التراث الشعبي.. ثروة ثقافية تعزز التنمية الاقتصادية في اليمن
صوت الأمل – أحمد باجعيم
تزخر اليمن بتنوع ثقافي هائل يتجسد في الصناعات التقليدية والأزياء والفنون الشعبية والرقصات التقليدية المتنوعة التي تعكس تاريخ البلد وتراثه. وتلعب هذه العناصر دورًا حيويًا في الاقتصاد اليمني بصورة مباشرة وغير مباشرة؛ إذ إنها تشكل موروثاً ثقافيًا لا يقدر بثمن، ولها أهمية كبيرة في تحقيق التنمية المستدامة في اليمن من خلال خلق فرص عمل واعدة للنهوض بالاقتصاد وتحسين معيشة المواطنين.
وتعد الصناعات التقليدية والحرف اليدوية من أهم مصادر الدخل والعمل للعديد من العائلات اليمنية، ومن أبرز تلك الحرف النسيج والخزف والزجاج والفضة والتطريز والفخار والمنسوجات النباتية (صناعة الخوص). وتعكس هذه الصناعات تقنيات ومهارات وحرفية عالية، وتعد جزءًا لا يتجزأ من التراث اليمني.
الأهمية الاقتصادية
لأهمية الدور الاقتصادي الذي يقدمه التراث الفلكلوري اليمني، شاركت اليمن في مهرجان الشيخ زايد التراثي في دولة الإمارات عام 2020 بجناح خاص احتوى على عدد من الموروثات الشعبية الفلكلورية التي تشتهر بها اليمن، وذلك بعنوان “الجناح اليمني في مهرجان الشيخ زايد.. كنز الموروث”. استقبل الجناح آلاف الزوار، وذلك لتعدد الفنون والرقصات التقليدية والمصنوعات التراثية المتعددة. وتعد هذه المشاركة الخامسةَ على مستوى الدول العربية؛ بهدف الترويج اقتصاديًا وثقافيًا، وتسويقًا للحرَف والمصنوعات التراثية وجذب السياحة.
كما وقَّعت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والاتحاد الأوروبي في مارس 2022، اتفاقية مشروع بقيمة عشرين مليون يورو لزيادة دعم القطاع الثقافي في اليمن، من خلال خلق فرص عمل لثمانية آلاف شاب وشابة وحماية التنوع الثقافي الفريد في البلاد لمدة أربع سنوات، استهدفت محافظاتٍ مختلفة في اليمن.
ويهدف المشروع إلى خلق فرص عمل وظيفية للشباب في المواقع الأثرية والتاريخية وزيادة قدرة عائلاتهم على الصمود الاقتصادي من خلال الحفاظ على الممتلكات الثقافية المهمة، وتحسين الظروف المعيشية لهم، ويدعم الشركات الصغيرة والأصغر والمؤسسات المحلية المهتمة بالمجال التراثي ومنه الفلكلور الشعبي.
وأضافت الاتفاقية أن التراث الثقافي اليمني يعد فرصةً لتعزيز التنمية المستدامة من خلال توفير الوظائف ودعم سبل العيش الاقتصادية للعديد من العاملين في المهن التراثية المتنوعة، وكذلك التركيز على البعد الإنساني وحماية الثقافة والتراث اليمني من الاندثار مع ضمان العيش بكرامة للعاملين في المهن الفلكلورية الشعبية؛ لا سيما أن قطاع الثقافة تأثر بشكل كبير جراء الصراع الذي طال العديد من المدن والقرى التاريخية والمواقع الأثرية، وتراجعت العمالة كثيرًا نتيجة نقص الموارد المالية.
ووفقًا للتقرير، فإن اليونسكو والاتحاد الأوروبي أطلقا عام 2018 “مشروع النقد مقابل العمل: تحسين فرص كسب العيش لشباب المناطق الحضرية في اليمن”، بقيمة 12 مليون دولار أمريكي؛ استجابة للاحتياجات البشرية العاجلة والتهديدات التي تواجه بيئات التراث العمراني في مواقع التراث العالمي في اليمن (صنعاء، شبام، زبيد) بالإضافة إلى الأبنية التاريخية في مدينة عدن. وقد دعم المشروع 800 عاملٍ وفنانٍ في التراث التقليدي من خلال أنشطة نفذتها 13 منظمة ثقافية، ووُظِّف أكثر من 3300 شاب وشابة؛ الأمر الذي أسهم بطريقة مباشرة في تحسين وضع العاملين في المجال الثقافي والتراثي اقتصاديًا.
الواقع الفلكلوري قديمًا وحديثًا
أشار أستاذ التاريخ في جامعة حضرموت الدكتور خالد باوزير إلى أن “الفلكلور الشعبي له صلة وثيقة بتاريخ اليمن وثقافته واقتصاده؛ ففي الماضي كان يشكل أهمية كبيرة للتبادل التجاري بين الناس والشعوب قبل اكتشاف العملات النقدية، وكان التراث الفلكلوري ذا أهمية اقتصادية في تلك الحقبة، سواء في اليمن أو في البلدان الأخرى؛ إذ كان اليمنيون يعتمدون بشكل أساسي على المصنوعات اليدوية، مثل الفخار والفضِّيات والخوصيات والجلديات في حياتهم اليومية. وكان الطلب على هذه السلع مرتفعًا، مما أدى إلى حركة تجارية نشطة بين مختلف المناطق اليمنية، بالإضافة إلى أن الحرفيين الذين ينتجون هذه السلع يحصلون على دخل ممتاز”.
ووصف الدكتور باوزير أن الحركة الشرائية والمردود المالي للعاملين في صناعة التراثيات في الوقت الحديث أصبح ضعيفًا، يقابله عزوف كبير من المجتمع نتيجة تراجع نشاط تجارة المصنوعات اليدوية الشعبية، وذلك بعد دخول المنتجات الحديثة، مثل الزجاج والألمنيوم، التي أدت إلى استغناء كثير من البيوت اليمنية عن اقتناء المصنوعات التقليدية، خصوصًا في المدن والمناطق الحضرية، وتغير نمط الحياة إلى تقليص استخدامات المنتجات التقليدية؛ إذ أصبحت تُستخدم بشكل أساسي كتحف وهدايا وزينة.
وأضاف أن بعض القرى اليمنية ما زالت تستخدم بعض المصنوعات التقليدية التراثية لكن بشكل محدود؛ ولهذا أصبح الوضع الاقتصادي للعاملين في الصناعة التراثية صعبًا نتيجة انحسار النشاط الشرائي لها، فضلاً عن تداعيات الظروف الاقتصادية والإنسانية التي تمر بها البلاد.
التنوع الشعبي
المرشدة السياحية في متحف المكلا (قصر القعيطي) سمية باعشن تقول: “حضرموت، واليمن عمومًا، تتمتع بموروث فلكلوري كبير، فمثلًا يحتوي متحف المكلا على قاعة مخصصة للعادات والتقاليد تضم كثيرًا من القطع الأثرية والتاريخية المتنوعة والأدوات المستخدمة في فترات زمنية متعاقبة كالأسلحة وأدوات المطبخ والبيت والملابس والأدوات الحجرية والفضيات والإضاءة والخُوص وغيرها؛ وهذه تعكس حياة الأمم وتاريخها وثقافتها. وقد أسهم المتحف في الحفاظ على تلك المقتنيات الأثرية وعرضها للزوار، وأحيا العديد من الفعاليات الفلكلورية ضمن الاحتفال الوطني بيوم الوعل اليمني في 21 يناير من كل عام”.
وأوضحت باعشن أن التنوع التراثي الكبير الذي تزخر به اليمن يعد امتدادًا لحضارات عريقة نشأت على الأراضي اليمنية، ويعد من أهم الركائز لتنشيط القطاع السياحي في الوطن مما سيحقق نقلة اقتصادية على حياة العاملين في الصناعات التقليدية والحرفية أو على مستوى الاقتصاد الوطني من قطاع السياحة. وعلى الرغم من الإرث الثقافي والتراثي الكبير الذي تتفرد به اليمن عن غيرها من الدول فإن الوضع الراهن الذي يعصف بالبلاد لم يساعد على تنشيط الجانب السياحي بالصورة المطلوبة.
وأضافت أن متحف المكلا يقيم العديد من الفعاليات والمهرجانات التي تجسد تاريخ اليمن وحضارتها، وربط الإنسان بالتراث الشعبي وتعزيزه، وتعريفه بأهميته في الحاضر والمستقبل؛ إذ إن الفعاليات تسهم في إبراز الفلكلور الشعبي، وكيفية المحافظة على أصالته وهويته التاريخية. إضافة إلى ذلك، تهدف الفعاليات إلى تشجع العاملين في المهن التقليدية من خلال عرض منتجاتهم وتسويقها أمام الزوار ووسائل الإعلام المختلفة.
نماذج لمشاريع
يقول فهد بابريجة القاطن بمديرية دوعن في محافظة حضرموت: “مشاريع صناعة الفخار من المشاريع التي شهدت تراجعًا خلال العقدين الماضيين؛ نتيجة دخول الصناعات المنافسة والأكثر حداثة. مع ذلك هناك إقبال من المواطنين على اقتناء بعض أنواع المصنوعات الفخارية، مثل الأزيار التي تستخدم لحفظ الماء وتبريده، وفناجين القهوة الفخارية التي يزيد الطلب عليها في شهر رمضان، وكذا التنانير. أما الأنواع الفخارية الأخرى فالطلب عليها ضعيف في أغلب الأوقات”.
فهد بابريجة ينحدر من عائلة امتهنت صناعة الفخار منذ زمن، وتعد العائلة الأكثر شهرة على مستوى المحافظة في صناعة الأواني الفخارية. يشير فهد إلى أن الاعتماد في الوقت الحاضر على الصناعة الفخارية اقتصاديًا صار شاقًا؛ إذ لا يوجد دخل مادي آخر، وأصبحت أكثر الصناعات الفخارية تركز على صناعة التنانير التي لا يكاد يخلو بيت في حضرموت أو المحافظات المجاورة منها؛ ولذا فإن تأثير التراث الفلكلوري على المجتمع والاقتصاد يكاد يكون معدومًا في ظل استمرار النزاع الذي تشهده اليمن، والانهيار الاقتصادي وتراجع القطاع السياحي.
من جانبه ذكر باسم باجريف أن والدته تعمل في المنسوجات النباتية (الخوصيات) المكون من سعف النخيل في مديرية حجر غربي مدينة المكلا، وأن العائد الاقتصادي من منتوجات الخوص تعد محدودة في أغلب الأوقات. وتتمثل المنتجات من الخوص في سُفَر الطعام، و(القُفَفَ) مفردها قُفَّة تشبه السلة يستخدمها المزارعون. وكذا (المِقْيَش) الذي يعد من أدوات النظافة، والمرواح، و(الكناب) الذي يستخدم لحفظ الطعام، وقُبعات القش التي يرتديها المزارعون ورعاة المواشي لحمايتهم من أشعة الشمس وغيرها، ويعد الإقبال على اقتناء تلك المصنوعات مستمر بشكل غير مربح؛ إذ ما زالت أسعارها زهيدة مقارنة بالوضع الاقتصادي الصعب.
وأوضح باجريف أن صناعة الخوصيات تعد من أهم الحرف اليدوية في اليمن، خاصةً في مديرية حجر، ويمكن لهذه المهنة أن تشكل رافدًا اقتصاديًا مهمًا للنساء العاملات فيها، إذا تم دعمها وتطويرها بشكل صحيح كون المنسوجات التراثية مطلوبة بشكل كبير في العديد من الدول، خاصة دول الخليج مثل سلطنة عمان والإمارات والكويت؛ إذ يجرى تصديرها بشكل فردي. وتقوم بعض الجهات بشراء الخوص من العاملات بأسعار زهيدة جدًا لا تتجاوز دولارين للمنتج الواحد، ثم تُباع في الخارج بأسعار مضاعفة؛ مما يعرض العاملات للاستغلال؛ الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تنظيم عملية تصدير الخوصيات من قبل الحكومة؛ لضمان حصول العاملات على حقوقهن.
وفي ختام التقرير يمكن القول إن الصناعات التراثية والفلكلورية، مثل الأزياء والرقصات والفنون الشعبية وغيرها، تعد من أهم مكونات الثقافة اليمنية التي تشكل رافعة للاقتصاد الوطني إذا تم استغلالها بشكل صحيح؛ إذ تسهم الصناعات التراثية في توفير مصدر دخل للعديد من العاملين في مجال الحرف اليدوية والفنون الشعبية، وتنمية القطاع السياحي من خلال العمل على جذب السياح إلى مختلف المحافظات اليمنية التي تزخر بالموروثات الفلكلورية المتنوعة التي بدورها ترفد الاقتصاد الوطني بعائدات السياحة وبيع المنتجات اليدوية؛ الأمر الذي يحتاج إلى بذل جهود مضاعفة من قبل الحكومة والقطاع الخاص للعمل على ترويج التراث اليمني في الداخل والخارج.
96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…