الفلكلور الشعبي في اليمن.. مقتطفات قصيرة
صوت الأمل- حنين الوحش
ينعم المجتمع اليمني بتنوع ثقافي فريد، لم يكن وليد عصر أو مرحلة واحدة؛ بل تشكل مع نشوء حقب وحضارات ذات قواسم اجتماعية واقتصادية وثقافية وميثولوجية مشتركة ومتباينة في الغالب؛ ومن ثمَّ فهو اليوم من أهم المجتمعات التي تمثل منجمًا لتراث لا يُحد ولا يُعد، عتيقًا مقاومًا لعوامل الفناء رغم التصدعات الطارئة. وهو بتنوعه المادي واللامادي شاهدٌ على حضارة غارقة في التاريخ والرمزية، صارخة بالإبداع.
وقد وجد المجتمع اليمني طوال مراحل تطوره وسائل عديدة لتمثيل التحولات التي عاشها، أبرزها الأزياء، التي تظل شاهدًا مرئيًا على ديالكتيك (جدل) ثقافي واجتماعي مميز كان خليقًا بالإتيان بإبداع جديد في مختلف تحولاته، وإن أنتجتها -أي التحولات- صراعات بين حضارات قامت على أعقاب بعضها بعضًا.
وكلما أمعنا النظر في السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي للمجتمع اليمني نكتشف ثراءً غنيًا بالممارسات والمعتقدات والقيم والأعراف والتجارب والتعابير المادية التي أبدعها الإنسان اليمني الأول، وشكلت سلوكه وبناءه الاجتماعي، كما أطَّرت طرقَ تفاعل الأفراد والمجموعات العرقية والقبلية مع بعضهم بعضًا، في تطور أنثروبولوجي ثقافي غني بأدوات التمييز.
الملابس التقليدية
تعد الأزياء الشعبية واحدة من أهم مجالات الفلكلور الشعبي في اليمن الذي يعكس هوية اليمنيين وتقاليدهم وتمايزهم الثقافي. وتميزت الأزياء بزخارف ونقوش بديعة تتباين بحسب مناخات مناطقها وخصوصياتها الفنية وأذواقها وتقاليدها، لكنها في المجمل ظلت على غيرها من المجتمعات الأجمل تنوعًا والأكثر أناقة وإبداعًا وتصميمًا وخامة.
وذهب كثيرون إلى تصنيف الأزياء الشعبية في اليمن بحسب حالة الطقس والمناخ لكل إقليم ومنطقة في اليمن -جبال، سواحل، هضاب- بحسب تصريح المهتم بالتراث، الصحفي علي جعبور، الذي أوضح أن أزياء المرتفعات الجبلية تتميز بدقة النسج وفخامة المواد، ومطرزة بخيوط قطنية حريرية ذهبية وفضية. وهي أزياء تغطي كامل أجزاء الجسم مع وجود فتحة الصدر محكمة الغلق بأزرار، ذات أكمام طويلة وواسعة جدًا في الغالب.
ويضيف: “يعتبر اللون الأحمر والأخضر والأزرق والأصفر والأبيض، من الألوان التي تتناسب مع ذائقة سكان المرتفعات الجبلية إلى جانب استخدام الأحجار الكريمة والمرجان وقشر اللؤلؤ في زخرفة ملبوساتهم بأشكال هندسية مختلفة على امتداد الفستان أو مساحات واسعة منه في الواجهة وأطراف الأكمام”.
ويقول جعبور إن الدراسات المهتمة بالأزياء اليمنية تشير إلى أن أزياء الرجال في المرتفعات الجبلية تتميز بوضع عمامة -كوفية وشال- على الرأس أو فوق الكتف، فيما تضع النساء “سماطة طاس” الذي يُسمى “مَصَر”، إلى جانب غطاء الوجه وهو عبارة عن قماش أسود غامق. وفي رأيه، فإن غطاء الرأس من أساسيات الأزياء الشعبية في الأقاليم الجبلية.
ويؤكد في حديثه أن السهول الساحلية تعتمد في نسج أزيائها الشعبية على منسوجات رقيقة وناعمة كالقطن والكتان؛ نظرًا لأجواء مناطقها ذات المناخ الحار؛ فتظهر أزياء تلك المناطق أجزاءً من الجسم مع فتحةِ صدرٍ واسعة، إلى جانب قميص قطني كتاني يُعمل فوق الثوب، وهو ذو أكمام متسعة.
يرى جعبور أن اللون الأحمر والألوان الفاتحة من الألوان المحببة لساكني الأقاليم الساحلية والتهامية؛ لذا تلفُّ النساء رؤوسهن بغطاء قطني أحمر اللون أو أسودَ، فيما يضع الرجال كوفية قطنية يلفها عصابة بيضاء وفي نهايتها ظُلَّة مخروطية تُحاك من سعف النخيل، مع لفة على الكتف إن لم يتم لفها على الجسم”
بداية الانحسار
وفي تعز، تمتاز جبال صَبر بزيها الخاص الذي يجتاز بجماله أزياء شعبية أخرى، وأكثر ما يميزه حضور “المُشْقُر”، وهو باقة من الورود والزهور التي تزين “المقرمة” التي تلتف حول الرأس بشكل دائري أعلى “المَصَر”، وهذا الأخير عبارة عن حجاب يتم لفه حول الرأس ثنية تلو أخرى بشكل جذاب ومغرٍ إلى جانب القميص الذي يغطي الجسد.
وتتميز صَبِر عن غيرها من المرتفعات الجبلية أن لكل منطقة في الجبل نفسه ذائقة خاصة، ولكل مناسبة زيها الخاص، عدا أن جميع هذه الأزياء قد انحسرت نتيجة مد الأيديولوجيا الدينية، بحسب توصيف السيدة عائدة الصبري.
وتقول: “في التسعينيات صحونا فجأة على موجة دعائية دينية تُطالب بأن يحل الخمار بدلًا عن زينا العشبي، انتقادات دينية صدقها الذكور، ولأن المرأة ضعيفة القرار تم تمرير الأحكام ليصبح الزي الذي توارثناه جيلًا تلو جيل من المحرمات”.
الأدب الشعبي
إلى جانب الأزياء التقليدية تزخر اليمن بتنوع ثقافي وبأنواع مختلفة من الأدب الشعبي، يقول الأديب مختار أحمد: “فنون الأدب الشعبي في اليمن متعددة الألوان والسمات والثيمات من شعر إلى نثر، ومن حكايات و”حزاوي” إلى حكم وأمثال وغيرها”.
ويضيف: “فمثلا للشعر الشعبي في اليمن مدارسه وألوانه الخاصة، فهناك الزامل الذي ارتبط بمناسبات اجتماعية وطقوس دينية، وهو زامل إنشادي من الرجز غالبًا، يؤدى بأصوات مرتفعة ومختلطة، إلى جانب شعر الحداء والرواية والزجَل والقصيد والدان الحضرمي”.
ويتابع: “هناك أيضًا شعر المهاجل الذي يؤدى أثناء فلاحة الأرض وحصادها. ولا ننسى الشعر القادم من تهامة، وهناك الأغاني الشعبية، غنائية المكان وأغنيات الغربة وأغنيات المكاشفة، و”الدودحيات” وأغاني الزراعة، وأغاني الأعراس. وكان الشاعر عبدالله البردوني من أبرز من كتب في الأدب الشعبي في اليمن في كتاب يحمل نفس المسمى».
تُعد الحكايات من أبرز مجالات الأدب الشعبي في اليمن، منها حكايات وأساطير. وكان الحكواتي يضيء السهرات الليلية بالحكايات والسِّيَر، وهي أكثر صنوف الأدب الشعبي انحسارًا. ويرجح كثيرون سبب ذلك إلى ظهور وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل المرئية والمسموعة؛ مما أدى إلى نسيان الكثير من الحكايات الشعبية.
الرقصات الشعبية
ومثلما تمتلك اليمن ألوانًا فلكلورية مختلفة من الأدب والزي والأطباق والموسيقى فإن لها ألوانها المتفردة من الرقص، الذي يعد أحد أكثر مجالات الفلكلور الشعبي اليمني شهرة وحضورًا وإحياء؛ فهو ما يزال محافظًا على ثرائه بخلاف الألوان الأخرى من التراث الثقافي، منه ما ارتبط بالصراع وآخر بالسلم، وأغلبه له علاقة بالأهازيج والمواويل والمُلالاة المرتبطة بفعل الزراعة.
تزخر اليمن بقدر كبير من الرقصات الشعبية التي تخلف باختلاف المناطق، وأكثرها بروزًا: البرع، الزفين، الركلة، الحناء، الشرح، الهبيش، العدة، الزربادي، الشبواني، الليو، البامبيلا، السواحيلي. وتتجاوز ألوان الرقص الشعبي اليمني أكثر من 400 رقصة لكل منها إيقاعها وحركاتها وأزياؤها الخاصة، بحسب ما تشير إليه دراسات تراثية في ذات الاختصاص.
الجدير بالإشارة أن الفلكلور اليمني بتعدده وألوانه وخصوصيته يعيش موجة من التهميش والتجريف، وستكون النتائج وخيمة إن بقي مهملاً معرضًا للنسيان والمصادرة.
96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…