الزواج المبكر يتسبب بتفشي عمالة الأطفال في اليمن
صوت الأمل – علياء محمد
تؤثر العادات والتقاليد الاجتماعية على تزويج الأطفال، إذ تقوم بعض الأسر بتزويج أطفالها انصياعاً لها، وعدِّ ذلك جزءًا من ثقافة المجتمع، وأنَّ تزويج الفتاة وسيلة لتقوية أواصر الأسرة؛ وبالتالي يصبح الزواج المبكر من الظواهر الأكثر انتشارًا وقبولًا في المجتمع .
ووفقاً للعادات والتقاليد فالسن الذي يتم فيه الزواج هو السن المرتبط بمرحلة البلوغ، وهي عملية تقديرية من الأسرة دون الالتفات للخبرات المعيشية، والاجتماعية الملائمة لبناء الأسرة ومتطلباتها.
ويعيش عدد من أطفال اليمن في مناطق ومحافظات تؤيد وتفضل الزواج المبكر، فبعد بلوغ أطفالهم تجتمع بعض الأسر لتحديد الأطفال الذين سيتم تزويجهم، وبعد الاختيار يبدأ الطفل بإعداد نفسه للزواج؛ الأمر الذي يدفع الكثيرين للخروج إلى سوق العمل؛ تحملاً لمسؤولية تكاليف الزواج وتبعاته.
في النصف الأول من شهر أغسطس 2022م، نفذت صحيفة “صوت الأمل”، مسحًا ميدانيًا في محافظة صنعاء –أمانة العاصمة بالتحديد- على عينة من الأطفال العاملين (52% من الفتيات، و48% من الفتيان) تفاوتت أعمارهم بحسب النسبة الآتية: 48% من 10-15 عامًا، و28% من 5-10 أعوام، و24% لفئة ما بين 15-17 عامًا.
وكشف المسح الميداني أنَّ 64% من الأطفال المُستطلعين عاملون وغير ملتحقين بالمدرسة لهذا العام الدراسي 2022م، أما 36% فعاملون لكنهم لم يتركوا مدارسهم محاولين التوفيق بين أوقات العمل والدراسة.
وأشار المسح إلى أنَّ 72% منهم يعملون لأكثر من 12 ساعة يوميًا، في حين يعمل الـ 28% الآخرون لثمان ساعات كحد أدنى يوميًا.
سداد المهر يدفع الأطفال للعمل
أشارت الدراسة الصادرة عن معهد الدوحة الأسري للأسرة بعنوان: (حالة الزواج في اليمن)إلى أنَّ الزواج المبكر يدفع الذكور في الأسر الفقيرة إلى الالتحاق المبكر بالعمل؛ لتأمين المهر وتكاليف الزواج والإنفاق على الزوجة والأطفال، وهذه أحد أسباب ارتفاع معدلات التسرب المدرسي وأحد أهم أسباب النمو السكاني المتسارع.
محمد صالح أحد الأطفال الذين أُجبروا على الخروج للعمل لسداد مهر ابنة عمه، والتي قرر والده أن يخطبها له وهو في الخامسة عشرة سنة؛ مما دفعه للبحث على فرصة للعمل .
يقول محمد: “لست أنا الوحيد الذي أعمل، فهناك أيضاً عدد من أفراد القرية، نعمل في مهن مختلفة كالمساعدة في أعمال البناء والتبليط”، مضيفًا: “العمل شاق جدًا ولكن يجب أن نعمل، فنحن في مجتمع يعيبنا إذا تأخرنا في الزواج”.
وأشارت دراسة أعدها عارف عبدالله الجرادي (باحث) -مؤخرًا- إلى أنَّ الزواج المبكر يقف وراء دفع نسبة كبيرة من الأطفال إلى سوق العمل؛ بسبب تحملهم مسؤولية الأسرة .
وأوضحت الدراسة أنَّ سوق العمل في اليمن ممتلئ بعمالة الأطفال فهناك 50% من المتسربين من التعليم في المدارس، يقومون بحمل مواد غذائية للمستهلك المتجول داخل الأسواق المحلية، في حين أن َّهناك 10% يقومون بأعمال النجارة، و15% يقومون بأعمال خطرة منها: العمل في (ورش) الحديد، و(السمكرة)، وطلاء الجدران، وأعمال البناء والتشييد وغيرها من الأعمال التي تسفر عن إصابة الأطفال ببعض العاهات.
الزواج المبكر يحرم الفتيات من التعليم ويلحقهن بالعمل
الفتيات عادة ما يُرغمن على ترك المدرسة عند الزواج؛ ليتولين مسؤوليات المنزل، وفي ذلك حرمان لهن من حقوقهن، وللزواج المبكر آثار طويلة الأمد على أسرهن المستقبلية.
وعن تجربتها مع هذه الظاهرة، تحكي (ا.ح.ل) –طلبت عدم ذكر اسمها- معاناتها مع الزواج المبكر، فقد كان والد زوجها ميسور الحال، وحينها قرر تزويج ابنه في عمر مبكر فلم تكن أمامه إلا هي، كونها ابنة عمه.
قائلة: “جراء الصراع تبدلت الأوضاع، وتم تسريح والد زوجي من عمله، حينها تنصل من كافة مسؤولياته، وازدادت مشاكلنا الأسرية، اخترت أنا وزوجي الاستقلال ولكننا كنا ما زلنا بعمر صغير، فهو لم يكمل تعليمه وأنا كذلك، اضطررنا للعمل؛ لتوفير مصدر دخل لنا ولأبنائنا، عمل هو حارس لمدرسة، وعملت أنا في تنظيف البيوت وعانينا كثيرًا”.
“حرمت من تعليمي وتزوجت في عمر صغير، والآن أساعد زوجي في أعمال الزراعة”، هذا ما أكدته (مودة حاتم) والتي تزوجت في عمر الخامسة عشرة، وأجبرت على ترك مقعدها الدراسي لتصبح أمًا ومسؤولة عن أسرة.
تقول مودة: “بسبب وضعنا المعيشي الصعب اضطر أبي إلى تزويجي بأحد أبناء القرية، والذي يكبرني بخمسة أعوام، زوجي يعمل في المدينة، وأنا هنا أهتم بالزراعة والمواشي مع والده ووالدته”.
أكد الباحث الاجتماعي عبد الله الصلوي أنَّ عمالة الأطفال أصبحت ظاهرة منتشرة؛ بسبب تدهور الوضع الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر، وتفاقمت المشكلة أيضًا؛ بسبب الزواج المبكر فكثير من الأسر يدفعون أبنائهم وبناتهم للزواج مبكراً دون التفكير مسبقًا في مدى قدرة هؤلاء القاصرين على تحمل مسؤولية وأعباء المنزل؛ الأمر الذي يدفعهم للعمل؛ لتوفير مصدر دخل يستطيعون من خلاله العيش .
مضيفًا أنَّ الزواج واقع ثقيل بالمسؤوليات، إذ يترتب عليه أعباء مالية وأعباء في الإنجاب والتربية وغيرها من الواجبات، فكيف يقدر من تزوج مبكرًا على تحمل تلك المسؤوليات؛ إذ يدفعه هذا للبحث عن عمل حتى وإن كان شاقًا ومن الممكن كذلك أن تخرج الزوجة إلى سوق العمل؛ لمساعدة زوجها .
حلول ومعالجات
يترك زواج الأطفال آثاراً وخيمة على المجتمعات، والقوى العاملة –خاصة- في الجوانب الاقتصادية؛ لذلك من الضروري أن تتم معالجة ظاهرة زواج الأطفال للحد من آثارها السلبية المنعكسة على المجتمع والأفراد، وعليه يجب أن يتم مراجعة القانون وتعديله ووضع استراتيجيات للتنفيذ، بالإضافة إلى إعداد برامج وفعاليات للتوعية والتثقيف بالآثار الناجمة عن الزواج المبكر والتوعية المستمرة لفئات المجتمع المختلفة وتحديدًا الأسر الفقيرة (الفئات الفقيرة)؛ حماية لهم من الاستغلال الذي قد يتعرضون إليه نتيجة لظروفهم الاقتصادية.
الفتيات اليمنيات أكثر عرضة لخطر الزواج المبكر من الفتيان
صوت الأمل – يُمنى أحمد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجرته (وحدة المعلومات واستطلاع الرأي) …