‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة الفلكلور والأزياء الشعبية في اليمـن الأزياء الشعبية اليمنية القديمة إرث حضاري يحافظ على الهُوية الوطنية

الأزياء الشعبية اليمنية القديمة إرث حضاري يحافظ على الهُوية الوطنية

  صوت الأمل – علياء محمد

يتباهى اليمن بإرث حضاري عريـق يمتـد لآلاف السنين، ويعدُّ من أكثر البلدان تميّزًا بموروثاته الشعبية على مستوى العالم العربي والدولي، ومن أهمها الأزياء التراثية الشعبية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي اليمني؛ إذ برع أهل اليمن في صناعة الملابس التي تميّزت بالدقة في الخياطة، وجودة المواد الخام، ممّا جعلها رمزًا للجمال والأناقة.

وجسدت الأزياء اليمنية تنوع الثقافة اليمنية وتراث الحضارة التي مرت بها على مر العصور، والتي تحمل في طياتها قصصًا وتاريخًا غنيًّا، وقيمًا تعكس روح اليمن، وتعبّر عن هويته، على الرغم ممّا تمرُّ به من تحديات تتمثل في تغير أنماط الحياة، وانتشار الأزياء العالمية.

حفاظ على الهُوية

إنّ الأزياء الشعبية اليمنية تختلف من منطقة إلى أخرى، فلكل منطقة خصائصها وتصاميمها الخاصة؛ إذ نجد في شمال اليمن الزي الصنعاني المميز، في حين يهيمن الزي العدني على جنوب اليمن، الذي يسمى بالدرع، وهناك تنوع في الأزياء في حضرموت وتعز وتهامة وغيرها من المحافظات التي تضفي جمالًا فريدًا ومميزًا ومختلفًا، وتُصنع من مواد طبيعية عالية الجودة، مثل القطن والحرير والصوف، وتعكس القيم والتقاليد والعادات التي تميّز المجتمع اليمني عن غيره من المجتمعات.

“تلعب الأزياء الشعبية اليمنية دورًا مُهمًّا في المحافظة على الهُوية الثقافية لليمن، ونقلها من جيل إلى آخر”. هذا ما أكدته أنيسة طربوش (رئيسة جمعية الخياطة والإنتاج الحرفي في عدن)، التي تعدُّ من أوائل النساء العاملات في العمل المجتمعي، والداعمات للشباب والشابات في صقل مهارتهم في الحرف اليدوية؛ إذ تقول لصحيفة صوت الأمل: “لا شكَّ أنّ الأزياء التراثية اليمنية المتنوعة تعدُّ جزءًا مهمًّا وأساسيًّا في نشر الثقافة اليمنية بين أوساط المجتمع المحلي والدولي، كما تعدُّ عنصرًا أساسيًّا في تعزيز الهُوية الوطنية للمجتمع اليمني، وتعكس تاريخ البلد وتقاليده، فالوجب المحافظة عليها”.

وأضافت: “أنّ الملابس والأزياء الشعبية تحمل في طاياتها كثيرًا من حضارة الأجداد، التي وجب الحفاظ عليها؛ إذ كانت تعدُّ استثمارًا في الماضي، تعزّز فيها الهُوية والجذور الثقافية في كل المحافظات اليمنية، كما أنّها تعدُّ رمزًا للهُوية التاريخية في الحاضر”.

وأشارت إلى أنّ الأزياء التراثية اليمنية تسهم في تعزيز السياحة في اليمن؛ إذ يمكن للسيّاح الأجانب الاستمتاع بجمال الثقافة ورونقها والتقاليد اليمنية، من خلال مشاهدة الأزياء التراثية اليمنية واقتنائها، وهذا الأمر لمسناه من خلال التعامل مع الأجانب في مُدَد طويلة.

وفي سياق متصل تقول وصال نعمي (مصممة أزياء): “تعود أصول الأزياء الشعبية اليمنية إلى عدة قرون مضت، حاملة معها عبق التاريخ وحضارة عريقة، وعلى الرغم من تطور الحياة وتغير أنماطها في مجال الأزياء، ما زالت الأزياء الشعبية اليمنية تحتفظ بطابعها الجمالي المتميز الذي لا يمكن طمسه، رافضة الاستسلام لزحف العولمة، وتتمثل أهميتها كونها شاهدة على تاريخ اليمن وحضارته العريقة، التي تعكس الثقافة والتراث الغني لهذا البلد على مرِّ السنين”.

  وأضافت وصال نعمي: “أنّ الأزياء اليمنية تتميز بتنوعها وتعدّدها؛ إذ تختلف تصاميم الملابس والإكسسوارات حسب المنطقة والقبيلة؛ فملابس المناطق الساحلية تختلف عن أزياء المناطق الجبلية، ولا تقتصر الأزياء الشعبية اليمنية على الملابس فقط، بل تشمل أيضًا الإكسسوارات، مثل الحلي والأوشحة والأحزمة المتميزة بتصاميم دقيقة ومعقدة منذ آلاف السنين، إضافة إلى ذلك تحتوي بعض الأزياء على كتابات بالخط المسند”.

وتستطرد وصال نعمي: “أنّ الأزياء الشعبية اليمنية تشكل جزءًا لا يتجزأ من تراث اليمن الثقافي والتاريخي، والحفاظ على هذا التراث والاهتمام بالأزياء والتشجيع على ارتدائها في أغلب المناسبات يعزّز من الهُوية والانتماء الوطني للثقافة اليمنية، كما يسهم في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي القيّم”.

  وتتابع: “تحظى الأزياء الشعبية بمكانة خاصة في قلوب العرب والعالم أجمع؛ إذ كان يتوافد العديد من السيّاح لشراء الأزياء التقليدية الفلكلورية والإكسسوارات؛ إذ تمثل رمزًا للهوية والتاريخ والثقافة، وتتميز بالتنوع والإبداع، الأمر الذي جعلها وجهة مثالية للسياح الباحثين عن الأصالة، ولزيادة اهتمام السياح بالأزياء الشعبية، يجب إقامة المعارض الخاصة بالأزياء الشعبية الفلكلورية، وعمل مقارنة بين تاريخنا في الملابس وحاضرنا؛ بهدف فهم تطور الأزياء اليمنية عبر العصور، وإعطاء معلومات كافية حول الأزياء والملبوسات اليمنية القديمة للمهتمين”.

تنوع واختلاف

ممّا لا شك فيه أنّ الأزياء اليمنية الشعبية متميزة وغنية بالتفاصيل المختلفة؛ إذ تختلف تصاميم الأزياء اليمنية من منطقة إلى منطقة أخرى؛ نتيجة التأثر بالمعتقدات والعادات المحلية لكل منطقة، ويمكن رؤية هذا التنوع الثري في الأزياء الشعبية اليمنية التقليدية.

وحول التنوع والاختلاف المتميز فيه أزياء اليمن الشعبية، أفاد محمد الشوذري (مصمم أزياء ورقصات شعبية) أنّ اختلاف الأزياء الشعبية اليمنية وتنوعها عبر العصور يظهر نتيجة اختلاف المناطق الجغرافية اليمنية وتنوع تضاريسها وعاداتها وتقاليدها، وأنّ الأزياء الشعبية اليمنية ليست مجرد ملابس فقط، بل تعدُّ لوحة فنية تعبّر عن ثقافة عريقة وتاريخ حافل تعكس التنوع والاختلاف المتميز في كل منطقة يمنية؛ إذ تشكل الأزياء الفلكلورية نموذجًا متميزًا؛ نظرًا لتصاميمها وألوانها الزاهية الفريدة من نوعها، التي تحتوي على الجوانب الحياتية للإنسان اليمني.

كما أكد في حديثه أنّ النساء اليمنيات تفضل ارتداء الملابس ذات الألوان الزاهية والزخارف الجميلة، خاصة الأزياء التي طرِّزت بشكل يدوي، مثل الفصل والنقش والكروشيه، التي تعدُّ من الجوانب البارزة والفريدة في الأزياء الشعبية اليمنية.

أنواع الأزياء التراثية اليمنية

 وحول بعض أنواع هذه الملابس يقول الشوذري: “مع مرور الزمن تميزت محافظة عدن وأبين ولحج بلبس زي الدرع، وهو عبارة عن ثوب من القماش الخفيف، ويُزين هذا الزي بالحزام والحلق والبناجر الذهبية (أساور اليد) والمقرمة (منديل للرأس). أمّا بالنسبة للزي اليافعي فيسمى بزي الدمس، والزي الحميري، فهو زيٌّ شعبيٌّ يبدأ من محافظة أبين وصولًا إلى محافظة المهرة، ويتميز بطوله من الخلف وقصره من الأمام، ويلبس فوقه غطاء الرأس والحلي والحزام الفضي على الخصر”.

مضيفًا: “تتميز محافظة حضرموت بلبس الزي القصير من الأمام والطويل من الخلف، المصنوع من قماش القطيف المشجر، المزين بتطريزات مزخرفة، ويلبس عليه حزام من الفضة، إضافة إلى ذلك هناك مناطق في حضرموت تتميز بلبس مكوّن من أربع قطع مطرزة بالخيوط الملونة. أمّا بالنسبة للزي التراثي في شبوة فيختلف بالطرحة الموجودة على الرأس، التي تتكون من الشبك، وتخاط يدويًّا بخيوط مرتبط بعضها مع بعض. أمّا في محافظة أبين إلى محافظة المهرة فيلبس معصب الرأس فوق الثوب المهري، ويتميز الزي في جزيرة سقطرى بطول الثوب من الخلف، ويلف لفتين على الخصر، ويثبّت بسلسلة”.

وحول الأزياء الشعبية والقديمة في المحافظات والمناطق الشمالية لليمن يقول الشوذري: “تلبس النساء في محافظة صنعاء وبعض المحافظات القريبة منها زيًّا يسمى بالزّنة، وهو فستان يلبس تحته سروال مطرز ومحاك بخيوط ذهبية أو فضية من الأسفل، ويزينه عصبة توضع على الرأس، والعصبة منديل يزيّن بالحلي الفضية أو الذهبية. أمّا بعض المناطق التابعة للمحافظات الشمالية فيلبس القرقوش (غطاء رأس مطرز)”.

 وأوضح أنّ أهم ما يميز لباس محافظة تعز أنّه يتكون من فستان واسع الأكمام يسمى بالقميص، يلبس على سروال محاك بخيوط ومناديل ملونة تربط على الرأس، وتزين بالمشاقر، وبالنسبة للزي في منطقة تهامة فإنّه قصير وعريض يطرّز من المقدمة، كما أنّ هناك زيًّا تهاميًّا يسمى الجونلية، وهو زيٌّ طويل ملموم من الخصر وعريض الأكمام، ويلبس عليه المنديل والكوفية العزف لتغطية الرأس والصدر.

وحول الأزياء الشعبية التي تميز بلبسها الرجل اليمني، ذكر كتاب (الملابس في اليمن القديم) للباحث محمد عوض منصور أنّ ملابس الرجال بصفة عامة مكوّن من قطـع عديدة من القمـاش، ويـتراوح عـددها مـا بـين القطعـة الواحـدة إلى ثــلاث قطــع، وأنّ الزي الشعبي للرجال يتكون من الإزار؛ وهي قطعة قماش مسـتطيلة الشـكل تسـتر النصـف الأسـفل مـن الجسـم، وذلك عن طريق لـف الطرفين فوق بعضهما، ويسمى هذا الزي بالمعوز أو المقطب أو السباعية، كما أنّ هناك زيًّا ما شبهًا له، ولكنه ما يميزه عن المعاوز هو أنه مغلق، ولا يوجد به أي فتحة جانبية، ويسمى بالفوطة، ويستخدم في المنـاطق السـاحلية، في حين يفضّــل ســكان الأريــاف لــبس الأُزُر المفتوحــة.

وأشار الباحث إلى أنّ هناك عناصر ثانوية تزين الزي الشعبي الخاص بالرجال في اليمن، أبرزها العمامـة علـى الرأس، إلى جانـب الزينة، مثـل الأحذيـة والحلـي الرجاليـة والخنـاجر.

دعم للاقتصاد

تؤكد أنيسة طربوش على أهمية الأزياء الشعبية، ودورها في دعم الاقتصاد، وتعزيز الصناعات المحلية؛ إذ تلعب دورًا مهمًّا في دعم الاقتصاد المحلي، وتحفيز النمو الاقتصادي؛ إذ أسهمت صناعات الأزياء الشعبية في توفير فرص عمل للمصممين المحليين والحرفيين، كما ساعدت الأزياء الشعبية الفلكلورية في تعزيز التبادل الثقافي بين المناطق المحلية على مستوى العالم، وذلك عبر الترويج للثقافة المحلية من خلال ارتداء الملابس التراثية والأزياء الشعبية في مختلف المناسبات، الأمر الذي أسهم في نشر الوعي بالثقافة التقليدية.

وأشارت طربوش في حديثها إلى أنّ السياحة الثقافية تعدُّ عنصرًا أساسيًّا لزيادة دخل المواطن والدولة؛ إذ إنّ الأزياء الشعبية والملبوسات التراثية تعدُّ وسيلة من وسائل جذب السياح، من خلال التسويق المناسب والمثير للأزياء الشعبية. مشددة على الاهتمام بالأزياء الشعبية اليمنية التي تعدُّ أمرًا ضروريًّا للمحافظة على التراث الثقافي اليمني.

 وأوضحت: أنّ الحفاظ على الروابط بين الماضي والحاضر يأتي عبر اهتمام الحكومة والمجتمع المدني في تقديم الدعم اللازم للمشاريع والمبادرات التي تهدف إلى حماية الأزياء التراثية وتعزيزها، إضافة إلى ذلك تقديم التسهيلات والإجراءات لدعم الحرفيين والمصممين، الذين يعملون من أجل الحفاظ على تقاليد الأزياء الشعبية اليمنية وتطويرها لتُلائم احتياجات العصر الحديث.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني

صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…