أثر الصراع في اليمن على قضايا النوع الاجتماعي
صوت الأمل – حنين الوحش
من يوم إلى آخر يشهد اليمن تصاعدًا في مستوى الأزمات الإنسانية التي تهدد حياة الكثير من الناس على جميع الأصعدة، لا سيما الفئات الأكثر ضعفًا التي يمارس في حقها عدة انتهاكات على مرأى ومسمع ذوي الاختصاص والقائمين على الأمر، في ظل عدم وجود سلطة متماسكة للدولة خلال فترة الصراع.
” لتحقيق مضمون النوع الاجتماعي في اليمن وجب إعادة صياغة القوانين والقرارات المحلية وفقًا للمواثيق الدولية التي وقعت عليها بلادنا مع معظم الدول في المؤتمر العالمي للسيداو التي توصي بعدم التمييز بين الرجل والمرأة “، هذا ما أكدته فاطمة المريسي (رئيسة اتحاد نساء اليمن في عدن). موضحة لـ”صوت الأمل” أن الاتحاد نفذ عددًا من البرامج التي تهدف إلى التوعية بعدم التمييز بين الجنسيين. وقد تم تحقيق عدد من الأهداف التي عمل عليها الاتحاد من بينها وصول عدد من النساء إلى مواقع صنع القرار، كما تم التأسيس لعمل مشترك مع عدد من المنظمات للحد من العنف ضد النساء، والعمل على إدارة فرق الرصد على مستوى مديريات محافظة عدن عبر البلاغات والراصدات والخط الساخن.
وأضافت المريسي أنه من خلال التدخلات الميدانية تم تشكيل لجان مجتمعية في كل التخصصات الأمنية والاجتماعية وقطاع الشباب؛ للحد من العنف المجتمعي بالإضافة إلى الدور القائم على مركز التدريب والتأهيل للنزيلات من النساء المعنفات؛ وهذا قد عزز الدور الإيجابي للخدمات المقدمة وكيفية تأهيل النساء وإعادتهن إلى أسرهن بوضع صحي ونفسي يعزز مشاركتهن الفاعلة في التنمية.
تحليل القضايا بنظر المختصيين
يستعرض إياد دماج (باحث وكاتب) مفهوم النوع الاجتماعي بقوله: إن النوع الاجتماعي يتضمن عددًا من الآليات والتصورات التي تقارب الأفراد بوصفهم ذكورًا وإناثًا في سياقات اجتماعية وثقافية معينة، ولا يعني السمات البدنية التي يتميّز بها الذكور عن الإناث؛ بل مجموع الخصائص التي حددتها البنى الثقافية والاجتماعية للرجولة والأنوثة.
ويؤكد دماج للصحيفة أن من أهم القضايا التي تترتب على الاقتراب الجندري هي إرساء السياسات التي تحقق العدالة الاجتماعية بما في ذلك التوزيع العادل للموارد والقيم المتساوية اجتماعيًا وثقافيًا وحتى سياسيًا.
مفهوم النوع الاجتماعي
تقول سعادة العريقي (ناشطة حقوقية – تعز): “إن النوع الاجتماعي -بوصفه تعريفًا محددًا- هو الأدوار والمسؤوليات التي يقررها المجتمع للرجل والمرأة، وهي قابلة للتغير بتغير البيئة”.
مضيفة، أن الكثيرين -للأسف- يخلطون بين الأدوار البيولوجية ( ذكر وأنثى) التي تعد غير قابلة للتغير، وبين مفهوم الأدوار الاجتماعية كما ذكرناها سابقًا؛ بل ويحصرون مفهوم النوع الاجتماعي على “المرأة” بالرغم من أنه قد يكون هناك آثار مترتبة على تصنيف الأدوار الاجتماعية للرجال أنفسهم بوصفه “تصنيفًا طبقيًا أو عنصريًا”.
“بتصنيف وتقسيم تلك الأدوار تترتب العديد من القضايا التي قد نستطيع ذكرها في إطار (قضايا التنمية) التي تشمل كل المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمعات”، وفقًا لكلام العريقي.
صعوبات ومعالجات
حول التحديات، يقول الباحث والكاتب إياد دماج: هناك تحديات -خصوصًا في السياق الراهن- تتضمن مستويات متعددة، أبرزها انهيار السلم الأهلي والاجتماعي بفعل الصراع الذي دفع إلى تعزيز البنى والقوى التقليدية التي تعطل فرص المساواة الاجتماعية، وتعادي منظومة الحريات المدنية والسياسية الضامنة للعدالة الجندرية. أما المستوى الآخر فيتركز في تنامي نفوذ الخطاب الديني وهيمنة الثقافة التقليدية اللتين تُعليان من شأن الرجال وتحصر مسألة اتخاذ القرار في أيديهم.
وقدر دماج أهم المعالجات التي تجلت في عمليات تمثيل النساء في الفعاليات السياسية وهياكل المجتمع المدني بمعناه الواسع والكلاسيكي تحديدًا في الأحزاب والنقابات ونشاطها في الفضاء العام. وإذا كانت النساء -باقي الفئات الاجتماعية الأخرى- قد تعرضت أثناء النزاع المسلح المحتدم في البلاد لشتى ضروب وأنماط من الانتهاكات التي مارستها كل أطراف الصراع؛ فإن ويلات الصراع فاقمت الأعباء النفسية والاجتماعية والجسدية للمرأة بصفة مضاعفة تتجاوز في وطأتها وحدَّتِها أعباء الفئات الاجتماعية الأخرى.
كما أكدت الناشطة الحقوقية سعادة العريقي أن هناك صعوبات قد تواجه الكيانات والجهات التي تسعى إلى تحقيق قضايا التنمية على المستوى الفردي والمجتمعي وهي الأعراف والتقاليد المجتمعية التي قد تكون إطارًا ينظم المجتمع وله تأثير واسع. مشيرةً إلى أن الدستور والقوانين المحلية للدولة تعد –في بعض موادها- عنفًا على النوع الاجتماعي بحد ذاته. وإذا ما تم الاستعانة بالعدالة هربًا من القوانين العرفية نجد أنه يعرقل هذه القضايا بشكل أساس.
وتضيف العريقي: أن قلة الوعي المجتمعي بحقوق الفرد وواجباته وممارسة حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية وكيفية الدفاع عنها بوصفه مواطنًا، سواء كان رجلاً أو امرأة- هو حجر العثرة في معالجة هذه القضايا؛ فقلة الوعي وعدم معرفة المواطن بحقوقه تسهمان في إقصائه دومًا من ممارستها والدفاع عنها.
وبالحديث عن المعالجات أوضحت سعادة أن هناك جهودًا تقوم بها منظمات المجتمع المدني في رفع مستوى الأفراد بالنوع الاجتماعي بمفهومه الصحيح عن طريق البرامج التدريبية على مختلف مستوياتها واستهدافها لكل الفئات، وممارسة الأدوات التي تساهم في تطبيقه على كل المستويات، الشخصي والمجتمعي والمهني وحتى على مستوى المشاركة السياسية. كل ذلك قد ساهم بشكل كبير في تسليط الضوء على أهمية ممارسة مفهوم النوع الاجتماعي، وهي تعد نقطة انطلاق لتوسيع القاعدة الشعبية التي تعي مفهوم النوع الاجتماعي وتساهم في حل القضايا المتعلقة به.
كما أكدت العريقي أن هناك محاولات في الدستور الذي أُعدَّ ضمن مخرجات الحوار الوطني لتضمين النوع الاجتماعي والبدء بممارسات جادة بذلك، لكنها توقفت مع الاضطراب السياسي والأمني الراهن. موضحة أن القوانين الدولية تساهم في الحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وفي تعزيز هذه المفاهيم والالتفات لها بشكل كبير -سواءً بتجنب السلبيات وحماية كل الفئات وتعزيز مشاركتها في إطار التنمية.
وترى سعادة أن الانتشار الواسع لمفهوم النوع الاجتماعي وقضايا العنف القائم على النوع الاجتماعي –لا سيما بين فئة الشباب التي تعد الغالبية ضمن الطبيعة الديمغرافية في اليمن- مؤشرٌ إيجابيٌ حول خفض حالات العنف وزيادة في المشاركة وممارسة الحقوق للنوع الاجتماعي على جميع الأصعدة خلال السنوات القادمة.
وللحد من الانتهاكات القائمة على النوع الاجتماعي تردف سعادة العريقي قائلة: إن من المهم توضيح مفهوم النوع الاجتماعي لكل فئات المجتمع، وتصحيح الفهم الخاطئ المقتصر على الذكر والأنثى” الذي تم ترجمته بمفاهيم تخالف الإطار العرفي والحدود الشرعية؛ فقد استخدمه أفراد وجهات لا تعي هذا المفهوم وأهميته وصورته بشكل سلبي، وهذا هو التوجه الأول الذي يجب أن تقوم به الجهات ذات الاختصاص.
ونوهت أنه يجب استهداف هذه الفئات في برامج قادمة لتصحيح هذا المفهوم لمساهمتهم في تعزيزه والحث على الممارسة الإيجابية له والعمل على تعديل المواد القانونية التي تؤجج من ممارسة العنف القائم على النوع الاجتماعي وتضمينه في كل المواد القانونية اللّازمة.
تأثير الصراع على قضايا النوع الاجتماعي
يقول الناشط المجتمعي عبد السلام علي: إن الصراع عمل على توسع قضايا النوع الاجتماعي وانتشارها بشكل كبير من خلال تهميش هذه القضية، وعدم التركيز عليها والتعامل معها بوصفها أولوية لا يجب التهاون فيها أبدًا؛ لأن البناء لا يكون من جانب واحد.
وفي إطار المعالجات التي يجب أن تتخذ قال أيضًا: “للحد من هذه القضايا فإننا نحتاج إلى توجهٍ مسند بخطط مستقبلية وليس مشاريع لحظية، وتوجه ممنهج وبرامج تندرج تحتها العديد من المشاريع التي تستهدف بالمقام الأول الوعي المجتمعي، يلي ذلك الأنشطة التي من شأنها تعزيز دور النوع الاجتماعي في بناء المجتمع لتصدير نماذج ناجحة يحتذى بها؛ فالمجتمع بحاجة إلى قدوة”.
ويضيف عبد السلام أن هناك قضايا اقتصادية كثيرة، منها ضعف التمكين والصعوبات التي تواجه المرأة وجميع فئات النوع الاجتماعي باستثناء الذكور؛ فالعائق الاقتصادي أمام المرأة خلق خللًا في عملية التنمية الاقتصادية. ومن هذه القضايا قضايا اجتماعية وثقافية أهمها التمييز ضد المرأة وإقصاؤها من أي مشاركة مجتمعية وتنموية وتهميشها في أبسط الحقوق مما أدى إلى خلل في النسيج الاجتماعي.
وحول المعالجات يرى عبدالسلام ضرورة وجود معالجات سياسية تتمثل في تطبيق القوانين، وعمل خطط وطنية لمعالجة قضايا المرأة، وتفعيل دور المجتمع المدني والخروج من حالة السبات الطويلة، ونقل توجه المجتمع المدني من طور التنظير إلى طور التطبيق، وتفعيل عملية التوعية الشاملة والمدروسة بشكل منهجي؛ لرفع الوعي بأهمية قضايا النوع الاجتماعي وبيان النتائج السلبية على المجتمع من هذه القضايا.
استطلاع: العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن موجه نحو المرأة بنسبة %69.9
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، بداية شهر ينا…