الفساد في اليمن طريق لتسيير الأعمال
صوت الأمل – علياء محمد
عرّف القانون اليمني الخاص بمكافحة الفساد في العام 2006م في مادته رقم (2) الفساد بأنَّه: “استغلال الوظيفة العامة للحصول على مصالح خاصة، سواء كان ذلك بمخالفة القانون أو استغلاله أو باستغلال الصلاحيات الممنوحة”.
وأشار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) إلى أنَّ الفساد هو: الإساءة أو إساءة استخدام السلطة العامة من أجل المنفعة الخاصة، ويمكن أن يتخذ أشكالاً عدّة، مثل الرشوة والابتزاز واستغلال النفوذ والمحسوبية والغش أو الاختلاس، وأنه يقوض الاستثمار والنمو الاقتصادي، ويضعف ثقة الجمهور في الحكومة، ويسهم في عدم الاستقرار الاجتماعي وتفاقم الفقر.
ويتحدد مفهوم الفساد بحسب آلياته ووسائله وآثاره، ويتغير بتغير الظروف المحيطة به، وبحسب طبيعة الأنظمة في البلاد. ويتنوع الفساد إلى عناصر مختلفة إما سياسية أو اقتصادية أو قانونية أو ثقافية ويأخذ الفساد مفهوم الانحراف في أداء الوظائف العامة والخاصة، وتدمير قيم النزاهة والشفافية، بالإضافة إلى أنَّ مفهوم الفساد هو فقدان عملية التوازن.
ووفقاً للورقة الصادرة عن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية في العام 2018م بعنوان “مكافحة الفساد في اليمن”، فإنَّ الفساد راسخ بعمق الاقتصاد السياسي اليمني، فعلى مدى عقود شهدت اليمن عـدة حالات استحواذ على مقدرات الدولة، حيـث كان القـادة السياسـيون مـن أعلى المستويات ينتزعـون عائدات مؤسسـات الدولـة؛ لتسـتفيد منها قلة مختارة، وكان الفساد الإداري أيضًا شـائعًا في اليمن.
وأوضحت الورقة أنَّ الرشـوة والمحسـوبية أصبحـتا جـزءًا مـن الحيـاة اليوميـة، بالإضافة إلى وجود تقبل ثقافي، وتوقع للفساد في السياسة والأعمال، وأصبحت الشـبكات غيـر الرسـمية أكثـر نفـوذًا من المؤسسـات الرسـمية.
“انتهجت المؤسسة الحكومية الفساد منهجاً أساسياً لتسيير كافة الأعمال”، هذا ما أكده المهندس أنور العامري (مدير عام شركة النفط فرع الحديدة) في حديثه لـ “صوت الأمل”. مشيرًا إلى أنَّ المؤسسات الحكومية لم تقدم نموذجاً مشرفاً للدولة المدنية، ولم تتمكن من توفير أبسط مقومات الحياة الكريمة للمواطن.
ومن منظور شمولي يذكر العامري أنَّ جميع مؤسسات الدولة مارست الفساد السياسي والاقتصادي، واستخدمت الإعلام وسيلة لتمرير جميع أشكال الفساد بطرق ملتوية في تغييب واضح للمعايير الأساسية، والإعلام الاستقصائي، والقدرات، والمهارات الإعلامية.
مفيدًا أنَّ فترة الصراع في اليمن أظهرت معها كل أنواع الفساد المعروف بجميع أشكاله العالمية: فساد السوق السياسي، والفساد الاقتصادي، وكذلك فساد البيروقراطية الإدارية، وفساد التعليم، ولا ننسى الفساد الإعلامي والصحافي، وكذلك فساد التوزيع، والذي انقسم إلى عدة أقسام أهمها توزيع الغذاء والدواء من قبل المنظمات العاملة في اليمن، أو التوزيع العادل للوظيفة وصولًا إلى توزيع الثروات.
أشكال الفساد في اليمن
تعد ظاهرة الفساد ظاهرةً متعددة الأشكال، تتأثر بشكل كبير بالظروف والعوامل المحيطة، وهناك آليات متنوعة لظهور الفساد، فبحسب كتاب “خارطة الفساد في اليمن” الصادر في العام 2010م عن مركز المرصد اليمني لحقوق الإنسان، فإنَّ للفساد مستويين مترابطين: المستوى الأول الفســاد الفوقي (الكبــير) أي فســاد النخبـة في هيكل السلطة العليا، التي تمتلك علاقات وشبكة مصالح واسعة مع ممثلي الشركات والمؤسسات التجاريـــة والاستثمارية الكبــرى، محليـــة كانـــت أم خارجيـة، وتسيطر على مراكز القـرار.
والمستوى الثـاني الفسـاد التحـتي (الفسـاد الصـغير) أو الفسـاد في المسـتويات الأدنى، والــذي يتغلغــل في المفاصــل الإدارية لأجهــزة الدولــة، كــالإدارات الضريبية والجمركية والمؤسسات المالية الحكوميـة الأخـرى أو الخاصـة، وإدارات منح التراخيص وأجهزة الرقابة والتفتيش ومؤسسات الخدمـة المدنيـة.
ومن جانبه يرى المستشار أكرم الشاطري (رئيس هيئة مكافحة الفساد جنوب اليمن) أنَّ الفساد يقوم على إساءة استعمال السلطة واستغلال الوظيفة العامة وانحراف السلوك الوظيفي، ويتخذ الفساد أشكالاً كثيرة ومتنوعة وتنتشر في اليمن كثير من أنواع الفساد؛ فهناك الفساد الاجتماعي، والأخلاقي، والفساد المالي والإداري وهي من أكثر أنواع الفساد انتشاراً.
وفي حديثه لـ “صوت الأمل” أشار الشاطري إلى الفساد المالي والإداري، بعدِّهما مصطلحين متداخلين جدًا ويحملان الكثير من الصفات، والعوامل المشتركة، وأوضح أنَّ الفساد المالي يعرّفه الكثير بأنَّه: “الانحرافات المالية المبنية على مخالفة القوانين، والقواعد ومختلف الأحكام المعتمدة في أي مؤسسة أو تنظيم”.
بالإضافة إلى أنَّ مفهوم الفساد المالي يعرّف: بالاعتداء على المال العام الذي تمتلكه الدولة نهباً أو اختلاساً باستغلال النفوذ أو باستعمال وسائل وطرق خارج نطاق القانون واللوائح، وهو المال الذي لا يحق للأفراد العاديين أو الشخصيات المعنوية كذلك التصرف فيه.
مؤكدًا أنّ الفساد المالي والإداري ليسا ظاهرة أو قضية تخص دولة معينة أو مجتمع معين أو جهة معينة، بل هي ظاهرة متفشية في كل دول العالم، خاصة دول العالم الثالث فهي تحتل مكانة متقدمة، إذ تستغل طبقة المفسدين مواقعها ومراكزها في القيام بانحرافات وسرقات للحصول على الامتيازات والأراضي والصفقات وغيرها.
موضحًا أنَّ مظاهر الفساد المالي في اليمن تتمثل بالسيطرة على المال العام، والتحكم به واختلاس التمويل الخارجي والداخلي، وتسخيره للصالح الشخصي والتهرب من دفع الضرائب -إن وجدت-، وتخصيص الأراضي بالطرق الالتوائية المختلفة التي تقوم على مخالفة النظم الإدارية، أو اتباع النفوذ لتمرير تلك الأعمال مستغلة ضعف الرقابة أو انعدامها وعدم إنفاذ القوانين.
ومن جانبه أفاد علي فارس (عضو في نيابة استئناف الأموال العامة) أنَّ الرشوة أحد أبرز أشكال الفساد الظاهرة في مجتمعنا اليمني؛ ويعود ذلك لعدد من الأسباب أهمها تدني أجور العاملين في القطاعات الحكومية والقطاعات الخاصة؛ الأمر الذي يدفع العاملين إلى تقبل الرشاوي.
مشيرًا إلى أنَّ الفساد القائم على أساس السلطة يسمح لأصحاب المناصب الكبيرة والوساطات التصرف بحرية على حساب المصلحة العامة، وتسليم المناصب القيادية لأشخاص عديمي الخبرة والكفاءة؛ مما يؤثر على مهام العمل الموكلة إليهم. مؤكداً في حديثه أنَّ الفساد ظاهرة خاصة في اليمن تعتمد على قلة الوعي، وعدم فهم ثقافة الفساد، بالإضافة إلى غياب دور الرقابة والمحاسبة.
أنواع جرائم الفساد
القانون رقم (39) لسنة 2006م بشأن مكافحة الفساد في المادة رقم (30) يذكر أنَّه من جرائم الفساد المنصوص عليها في القانون: “الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني، الجرائم الماسة بالوظيفة العامة، الجرائم المخلة بسير العدالة، اختلاس الممتلكات في القطاع الخاص، رشوة الموظفين الأجانب وموظفي المؤسسات الدولية العمومية للقيام بعمل أو الامتناع عن عمل إخلالاً بواجبات وظائفهم؛ بقصد الحصول على منفعة تجارية أو مزية غير مستحقة أو الاحتفاظ بها متى تعلقت بتصريف الأعمال التجارية الدولية، ويسري بشأنها الحكم الوارد في قانون الجرائم والعقوبات”.
وضمن ما ورد في القانون حول جرائم الفساد: “التزوير المتعلق بالفساد، التزييف، جرائم التهريب الجمركي والتهرب الضريبي، الغش والتلاعب في المزايدات والمناقصات والمواصفات وغيرها من العقود الحكومية، غسل العائدات الناتجة عن جرائم الفساد المنصوص عليها في هذه المادة، استغلال الوظيفة للحصول على منافع خاصة، جرائم الثراء غير المشروع، وأي جرائم أخرى ينص عليها قانون آخر بوصفها من جرائم الفساد”.
وفي السياق نفسه أوضح المستشار أكرم الشاطري أنَّ جرائم الفساد ليست كباقي الجرائم الأخرى؛ فلها مدلول تشريعي خاص وآخر فني، حيث إنَّ المشرع أوجد أحكامًا مستحدثة سواءً في النظام الجنائي اليمني (جرائم اقتصادية) أو في قانون مكافحة الفساد، علاوة على الأحكام الواردة في قانون العقوبات كونه الشريعة العامة للتجريم، وقانون الإجراءات الجزائية بوصفه القانون الإجرائي للملاحقة الجزائية.
مضيفاً أنَّ جرائم الفساد تمتاز بطبيعتها الخطرة، وكون طبيعة الجاني من ذوات النفوذ؛ فلا بد من تفعيل دور الجهات الضبطية، والتي تساعد النيابة العامة في ملاحقة الجناة، مع التأكيد على حسن اختيار الكوادر التي تتمثل فيمن يحمل الصفة الضبطية من المحققين والفنيين في الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، والذين يُمنحون صفة الضبطية القضائية بقرار من مجلس القضاء الأعلى.
أسباب الفساد في اليمن
يرى المهندس أنور العامري (مدير عام شركة النفط فرع الحديدة) أنَّ تغييب دور المؤسسات التي يناط بها المحافظة على المؤسسات الحكومية وإيقاف محاولات الفساد والإفساد ومنها السلطتين القضائية والتشريعية، وإخضاعها للسلطة التنفيذية والهيئة العامة لمكافحة الفساد والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة من أهم أسباب انتشار الفساد، بالإضافة إلى غياب الرقابة والمساءلة والشفافية واستبعاد إدارات الحوكمة والشفافية من المؤسسات الحكومية، والنزاع المسلح على السلطة بين الفصائل المختلفة التي لم تستطع توحيد الصف.
ويعود المستشار أكرم (رئيس هيئة مكافحة الفساد جنوب اليمن)؛ ليشدد على أهمية محاربة الفساد والحد من انتشاره بشتى السبل والأشكال، عن طريق: الالتزام الديني والأخلاقي والوطني والإنساني، ووجود إرادة سياسية لخوض هذه المعركة، بالإضافة إلى سن الأنظمة الرادعة والتشريعات الشفافة والمضادة للفساد وتوضيحها، وإنزال أقصى العقوبات على مخالفيها، والتوعية المجتمعية لهذه الظاهرة الخطيرة، وتنمية دورها في مكافحة الظاهرة والقضاء عليها.
مؤكدًا على أهمية تخصيص مكافآت مالية لمن يقوم بالتبليغ عن حالات الفساد في الدوائر الحكومية، ووضع عقوبات رادعة تناسب كل فساد؛ وذلك لعدم تكراره، بشرط أن يكون معلناً على الملأ للعبرة والعظة.
مشيرًا إلى أنَّه من أجل مجتمع خال من الفساد نحتاج إلى: توفير فرص عمل مناسبة للمواطنين، وإيجاد كادر وظيفي مناسب لكل فئة من فئات المجتمع، وتشكيل لجنة مخصصة في كل دائرة ومكتب في المؤسسات الحكومية للإصلاح الإداري، ودراسة الواقع الإداري وسلوك العاملين لمحاربة الفساد وقت اكتشافه، بالإضافة إلى تعيين القيادات الشابة النشيطة المؤمنة بالتطوير والتغيير ذات الكفاءة والمؤهل والخبرة العلمية في مجال العمل، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
استطلاع.. 95% يرون أنَّ استمرار الصراع في اليمن يؤثر على انتشار الفساد
صوت الأمل – يُمنى أحمد كشفت نتائج الاستطلاع الإلكتروني الذي أجرته وحدة المعلومات واستطلاع …