ازدياد ظاهرة الزواج المبكر في اليمن سببه المعتقدات الاجتماعية السائدة
صوت الأمل – ياسمين عبد الحفيظ
“تزوج ابنة الثمان وعليَّ الضمان” كثيرون يؤمنون بهذا المقولة الشعبية، والتي تحمل معنى: أنَّ زواج الرجل بالفتاة الصغيرة يسهل على الزوج تشكيلها حسب ما يحب ويريد (يتمكن من السيطرة على قراراتها)، وعلى أثر تلك الأقوال والمعتقدات المجتمعية، وقعت الكثير من الفتيات في اليمن ضحايا للزواج المبكر.
حيث يعد ضرورة تزويج الفتاة -وهي في سن صغير- من الثقافات المغلوطة في المجتمع، والتي يتطلب صدها ومحاربتها لما لها من ضرر على حياة الفتيات ومستقبلهن، ففي تقرير أممي نُشر في سبتمبر 2013 م، قالت فيه لايزل غيرنهولتز: (مديرة قسم حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش) : “لقد سرقت طفولة الآلاف من الفتيات اليمنيات، ودمر مستقبلهن؛ لأنَّهن أجبرن على الزواج مبكرًا جدًا، يجب على الحكومة اليمنية وضع حد لهذه الممارسات المسيئة”.
هذا ويعد زواج الصغيرات شكلاً من أشكال العنف ضد المرأة، حيث يؤيده الكثير من الأفراد والأسر الذين يفضلون زواج الفتيات وهن صغيرات؛ خوفاً على بناتهم من العنوسة التي تلاحق الفتاة حين تتقدم في السن بدون زواج، ولأنَّ الرجال لا يفضلون الفتاة الكبيرة، وغيرها من المعتقدات التي تشجع أولياء الأمور على تزويج بناتهم في سن صغير.
وذكر تقرير أممي نشر بتاريخ 11 فبراير في العام 2019م: “قد يؤدي زواج الأطفال إلى المعاناة مدى الحياة، فالبنات اللواتي يتزوجن قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة، أقل احتمالاً للاستمرار في المدرسة، ويزيد احتمال تعرضهن للعنف المنزلي”.
معتقدات سائدة
ترى هدى الحيدري (إحدى المعلمات في محافظة تعز)، أنَّ الأسرة تزوج الفتاة مبكرًا؛ حتى تتخلص من العبء الاقتصادي، وكذلك خوفًا من العنوسة، التي ربما تعاني منها الفتاة مستقبلًا إن لم تُزوج، وكذلك زيادة الجرائم المنتشرة هذه الأيام، وأنَّ الانفتاح الحاصل أصبح شبحًا يخيف أرباب الأسر؛ فيسارعون في تزويج بناتهم؛ لاعتقادهم أنَّهم بذلك يحمون الفتاة .
وتذكر الحيدري أنَّ الفتاه تتزوج في سن مبكر؛ متأثرة بوسائل التواصل الاجتماعي والصور التي تُنشر بها وتشجع على الزواج، فتجعل الزواج هدف في رأس الفتاة لا بد من تحقيقه، من غير إدراك حقيقي لما سيترتب عليه من مسؤوليات وحقوق وواجبات، كما ترى أنَّ البعض منهن يغصبهن الأهالي على الزواج للأسباب السابقة.
مضيفة في حديثها لـ “صوت الأمل”، قلة من يدركون المشاكل التي تحدث جراء الزواج المبكر، أما الأغلبية الذين يشجعون زواج القاصرات يبررون ذلك بأنَّه الحل والقرار صائب؛ كونه يستند إلى بعض النصوص الدينية -بغض النظر عن صحة النصوص من عدمها-، والحل برأيها الوعي، وسرعة تدخل الجهات المعنية.
من جهته يرى عبد الجليل اليوسي (صحفي) أنَّ الزواج بالقاصرات مفضل لدى الذكور ويُتباهى به؛ للقدرة على الإنجاب، وأيضًا لوجود ثقافة مترسخة في المجتمع، وهي أنَّ الزواج بالبنات الصغيرات تقليد متوارث جيلًا عن جيل، ويوضح أنَّ للزواج بالقاصرات مخاطر جمة نفسيًا، صحيًا، أسريًا واجتماعيًا وله أبعاد في المستقبل لا تُلحظ في الحاضر المعاش.
أما رنا الحبشي (هي مصورة أعراس نسائية في مدينة الحديدة) تقول: “بحكم أنني مصورة أعراس فقد صادفت كثيراً من الفتيات اللاتي تزوجن في سن مبكر، وعندما سألت البعض منهن عن سبب زواجهن في هذا السن، كان ردهن إما هروبًا من فقر أسرهن، إذ باعتقادهن أنَّ الزوج سيوفر لهن كل متطلباتهن، أو أنَّهن يرغبن بالزواج في كل الأحوال، وكذلك تظن البعض منهن، أنَّهن يجب أن يتزوجن قبل أن يتقدمن بالسن؛ وحتى لا يفوتهن قطار الزواج –بالرغم من صغر سنهن-“.
وتستدرك الحبيشي أنَّ مما تلاحظه في عملها، إصرار بعض الآباء على زواج بناتهم؛ خوفًا عليهن من الوقوع في أخطاء، قد تسبب لهم العار، وبعض أولياء الأمور لا يحبون الفتيات، ومن باب التخلص منهن يقررون تزويجهن.
فيما اتفق ناشطون مجتمعيون أنَّ من المعتقدات السيئة حول الزواج المبكر، في بعض مناطق اليمن؛ هو الهروب من مشاكل سن اليأس التي يعاني منها الرجل عند بلوغ زوجته هذا السن، وأنَّ الزواج بالقاصر يضمن كثرة الإنجاب.
لماذا الزواج المبكر؟
الأستاذ الدكتور أحمد علي المعمري (أستاذ علم النفس بجامعة الحديدة) في رده عن سؤال لماذا الزواج المبكر؟، أوضح أنَّ هناك عدة نقاط تتمثل في التالي:
- الثقافات المجتمعية السائدة التي تحبذ الزوجة المطيعة، بل عند البعض الكائن الذليل، ويزعمون أنَّ من يتزوج فتاة صغيرة يستطيع تطويعها كيفما يريد، وحينها يعيش في رغد (السمع والطاعة) حقًا وباطلًا.
- زواج البدل: بمعنى أسرتين تقيمان مصاهرة عبر تزويج الأبناء أو الأب يزوج ابنته مقابل أن يتزوج ابنة من سيمنحه ابنته.
- طغيان البساطة في الريف، وصعوبة الحياة الاقتصادية، -خاصة- في الأسر الفقيرة وذات العدد الكبير، وعلى وجه الخصوص إذا كانت الفتيات هن الأكثر عددًا داخل العائلة.
- فقدان أحد الوالدين: ففقدان الأم، وزواج الأب بامرأة أخرى، يجعل الأخيرة تسعى إلى تزويج بنات زوجها؛ ليخلو لها المجال، كونها تفكر بعقلية المسيطرة والقوية وصاحبة القرار في الأسرة، فتبحث عن أي إنسان يتزوج تلك الطفلة المغلوبة على أمرها، المكسورة الجناح، التي بلا سند.
- – الجهل والأمية لدى الفتاة ولدى أسرتها، ومن الملاحظ أنَّ اجتماع الفقر والجهل هو كلمة السر في زواج الصغيرات، والنظرة للفتاة كسلعة تتماثل مع أي سلعة، ومن الجهل ما يتم تداوله حول أنَّ زواج المسن بصغيرة السن، تُعيد له الحيوية الشبابية، ويتم الزواج بالقاصرات بناءً على تلك التفسيرات البعيدة عن أخصائيي التغذية والعلماء والمثقفين.
يواصل المعمري حديثه لـ “صوت الأمل” قائلًا: “زواج الصغيرات خطأ جسيم صحيًا ونفسيًا، ولعل التبرير لفعله ساذج وسطحي وغير منطقي، فالزواج له أهداف ومرامٍ مقدسة دينًا وثقافة وحياة اجتماعية، ففي العديد من الدراسات التي أُجريت في عدة بلدان في العالم ومنها اليمن، بطبيعة الحال وجد أنَّ هناك نسبة أعلى من الطبيعي في حالات الوفاة للفتيات اللواتي يتزوجن قبل النضج البيولوجي الذي يؤهلهن للحمل ومن ثم الأمومة”.
مضيفًا أنَّ هناك أشكالاً للأعراض النفسية للأمهات القاصرات، وأثبتت تقارير عدة أنَّ الكثير من حالات الولادة تكون متعسرة، كما أنَّ وفاة المواليد مبكرًا هو أعلى بين أبناء صغيرات السن مقارنة مع النساء فوق سن الـ 18 عامًا، ولعل هذا مبرر كاف للتصدي لزواج القاصرات أو صغيرات السن-حسب رأيه-، مكملاً: “ثم إذا تناولنا الأبعاد الانفعالية في الزواج المبكر، سنجد أنَّ هناك مشكلة كبيرة، فالنمو الانفعالي من أهم العوامل للوالدية الناجحة (أماً وأباً)، والزواج في سن صغير، لا يتوفر فيه نضج انفعالي كامل لبناء أسرة مستقرة وناضجة وآمنة”.
كما يقول أستاذ علم النفس بجامعة الحديدة الدكتور أحمد علي: “الحديث في موضوع زواج الصغيرات مؤلم، وجارح للذات العاقلة الناضجة، لكنَّه واقع يجب دراسته وتشخيصه، وعدم الرضوخ له ومهما يكن من أمر فهناك سؤال هام جدًا …لماذا يترك الرجال الشابات واللواتي في سن النضج وتكوين أسرة ويذهبون للبحث عن من هن بسن الطفولة؟ لعل السؤال كبير وقد يعده البعض ساذجًا والبعض ينظر إليه من زاوية تقريرية، ولكن في كل الأحوال فالزواج في سن صغير مشكلة حقيقية –خاصة- إذا ارتبط بالفقر والجهل والوهم وعدم الوعي بقيمة الذات”.
ويختم حديثه: “الزواج من القاصرات من علامات تسليع البشر، والعبودية الحديثة وفقًا للكثير من المنظمات العاملة في حقوق الإنسان، والحل هو رفع مستوى الوعي الطبي والنفسي والاجتماعي والأخلاقي والقيمي بل والديني”.
تزويج الولد باكرًا يتطلب صغيرة السن
فيما لخص ناشط حقوقي -فضل عدم ذكر اسمه- أنَّ الزواج المبكر يحدث؛ لوجود عادات وتقاليد اجتماعية عند البعض، وفي بعض المناطق تقضي أن يزوجوا أبناءهم (الذكور) بسن مبكر وعليه يقتضي اختيار قاصرات، إلى جانب الوعي الجنسي المنحرف لدى الكثير من الكبار الذي يتمثل في البحث عن المتعة والرغبة الجنسية وعادة ما يكون له علاقة بالتعدد.
ويضيف المصدر أنَّ الفتاة تتزوج قاصرة؛ لأمر يتعلق بوضع أسرتها المعيشي ورغبتهم في الحصول على المال أحيانًا، أو التخلص من أعباء ومتطلبات المعيشة، وتوفير متطلبات الفتاة، والبعض لخوفهم مما يسمى بقضايا الشرف والعار؛ ولعدم وعيهم بأهمية دعم وتعليم الفتاة، وتعزيز ثقتها بنفسها، بعض أولياء الأمور يتعرضون لضغوط قد تكون بسبب روابط أسرية أو ديون يتم الضغط بها عليهم مقابل زواج ابنتهم القاصرة.
حلول لمكافحة الظاهرة
تنتشر في عموم اليمن ثقافة تدعم زواج القاصرات؛ وعلى أثر تلك الثقافة تُسلب روح الطفولة لكثير من الفتيات، فيصبحن أمهات قبل أوانهن ويتحملن مسؤوليات لا تتوافق مع قدراتهن، بل يجعلهن يخضن معركة يشوبها الكثير من المخاطر، التي تنتهي أحيانا بوفاتهن؛ لذا لا بد من وضع حلول لمحاربة هذه المعتقدات، والحد منها في سبيل مكافحة الظاهرة والقضاء عليها.
في هذا الشأن يرى ناصر الخليفي(ناشط بحقوق الإنسان)، أنَّ الزواج المبكر هو ظاهرة انتشرت بالمجتمع –خاصة- في أوساط المجتمعات الفقيرة، والتي ينتشر فيها الجهل والأمية بشكل كبير، وفي هذه المجتمعات قد أدى الفقر، وجهل الناس بالقوانين، والعادات والتقاليد الاجتماعية إلى تفاقم الظاهرة.
ويواصل الخليفي أنَّ من الحلول للحد من ظاهرة الزواج المبكر، هي التوعية المجتمعية بخطورة الزواج المبكر على صحة الفتاة، -خاصة- في حالة الحمل المبكر، كما أنَّه يجب التذكير ومراقبة القضاة للالتزام بالقانون المحدد لعمر الفتاة المقبلة على الزواج قبل العقد بها. توافقه في الرأي (س. ر) أكاديمية جامعية، والتي ترى أنَّ من الحلول في محاربة هذه المعتقدات والثقافات المغلوطة، التوعية بخطورة الزواج المبكر من خلال وسائل الإعلام، وفي المساجد وعن طريق إقامة الورش والندوات، ومحاربة المعتقدات السائدة في المجتمع التي تشجع توسع الظاهرة.
الفتيات اليمنيات أكثر عرضة لخطر الزواج المبكر من الفتيان
صوت الأمل – يُمنى أحمد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجرته (وحدة المعلومات واستطلاع الرأي) …