كيفية حماية البيئة اليمنية، الملوثات وطرق معالجتها
صوت الأمل – رجاء مكرد
يمكن حماية البيئة من التلوث عن طريق التخلص من النفايات بطريقة صحيحة، ومع أن المخلفات تمثل ضررًا على البيئة، إلا أنها من ناحية اقتصادية لها أهميتها في حال عكف اليمن على إعادة استخدامها وتدويرها.
جولة في المخلفات
في مكب النفايات (مجمع الأزرقين)، يصل كل يوم أكثر من 300 قلاب مخلفات، من مناطق مختلفة من صنعاء (أمانة العاصمة) وعمران لكب المخلفات.
في أثناء زيارة «صوت الأمل» إلى المجمع، التقت الصيحفة بـصالح الشريحي (مدير المقلب في مجمع الأزرقين)، الذي بيَّن آلية العمل والفرز للنفايات، وكيف تضررت معامل التدوير والحرق بفعل الصراع.
يقول صالح: تحدثُ آلية الفرز للمخلفات بطريقة فردية (لا توجد آلات للفرز)، تكون النفايات عبارة عن بلاستيك، وزجاج، وكرتون، وأوراق، وأخشاب. وأيُّ شخص يُريد أن يجمع النفايات يُسمح له بالدخول إلى الأحواش وأخذ الذي يُريده.
مضيفًا، أحواش النفايات عبارة عن أراضٍ تُسمى (المقربعين) مخصصة للفرز، والأفراد الذين يفرزون النفايات يدويًّا يقومون ببيعها بالوزن لجهات خاصة، تقوم بكبسها وتصديرها إلى الخارج.
مذيلًا حديثهُ بالأسف، كون هذه المخلفات يعود المواطن اليمني لشرائها بالدولار بعد إعادة التدوير، والسبب أن اليمن لا يوجد فيه مصانع تدوير حكومية.
تأثير المخلفات في المجتمع
وعن سؤال «صوت الأمل» الشريحي، حول ما إذا كان هُناك معامل لحرق المخلفات خصوصًا الخطرة، أجاب: المعامل تهدمت بفعل الصراع، والمخلفات الطبية تعدُّ خطرًا على حياة المواطنين بخاصة الأحياء السكنية القريبة من مجمع الأزرقين في الناحية الغربية.
مشيرًا إلى أن (معامل الخدمات الطبية) التي كانت تساعد على التخلص من النفايات الطبية التي في المستشفيات، تهدمها يسبب خطرًا، كون المخلفات الصحية تلوث المياه والأراضي الزراعية بسبب الرياح والأمطار.
«بالإضافة إلى أضرار المخلفات بفعل النشاط البشري، تحدث ملوثات للمياه وضررها يكون طويل المدى، وتُصيب الأطفال أكثر من البالغين، مثل: المياه الملوثة بفعل النترات؛ لذا من الضروري الحرص على كمية النترات في المياه، بأن لا تزيد على 46 أو 50ملجم، للمحافظة على نمو الطفل الطبيعي، فالطفل بداية تكوينه يكون نشاطه ثلاثة أو أربعة أضعاف ماهو في الكبر، وحدوث أي أثر سلبي في التكوين للمياه سيُعكس على صحته مباشرة». وفقًا لـعبدالسلام الحكيمي (وكيل مساعد وزارة المياه والبيئة).
مثلث مناطق بركانية
ويضيف الحكيمي: يعدُّ الفلورايد أحد مصادر التلوث الخطرة الموجودة في «جبل صبر» بتعز؛ بسبب البراكين وشرب الناس لتلك المياه الملوثة بهذه المادة تؤثر في الأطفال أكثر من البالغين، فالذي يدخل جبل صبر في سن التكوين الأشهر الأولى، ويشرب الماء من منطقة (ثعبات) وما فوق جبل صبر، يتأثر ويبدو الأثر بـ (سواد الأسنان) في مرحلة البلوغ؛ ولذا فأهل منطقة تعز أغلبهم بأسنان سوداء. تلوث المياه بالفلورايد ليس في تعز وحدها، بل مثلث في اليمن ممتد من ذمار إلى دمت إلى القفر؛ منطقة نشطة بركانيًّا وفيها نسبة كبيرة من الفلورايد.
معقبًا، عنصر الفلورايد في الماء مفيد؛ لأنه يقوي العظام والأسنان، لكن الخلل يكون في زيادة نسبته، مشيرًا إلى سبب آخر لتلوث المياه وهو شفط المياه الجوفية من المقابر، إذ تكون المياه ملوثة بالأملاح، كما أن المياه تتلوث بالأسمدة في أثناء ري الأراضي.
ويوضح، أن من مكونات المياه في المناطق البركانية الفلورايد والكلورايد والنترات، وأنه في حال تداخل مياه البحر مع المياه الجوفية، هناك صخور قابلة للذوبان (البلاط) هذه إذا وجد فيها الماء لفترات طويلة، تكون قدرة المياه على الإذابة أكبر بقليل، ويذيب كمية أكبر من الكالسيوم كربونيك (مادة قابلة للذوبان الحجر البلاط).
ملوثات مائية
وقال: ذوبان تلك المواد (البلاط) في المياه الجوفية، يعمل على تلوثها وجعلها غير صالحة للاستخدام، إذ تُذيب كمية أكبر من الكالسيوم، فتنتج ماء يسموه (عُسر)، هذا الماء إذا أُضيف مسحوق الغسيل إليه لا تطلع رغوة الصابون، حتى لو أُضيفت كميات كبيرة من الصابون، بسبب نوعية المياه الموجودة في هذه المنطقة وذوبان الكالسيوم كربونيك.
ويردف الحكيمي: أن في الزيوت أيضًا خطرًا على الثروة السمكية، فتسرب الزيوت في البحر يمنع دخول الضوء إلى الأسماك؛ لأنه يغطي سطح الماء بطبقة سميكة، ومن ثمَّ ممكن أن يؤدي إلى وفاة الأحياء البحرية.
من جانبه حسن الشيخ (مستشار وزارة المياه والبيئة) يوضح أن الملوثات أتت من مواد السماد أو من البراكين أو من استمرار جريان الماء في الصخور البركانية، أو درجة حرارة الماء، كأن تكون عالية.
مضيفًا، مياه الصرف الصحي التي يصفها بأنها من أخطر ملوثات الماء، التي من الصعب التعامل معها بعكس المعادن، إذ يوجد فيها معلقات بكتيرية، والمجاري، والمدابغ، (دباغة الجلود) أو المسالخ ضررهن كبير وقاتل؛ وذلك بسبب المعادن الثقيلة الموجودة فيها مثل الزرنيخ والزنك والرصاص، فهذه معادن إذا اختلطت بالمياه الجوفية كان لها ضرر كبير؛ فهي سامة وتسبب أمراضًا منغولية، وتسمى (العناصر الثقيلة).
يُشاركه الحديث الوكيل المساعد في وزارة المياه والبيئة عبدالسلام الحكيمي، فيقول: إن الأطفال الذين يشربون من الماء الملوث بالرصاص أو الزنك يصابون بالتخلف العقلي، وهذه المياه من الصعب إصلاحها، فالزرنيخ والرصاص (عناصر ثقيلة)، تأتي بكثرة من المدابغ، ومن تدفق مياه البحر إلى أماكن المياه الجوفية (يختل التوازن)، فتندفع مياه البحر وهي ملوثة بالعناصر الثقيلة (ذهب، وزرنيخ، ورصاص) إلى المياه الجوفية.
مضيفًا، أن مياه البحر المحملة بالعناصر الثقيلة عند اختلاطها مع المياه الجوفية، ممكن أن تسبب لجيل كامل خللًا، ليس فقط في الأطفال، وأنه من الضروري عمل الحلول لها، مستعرضًا تجارب الدول الأخرى التي تعمل احترازات معينة فتمنع السباحة في تلك المياه المختلطة، وهناك دول تعمل على تنقية مياه نهر الري وتدخلات معينة، لتحصل على ماء أكثر نظافة وأقل تلوثًا.
ملوثات الإنتاج الزراعي
يقول حسن الشيخ (مستشار وزارة المياه والبيئة): إن هناك مياهًا تضر الإنتاج الزراعي، عندما تكون صودا الماء عالية جدًا، إذ تنهي التربة وليس فقط الزراعة، وتجعل التربة مثل الرماد، والمناطق المملحة يكون لونها أسود، وبعد عشر سنوات يتغير لونها إلى الأبيض، وتكون موادها الغذائية قد انتهت، ومن الممكن تنقيتها بطريقة تركها تتغذا أو عمل غسيل(washing) لها، خصوصًا في البلدان المتطورة مثل: روسيا .
المهندس الزراعي، حلمي الجعيدي، يقول: إن من الأضرار التي تؤثر في البيئة تغير المناخ والزراعة فهما عمليتان مترابطتان، ويحصل التأثير بطرق عديدة منها: التغيرات في معدلات الحرارة، وهطول الأمطار، والتقلبات المناخية الشديدة كموجات الحر؛ والتغيرات في الآفات والأمراض؛ وفي غاز ثنائي أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي وتركيزات طبقة الأوزون القريبة من سطح الأرض؛ والتغيرات في الجودة الغذائية لبعض الأطعمة؛ وفي مستوى سطح البحر.
ويضيف الجعيدي: أن التغير المناخي يؤثر سلبًا في الإنتاج الزراعي، وفي نقص الغذاء للإنسان والحيوانات المسؤولة عن إنتاج غازات الاحتباس الحراري مثل: غاز ثاني أكسيد الكربون، وغاز الميثان الأمر الذي يؤدي إلى عدم خصوبة التربة ونزوح الأهالي.
مشروعات ودور الجهات المعنية
«في الوقت الحالي، لا توجد مشروعات حماية للبيئة رسميًّا، هناك أشياء صغيرة تُنفذ عن طريق تمويل ذاتي، فقد نفذ مشروع في العام 2020عبارة عن (تعقيم) لأجل كورونا والكوليرا، ليست كالمشروعات السابقة التي تقوم بمهام ثابتة ولمدة طويلة، حيث إن الكثيرين كانوا يعملون تعقيمًا لبعض المواقع مثل الأماكن التي توجد فيها مكبات القمامة والأوساخ»، وفقًا لـمحمد هديش (هيئة حماية البيئة- قسم الدراسات).
ويؤكد هديش، أن المشروعات كانت تعقيمية ومزمنة، كل أسبوع تُعقَّم منطقة وبعد الانتهاء تليها منطقة أخرى، مشيرًا إلى أن المشروعات مؤقتة وليست مستدامة، أما فيما يخص التدوير، فالحاصل أنه تُجمَع العُلب والبلاستيك، ويُعمَل لهما طحن. ومصانع التدوير الأكثر بروزًا هي مصانع تدوير البلاستيك.
وللتعرف أكثر على آلية تدوير المخلفات توجهت «صوت الأمل» إلى الإدارة العامة للنظافة، وأوضح إبراهيم الصرابي (مدير الإدارة العامة للنظافة) أنهم في صدد عمل استراتيجية للمخلفات في (مجمع الأزرقين) مكان تجميع النفايات بصنعاء.
المهندس ياسر الغوبير (وكيل هيئة حماية البيئة) يقول: فيما يخص الأنشطة ومشروعات التدوير، هناك العديد منها التي تختلف باختلاف النفاية واختلاف الاستخدام، فتوجد مشروعات إعادة التدوير للبطاريات الحمضية التالفة، وتصدير قوالب الرصاص، أيضًا جمع المخلفات البلاستيكية وتحضيرها وتصديرها.
مضيفًا، أنه تجري عملية إنتاج مواد بلاستيكية عديدة، كما أن هيئة التأمينات تعكف حاليًّا على تنفيذ مشروعات استراتيجية لإنتاج الطاقة والسماد.
منازل بلاستيكية
يُقدم نديم المرشدي (مواطن من الغليبة – أعبوس، ومدرس لغة إنجليزية في الصين) حلًّا لمشكلة المخلفات البلاستيكية غير القابلة للتحلل أو التدوير، وذلك بجمع هذه المخلفات إلى مصنع البردين البلاستيكي الذي يقوم بتنظيف هذه المخلفات ثم ضغطها؛ لتصبح أحجارًا بلاستيكية شديدة الصلابة مع ليونتها والتحكم فيها، فهي لا تتكسر كالبردين الذي ربما ينكسر من مجرد مسكه باليد، إذ يمكن رميها من الطابق العشرين وتظل سليمة.
مضيفًا، باستطاعة أي شخص ضرب المسامير فيها، وخرقها بالدريل، وعند انتهاء البناء، توضع حواجز حرارية ضد الحريق على جدران المنزل البلاستيكي، متسائلًا عن مدى إمكانية تطبيق هذه الفكرة أو الحل، وإن كانت المنظمات أو المؤسسات ستتبنى مشروعًا ينقذ البيئة من خطر المخلفات، كهذا المشروع.
ويعقب المرشدي، أنه إذا طُبِّقت فكرة (المنازل البلاستيكية)، فمن المستحيل أن يجد المواطن الأكياس والقوارير والحبال البلاستيكية في الشوارع أو القرى، وستكون هناك عملية سباق لالتقاطها من العمال الذين يبحثون عن اللقمة الحلال.
خارطة حلول
وعن الحلول التي ممكن أن تُسهم في حل مشكلة تلوث المياه، وتضرر الإنسان والإنتاج الزراعي والثروة البحرية، يقول الوكيل المساعد عبد السلام: إن معالجة النترات تجري عن طريق عمل فلترة. في صنعاء هناك بعض الآبار بها نترات عالية، تُصفَّى بواسطة فلاتر أو خلطها بمياه نظيفة.
ووفقًا لـحلمي الجعيدي، أن وضع سياسات معينة ممكن أن يقلل من خطر تأثر الزراعة وانبعاث غازات الاحتباس الحراري.
أما عن الجهات الداعمة، يقول المهندس الجيولوجي إسكندر عبدالله: إن منظمة الأغذية الزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو» في منتصف 2020م (مرفق البيئة العالمي GEF) أعلنت عن مشروع للتنمية البيئية خصصت فيه مبلغ 17.8 مليون دولار أمريكي، وذلك لدعم الحكومة اليمنية في إنجاز خطتها الخاصة بالتنمية الوطنية البيئية.
مضيفًا، أن المشروع سيراعي فوائد الحفاظ على الموارد الطبيعية لليمن كما يلي: 45.000 هكتار من المناظر الطبيعية، و100.000 هكتار من الموائل البحرية في ظل ممارسات محسنة، نحو 3000 هكتار من الغابات ذات القيمة الحفظية العالية (HCV) تُدار على نطاق النظام البيئي، وقرابة 70.000 هكتار من الأراضي المنتجة لتحقيق حيادية تدهور الأراضي، ونحو 115.000 هكتار من الأراضي تحت إدارة مقاومة المناخ، إضافة إلى الاستفادة المباشرة من المشروع لعدد 120.000 رجل وامرأة في المناطق الريفية.
ويطرح المهندس إسكندر حلولًا للتعامل مع المخلفات الصلبة، كالورق ، والخشب ، والزجاج ، والحديد الصلب، والبلاستيك، يمكن إعادة تدويرها لاستعمالها كمصدر للطاقة، ويمكن التخلص منها عن طريق أفران الحرق، أو دفنها في أماكن بعيدة عن المجاري المائية.
أما السائلة فيقول عبدالله: إذا كانت موادًا عضوية مثل: المخلفات الغذائية، فيمكن التخلص منها عن طريق المعالجة البيولوجية، أما إن كانت عضوية غير قابلة للتحلل أو موادًا غير عضوية مثل بعض المعادن، كالنحاس والزئبق والفلوريدات، تكون المعالجة كيميائية.
استطلاع.. ازدياد نسبة التلوث في البيئة بنسبة 89 %
صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استطلاع رأي عام أجراه يمن انفورميشن سنتر بداية شهر …