويًّا الإنسان البارع في الشيء، وشعبيًّا الخطوات السريعة المنتظمة، وتتكون من أربع إيقاعات مختلفة، وأربع حركات مختلفة، وتسمى باللهجة الصنعانية (التسعة، والوسطى، والسّارع)، وتنتهي بقمة الذروة التي تعني (الهوشلية) رقصة تعبيرية، وتعد الرقصة الوحيدة في اليمن تتكون من أربع إيقاعات، كما أنّ في اليمن نوعينِ من الرقص؛ نوع تعبيري، ونوع الترويح عن النفس”.
وأوضح المحمدي أنّ الرقصات التعبيرية تتمثل في رقصة (البَرَع)، وتنتشر في صنعاء وحجة وذمار وغيرها من المحافظات الشمالية، وأيضًا رقصة (العِدّة) التي تشتهر في محافظة حضرموت؛ وكلمة عدة جمع كلمة عتاد أو السّلاح، وتتكون من إيقاع واحد فقط، ورقصة (الحقفة والعبدي) وهي رقصات تهامية، كما أنّ هناك البرع المهري واليافعي.
كذلك يشرح المحمدي أنواع الرقصات الترويحية، التي تتمثل في رقصة (الزر بادي) التي تشتهر في حضرموت، ويعود تسمية (الزر بادي) نسبة إلى قبيلة (آل زرباد) في حضرموت، وتتكون من إيقاعين؛ الأول مدخل بطيء، والثاني مخرج سريع، وأيضًا رقصة (اللوعة) من محافظة أبين، كذلك رقصة (العود) الصنعاني، ورقصة (القطنية) الحضرمية.
وكشف المحمدي عن وجود رقصة حضرمية تُدْعَى (بني مغرَّة)، وتُعرف أيضًا باسم (رقصة صيد الوعل)، لارتباطها بمعتقد شعبي قديم يشير إلى ضرورة قيام الشاب الراغب في الزواج باصطياد وعل، وإحضار رأسه كرمز للشجاعة والقوة، ويستقبلونه برقصة (بني مغرَّة) التي تعني (كلب الصيد).
ويشرح الباحث فؤاد عبد الجبار طبيعة أنواع الرقصات الشعبية بالقول: “رقصة (العدّة) التي تعدُّ من أشهر الرقصات والألعاب والطقوس التراثية في محافظة حضرموت شرق اليمن، وأكثرها حضورًا في المناسبات الاجتماعية، وتؤدَّى الرقصة عبر تجمعات من فرق كبيرة، تجسد عراقة الرقصة، وتعبيرها الفني والتراثي، ويعدُّها بعضهم (أمّ الألعاب والرقصات الشعبية) من بين أخواتها الشبوانية، والزر بادي، والمساجلات الشعرية”.
وذكر عبد الجبار أنّ رقصة (الحناء ونجيم الصباح) تقام بشكل دائري في الأعراس والمناسبات في ساعات الفجر، وتؤدَّى رقصة الحناء ونجيم الصباح في مناطق (عدن، ولحج، وأبين، وشبوة)؛ إذ يجتمع الراقصون متماسكي الأيدي، ويقابلهم أو يتوسطهم شخص يحمل في يديه مبخرة، يتمايل الجميع على أنغام الأغاني اللحجية والعدنية، ويردّد الراقصون عبارة (وَاعَالَمْ حِنَّا.. وَاعَالَمْ حِنَّا) حتى شروق الشمس.
الرقصات الشعبية في خطر
يقول المحمدي: “في عالم الرقص الشعبي، نشهد اليوم ظاهرة جديدة للرقصات الشعبية تجعلها تتراجع فجأة؛ إذ ظهرت فئة جديدة من الأشخاص الذين يجهلون تمامًا الرقص الشعبي وأسسه وقوانينه، ويتجاوزون تلك الحدود بأنفسهم؛ إذ أضافوا حركات جديدة إلى الرقصات الشعبية مفتعلين لها فوضى لا مثيل لها”.
ويتابع: “لقد أُجريتْ عملية طمس المعالم الأصلية لحركات الرقص الشعبي؛ إذ تحولت إلى شيء غريب ومشوّه، وبسبب العشوائية بدأت الرقصات التراثية تواجه خطر الانقراض؛ الأمر الذي يجعلنا ندعو الجهات المختصة إلى ضرورة إيقاف الفِرَق التي ليس لها علاقة بالتصميم أو الرقصات الشعبية المتعارف عليها في كل منطقة من اليمن”.
رقصات محافظة لحج
يقول باحث التراث اليمني فؤاد عبد الجبار: “إنّ رقصة (الرَّكْلَة) تعدُّ واحدة من أهم الرَّقصات في محافظة لحج، وهي رقصة (أهل الشام)، وتطلق التسمية على المناطق الساحلية من البحر الأحمر حتى باب المندب، وترقص (الرَّكْلَة) في بلدات الصبَّيْحة والعقربي والفلاحين والصيادين الساكنين في قرى: بئر أحمد وفُقُم وعمران والحسوة والخيسة والبريقة، وحتى بئر حيدرة، والوهط في محافظة لحج”.
ويكمل: “أنّ رقصة (الرَّكْلَة) تعدُّ رقصة مشتركة يؤديها الرجال والنساء معًا في صف أو دائرة، يركل فيها الراقصون الأرض بأرجلهم؛ وتتطلب تمارين كثيرة، وقوة عضلية، ويتوسط الدائرة شاعر؛ يرجز بيتًا أو بيتين، يرددهما الراقصون على أنغام عازف الناي أو المزمار والطبول زمنًا، حتى يأتيهم شاعر آخر بقول آخر، وهكذا”.
وأشار إلى أنّ رقصة (الرَّكْلَة) تؤدَّى في الليل، وعلى رمال الصحراء، أو على الساحل، تحت ضوء القمر، والركلة نوعان: (عسيري) ويمسك فيها الراقصون بأيدي بعضهم، و(حجيش) ويحضن الراقصون بعضهم بعضًا من الخصر، ومن أشهر من يغنون رقصة الرَّكلة (البُصلي ورمزي)، وهما مطربان لحجيان من بلدة (الحسوة)؛ بلدة الركلة والبخور والناموس والتقدور.
هذه ليست سوى بعض من أشهر أنواع الرقصات الشعبية في اليمن؛ إذ تتنوع الرقصات بتنوع المناطق والقبائل، ولكل منطقة أسلوبها الخاص.
96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…