آراء مجتمعية عن الفلكلور الشعبي في اليمن

صوت الأمل – حنان حسين

 يعبّر الفلكلور اليمني عن ثقافة الإنسان اليمني وتاريخه العريق، وله تأثير كبير على مختلف جوانب الحياة المعيشية في مختلف المحافظات اليمنية؛ من الفنون والموسيقى والأزياء والمباني إلى العادات والتقاليد؛ إذ يسهم بدرجة كبير في تعزيز الروابط ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، ويحتل مكانة مؤثرة وقوية في تفاصيل حياة المواطن اليمني، كما يسهم في تعزيز السلام ما بين الجميع.

تشير نجاة باحكيم، (مستشار أمين العاصمة للشؤون الثقافية) إلى أهمية التراث اللامادي في حياة المواطنين؛ إذ ينمي الإحساس بالهوية والانتماء والشعور بحب الوطن، وأن لكل بلد طابعها الخاص في تبيان هويتها التي تتميز بها عن غيرها، واليمن غنيٌّ في تنوعه الثقافي وتاريخه العريق وتراثه المتنوع والفريد بالإبداع والتمييز، كما يسهم في تنمية التماسك الاجتماعي.

وتضيف: “الفلكلور يدلّ على ارتباطنا الوثيق بالماضي والأصالة والتاريخ العريق والحاضر ورسم المستقبل كذلك، لذلك يطلق عليه التراث الحي الذي عُرِّف به في اتفاقية منظمة اليونسكو لعام 2003م، لحماية برنامج المقارنات الدولية التي صادقت عليها فرنسا عام 2006م، ونفذتها حينها وزارة الثقافة”.

يوضح علي السنيدار (مصور فوتوغرافي من مدينة صنعاء القديمة) أنّ الفلكلور الشعبي يعدُّ جزءًا كبيرًا من هُوية اليمن وتاريخه، والمواطنون يعبرون عن هويتهم من خلال مظاهر التراث، مثل الأزياء والعادات والتقاليد والمأكولات وغيرها، فمثلًا: النساء يرتدين (المصون والستارة) التي تعدُّ جزءًا من هوية اليمن القديم وتراثه، والرجال يرتدون (الجنبية) كجزء من الثقافة والهوية.

تنوع واختلاف ساحر

ترى دانية عبود (طالبة حقوق) أنّ الشعب اليمني يهتم بتراثه وحضارته ويتفاخر به، فهناك الأزياء تمتلك رونقًا مختلفًا يتناسب في كل عصر وزمان من حيث الألوان والتفاصيل والحياكة، كما أنّ بعض الأشياء التقليدية تضفي على المرأة قيمة مجتمعية فريدة تميزها عن باقي المحافظات الأخرى ضمن عادات وتقاليد متوارثة، فهناك مثلًا الدرع العدني الذي ترتديه النساء في المناسبات الاجتماعية مع إكسسوارات خاصة.

وتضيف دانية: “في المناطق الريفية تُرتَدى الزنة (الفستان) جميعها لها اسم واحد، لكنها متنوعة ومختلفة، فهناك المخصص لمناسبة الأعراس، ومنها لجلسات ما بعد الظهر (العصر)، ومنها المخصصة للمطبخ والأعمال المنزلية، ومنها المخصص للزراعة، فالأزياء في مختلف المحافظات لها نفس التسلسل المجتمعي”.

حبيس الوقت

يشير الفنان نبيل حزام إلى أنّ الفلكلور الشعبي سيظل حبيس تاريخنا المعاصر، نتيجة الغزو الثقافي المتطور في مختلف المجالات والمظاهر، بالإضافة إلى مستجدات الحياة وتطور التكنولوجيا التي أثّرت بشكل قوي على نمط الحياة، لذلك لم يبرز الفلكلور الشعبي إلَّا في المناسبات الاحتفالية والاجتماعية والرسمية فقط، أو عند البحث عنه من قبل الشغوفين والباحثين والمهتمين.

تنوع ثقافي

ترى إيمان صالح سنبل (مرشدة سياحية في بيت التراث) أنّ اليمن غني بالتنوع الثقافي؛ إذ يتميّز بوجود تراث شعبي متنوع من صور الفلكلور، منها الملابس المختلفة باختلاف المناسبات والمأكولات، والمحافظات، والأغاني والموسيقى، وحتى الأهازيج الشعبية التي تعبّر عن حالة المواطن في كل مرحلة يعيشها.

وتضيف: “من العادات الفلكلورية التي من الممكن أن نقول إنّها ما زالت باقية، هي الأهازيج التي يتغنى بها المواطنون في موسم الزراعة وأيام الحصاد؛ إذ تغنّى أهازيج مختلفة باختلاف المناطق، وجميعها تبعث النشاط والخفة في مواصلة العمل، والدعوة لمشاركة جميع مَن في الحقل كي يعملوا بسرعة وهم يرددون فيما بينهم الأشعار المتنوعة”.

كما تبيّن أنّه أثناء عملها في البيت التراثي كان الزوار الأجانب يأتون من عدّة بلدان خارجية، مثل ألمانيا وفرنسا، وكانت تندهش من قوة انبهارهم ودعمهم لمظاهر التراث اليمني، في المقابل أبناء الوطن ليس لديهم أدنى اهتمام بأهمية التراث، لكن حاليًا بدأ جيل الشباب يهتمون بالتفاصيل التراثية والفلكلورية القديمة والعودة لماضي أجدادهم بقوة، ومحاولة تجديده بطريقة تواكب العصر، وهذا ما يريح البال، ويبحث على التفاؤل بأنّ المظاهر لن تندثر، وستكون آمنة في المستقبل.

وأكدت إيمان على أهمية حماية الفولكلور الشعبي من قبل الجهات المعنية والمجتمعية كافة، والحفاظ عليه للأجيال القادمة؛ لتعزيز غرس حب الانتماء لكل مقدرات التراث التاريخي الشعبي ومظاهره.

الانتماء للبيئة التراثية

 سبأ جلاس، رسامة شغوفة برسم التراث الشعبي في اليمن، وآخر أعمالها اللوحة الفنية الفلكلورية لمجلس، ضمن مناسبة اجتماعية (ولادة)، بحضور مجموعة من النساء بكامل زينتهنّ التقليدية، وتتحدث قائلة: “الفلكلور والتراث موجود في جميع الأعمال الفنية، فالطبيعي أن يشعر الفنان بالانتماء لبيئته، والحرص على التنوع في إظهار تراثه في أعماله الفنية”.

وترى سبأ أنّه من الواجب الاهتمام بالفلكلور؛ إذ تقول: “يجب أن تُعملَ برامج ثقافية في المدارس لتعزيز الانتماء الثقافي لليمن، ودعم الفعاليات الرسمية التي تركز على التعريف بتراثنا في الداخل والخارج، وقد تكون الصراعات أثّرت على الجميع، وجعلت اهتمام الفنان الأول توفير مصدر دخل لعائلته، الأمر الذي جعله يحاصر طموحاته وأحلامه في زاوية توفير مصدر دخل كريم”.

أنواع التراث

نجاة باحكيم، ترى أنّ التراث له أنواع عديدة ومختلفة حسب الأهمية في كل منطقة، واليمن بمختلف محافظاته يملك قيمة حضارية وثراء ثقافي هائل، ويعدُّ من أغنى البلدان بهذا الجانب.

وتُضيف نجاة: “التراث غير الملموس أو الشفهي، يعدُّ من أنواع التراث الذي يبعث في النفس الحس المرهف والجمال والراحة، مثل الزوامل والأهازيج الشعبية والدان الحضرمي والأغنية الصنعانية التراثية، بالإضافة إلى الموشحات والمواويل التهامية والأمثال الشعبية والحكايات والأساطير الشعبية، وما تُنُوقِل شفهيًّا من جيل إلى آخر، كما يتمثل التراث اللامادي -أيضًا- في الرقصات الشعبية والعادات والتقاليد المجتمعية”.

علي السنيدار، يتحدث عن أنواع التراث من وجهة نظره قائلًا: “هناك أنواع مختلفة من التراث الشعبي اليمني، منها الموسيقى والرقصات، مثل: البرع، الرقصة الحضرمية والصنعانية، كذلك الأزياء التقليدية وغيرها، فيجب الحفاظ عليها من الاندثار الذي أصبح واقعًا بشكل متدرج، مثلًا (الستارة الصنعانية) لم يعد يرتديها سوى قلة قليلة من النساء المهتمات بهذا الزي الشعبي”.

حلول واقتراحات

نجاة باحكيم ترى أنّ هناك مجموعة من المعالجات للحفاظ على الموروث الشعبي من الاندثار والسرقة؛ إذ تقول: “في عصر العولمة والانفتاح والتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، لا بُدَّ من اتّخاذ عدة إجراءات وتوظيف كل ما يجب لخدمة التراث الحسي من الاندثار والضياع والسرقة، والحفاظ عليه من الإهمال، ومطالبة الأجهزة الرسمية بوضع الأسس والقواعد اللازمة للحفاظ عليه، والعمل على ديمومته وتوارثه بين الأجيال؛ إذ يعدُّ هوية لليمن”.

وتضيف: “أنّه من الضروري توثيق الجانب الإعلامي بهذا الشأن وتسجيله وتفعيله، والعمل على الترويج السياحي له، بالإضافة إلى القيام بالدراسات والأبحاث لتوثيق الموروث الشعبي، وإقامة ورشات عمل ودورات وندوات تدريبية لتعليم التراث والحفاظ عليه”.

علي السنيدار يرى أنّه لا يوجد اهتمام بالفلكلور الشعبي سوى لدى أشخاص قلّة، يعملون على توثيقه؛ إذ منهم من يقومون بتوثيق الأغاني أو الرقصات، ولذلك يجب عمل مكتبة كبيرة لأرشفة الفلكلور الشعبي لجميع المحافظات في مكان واحد؛ بهدف حفظه وتعريف الناس بوجوده، وأنّه ملك لليمن.

وبحسب الخبراء والمهتمين في الشأن التراثي أنّ الفلكلور اليمني يعدُّ عنصرًا مهمًّا وفعّالًا في الثقافة اليمنية وتاريخها والهوية الوطنية، وله تأثير كبير على الواقع المعيشي في مختلف المجالات الحياتية، لذلك يجب العمل على الحفاظ عليه، وتعزيز تأثيره على الواقع المعيشي للمجتمع اليمني.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

96.3% من المشاركين في الاستطلاع يرون أن الأزياء الشعبية اليمنية تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على الهوية الثقافية للمجتمع اليمني

صوت الأمل – يُمنى الزبيري اليمن بلد يتميز بموروث شعبي غني ومتنوع. يعكس هذا الموروث ت…