واقع الفلكلور الشعبي.. المدن اليمنية حافلة بالموروث الشعبي المتنوع
صوت الأمل – ياسمين عبدالحفيظ
تمتلك اليمن أنواعا كثيرة من التراث الشعبي، اتّسمت بصفات ارتبطت بالمكان والتاريخ، ولها جماليات تنفرد بها عن غيرها في البلدان العربية وكل دول العالم.
ويعرّف التراث الشعبي بأنّه: “مجموعة من العادات، والتقاليد، والمعتقدات التي تنتقل بطريقة شفهية بين الناس، كالأغاني، والرقصات الشعبية، والطب الشعبي، والقصص الشعبية”. بحسب أحمد صالح الباروت، مدير عام الفضاءات الثقافية_ قطاع التراث اللامادي في وزارة الثقافة.
من جهته يقول محمد سبأ (باحث متخصص في التراث الثقافي): “إنّ كثيرًا من المسميات أطلقت على التراث الشعبي، ومنها كلمة (فلكلور) التي تعد كلمة ألمانية تتكون من شقين، وتعني: حكمة الشعب، وبالتالي يجب أن تطلق لوحدها دون شعبي؛ لأنّها ستصبح حكمة الشعب الشعبي، وبالنسبة لي أُفضّل تسمية التراث الثقافي أو التراث الشعبي”.
موضحًا أنّ كثيرًا من رواد العلم في وطننا العربي قد اتّفقوا على تسميته (الثقافة الشعبية)؛ أي ثقافة البلد، وأنّ منظمة اليونسكو تطلق عليه (التراث الثقافي)، ويشمل قسمين؛ هما: التراث الثقافي المادي، ويقصد به المدن التاريخية والمواقع الأثرية والمحميات الطبيعية والمعالم التاريخية، وقسم التراث الثقافي غير المادي، ويشمل العادات والتقاليد والأعراف والحرف والمهارات اليدوية والأغاني والرقصات والموسيقى والألعاب الشعبية والأمثال والحكايات الشعبية”.
أنواع التراث
ويعدُّ الرقص الشعبي أحد أنواع التراث في اليمن، إلى جانب الزي الشعبي والمهاجل والأهازيج والأمثال والأغاني الشعبية والقصص والأمثال والحكايات والألعاب، والمنتجات الحرفية من إكسسوارات وتحف وخناجر وسيوف، وغيرها من الأدوات القديمة التي كانت تستخدم في الحياة اليومية، والمباني القديمة وغيرها.
وللحديث عن أنواع التراث الشعبي في اليمن، يقول أحمد الباروت: “الرقص الشعبي، وفنون أداء الأغاني، والموسيقى، والإنشاد، والموشحات الدينية، والمهاجل والزوامل، واللباس التقليدي اليمني (للرجل والمرأة)، والصناعات التقليدية والحرف اليدوية”.
ويتابع حديثه: “إضافة إلى الأكلات الشعبية بمختلف أنواعها، والقيم والعادات والتقاليد والأمثال والقصص والحكايات الشعبية، والأسواق والملتقيات الشعبية، والممارسات والاحتفالات الدينية والوطنية، والمهارات الزراعية”.
ويواصل: “أنّ ما يميز التراث الشعبي عن غيره بأنّه تراث أصيل غزير ومتنوع لم تطرأ عليه تغيرات جوهرية إلّا فيما ندر، وأنّ لكل عنصر ميزته المحلية؛ إذ تختلف أو تتشابه ممارسته من منطقة إلى أخرى بحسب العادات والتقاليد والظروف السائدة”.
من جهته يوضح خالد أحمد عيسى (مختص بإدارة التراث الثقافي لدى الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم والمناطق التاريخية) أنّ الفلكلور الشعبي يعدُّ أحد أنواع التراث الثقافي غير المادي، وهو نوع من التراث الشفاهي الذي يميز ثقافة الشعوب، ويختص بها في عاداتهم وتقاليدهم التي يعبرون عنها شفاهيًا”.
ويتابع: “وبالنسبة لأنواع الفلكلور الشعبي في اليمن فهو متعدد جدًّا بحسب تعدد المحافظات والمناطق، نتيجة للتنوع الجغرافي لليمن الذي نتج عنه العديد من أنواع الفلكلور الشعبي، منها على سبيل المثال الرقصات الشعبية التي تختلف بين المحافظات والقرى اليمنية، بالإضافة إلى الأغاني والأشعار والزوامل والقصص الشعبية، والفنون الخاصة بالحرف التي تختلف من منطقة لأخرى بحسب الثقافة”.
ويرى زياد العنسي (فنان تشكيلي) أنّ كلَّ نوع يتميز عن الآخر، مثل الإرث التاريخي المتمثل في الآثار اليمنية التي توثق كثيرًا من الجوانب الفلكلورية المتنوعة؛ كالأزياء والمصوغات والحرف اليدوية وغيرها، ويتميز هذا النوع بالخصوصية والفرادة في كثير من المنحوتات والنقوش التاريخية (الوعول، الخناجر، أزياء الملوك والملكات والجنود).
ويضيف: “هناك أيضًا الإرث العمراني المتنوع الذي يختلف من منطقة إلى أخرى، ومثال على ذلك مدينة صنعاء القديمة ذات الطابع المعماري الخاص والفريد؛ إذ تتميز بجمال الزخارف الداخلية والخارجية، وتتجسد في الأحزمة الزخرفية الفريدة والمشربيات والقمريات وغيرها، أيضًا شبام حضرموت لها طابعها الخاص والمختلف تمامًا عن غيرها، وكثير من المدن والأرياف، وهذه الأنواع من التراث تتميز بالفرادة والخصوصية العالمية”.
كما ذكر العنسي أنّ من ضمن الأنواع أيضًا الحرف والمشغولات اليدوية المتنوعة، مثل صناعة الأزياء والحياكة والتطريز وصناعة الفخار، والمصوغات والخناجر والأحزمة والقناديل والمصابيح القديمة؛ إذ يتميز هذا النوع بالخصوصية والجمال والحرفية، بالإضافة إلى العادات والتقاليد الفلكلورية المتنوعة، مثل: تقاليد الزفاف، والأهازيج الزراعية، وحفلات المواليد، وغيرها، وتلك العادات لها ما يميّزها بالخصوصية الفريدة المتوارثة عبر التاريخ.
ويوضح العنسي في حديثه لصحيفة (صوت الأمل) أنّ أهمية الحفاظ على الفلكلور الشعبي في اليمن يأتي عبر التوثيق ورصد كل التفاصيل والتنوع والزخم في هذا الجانب لأزمنة مختلفة؛ بهدف نقلها من جيل إلى جيل.
ويضيف: “يسهم الفلكلور الشعبي في الحفاظ على الهُوية اليمنية، ويمنحها الانتماء والخصوصية أمام العالم، ويعدُّ بمثابة لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة، كما يسهم بدور كبير في إنعاش اقتصاد البلد ورفده، من خلال جذب كثير من السياح من مختلف دول العالم، ويعمل على حفظ كثير من العادات والقيم الإنسانية والجمالية؛ إذ إنّ اليمن بلدٌ ذو تاريخ عريق وعظيم، ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، الأمر الذي وجب على اليمنيين الفخر بالزخم والإرث الفلكلوري المتنوع.
أهمية التراث الشعبي
تتمثل أهمية الفلكلور الشعبي بعدِّهِ إرثًا تاريخيًّا يحفظ للبلاد هويتيه الحضارية، ويعكس طبيعة الحياة التي عاشها الأجداد، وعاداتهم وتقاليدهم، وعظمتهم وإبداعاتهم المختلفة.
يقول أحمد الباروت: “تبرز أهمية التراث الشعبي بشكل عام في تنمية الهُوية الوطنية والاجتماعية لدى الأشخاص، وذلك من خلال نقل الموروث وتقليده في كل مناسبة؛ إذ يعدُّ من أهم المنابر التاريخية التي تسهم في جذب الباحثين والمهتمين عن الإرث الإنساني في اليمن، كما تكمن أهمية الفلكلور الشعبي بأنواعه المختلفة في احتوائه على جزء كبير من ثقافة المجتمع المحلي؛ إذ إنّ الإنسان اليمني يحمل في طياته تاريخ كلِّ منطقة جغرافية وثقافتها، وما تُعرف به من عادات وتقاليد متميزة وفريدة في المجتمع اليمني، تُغني عن قراءة كتب التاريخ”.
ويضيف: “أنّ التراث الشعبي يعدُّ تاريخًا مهمًّا وجب نقله إلى كل الأجيال الجديدة بطريقة صحيحة ومؤثرة؛ إذ يفترض توظيف كل العادات والتقاليد الشعبية التي تعبر عن الإنسان اليمني بطريقة تحافظ على الهُوية الوطنية”.
واقع التراث الشعبي
في السنوات الأخيرة تضررت أنواع عديدة من التراث الشعبي في اليمن، نظرًا للصراع الذي تشهده البلاد منذ سنوات، ومنها المباني والمواقع الأثرية التي تعرضت للتدمير والنهب، إلى جانب تهريب التُّحف والمنحوتات الأثرية.
“هناك أنواع من التراث تعرضت للطمس والنسيان جراء إهمال أرشفتها وتوثيقها، مثل القصص والأهازيج الشعبية، وغيرها من الفنون السمعية، إلى جانب ذلك يواجه التراث الشعبي في اليمن تحديات تنذر باندثار الإرث الحضاري”. وذلك حسب أحمد الباروت.
كما أوضحَ بأنّ التراث الشعبي يتعرض إلى تحدٍ كبير يتمثل في دخول الآلة التي تهدد استمرار العمالة الماهرة في مجالات الحرف اليدوية والأزياء الشعبية وغيرها، وذلك باستخدام قوالب وتصاميم جاهزة، وصنع عدد كبير من المنتجات بأسعار بسيطة، وبوقت قصير.
ويرى الباروت أنّ المنتجات الحديثة تجعل المواطنين والتجار يستغنون عن المنتج اليدوي، كذلك الحال في مجال الغناء والموسيقى والفنون، منوهًا أنّ الآلات الحديثة والأزياء المستوردة تستخدم على حساب الآلات والأزياء التراثية.
ويشير الباروت في حديثه إلى أنّه رغم النتائج السلبية لدخول الآلة في مجال الصناعات اليدوية، فإنّه يمكن استغلالها في تسهيل صناعة الحرف اليدوية، وسوف يؤدي إلى استمرارها وتطويرها ومواكبتها لمتطلبات احتياجات العصر، كذلك الحال في مجالات الفنون والموسيقى، فقد أدّى استخدام الآلات الحديثة إلى حدوث تطور كبير في الموسيقى والألحان والرقصات والممارسات الشعبية، وحفز انتشارها محليًا وخارجيًا، وسهل عملية حفظ الأعمال وتوثيقها ونشرها”.
وحول عملية استيراد الجنابي والمنتجات المعدنية والحلي، يؤكد الباروت على ضرورة منع استيراد أي منتجات تراثية من الخارج، وذلك من قبل الجهات المعنية في الدولة، والعمل على دعم الحرف والمشغولات اليدوية المحلية”.
وأوضح بقوله: “لقد أدّى الصراع الذي تشهده اليمن إلى موجات من النزوح؛ ممّا أدّى إلى نشوء جيل غير متصل بعاداته وفنونه وممارساته الثقافية، مؤكدًا على ضرورة إطلاق مشاريع حفظ التراث الثقافي غير المادي وصونه وحصره، ودعم المشاريع والبحوث والدراسات في هذا المجال ليصل إلى كل فرد في المجتمع”.
96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…