الفساد في اليمن.. قضية مؤرقة يجب تطويقها ومكافحتها
صوت الأمل – أفراح أحمد
يعد الفساد إحدى أكثر الظواهر السلبية انتشاراً في اليمن منذ سنوات، والذي من أجل مكافحته؛ أُنشئت العديد من الجهات، كالهيئات والمنظمات التي تسعى إلى تطويقه وترسيخ قيم النزاهة.
ومن هذه الجهات هيئة النزاهة، وهيئة مكافحة الفساد، حيث تهدف هذه الهيئات إلى مكافحة الفساد بكافة أشكاله، وعزله، ومنع انتشاره، والحد من آثاره، والمحافظة على الموارد الوطنية من خلال تفعيل منظومة النزاهة الوطنية، ومعايير السلوك الفردي والمؤسسي، وتأصيل قيم الحوكمة الرشيدة، وسيادة القانون، والشفافية، والمحاسبة، والمساءلة، والعدالة، والمساواة، وتكافؤ الفرص بما يؤسس لبيئة مناهضة للفساد.
وبسبب الصراع الدائر في اليمن منذ تسع سنوات؛ شهد الواقع اليمني تزايداً في قضايا فساد كبيرة -حسب خبراء ومواطنين- طالت كافة المجالات والمؤسسات العامة والخاصة؛ الأمر الذي يحتم على الجميع تسليط الضوء على الجوانب والمتطلبات الفاعلة في مكافحة الفساد؛ ولهذا فقد أجرت “صوت الأمل” استطلاعا صحفيًا مع شخصيات أكاديمية وصحفية وقانونية حول متطلبات مكافحة الفساد في اليمن.
الدكتور عبد الله النهاري (أستاذ ورئيس قسم العلوم المالية والمصرفية المساعد، وعميد مركز التطوير وضمان الجودة بجامعة الحديدة) بدأ حديثه عن الفساد وقضيته من حيث متطلبات مكافحة الفساد في اليمن.
قائلا: “تبدو قضية الفساد مؤرقة ومتزايدة التهديد للدول واقتصاداتها ونظمها المالية والإدارية، وفي البيئة العربية تعاني كثير من الدول ارتفاعاً في قيمة مؤشر الفساد مقارنة بغالبية الدول، وفي اليمن تظهر المشكلة بكثرة من خلال ارتفاع قيمة المؤشر مقارنة بمعظم الدول العربية عدا أربع دول -مثلها- تعاني صراعات عسكرية ومشكلات سياسية واقتصادية معقدة”.
وكان مؤشر الفساد في اليمن قد ارتفع من141 عام 2008م إلى 176 في عام 2020م، حسب تقرير مؤشر انطباعات الفساد لعام 2020 م، والذي نشرته منظمة الشفافية في يناير 2021م.
تعزيز الوعي وتأصيل القيم
يستدرك القول النهاري ويرى أنَّ في مقدمة متطلبات مكافحة الفساد تعزيز الوعي المجتمعي، من خلال تبني استراتيجيات هادفة ومركزة على بناء منظومة متكاملة من القيم المجتمعية والتنظيمية، والتي تعمل على دعم كفاءة التنظيم والأداء والتقويم المستمر للمخاطر وتغيير العقليات السائدة التي ساهمت في تغييب منظومة القيم، وعلى رأسها الولاء الوطني والمؤسسي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال دعم الموجهات القيمية والسلوكية الفردية والمجتمعية اعتماداً على التنشئة الإسلامية القائمة على ثوابت الإيمان، أي بضرورة التفريق بين الحق والباطل والحلال والحرام وارتباط كل منها بالثواب والعقاب، وبناء مواطن مؤمن ملتزم بقيمه الإسلامية الأصيلة، وضرورة إيمان الدولة والمجتمع بأهمية سيادة قيم ثقافة الإنتاج؛ لتحريك الشعور الفردي والجمعي بخطورة الفساد على الاقتصاد والفرد والمجتمع.
توجيه الإعلام والتعليم في مكافحة الفساد
وأردف النهاري: “ولتعزيز هذا الوعي يبرز الدور المحوري للإعلام؛ لممارسة وتبني خطاب تنويري يعكس تمثيله للسلطة الرقابية المجتمعية، ونشر الثقافة القانونية التي تقضي على كل آفة زرعت في نفوس المواطنين من خلال ضبط ومراقبة العمل السياسي والإداري العام، والعمل على تصويبه في سائر المرافق والقطاعات أو على الأقل ممارسة دور مساند للجهود الرسمية الحقيقية والواضحة في كشف بؤر الفساد، ومناقشة الرأي العام بضوابط قانونية تمنع المساس بحرية الأفراد والاتهام دون أدلة، ودعم التوجه التشريعي؛ لتحديث وتطوير المنظومة القانونية الهادفة إلى إيجاد تشريعات وقوانين ملزمة ورادعة”.
مضيفًا “كما يبرز دور الجامعات والمناهج التعليمية في تعميم الثقافة المناهضة للفساد؛ لتستجيب لمتطلبات سوق العمل، والتوجه نحو ترسيخ القيم الإنسانية، خصوصًا مفاهيم العدل والمساواة وتكافؤ الفرص واحترام الحقوق العامة، وحقوق المواطن وواجباته، وعلى ذات القدر من الأهمية يأتي دور التطور العلمي الذي تضطلع به المؤسسات الأكاديمية، من خلال تحفيز الطلبة على التفكير العلمي الهادف إلى تنمية مهاراتهم التحليلية والمعرفية والتي يظهر أثرها في رفع إمكانيات بناء علاقات مجتمعية متناغمة تركز على إعلاء المصلحة الوطنية من خلال المدخل المعرفي.
تطبيق القانون وقواعد الحوكمة
يؤكد الدكتور عبدالله (عميد مركز التطوير وضمان الجودة بجامعة الحديدة) أنَّ من متطلبات مكافحة الفساد في اليمن تطبيق قواعد الحوكمة وممارساتها، والتي تشمل عدداً من المؤشرات تقيس كل من المشاركة والمساءلة، ومكافحة الفساد وفعالية الحكومة، ودرجة الاستقرار السياسي، ومدى وجود التشريعات اللازمة؛ لتعزيز الممارسات العادلة، ومؤشر سيادة القانون، وهي مؤشرات تهدف إلى العمل على تعزيز القدرات القيادية في مجال الحوكمة الاستراتيجية والمؤسسية، والسيطرة على المخاطر، والعمل على وضع معايير ومؤشرات فاعلة للرقابة الداخلية.
مشيرًا إلى ضرورة تقوية عناصر التقارير المستخدمة في الرقابة، والتقويم ونشر معايير المساءلة والمحاسبة والشفافية في أعمال الأجهزة الرقابية، والتي يجب أن يرتبط بتحقيق الاستقلالية المالية والإدارية لهذه الأجهزة بما يمكنها من أداء دور فاعل في مكافحة الفساد، من خلال تقوية قدرات الدولة الاستراتيجية والمؤسسية وتفعيل النظم الإلكترونية؛ فالفساد يؤدي إلى تفشي ثقافة الغموض، خصوصًا تلك المرتبطة بوضوح طرق وإجراءات المؤسسات العامة ودعم التواصل المجتمعي.
وواصل النهاري حديثه: “وهنا يتعين على الدولة تبني الممارسات المعززة للشفافية، والإعلان عن سياساتها الاقتصادية، وتطوير نظم الإدارة الحكومية، وإشراك الأطراف المجتمعية ذات العلاقة في وضع السياسات العامة، وفي تطوير منظومة التشريعات واللوائح التي تعزز مبدأ الإفصاح والرقابة المالية الرسمية والمجتمعية، بِعدِّ المجتمع المدني شريكاً أساسياً في الرقابة على العمليات الإدارية والمالية والتقويم والمراقبة الداخلية”.
تعزيز بنية الاقتصاد القومي
منوهًا إلى وجوب أن تعمل الدولة على تعزيز بنية الاقتصاد القومي؛ منعًا لتنامي وتيرة التحول لمسار اقتصاد الريع الذي يعد بيئة خصبة للفساد، وتشجيع رأس المال على توجيه استثماراته للقطاع الإنتاجي والصناعي بدلاً من تركيزه على أنشطة المضاربات العقارية والمالية.
ويزيد: “لا بد من تحقيق كل ذلك وتفعيله، ويجب أن تعطي الدولة اهتماماً أكبر لمدخل الاستثمار في اقتصاد المعرفة، والتجديد والإبداع والارتقاء بقيم العلم والمعرفة والإنتاج التي تسهم بشكل كبير في تغيير الثقافة الفردية والجمعية؛ لدعم الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد”.
دعم السلطتان التنفيذية والتشريعية لنزاهة القانون وتطبيقه
بالإضافة للمتطلبات السابقة أكد الدكتور عبدالله أنَّ مكافحة الفساد لا يمكن أن تثمر أثارها دون أن يكون هناك دور للسلطة التنفيذية في دعم نزاهة القانون، وفرض احترامه من قِبل موظفي السلطة العامة بمختلف مناصبهم ودرجاتهم الوظيفية، بالإضافة إلى توفير المتطلب الرئيس لنجاح ذلك الدور من خلال تعزيز دور السلطة التشريعية للمشاركة، وفق معايير العلم والمعرفة التخصصية والخبرات المهنية لوضع السياسات العامة ومراقبتها وتقويمها بشكل دوري، وإعلام وإشراك الرأي العام في مناقشتها وصنعها، وتحقيق هدف تطوير إجراءات العمل الرقابي والإداري والمحاسبي من خلال البدء في تنفيذ عمليات التحليل البيئي لمشكلات التنظيم في البنية الإدارية؛ لتحديد مسارات التطوير المستهدفة في عناصر العمل التنظيمي، والتي تشمل الأهداف الإدارية وأساليب الأداء والرقابة والتقييم؛ بغية رفع الكفاءة والإنتاجية لعنصر العمل.
ضمان استقلالية القضاء
ويختم تصريحه لـ “صوت الأمل” حول متطلبات مكافحة الفساد بقول: “إنَّ المنظومة المعقدة المتداخلة التأثيرات، تقودنا إلى التأكيد على أنَّ عملية مكافحة الفساد في اليمن لن يكتب لها النجاح إذا لم يتوفر السياج القانوني الداعم للأدوار الرسمية والمجتمعية، من خلال ضمان استقلالية القضاء بعدِّه حصانة لازمة للدولة والمواطن، ومنحه القدرة على ممارسة دوره بكل حيادية واستقلال، وتطوير التشريعات والقوانين واللوائح المنظمة التي تتعلق بدوره الوظيفي ضمن سلطات الدولة الثلاث، ودوره القانوني في تعزيز سلطة القانون في قضايا الفساد”.
من جانبه قال الصحفي بسام القاضي: “تتصدر اليمن ذيل قائمة المؤشر العالمي للفساد عام 2021م؛ وذلك بسبب الصراع القائم فيها، وغياب الدولة الهش، وغياب الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، وقد أدى ذلك إلى تفشي الفساد بشكل كبير في مختلف مؤسسات الدولة”.
تفعيل مؤسسات الشفافية ومكافحة الفساد
وأضاف القاضي: “ولهذا فإنَّ الفساد القائم في اليمن يتطلب من أطراف الصراع تفعيل مهام الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة للإشراف على المراكز الحكومية، إلا أنه وللأسف الشديد فالفساد في اليمن لا يقتصر -فقط- على مرافق الدولة أو المؤسسات الحكومية، وإنما يشمل المنظمات الدولية العاملة في اليمن؛ نتيجة الغياب الكامل للرقابة على مؤسسات الدولة”.
وواصل القاضي: “هنا تزداد وتيرة الفساد دون أن يكون هناك أي تراجع للمراقبة والمحاسبة للجهات المذكورة، وبالتالي نؤكد على ضرورة تفعيل قانون الجهاز المركزي للرقابة، ودوره في مكافحة الفساد في اليمن؛ لالتزام المنظمات الدولية وأيضاً المؤسسات الحكومية بضرورة العمل بشفافية، والاستجابة الكاملة لهذا الجهاز للقيام بالمراقبة والإشراف وتقييم الجانب الإداري والمالي تحديدًا، ولذلك لن يكون هناك أي مساحة للفساد في اليمن”.
تفعيل دور الجهات الرقابية
بدوره أشار المحامي علي راشد إلى أنَّ قضية الفساد من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع اليمني، لا سيما فقد ارتفعت مؤشرات الفساد بدرجة كبيرة، ولهذا ينبغي العمل على مكافحته والحد من تفشيه من خلال تضافر الجهود الشعبية والرسمية لاجتثاث الفساد، والتقليل من آثاره السلبية على الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى إيجاد إصلاحات فعلية، والتوعية بأهمية مكافحة هذه الظاهرة بالإبلاغ عن أوجه الفساد التي تمس حياة المواطن وأحوال معيشته.
وأضاف راشد: “أما على المستوى الرسمي فيجب قيام الأجهزة الرقابية المتمثلة بالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة العليا لمكافحة الفساد بدورها، وتمكينها من القيام بعملها بكل شفافية دون أن تكون أمامها أي خطوط حمراء لا تتجاوزها لبعض الجهات الحكومية أو بعض الشخصيات من أصحاب النفوذ، وكذا تفعيل الدور الرقابي للتفتيش القضائي لقيامه بواجبه في تجفيف منابع الفساد في ساحات النيابات والمحاكم؛ للوصول إلى قضاء نزيه يحقق العدالة للجميع دون استثناء”.
غربلة المؤسسات من المفسدين واستبدالهم بالأكفاء
من جهته يرى أكاديمي-طلب عدم ذكر اسمه- أنَّ الفساد شبكة منظمة تضم بداخلها العديد من الأشخاص، ومن المستحيل القضاء عليه فعليًا؛ وذلك لأنَّ من يُكشف من هذه الشبكة يُضحَّى به؛ وبذلك يستمر الفساد إلى أن تأتي شبكة أخرى.
وأضاف: “إلا أنَّه يمكن مكافحة الفساد بالتقليل منه بواسطة مجموعة من الوسائل، يأتي في مقدمتها تطبيق القانون على الفاسدين في جميع القطاعات العامة والخاصة، من خلال تحويل من يثبت فساده لنيابة الأموال العامة، ليكون عبرة لغيره ووسيلة لردع أمثاله، بالإضافة إلى تطبيق الحكم على الفاسدين أمام الملأ بأحكام قضائية واضحة ومنصفة”. وأردف بالقول: “كما أنَّ من أهم وسائل الحد من الفساد: هو تعيين الكوادر المحترمة وذوي السمعة الطيبة ومن يتوفر فيه شرطي الكفاءة والنزاهة، بالإضافة إلى الشفافية في إنفاق المال العام، ونشر الموازنات والمصروفات بصفة مستمرة، والسماح لأي مواطن أو موظف بالاطلاع على المكافآت والمبالغ التي تُصرف داخل مؤسسته، والإبلاغ عن أي تلاعب في عملية الصرف، فضلًا عن ضرورة غرس القيم والمبادئ التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف، وغرس ثقافة الرقابة الذاتية والخوف من الله في نفوس الجميع، وهذا الدور تحققه المؤسسات التعليمية والإعلامية وغيرها”.
استطلاع.. 95% يرون أنَّ استمرار الصراع في اليمن يؤثر على انتشار الفساد
صوت الأمل – يُمنى أحمد كشفت نتائج الاستطلاع الإلكتروني الذي أجرته وحدة المعلومات واستطلاع …