التقييم الشامل للأوضاع في اليمن من أهم ركائز نجاح عملية إعادة الإعمار
صوت الأمل – نشوان المجاهد
عند القيام بالحديث أو الدراسة أو التخطيط لإعادة الإعمار في الجمهورية اليمنية، فمن الضروري الأخذ في الحسبان خصوصية الشأن اليمني والإدراك التام للأوضاع في اليمن سابقًاً وحالياً، فالوضع في اليمن قد يختلف نوعاً ما عن بعض الدول الأخرى التي تم أو سيتم إعادة الإعمار فيها؛ جراء ما أحدثته الصراعات أو الكوارث الطبيعية، ومن المؤكد أن مراعاة هذه الخصوصية، سينعكس بشكل ايجابي عند تقييم وتنفيذ الدراسات، ووضع الخطط والمشروعات لإعادة الإعمار وبما يضمن ليس فقط نجاح هذه المشاريع من الناحية العمرانية، بل توجيه كافة عمليات ومشاريع إعادة الإعمار صوب تعزيز ودعم عملية بناء السلام وتحقيق التنمية الشاملة المستدامة في اليمن.
وقد تطرقت الكثير من التعريفات الواردة لعملية إعادة الإعمار لتتعدى _فقط_ الجانب العمراني حيث تضمن تعريف الاتحاد الافريقي لإعادة الإعمار (…والحيلولة دون تصاعد النزاعات وتفادي الانتكاس إلى العنف ومعالجة الأسباب الجذرية وتدعيم السلام المستدام وبذلك فإن عملية إعادة الإعمار لفترة ما بعد النزاعات تستند إلى التنمية المتجددة والمستدامة…الخ ([1] وقد ورد في تعريف (هاديت وايجبو) لإعادة الإعمار(بأنها الفرصة السانحة لإعادة صياغة المجتمع من جديد من شأنها تحسين الظروف المعيشية للمجتمع وإنتاج بيئة عمرانية أفضل من تلك التي كانت قائمة من قبل Michael Schulz, 2004)[2].
هنا نجد أن مفهوم (إعادة الإعمار) يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمفهوم بناء وإحلال السلام الدائم ودعم التنمية، الأمر الذي يوجب أن تكون عملية إعادة الإعمار في اليمن مساهمة في وضع وتأمين معالجات جذرية لسلسة من الأزمات السياسية والاقتصادية والعسكرية منذ عقود سابقة، بل أن هذه الأزمات تطورت في كثير من الأحيان، لتصبح نزاعات ومواجهات عسكرية مشتعلة في العديد من المناطق اليمنية في الشمال والجنوب، وهو ما ترتب عنه الدمار والخراب وإزهاق الأرواح والنزوح والتصدع والانشقاقات التي طالت اللُّحمة المجتمعية في اليمن، إن عدم وضع حلول جذرية لهذه الأزمات، كان له الأثر البالغ في تعثر مسيرة البناء والتنمية الشاملة في جميع قطاعات الدولة الحيوية والاقتصادية والخدمية، ولم تتمكن الدولة من وضع معالجات لقضايا الفقر والبطالة والأمية والفساد وغيرها من المشاكل التي يعاني منها المجتمع اليمني منذ عقود، وهو ما يتطلب عدم التجاهل، واغتنام فرصة إعادة الإعمار لتوجيهها بالشكل الصحيح الذي يخدم المجتمع اليمني ويساهم في بناء السلام واستدامته وتحقيق ووضع اللبنات الأولى، بما يساهم في تحريك عجلة البناء والتنمية الشاملة في الجمهورية اليمنية.
كما يجب الاستفادة من كافة التجارب الدولية والمحلية لعمليات إعادة الإعمار السابقة، كإعادة الإعمار في الولايات المتحدة الأمريكية بعد الصراعات الأهلية والتي حاولت بعض الولايات الأمريكية الجنوبية الانفصال عن بقية الولايات في الشمال -1861 1865م وصياغة تشريعات ودستور جديد عمل على ضمان وحدة الولايات وساهم في تحقيق التنمية، وكذلك خطة مارشال لإعادة إعمار الدول الأوروبية بعد الحرب العالمية الثانية كانت من أنجح عمليات إعادة الإعمار، و نالت قدرًا كبيرًا من النجاح في الإعمار وترسيخ مبادئ السلام الدائم والتنمية الشاملة في أوروبا.
وكذلك التجارب السابقة في اليمن لإعادة الاعمار في بعض المناطق اليمنية إما بسب الصراعات الداخلية أو الكوارث الطبيعية التي حدثت، وسأذكر هنا إعادة الإعمار التي وقعت في منطقة ذمار بعد زلزال 1982م حيث تدمرت العديد من القرى وتمت عملية إعادة إعمار خلال السنوات اللاحقة لحدوث الزلزال، وهو ما يجب دراسته بالشكل الجيد وتلافي بعض الأخطاء أو القصور أو تقييم مدى نسبة النجاح لتلك المشروعات المنفذة من عدمها، فمثلا وردت ملاحظة في تقرير منذ العام 1984م [3] عن أحد مشاريع إعادة الإعمار لبعض المنازل في إحدى قرى محافظة ذمار المتأثرة بزلزال 1982م، حيث ذكر مايلي: ” ملحوظة: كان من المقرر أن تُبنى المنازل بجوار المنازل المنهارة مباشرة، مع تجنب أي بناء على الأرض الزراعية، لذلك لم يطور المشروع أي بنية تحتية” فيتضح لنا القصور بهذا المشروع في حينه كونه لم يساهم بإقامة البنية التحتية في تلك المناطق أو وضع حلول تمكن مستقبلًا من تسهيل إقامة البنية التحتية لتلك المناطق.
وأود التطرق هنا للمعاناة التي تطال غالبية المناطق والمحافظات اليمنية لما تعانيه من ضعف وتردي في البنية التحتية إلى أكبر مستوى، فلم تتمكن الدولة من إقامة وتشييد بنية تحتية تلبي احتياجات السكان في اليمن، حيث يبلغ عدد السكان في اليمن نحو (30.000.000) ثلاثون مليون نسمة، حسب إسقاطات الجهاز المركزي للإحصاء، يعيش منهم 30% في الحضر بينما 70% من السكان يعيشون في الريف، فعندما يصل عدد التجمعات السكانية في اليمن لما يقارب (133.000) مائة وثلاثة وثلاثون ألف تجمع سكاني يصبح من الصعب تلبية الاحتياجات السكانية من مرافق وخدمات لهذا الرقم المهول من التجمعات السكانية المتبعثرة في مختلف مناطق اليمن (حيث يصل عدد القرى في اليمن 40.000 قرية حسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء باليمن في نوفمبر 2010م، إذ ما قُورن هذا العدد مع جمهورية مصر التي يصل فيها عدد القرى (4.709) قرية وفقا للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بمصر) وهذه الأرقام إضافة للطبيعة الجغرافية الوعرة والجبلية في كثير من المناطق اليمنية، تكون بحاجة لدراسة وتقييم ووضع حلول تمكن الغالبية العظمى من السكان للإستفادة من مشاريع إعادة الإعمار.
ولا يسعني هنا ذكر كافة الاحتياجات الأولية اللازمة من المعلومات والبيانات والدراسات الخاصة بتقييم الأوضاع والواقع اليمني بالشكل الدقيق والسليم، والذي يمكن من اقتراح الحلول والمعالجات المناسبة التي يجب أن تترافق مع عملية إعادة الإعمار سواء في الجانب السياسي أو القانوني أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو غيرها من الجوانب المتعلقة بالشأن اليمني، هذا بالإضافة إلى تقييم وحصر كافة الأضرار والدمار الواقع على المباني والمؤسسات العامة الخاصة، و أن يتم الإعداد بالشكل الجيد لعملية إعادة الإعمار حتي يستطيع معها اليمنيون الاستفادة المثلى منها ووضع اللبنات الأولى التي تنهي عقود من الصراع والفقر وكافة مشاكل المجتمع؛ ليتمكن الأجيال القادمة من استكمال بناء مستقبل أفضل لليمن يراعي أهم متطلبات الحياة من سلام وحرية وتعليم وصحة … وغيرها من المتطلبات.
[1] دراسة ” سياسات إعادة أعمار المدن فًي فترة ما بعد النزاعات والحروب “– بكر هاشم بيومي وعلي محمد السويدي
[2] نفس المصدر السابق
[3] تقرير:شورد نينهويز مهندس معماري ، أغسطس 1984 تمت الرقمنة (ديسمبر) 2016 “مشروع إعادة الإعمار بأسلوب المساعدة الذاتية بذمار (الزلزال)” المجلس الاعلى لإعادة التعمير
92.9% اللُّحمة المجتمعية أولوية لإعادة الإعمار في اليمن
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استبانة إلكتروني أجراها ي…