تنوع الأغاني والرقصات الشعبية في اليمن..من الفضاءات الشعبية إلى أروقة التاريخ
صوت الأمل – هبة محمد
تتألق الثقافة اليمنية بتنوعها وغناها المتميزين والفريدين اللذَين يعبران عن حضارة عريقة تمتد لآلاف السنين. وتعكس الأغاني والرقصات الشعبية الفلكلورية، التي تجتاح الفضاء الشعبي وتنتشر في أروقة التاريخ، مدى ذلك التألق. إن تراث الأغاني والرقصات الشعبية في اليمن يعد مرآةً لتاريخ الشعب اليمني العريق وترجمة لهويته الفريدة.
ومن جبال اليمن الشامخة إلى السواحل الباسلة، تتراقص الألحان اليمنية مع نسيم الهواء، وتجذب الناس للاحتفال بموسيقى أصيلة تلامس الروح؛ فكل منطقة في اليمن تحمل في زواياها وحواريها ألحانًا وحركات راقصة متميزة، تعبر عن ثقافتها الفريدة وتعزز رابطة أبنائها بالتراث العريق، وتضيف تنوعًا فريدًا على المشهد الثقافي.
صدى الأصالة والثقافة في الأغاني والرقصات
تحمل الأغاني والرقصات الشعبية في كل بلد روحًا فريدة، تعبر عن رحلة إلى جذور الثقافة والتراث الأصيل لكل بلد، ونجد في عالم الأغاني والرقصات الشعبية اليمنية صدى الأصالة والثقافة التي تعبر عن هوية الشعب وترسم صورة حية لتاريخه وتقاليده.
يقول مدير عام الاتحاد الثقافي اليمني فؤاد الحميري: “اليمن الكبير زاخر بالتراث الجميل والثقافة العريقة والواسعة والمتنوعة؛ فقد حوى في طياته منذ القدم العديد من الأغاني القديمة والجميلة والهادفة في محتواها وأسلوبها وأهدافها، وهناك ألوان كثيرة من الأغاني الشعبية والأهازيج التي مُورست -وما زالت تُمارس- في الأعراس والمهرجانات الوطنية وغيرها”.
ويشير إلى أن هناك أغانٍ وطنية وتواشيح دينية جميلة وعريقة، وأغانٍ زراعية متنوعة، وجُلُّها أقرب إلى اللغة الفصحى منها إلى العامية. وما زالت تلك الأغاني والرقصات موجودة حتى وقتنا الحاضر، وتعد موروثًا تحمل طابع الأصالة اليمنية العريقة.
من أبرز الفنانين الذين تغنوا بالتراث والفلكلور اليمني، الفنان الكبير أيوب طارش عبسي؛ إذ تعبر أغانيه عن الأرض والإنسان، وأغاني الفنان علي بن علي الآنسي، والفنانة منى علي، وغيرهم من الفنانين الكبار. وهناك أغانٍ ومهاجل ريفية وأهازيج ساحلية، وأغانٍ مخصصة للجبل والطبيعة بشكل عام. ومن أشهر الأغاني التراثية اليمنية: “خطر غصن القنا”، “سرى الليلة ونائم”، “مسكين يا ناس”، “أراك طروبًا”، “يا ريم وادي بناء”، “بُنَّ اليمن يا دُرر”، وأغاني الأعراس التراثية.
ويوضح مدير الفنون الشعبية بوزارة الثقافة صنعاء، علي المحمدي، أن هناك أربعة أنواع مختلفة من الرقصات الفلكلورية اليمنية، وهي تعد من أشهر الرقصات في اليمن، هي: الحضرمي، الصنعاني، اللحجي واليافعي، وجميعها تعبر عن تراث شعبي فريد يميز كل منطقة عن منطقة أخرى.
وفي ذات السياق يشير الكاتب الصحفي حميد الطاهري إلى أن تنوع الرقصات الشعبية يمنح كل منطقة في اليمن هويتها الفريدة والمختلفة عن الأخرى، مما يعكس ارتباطها الوثيق بتاريخ المكان وتراثه الثقافي. كما أن الشعب اليمني يتميز بثروة لا مثيل لها في الرقصات الشعبية المتنوعة، ما بين رقصات السيف والركلة والشرح والسعاني وغيرها كثير. ولا يقتصر الرقص اليمني على الرجال فحسب، بل إن هناك رقصات خاصة بالنساء، وأخرى تجمع الرجال مع النساء، كما تُؤدى بعض الرقصات على الموسيقى والطبول وغيرها.
الرقصات الشعبية اليمنية الشهيرة
يقول فؤاد عبد الجبار العامري -أديب وباحث في التراث اليمني-: “الرقص الشعبي مثله مثل الشعر والغناء والمهاجل، يعد لبنة من لبنات البنية الثقافية التي تدخل في تحديد هوية المجتمع اليمني وثقافته. واشتهرت اليمن بتعدد رقصاتها كتعدد لهجاتها وثقافتها وأزيائها من منطقة إلى أخرى؛ فرقصات المناطق الساحلية تختلف عن المناطق الجبلية، ورقصات الجنوب تختلف عن الشمال والمناطق الوسطى، ولكل منطقة رقصة خاصة بها تميزها عن غيرها”.
كما يوضح الحميري أن الرقصات الشعبية اليمنية تختلف من محافظة إلى أخرى؛ فلكل محافظة طابعها ورونقها الخاص والفريد في الرقص على الأغاني والأهازيج المرافقة للاحتفالات والمهرجانات والأعراس. وقد خُصص لكل محافظة إدارة للفنون الشعبية والتراث الفني الشعبي؛ للحفاظ على هذا التراث القيم، فالغناء والموسيقى تعد المفصل العميق الذي يحدد تلك الرقصات وأسلوب المحافظة على موروثها القديم المتوارث بين الأجيال، كما تعد الرقصات روافد ثقافية مختزلة أسهمت في إنشاء الألحان والموسيقى والإيقاعات الشعبية المتنوعة في البوادي والأرياف والحضر.
وعن أبرز الرقصات الشعبية اليمنية وأشهرها يقول العامري: “في المناطق الوسطى والشمالية تبرز الرقصة الصنعاني، والكوكبانية، والبرع، والتعزية، والتهامية. أما في الجنوب فالرقصات متعددة ومنها: الشبوانية، واللحجية، والشرح، والزفين وغيرها. وللرقصات القديمة أنواع وأسماء لا تحصى، مثل: رقصة العدّة، ورقصة السعاني، والركلة، والحناء، ونجيم الصباح، والرزحة، ورقصة الشرح البيضاني، ورقصة الزبيري، ورقصة الدودحية، والعسكرة، والأفندي. بالإضافة إلى الرقصات الشعبية التهامية التي تتمثل في: التبريش، والهقفة أو الحقفة، والزحفة، والشرجي، والجوش، والسيف، والمعشا، والعزاوي”، مبينًا أن سر تميز الرقصات الشعبية اليمنية يكمن في تنوُّع الفلكلور اليمني الذي جعل لكل منطقة تراثها الغنائي الراقص الفريد؛ إذ يمارس جميع أفراد المجتمع تلك الرقصات في المناسبات والأفراح والاحتفالات.
تاريخ الرقصات الشعبية اليمنية
يقول العامري: “وُثِّقت أول الرقصات اليمنية رسميًا في العام 1974، عبر بعثة روسية قدمت إلى مدينة عدن لتوثيق الرقصات التراثية، واختيار طلاب من المدارس لابتعاثهم إلى روسيا للتدريب والتطوير في الرقصات التراثية، ثم عادوا إلى اليمن كراقصين ومدربين محترفين. ويعد البرع رقصة ضاربة في التاريخ، فهي رقصة سبئية حربية تستخدم الخناجر والركل والقفز وتمثيل النسور بالطيران”.
وأضاف الطاهري أنه “على مر العصور ازدهر الرقص الشعبي اليمني كنمط فني رائع يحمل في طياته عبق التاريخ وروح الشعب، وهذا التراث الثقافي موجود بتقديرٍ واهتمامٍ من الكثيرين من أفراد المجتمع وخارجه؛ إذ يعد من أهم مظاهر الفلكلور اليمني التي يميز به اليمن مقارنة بالثقافات العربية الأخرى”.
الفرق الشعبية في اليمن وأهم تحدياتها
“هناك فرق شعبية راقصة كثيرة ومتعددة في اليمن، فقد أغنى التراث الثقافي تلك الفرق بكل جمال الموسيقى والألحان العربية والبدوية، وأهم تلك الفرق الصنعانية والزبيدية: الفرقة اليمنية للفنون الشعبية، ومركز الفنون الشعبي، وفرقة فنون البادية، وفرقة المسرح الشعبي”، وفقًا للحميري مدير عام الاتحاد الثقافي.
ويرى أنه في كل مكان وزمان هناك تحديات مختلفة ومتنوعة تظل عائقًا أمام التنوعات الثقافية، ومن تلك التحديات التي تواجهها الفرق الشعبية دخول الفرق التي تتقمص أداءها الرديء من الفرق الغربية والموسيقى الصاخبة والمنبوذة.
كما أضاف العامري أن “هناك تنوعًا في الفرق الشعبية اليمنية في مختلف المحافظات اليمنية. وأمام ذلك التنوع والانتشار، تعوِّق الحركة الفنية جملةٌ من التحديات تتمثل في غياب الدعم الرسمي المشجع لتلك الفرق، والنظرة القاصرة لبعض فئات المجتمع بالدونية للفنان أو الراقص الشعبي، بالإضافة إلى الظروف المعيشية القاسية التي يعانيها المبدعون بشكل عام في اليمن، وغياب التمثيل الرسمي لفرق التراث الغنائي والرقص في المحافل والمهرجانات الدولية”.
فيما يرى مدير عام الفنون الشعبية المحمدي أن كل الفرق الشعبية في اليمن أصبحت تؤدي نفس النمط من الرقصات الشعبية، ولم نعد نجد اختلافًا في أداء الفِرَقِ الراقصة، وباتت متشابهة؛ لذلك من الضروري أن يكون هناك معاهد للفنون لصقل مواهب الشباب بشكل علمي وأكاديمي؛ ليعرفوا الموازين الموسيقية التي تختلف بين المحافظات اليمنية والفرق بين الإيقاعات، وطرق استخدامها بالشكل الصحيح حتى لا يخرج عن الزمن الموسيقي.
ويقول رئيس الاتحاد الثقافي اليمني الدكتور علي ناصر المرح: “توجد فرق رقص شعبي تابعة لوزارة الثقافة أو مكاتبها في بعض المحافظات، وهي فِرق رسمية تتبناها وترعاها وزارة الثقافة، بينما لا نسمع كثيرًا عن مشاركات لفرق شعبية مجتمعية إلا قليلًا، على الرغم من أن الرقص هواية شائعة عند معظم أفراد المجتمع اليمني رجالًا ونساء، وعادة ما يتسابقون إلى فرصة الرقص في المناسبات، خصوصًا في الأعراس”.
فيما أشار مدير فرقة “فن وحضارة صنعاء” أسامة الراشدي إلى أن “التحديات التي تمر بها الفِرق الخاصة تتمثل في عدم وجود مقر للتدريب، وأن وزارة الثقافة لديها صندوق التراث للتنمية الذي يدعم الفنانين لكن للأسف يدعم أشخاصًا غير الفنانين، وأن هناك صعوبة في توفير الأزياء الشعبية اللازمة في الرقصات الشعبية، بالإضافة إلى تداعيات الصراع واستمراره مما تسبب في صعوبة الحياة المعيشية لكثير من أفراد الفرق الراقصة، وقلة دعم المنظمات والشركات والمؤسسات المجتمعية واهتمامها بالتراث الشعبي اليمني”.
التراث الثقافي اليمني وتأثيره في الخارج
يسعى كثيرٌ من اليمنيين إلى الحفاظ على تراثهم الثقافي والتعبير عنه في بلادهم وخارجه. ومن بين الثقافات التي تحمل تراثًا غنيًا ومتنوعًا التراث الشعبي اليمني، الذي يشمل العديد من الفنون والعروض الفلكلورية المميزة. ويعد الرقص الشعبي اليمني واحدًا من أبرز تعبيرات هذا التراث الثقافي؛ إذ يجسد جمالية الحركة وتنوع الأنماط والألوان.
يقول عزيز عبد الجبار -أحد الشباب اليمني الذين عملوا على تمثيل فلوكور الرقص الشعبي في مهرجانات دولية، وهو المسؤول الثقافي لاتحاد الطلاب في بكين، ومسؤول عن الفنون الشعبية اليمنية-: “كان لدينا تحديات في تقديم الرقصات التقليدية المعروفة في عدد من المناطق اليمنية، مثل الرقصة التهامية واللحجية، لكننا لم نتمكن من تقديمها بشكل كامل نظرًا لصعوبة تمثيل كل الألوان والأنماط المختلفة. ويعد البرع من الرقصات الأكثر صعوبة، ويتطلب وجود مجموعة من الراقصين الماهرين لتنفيذه بشكل صحيح. مع ذلك، كان للرقصات الشعبية تأثيرًا إيجابيًا على الجمهور الأجنبي؛ إذ يتفاعلون بسهولة مع الرقص اللحجي، وتكون حركاته المتناغمة سببًا في تشجيعهم على المشاركة والتفاعل معنا”.
وعن تأثير الرقصات الشعبية اليمنية يؤكد بالقول: “لاحظنا تقبلًا قويًا من الأجانب تجاه الرقص الشعبي اليمني؛ إذ يحبون ارتداء الزي الشعبي اليمني والاستمتاع بألوانه الزاهية. وبالنسبة لليمنيين هناك الكثير من يشعر بالفخر والاعتزاز بالتراث الثقافي اليمني، خاصة أثناء حضورهم حفلات ومهرجانات محلية ودولية تعرض أنواع الرقصات اليمنية باحترافية”.
وعن الصعوبات التي تواجه الشباب اليمني في تمثيل الرقص الشعبي في الخارج يقول عزيز: “تواجهنا بعض النقاط السلبية، مثل مشاركة صور الرقصات التراثية على منصات وسائل التواصل الاجتماعي؛ فعندما يشاهدون صورة لشخص يرقص الرقص الشعبي يتلقونها بنظرة سلبية ويرونها عيبًا. ومع ذلك، شاركنا في احتفالات كبيرة تمثل اليمن وثقافتها بأفضل صورة، كما قمنا بأداء رقصتين رئيسيتين هما البَرَع واللحجي، وأسهمنا في تمثيل الرقص الشعبي اليمني بأفضل شكل ممكن في عدد من الاحتفالات الدولية التي نالت استحسان الجميع”.
وأضاف: “ارتدينا أزياءً شعبية مختلفة لكل رقصة، ورقصنا البرع التي تعد رقصة صعبة جدًا وتحتاج إلى إيقاع محترف من قارع الطبل، يعطيها جوًا خاصًا ويعزز أثرها على الجمهور، ولكن من الصعب توفير هذا الطبل في الاحتفالات الدولية. كذلك تُواجهنا بعض الصعوبات الأخرى، مثل غياب الدعم المادي من السفارة اليمنية للدول التي نشارك فيها، وعدم وجود نساء يمنيات يمكنهن تمثيل الأزياء الشعبية اليمنية بشكل كامل”.
ويختم بالقول: “نحن فخورون بتمثيل التراث الثقافي اليمني في مختلف دول العالم، ونسعى جاهدين للحفاظ على التراث الغني والتفاعل الثقافي في الخارج، ونؤمن بأن المشاركة في المهرجانات والفعاليات الدولية تعزز الفهم والتقارب الثقافي بين الشعوب، وتعزز الفخر والانتماء للموروث الثقافي اليمني لدى اليمنيين في الخارج”.
96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني
صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…