تفشي ظاهرة الفساد في اليمن يقابلها جهود الهيئة في المكافحة رغم الصراع
صوت الأمل – (ياسمين عبد الحفيظ – علياء محمد)
“يحتل اليمن المرتبة الـ14 في قائمة الفساد في العالم”، وذلك وفقًا لتقرير مدونة البنك الدولي بعنوان “الفساد في اليمن ثقافة يجب محاربتها”، والذي نُشر في 12 أبريل 2014م، كما ورد في التقرير أنَّ الفساد المالي والإداري أنهك العديد من القطاعات في اليمن، وأنَّ سبب توسعه هو تدهور دور الدولة وتراجع أداءها جراء النزاع الدائر منذ سنوات، وانشغال السلطات في دوامة الصراع.
من جهتها وصفت القاضية أفراح بادويلان (رئيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد – عدن) الفساد بالإناء الذي تنمو وتزدهر فيه الاضطرابات السياسية والأمنية. مضيفة أنَّ ما تعانيه اليمن من صعوبات وظروف جراء الصراع القائم؛ أدى إلى إضعاف أهم المقومات الهامة في الحكم الرشيد كالنزاهة والشفافية والمساءلة والعدالة وتكافؤ الفرص؛ وبالتالي ظهرت زيادة في مدركات الفساد.
وانطلاقا من تنامي ظاهرة الفساد في المجتمع اليمني؛ فقد أُنشئت العديد من البرامج والخطط الهادفة لمحاربته، ومنها ما ذكرته دراسة بحثية لمركز صنعاء للدراسات بعنوان “بعيدًا عن نهج استمرارية العمل كالمعتاد: مكافحة الفساد في اليمن”، مثل: مصادقة الجمهورية اليمنية على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وتأسيس “برلمانيون يمنيون ضد الفساد” وانضمام اليمن لمبادرة “الشفافية في الصناعات الاستخراجية” وإنشاء “الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد.
من التزامات اليمن في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد
وفقًا لتقرير “تحليل التزامات اليمن حيال الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد”، يعد إنشاء الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد من التزامات اليمن في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. وأشار التقرير إلى جملة من الالتزامات اليمنية الأخرى، مثل: إصدار العديد من القوانين الخاصة في مكافحة الفساد، وتعديل النصوص الأخرى ذات العلاقة بمكافحة الظاهرة، إلى جانب ذلك إنشاء العديد من المؤسسات المحلية المتخصصة في محاربة الفساد في البلاد.
دور الهيئة العامة لمكافحة الفساد
تعرف الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد بأنَّها أعلى هيئة وطنية مستقلة تتمتع بشخصية هامة واستقلال مالي وإداري ولها صلاحيات قانونية في مكافحة الفساد: تعقب وملاحقة، ممارسة وحجز واسترداد الأموال والعائدات المترتبة عن ممارساته، وتوعية أفراد المجتمع بمخاطر الفساد وأساليب الوقاية منه
أُنشئت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في العام 2007 م بموجب القانون رقم 39 لسنة 2006م، ومقرها الرئيس في العاصمة اليمنية صنعاء، وبعد الصراع انقسمت إلى هيئتين هيئة في صنعاء وأخرى في عدن، وكلا الهيئتين تمارس نفس المهام والصلاحيات، وتتكون من 11 عضواً يُعينون في مدة أقصاها خمس سنوات، ولا يجوز انخراطهم في عمل نشاط حكومي آخر.
وبحسب المادة (15) من القانون رقم (39)لسنة 2006م، بشأن مكافحة الفساد، فإنَّ الهيئة تؤدي مهامها واختصاصاتها باستقلالية وحيادية كاملة، ولا يجوز لأي شخص أو جهة التدخل في شؤونها بأية صورة كانت، ويعد مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم.
وتمثل الهيئةُ الجمهوريةَ اليمنيةَ في المؤتمرات، والمحافل الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد. وتقوم بعملية التنسيق مع الدول والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة بمكافحه الفساد، وتشارك في البرامج الدولية الرامية إلى منع الفساد.
هذا وقد أشارت القاضية أفراح بادويلان في حديثها لـ “صوت الأمل” إلى مهام الهيئة واختصاصاتها ودورها الهام في مكافحه الفساد قائلة: “للهيئة دور هام وبارز في إعداد وتنفيذ السياسات العامة الهادفة لمكافحة الفساد، ووضع الاستراتيجيات الوطنية الشاملة، بالإضافة إلى اتخاذ التدابير الكفيلة بمشاركة المجتمع المدني في التعريف بمخاطر الفساد ومكافحته”.
مؤكدة أنَّ الهيئة تقوم باستقبال التقارير والبلاغات والشكاوى بخصوص جرائم الفساد، ودراستها، والتحري حولها، والتصرف فيها، وفقًا للتشريعات النافذة، بالإضافة إلى تلقي إقرارات الذمة المالية، والتحقق من مرتكبي جرائم الفساد وإحالتهم للقضاء، ودراسة وتقييم التشريعات المتعلقة بمكافحة الفساد، ومعرفه مدى فعالياتها، واقتراح تعديلها؛ لمواكبة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها اليمن.
وأضافت بادويلان: “تتخذ الهيئة الإجراءات والتدابير اللازمة لاسترداد الأموال والعائدات الناتجة عن جرائم الفساد بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة، وتقوم بكافة الإجراءات القانونية اللازمة لإلغاء أو فتح عقد تكون الدولة طرفًا فيه، إذا تبين أنَّها تبرم على مخالفة أحكام القوانين النافذة”.
وتتابع: “أو ربما تلحق أضرارًا بالصالح العام، ورفع تقارير دورية كل ثلاثة أشهر عن مهامها وأعمالها لرئيس الجمهورية ومجلس النواب، بالإضافة إلى التنسيق مع كافة أجهزة الدولة في تعزيز وتطوير التدابير اللازمة للوقاية من الفساد، وتحديد آليات ووسائل مكافحته، والتنسيق مع وسائل الإعلام للتوعية بمخاطر الفساد، وكيفية الوقاية منه ومكافحته، وجمع المعلومات المتعلقة بكافة صور وأشكال الفساد”.
مهمة رئيسة
من جهته يرى المهندس عبد الرحمن محمد العلفي (المدير العام التنفيذي للمركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل منارات) أنَّ المهمة الرئيسة للهيئة في هذه المرحلة تتمثل في تهيئة مناخ وطني جامع شامل؛ لتجفيف الفساد المالي، موضحًا أنَّ الفساد المالي يلحق الضرر بالكثيرين، ويقوض حالة الشعور بالأمان والسلم الأهلي.
ويضيف العلفي: “الفساد المالي يتزايد بشكل كبير في الكثير من المؤسسات الإدارية -خاصة أنَّه لا توجد حصيلة نعبر عنها في الموازنة العامة للدولة-، لا بد للهيئة الوطنية أن تهيئ مناخاً وطنياً جامعاً وشاملاً لمكافحة الفساد، وتكون الأجهزة العامة للدولة هي النموذج الذي يقدم المثل الأعلى لمكافحة الفساد”.
نقاط القوة والضعف
فيما تشير القاضية أفراح بادويلان (رئيس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد)، إلى التحديات التي تواجه الهيئة والتي أبرزها ضعف الإطار التشريعي والصلاحيات الممنوحة للهيئة، وغموض الإجراءات القانونية في قضايا الفساد، مؤكدة: “إنَّنا في اليمن بحاجة إلى عمليات تحديث تتواكب مع مبادئ الشفافية والمحاسبة، وحق الحصول على المعلومة، وكذلك الحصانة القانونية الممنوحة لكبار المسؤولين اللذين تحوم حولهم شبهة الفساد”.
وتضيف قائلة: “هناك معوقات مؤسسية تتمثل في الموازنة والتي لا تفي بتسيير أعمال الهيئة وأنشطتها مقارنة بالاستراتيجيات والخطط المقترحة”.
ويرى المهندس العلفي أنَّ نقاط القوة للهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد تكمن في وجود الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، قائلًا: “بالرغم من الانشقاقات والصراعات السياسية ووجود هيئتين في عدن وصنعاء، لكن تظل هيئة مكافحة الفساد بحد ذاتها أحد أهم عناوين مكافحة الفساد في البلاد”.
ويواصل حديثه أنَّ الطامة الكبرى الممثلة بحالة الانقسام هي أسوأ حالات الفساد التي تعيشه المؤسسات العامة في الوطن، وبالتالي فإنَّ مكافحة الفساد يكون بأن تظل بصيغتها الوطنية العامة وألا تتحول إلى أركان تمزيق للوطن، وألا يتشتت الموقف الوطني العام؛ لأنَّ مؤسسات الدولة ممثلة بالسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والرقابية والمحلية، هذه السلطات يجب أن يستمر أداءها في إطار العمل الوطني العام.
علاقة الهيئة بالمجتمع المدني
يواصل العلفي حديثه لـ “صوت الأمل”: “في السنوات الماضية كنا نشترك مع الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في تنظيم برامج فكرية ثقافية معرفية بالغة التميز، كنا نستحضر الفكر السياسي الذي ينافس الفساد، والفكر الاجتماعي الذي يقف حجرة عثرة أمام الفساد”.
ويتابع: “لدينا قائمة من الدراسات وأوراق العمل والأبحاث التي تجعل الهيئة العليا تعتز بما أنجزته في إطار علاقتها بالمجتمع المدني، فكلما اقتربت الهيئة الوطنية العليا من المجتمع المدني حققت الأهداف الحقيقية لها في ميدان المكافحة الحقيقية للفساد”.
إنجازات الهيئة
وفقًا لـ آخر إحصائيات على الموقع الرسمي لـ الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد- صنعاء، فإنَّ العديد من القضايا التي وصلت الهيئة بين فساد مالي وإداري ويبلغ عددها ما يقارب 141 قضية، وذكرت الهيئة أنَّه قد فُصِل في بعض القضايا، فيما تعمل الهيئة على التحقيق والتقصي في القضايا الأخرى، وكانت الهيئة قد أنشأت موقعًا إلكترونيًا خاص بها يربطها ببقية الأطراف والجهات التابعة لها.
وفي 1 مارس 2022م أعلنت “الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد – صنعاء” تدشين عمل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2022-2026م، -حصلت “صوت الأمل” على نسخة من الاستراتيجية-، وتأتي الخطة بعد عمل متواصل لإعداد الاستراتيجية بمشاركة 90 شخصًا، يمثلون 30 جهة، والذي يندرج عملها في ذات الاختصاص.
استراتيجيات مكافحة الفساد
وجاء في كتاب “خارطة الفساد في اليمن” للدكتور يحيى صالح محسن، أنَّ أولويات أي استراتيجية الهدف من إنشائها الحد من الفساد أو مكافحته، وأن يُبدأ في دراسة أي القطاعات في المجتمع يعتريه الفساد أكثر من الآخر، وتحديد ودراسة طبيعة الإصلاحات لكل قطاع اقتصادياً أو سياسياً، حسب الأسباب التي من شأنها تولد الفساد في تلك القطاع.
وذكر الكاتب مجموعة من عناصر الاستراتيجية، منها: الإصلاح السياسي، والنظام الانتخابي، وإصلاح القضاء، ودور البرلمان في البلاد. وأشار إلى أهم مكونات الاستراتيجية، وهي الهيئة العليا لمكافحة الفساد، والسلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية، والأجهزة الرقابية ومنظمات المجتمع المدني غير الحكومية، ووسائل الإعلام الرسمية، والقطاع الخاص، والمكونات الإقليمية والدولية والمنظمات الدولية المانحة.
تراث الطهي اليمني يغزو العالم بمذاقه الفريد
صوت الأمل – هبة محمد يُعدُّ المطبخ اليمني واحدًا من المطابخ العربية الرائعة والشهيرة…