مظاهر متعددة للفساد في اليمن أبرزها الإدارية والمالية
صوت الأمل – أفراح أحمد
يتقولب الفساد في مظاهر متعددة وأشكال متباينة، إلا أن النتيجة الحتمية لذلك تتجلى في تأثيراتها على الإنسان والمجتمع والانعكاسات السلبية التي تلحق به في مختلف جوانب الحياة؛ فمهما تشابكت جذور الفساد واختلفت مظاهره من مجتمع لآخر ومن دولة لأخرى، يظل المقياس الحقيقي له في مدى الأثر الناجم عنه.
في اليمن، تتعدد مظاهر الفساد وتتسع صوره بين فترة وأخرى، حيث تكاد تشمل كل مناحي الحياة في اليمن، السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وغيرها.
يقول الدكتور منصور القدسي (أستاذ الإعلام بجامعة تعز): “صنفت اليمن قبل الصراع على أنها الدولة رقم 14 على مستوى الفساد في العالم، والبلد الأكثر فسادًا في منطقة الخليج العربي -طبقا لتقرير الشفافية العالمي للعام 2014م- ويبدو أنها تجاوزت هذا الرقم بكثير خلال فترة الصراع التي انقدح شررها نهاية العام نفسه في ظل انهيار مؤسسات الدولة، وغياب دور الأجهزة الرقابية؛ بسبب سيادة ثقافة القوة على حساب ثقافة القانون طيلة ثمان سنوات نزاع”.
وأكد الدكتور القدسي أن سبب تفشي ظاهرة الفساد التي أصابت عمل الأجهزة اليمنية الحكومية والخاصة يعود إلى غياب ثقافة النزاهة والمساءلة والشفافية في عمل هذه المؤسسات، واعتمادها على الأفراد بدلا من العمل المؤسسي المهني، والمحسوبية في التعينات على حساب الكفاءة.
موضحًا أنه مهما تعددت مظاهر الفساد، فإن مشكلة الفساد المالي والإداري تظل أكثر تلك المظاهر انتشارا في اليمن، وقد أنهكت الاقتصاد اليمني بشكل كبير، حيث تشكل تحديًا كبيراً أمام وقف الصراع، واستعادة حضور الدولة في مختلف مناطق اليمن.
ويوضح الدكتور منصور: “الفساد في اليمن يعتبر بيئة طاردة للمستثمرين الأجانب؛ بسبب تدخل مراكز الفساد والنفوذ، حيث تطرح النفوذ اليمنية اشتراطات غير قانونية على المستثمرين، تفرض عليهم بموجبها دفع مبالغ مالية كبيرة مقابل ما يسمى بالحماية أو التسهيلات، وأصبحت اليوم -بسبب تدخل أطراف الصراع- بيئة طاردة للمستثمرين المحليين أنفسهم، والذين يتعرضون لحملات الجباية غير القانونية، مما أدى إلى مغادرة كثير من رجال الأعمال إلى خارج اليمن”.
وأردف القدسي قائلًا: “زيادة على ذلك، العبث والاستحواذ على الموارد العامة لمؤسسات الدولة من قبل أطراف الصراع؛ الأمر الذي تسبب في وقوع اليمن في أسوأ أزمة إنسانية في العالم أشارت إليها تقارير أممية، وانهيار اقتصادي فظيع لم تشهد اليمن له مثيل، حيث توقف صرف رواتب الموظفين منذ خمس سنوات في كثير من مناطق اليمن، وفي مناطق أخرى تدنت قيمة تلك الرواتب لمستوى خطير جدًا بسبب انهيار العملة الوطنية”.
الدكتور أكرم العجي، أورد في كتاب له بعنوان “الفساد بين الانتشار وسبل المواجهة: حالة الجهاز المركزي”، مجموعة من مؤشرات ومظاهر الفساد في اليمن، حيث يقول: “إن من أبرز صور الفساد في اليمن الفساد المالي والإداري، وهو عمل يقوم بتغطية مجموعة من الممارسات المالية والإدارية المشبوهة، ليشمل مساحة واسعة من الأعمال والتصرفات غير المشروعة؛ لذا فهو ظاهرة معقده وسيئة تعود أثارها على المجتمع وعلى الدولة بزلزلة وضعها العام”.
وأوضح العجي، في كتابه المذكور آنفًا، أن مؤشرات الفساد الإدارية في اليمن تشمل: الرشوة، المحاباة، المحسوبية، استغلال النفوذ الوظيفي، الازدواج الوظيفي، والتسيب الوظيفي، بينما مؤشرات الفساد المالي تتلخص في: الاختلاس، التهرب الضريبي، الاعفاءات الجمركية.
وتضمن كتاب الدكتور العجي دراسة ميدانية شملت سبع وزارات وخمس جهات حكومية يمنية، وبينت نتائج الدراسة: “أن نسبة قيام العمل بالفساد الإداري في الوظيفة العامة في تلك القطاعات بلغت 41,5%، وأن ممارسة الوساطة احتلت المرتبة الأولى بنسبة 56,3%، تليها المحسوبية 51%، والابتزاز 44,8%، والاختلاس 40,5%، واستنفاذ موارد الدولة 40,3%، الرشوة 36%، وأخيرًا التزوير بنسبة 29%”.
من جهته قال الدكتور مفيد العامري (أستاذ الصحافة بجامعة الحديدة): “إن اليمن دولة قائمة على الفساد في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة وفي شتى المجالات؛ إذ أن الفساد في اليمن لم يعد مقتصرًا على الجوانب السياسية والاقتصادية والمالية والإدارية فقط، بل حتى القطاعات التعليمية والصحية أصبحت بيئة متخمة بالفساد، وهذا كله ناتج عن ضعف بنية الدولة، والانفلات الكبير في جوانب الرقابة والمحاسبة والمساءلة القانونية؛ الأمر الذي دفع بالكثير من موظفي هذه القطاعات إلى ممارسة الفساد بكل أريحية وبدون أدنى حد ولا رادع”.
الفساد في التعليم
وأضاف العامري: “ولو نظرنا لوضع المؤسسات التعليمية في اليمن، نجد أنها متدهورة للغاية، وتعاني ركودا في التعليم؛ فمعظم المعلمين تركوا العمل في هذا القطاع نهائيا؛ بحثا عن مصادر دخل أخرى لهم ولأسرهم، أما الذين لا يزالون على وظائفهم في التعليم؛ فهم بالكاد لا يدخلون عتبات المدارس والجامعات إلا من أجل إثبات حضورهم فقط، وهذا كله بسبب عدم استلامهم لمرتباتهم منذ سنوات”.
ويفصل العامري: “وهذا الوضع الذي وصل إليه حال التعليم في اليمن، يعتبر أحد أبرز مظاهر الفساد، وهو ما أدى إلى خصخصة التعليم، وتحويله لمجال استثماري بدلا عن كونه مجالاً خدميًا، وأصبح المواطنون يكابدون المشقات من أجل إلحاق أبنائهم في المدارس والجامعات الخاصة ذات الرسوم الباهظة”.
الفساد الصحي
وواصل العامري حديثه لـ “صوت الأمل” قائلًا: “أما في القطاع الصحي، فإن الأمر أبلغ تأثيرًا وأشد مرارة، ولعل ما شهدته إحدى المستشفيات الحكومية -تحتفظ صوت الأمل باسم المستشفى- في الأشهر الماضية من موت لعشرات الأطفال -بسبب الأدوية المهربة المخالفة لمعايير التصنيع- يعد دليلًا واضحا على مستوى الفساد الذي يشهده القطاع الصحي. فضلا عن تلاعب الأطباء بالأدوية، وإعطاء وصفات طبية لأدوية الشركة التي تعطي النسبة الأكبر، بالإضافة إلى أن معظم مكاتب الأطباء في المستشفيات الحكومية أصبحت فقط للحجز عند الطبيب في عيادته الخاصة، ومجرد وسيلة لسحب المرضى إليه لزيادة دخله المادي”.
ويستدرك العامري القول بأن مظاهر الفساد التي ذكرها، والتي أصابت مختلف مجالات الحياة في اليمن، ليست إلا شيئا يسيرًا مما هو حاصل بالفعل؛ وذلك لأن المظاهر في اليمن لا تعد ولا تحصى -حد قوله- بل إن الفساد نفسه موضوع معقد ومتشابك؛ فكل مظهر من مظاهر الفساد ينطوي على مظاهر فساد أخرى.
تؤدي القيم الثقافية الموجودة في بعض المجتمعات دورًا بارزًا في توطيد ظاهرة الفساد، وذلك بسبب عدم الاهتمام بزرع القيم والأخلاق السامية في نفوس المجتمع؛ فبحسب الأخصائي الاجتماعي -طلب عدم ذكر اسمه-، فإن غياب الأب في العائلة -أحيانًا- يسبب قليلًا من الانفلات الأسري، الذي ينتج عنه ضياع للأطفال والمراهقين، فينشؤون في بيئة غير سوية، هي رفقاء السوء والشارع. وبالتالي فنحن أمام أحد مظاهر الفساد هو الفساد القيمي والأخلاقي في المجتمع.
غياب العدالة الاجتماعية فساد أيضًا
وأضاف الاخصائي: “أن مظاهر الفساد المجتمعي تكون ناتجة عن غياب العدالة الاجتماعية أيضًا، أي أنه كلما أقدم أحدهم على القيام بفعل سيء أو سلوك خاطئ ثم لم يجد من يحاسبه، فإنه يستمر في ممارسة تلك الأعمال الفاسدة، وقد يتطور الوضع لديه مع الوقت”.
مضيفًا: “وعلى العكس، فإن الأشخاص الذين يتعرضون للظلم والأذى، ثم لم يجدوا من ينصفهم ويأخذ لهم حقوقهم، فإنهم قد يرتكبون أعمالًا سيئة، مثل: الانتقام والقتل والابتزاز والاغتصاب والثأر، وهذا بالتالي يدخل المجتمع في دوامة فساد مجتمعي لا تنتهي؛ فالعدالة الاجتماعية مطلوبة جدًا للتخفيف من مظاهر الفساد والحد منها”.
العقوبات ودور القانون تجاه الفساد
بحسب القانون اليمني رقم (39) لعام 2006م بشأن مكافحة الفساد، تنص المادة (34) منه على أنه: “يجب على الهيئة فور علمها عن وقوع جرائم الفساد القيام بأعمال التحري وجمع الاستدلالات بشأنها، ولها في سبيل ذلك الاطلاع على السجلات والمستندات والوثائق المتعلقة بالجريمة محل العلم، وكذا طلب موافاتها بأي بيانات أو معلومات أو وثائق متعلقة بها”.
كما تنص المادة (40) من نفس القانون على أن التخفيف من العقاب يشمل كل من ساهم في أي جريمة من جرائم الفساد إذا بادر إلى إبلاغ السلطات المختصة عن الجريمة أو قدم بيانات أو معلومات سهلت كشفها أو كشف مرتكبيها أو القبض عليهم أو استرداد الأموال والعائدات غير المشروعة.
وتنص المادة (41) بأن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات، أو بغرامة لا تزيد على خمسة ملايين ريال كل من يخالف أحكام المواد (15، 16/أ، 26، 44/ب) من هذا القانون.
كما نص القانون على إنشاء هيئة مكافحة الفساد لردع جرائم الفساد الذي جاء ضمن القوانين و اللوائح في الدستور اليمني: القانون رقم (47) لسنة 2005م بشأن الموافقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، والقانون رقم (39) لسنة 2006م بشأن مكافحة الفساد.
استطلاع.. 95% يرون أنَّ استمرار الصراع في اليمن يؤثر على انتشار الفساد
صوت الأمل – يُمنى أحمد كشفت نتائج الاستطلاع الإلكتروني الذي أجرته وحدة المعلومات واستطلاع …