تجارب إعادة الإعمار في اليمن… الاستفادة من التجارب السابقة لتقديم الأفضل
صوت الأمل – منال أمين
مرَّ اليمن بتجارب وصراعات عديدة في فترات متعاقبة على مر التاريخ أدت إلى تراجع كبير في مستوى الخدمات العامة والاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي والقانوني؛ وعلى الرغم من تلك التحديات كان للبلد تجارب (خجولة) لمحاولة النهوض به، والخروج من تحت الركام عبر عمليات إعادة الإعمار.
لقد كانت هناك جهود وتجارب ومبادرات لعملية إعادة الإعمار في اليمن، خصوصًا في المناطق المتضررة من الصراعات ومن تأثير التغيرات المناخية، ومع كل تلك الجهود إلا أن النتائج كانت غير مرضية بسبب القدرة المحدودة للحكومة على تنفيذ تلك الخطط والمشاريع وتلبية الالتزامات المطلوبة لإعادة إعمار ما دُمِّر.
ومن أبرز تلك المبادرات مجلس إعادة إعمار ذمار الذي تأسس عقب زلزال عام 1982، ومبادرة صندوق إعادة إعمار صعـدة عام 2007، ومبادرة صندوق إعادة إعمار محافظتي حضرموت والمهرة الذي انطلق عقب الفيضانات عـام 2009، ومبادرة المكتب التنفيـذي لإعادة الإعمار في عـام 2011، ومبادرة صنـدوق إعادة إعمار أبين عقب سيطرة تنظيم القاعدة على المحافظة عـام 2012، واعتماد الحكومة في 2018 أربعة مليار ريال (16 مليون دولار) لإعادة الإعمار في المحافظة. وذلك تبعًا لما ذكرته الدكتورة إيمان زهران ، متخصصة في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي في دراسة تحليلية لها ـ 2021.
ووكَّدت في دراستها التحليلية التي عنونتها بـ (تعقيدات إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراع في اليمن) أن عملية إعادة الإعمار في اليمن تعد عملية سياسية واقتصادية تنطوي على بعدين رئيسين، الأول: إعادة بناء الدولة، والثاني: إعادة تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع بعد انتهاء الصراع.
جهود تاريخية
“هناك الكثير من الجهود التاريخية على المستوى الدولي والمحلي نجحت في عملية إعادة الإعمار بعد الصراع، وأسهمت في تحقيق الاستقرار الأمني والاقتصادي في البلد”. هذا ما أوضحه الخبير الاقتصادي الدكتور محمد عبد الله لـ(صوت الأمل).
وأشار إلى أن التجارب الخارجية هي الأفضل في عمليات إعادة الإعمار بخاصة في أوروبا واليابان، حيث بدأ التفكير في إعادة الإعمار بعد الانتهاء من الصراع مباشر والعمل على تعزيز الاستقرار الأمني والاقتصادي في تلك الدول المتضررة؛ كما أن هناك تجارب محلية أيضًا لعملية إعادة الإعمار نفِّذت على أرض الواقع، من هذه التجارب ما حصل من إعمار في محافظة صعدة بعد انتهاء الصراع الدائر في 2007، وتنفيذ برامج التعافي من آثار صراع صيف 1994 في مختلف المحافظات اليمنية التي تضررت في تلك الفترة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وأمنيًّا وتنمويًّا.
وأضاف، قد تكون هناك جهات ـ في الوقت الحالي ـ تمنع الاستفادة من تلك التجارب، والاستمرار في إضعاف الشعب لمصالح معينة، ولكن هناك أملًا في الاستفادة من التجارب الدولية وأيضًا المحلية إذا ما فرض المجتمع الدولي الوقوف مع البلد للخروج من هذه الأزمات، والبدء في التعافي.
من جانبه أشار محلل وخبير اقتصادي ـ فضل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنيةـ أن هناك عددًا من الدول العربية مازالت غير مستقرة أمنيًّا مثل: ليبيا، والعراق، وسوريا، ومنها بلادنا اليمن، بسبب تدخّل الكثير من القوى الداخلية والإقليمية والدولية في القرار السياسي للدولة، الأمر الذي أدى إلى صعوبة البدء في عملية إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي.
ووكَّد أن التعافي الاقتصادي لأي دولة تعاني من صراع مسلح يعدُّ ركيزة مهمة في عملية تعزيز الاستقرار الشامل عبر توفر الموارد الاقتصادية اللازمة لإعادة الإعمار، حيث إن هناك تقديرات حكومية تؤكد أن تكلفة عملية إعادة إعمار ما دمَّره الصراع في اليمن بلغ أكثر 100 مليار دولار.
تجارب عالمية
تاريخيًّا .. هناك مشروع كان يعد نموذجًا جرى العمل به في عملية إعادة الإعمار وتحسين الاقتصاد في الدول الخارجة من النزاعات، وكان له تأثير في إعادة إعمار أوروبا ـ حسب التقارير الدولية ـ وهذا المشروع يدعى (مشروع مارشال)، الذي يعود تاريخه إلى جورج مارشال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ورئيس هيئة أركان الجيش الأمريكي في الحرب العالمية الثانية، الذي سمي المشروع باسمه بعد إلقائه خطابًا في يونيو 1947 في جامعة هارفارد الأمريكية يدعو إلى أهمية دعم الاقتصاد الأوروبي لتعزيز الاستقرار السياسية والسلام في العالم.
وفي 1947 عقدت 16 دولة أوربية اجتماعًا في باريس لوضع برنامج اقتصادي قادر على إعادة الإعمار والبناء الاقتصادي الذي تعرض للدمار؛ كما قُدِّمت خطة للولايات المتحدة أطلق عليه (برنامج الانتعاش الأوروبي) ، صادق عليه الكونغرس في 1948، وخلال أربع أعوام من تطبيق المشروع منحت أمريكا للدول الأوروبية مبلغ 13 مليار دولار على شكل هبات وقروض طويلة الأمد.
تجربة ألمانيا
تعد ألمانيا من الدول الناجحة في عملية إعادة إعمار ما بعد النزاع، حيث كان تأثير (الحرب العالمية الثانية) في ألمانيا كبيرًا ومؤثرًا، وقدرت خسائرها ـ وفقًا لدراسات حديثة ـ بما يزيد على الخمسة ملايين قتيل من العسكريين فقط، إضافة إلى مئات الآلاف من البشر الذين سقطوا نتيجة القصف الجوي والتهجير، وكانت الأوضاع الاقتصادية والمالية كارثية نتيجة للأضرار الجسيمة في البنية التحتية، حيث دُمِّر ثلثا البلاد بالكامل.
واستنادًا لما استعرضه عمار الصبح في تقريره “نظرة من كثب إلى تجربة كل من ألمانيا واليابان في إعادة الإعمار” فأن في السنوات الأولى التي أعقبت الصراع فقدت العملة الألمانية (المارك) قيمتها ومكانتها كعملة متداولة، وكان التعامل يجري غالبًا بعملات دول الحلفاء المكلفة بإدارة المناطق الأربعة التي قسمت عليها الدولة الألمانية عام 1945.
وخلال خمسة أعوام عملت ألمانيا على النهوض مرة أخرى عن طريق الاهتمام بالعامل البشري بدرجة رئيسة للإسهام في عملية إعادة البناء والإعمار، والتغلب على كل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أيضًا، حيث قامت برفع مستوى المعيشة للشعب الألماني وتصدير البضائع المحلية إلى الخارج، والتقليل من مستويات البطالة وزيادة إنتاج الغذاء المحلي، والتقليل من السوق السوداء، والتركيز على القطاع الصناعي الذي كان الحامل الأساس لكل القطاعات الاقتصادية الأخرى .
اليابان والاهتمام بالإدارة
تعد التجربة اليابانية في عملية إعادة الإعمار من أهم التجارب الناجحة في العالم، حيث كانت تعاني من انهيار اقتصادي كامل، تسبب في نقص حاد في الإنتاج والسلع والغذاء، وانتشرت الأسواق السوداء مع ارتفاع هائل في الأسعار ونسب البطالة والفقر وانتشار المجاعة ونقص كبير في الطاقة، وذلك بعد توقيع الإمبراطور الياباني لوثيقة الاستسلام للولايات المتحدة (1945-1951).
وقد قام المهندسان الكهربائيان “سابورو أوكيتا” و”يونوسوكي جوتو” بالتحضير لجلسات نقاشية أولية وُضِعت فيها خطة لتجاوز ما سيحدث اقتصاديًّا في اليابان، حيث عقد الاجتماع الأول عام 1945، وصدر عنه تثبيت الدولار عملة قياسية، وإنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ ومن ثم توالت الجلسات بمشاركة الأكاديميين والسياسيين في اليابان لمناقشة إعادة الإعمار، وفي أواخر عام 1945 ظهرت المسودة الأولى لتقرير الجلسات، ثم ظهرت المسودة النهائية في 1946وكان عنوانها: “المشكلات الأساسية لإعادة إعمار الاقتصاد الياباني”، ووضعت استراتيجية عامة لمواجهة كل المشكلات.
وقد ركزت اليابان في نهضتها بعد (الحرب العالمية الثانية) على الإدارة بالدرجة الأولى، حيث قامت بتطبيق الجودة العالية في العمل والانسجام مع الفريق، وتحويل مبدأ العمل الجماعي والإدارة السليمة إلى خلق من أخلاقيات المجتمع الياباني، وغرسه في نفوس أبنائها لكونه أحد القيم المهمة التي يجب أن تتوافر لدى شعبها، وشجَّعت المعلمين و المخترعين والمكتشفين، وقدمت لهم كل ما يلزمهم لتطوير أعمالهم.
وبالنظر إلى الدروس السابقة لجهود إعادة الإعمار في العالم واليمن، يؤكد العديد من الباحثين والمحللين الاقتصاديين في اليمن ضرورة إنشاء هيكل مؤسسي لعملية إعادة الإعمار ما بعد النزاع يتألف من العديد من الخبراء والمختصين من كل القطاعات الخدمية والتنموية والسياسية؛ لتفعيل نظام يتصف بالاستدامة على أرض الواقع، ويوفر الحاجات الإنسانية والحقوق الأساسية للسكان، بالإضافة إلى ضرورة التقارب بين كل القوى السياسية الموجودة في الأرض، لتنفيذ العملية وتحقيق السلام الشامل وإعادة بناء الدولة.
73.3% البنية التحتية والنسيج المجتمعي اليمني مدمر كليًا
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استبيان إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، منتصف شهر أكت…