عبد الواحد أنموذجًا: ذوو الإعاقة في اليمن بين واقعٍ حالك ومستقبلٍ حالم
صوت الأمل – سماح عملاق
«أصيب عبد الواحد أحمد (23عامًا من محافظة إب) بمتلازمة داون منذ ميلاده في 21 يناير 1998م، وكان يعاني من معاملات خاطئة من المجتمع المحيط به، حيث كان يخرج صباحًا إلى البقالة المجاورة لمنزله والتي لا تبعد بضعة أمتار، وتصبح هذه المسافة القصيرة رحلة شاقة تتطلب منه الدفاع عن نفسه من الأطفال الذين يرمونه بالحجارة مستمتعين بردة فعله الطفولية تجاههم». هذا ما قاله أخوه الكبير عبدالرحيم أحمد.
وأضاف، كان يتعرض للسخرية والتنابز اللفظي على شكله المختلف وعينيه الصغيرتين فيقوم الأطفال بملاحقته ومناداته بألفاظ جارحة، هذه المغامرة الصغيرة شكلًا والكبيرة ضمناً وتأثيراً على نفسية عبدالواحد أو أي طفل آخر جعلت منه متوحِّدًا.
لمعرفة نوعية هذه الإعاقة توضح الدكتورة بثينة دماج (طبيبة جراحة عامة في محافظة إب): «أن متلازمة داون تنتج عند حدوث انقسام خلوي غير طبيعي يتعلق بالكروموسوم 21؛ ينتج عن انقسام الخلايا غير الطبيعية وجود نسخة كلية أو جزئية إضافية من هذا الكروموسوم، وتكون المادة الجينية الإضافية مسؤولة عن السمات المميزة والمشكلات المتعلقة بالنمو في متلازمة داون».
وأضافت: «يمكن أن تساعد الرعاية الطبية الروتينية وعلاج الأنسجة عند الحاجة في الحفاظ على نمط حياة صحي للأشخاص المصابين بمتلازمة داون، وهذا المرض غير وراثي إلا في حالات نادرة «.
خذلان المجتمع
انتقلت عائلة عبدالواحد إلى المدينة وهو في الخامسة عشر من عمره، فكان هنالك منحنًى إيجابيٌّ وآخر سلبي في حياته.
يقول عبدالرحيم أحمد: «من الناحية الإيجابية استطعنا إلحاقه بمدرسة مختصة في المدينة، ولكنها لم تكن مجهزة جيِّدًا لاستقبال مثل هذه الحالات، إلا أنها الخيار الوحيد والمتاح. ومن ناحية سلبية خرج عبدالواحد إلى مجتمع أوسع لم يكن قد اعتاده من قبل، فيه من المتنمرين والسلبيين والمتحرشين ما سبب له مشكلات وصدمات نفسية كبيرة مما انعكس أيضًا على بقية أفراد الأسرة الذين أصبحوا بلا وعي؛ يحدّون من حريته في الخروج للّعب خوفًا عليه».
ولأن عبدالرحيم أقرب إخوة عبدالواحد إليه في العمر، كان أكثرهم حبًا له، بعد وفاة والده أصبح عبد الرحيم هو المسئول الأول عن أخيه عبد الواحد وحاول جاهدًا توعية من حوله ابتداءً من الحلقة الأقرب.
ويؤكد عبدالرحيم: «لا نزال نواجه التحدي الأصعب وهو أن يخرج عبد الواحد إلى المجتمع من دون الحاجة إلى المراقبة اللصيقة، وأن يحصل على التأهيل والدمج المناسبين؛ فلم يدم وجوده في مدرسته الخاصة طويلًا، إذ إن قلة الكفاءة كانت سببًا في انتكاسته.
تحدِّي الواقع
ويضيف عبد الرحيم: «قُدِمَت له الرعاية الأولية التي مكّنته من مواصلة الحياة إلّا أنه لم يتلقَ التأهيل المناسب نظرًا لشحة أماكن التأهيل، ولأننا أيضًا كنا نعيش في قرية بعيدة عن كل الخدمات الأخرى المساعِدة».
وتشارك أم عبدالواحد ابنها في الحديث: «».
وأشارت الأم «ذهبنا إلى مختص وطلبنا منه تحليلًا لحالة عبد الواحد وبرنامجًا سنويًّا يمكن تنفيذه في البيت، وبالفعل تولّينا، كلًّا في موقعه أخواته وإخوته وأنا، مهمة تنفيذ هذا البرنامج باذلين جهدنا في أن نعوضه عن المدرسة؛ وقد كانت النتيجة -رغم بطئها- ملحوظة ومفرحة».
إعطاؤهم الثقة
تقول الأخصائية في الإرشاد النفسي والتربوي بسمة صادق لصوت الأمل:»ينبغي أن يتعامل المجتمع مع المصابين بحالة داون باحترام، لأن هذا الوضع ليس باختيارهم فقد خلقوا هكذا، ويجب عدم النظر إليهم على أنهم مرضى.
وبيَّنت، أنه من الضروري بناء مراكز ومدارس خاصة بهم؛ لتنمِّي وتقوِّي شخصياتهم وقدراتهم ومهاراتهم الحياتية.
أما الأسرة أنصحها أن تتعامل معهم بحب وحنان وعطف، وتعطيهم الثقة في أنفسهم. والتعامل مع هذا الشخص على أنه طفل وليس بالغًا، وتعليمه المبادئ والقيم بسلاسة ومرونة.
وتضيف بسمة: «احذر من عواقب حبس المصاب بحالة داون أو أي معاق آخر في البيت، ومن الشعور بالإحراج أمام الآخرين من أفراد المجتمع من تصرفاتهم. فينبغي- تبعًا لذلك- دمج هؤلاء الأشخاص مع الناس، والتعامل معهم ببساطة بالغة».
بين الأمس واليوم
يسرد عبدالرحيم جهودًا أخرى للأسرة: «ساعدناه على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية كالخروج إلى المطبخ الخيري والمساعدة في تغليف الأكل في رمضان، والخروج إلى لعب الكرة مع الأهل والأصدقاء المقاربين له في العمر، والتنزه معه كلما أتيحت لنا الفرصة بصفة دوريَّة».
«كما أن من يعرف عبدالواحد من قرب يجده طروبًا محبًّا للغناء والرقص، ويعشق على وجه التحديد آلة العود، ورقصة البرع؛ لذا ابتعتُ له عودًا مناسبًا لمقاسات يده، وبدأت بتصويره في فيديوهات أشاركها في حسابه على فيسبوك وأيضًا مع الأصدقاء، ومن ثم أنقل له إعجاب الآخرين بما يفعل؛ لقد أسهم هذا كثيرًا في كسر حاجز العزلة بينه وبين الناس». وفقًا لأخيه.
صفحة في فيسبوك
أنشأ عبدالرحيم صفحة فيسبوك باسم أخيه عبدالواحد المصاب بمتلازمة داون، يكتب فيها مقالات ومنشورات مؤثرة باسم أخيه وذلك بهدف توعية المجتمع بهذه الفئة، بمشاعرهم وهمومهم، بأمنياتهم، ومخاوفهم، بما يتعرضون له، وما يطمحون إليه.
بالأرقام
قدَّم الدكتور أحمد محمد قاسم عتيق (باحث مكفوف البصر في قضايا حقوق الإنسان) في ورقة بحثه بندوة أقامتها وزارة حقوق الإنسان حول ذوي الإعاقة أواخر عام 2019م إحصائيات تشير إلى أن نسبة 80 % من المعاقين في العالم هم من سكان الدول النامية من واقع 500 مليون معاق في العالم، أغلبهم يعيش في مجتمعات ريفية.
وتقدر إحصائيات وزارة التأمينات والشؤون الاجتماعية اليمنية لعامي 2018 و 2019م نسبة الإعاقة في اليمن بأنها تتفاوت بين 8% – 13% عالميًّا لتوضح أنها من أعلى النسب في العالم.
وقالت رئيسة الجمعية اليمنية لمتلازمة داون الدكتورة رشا الخطيب: «إن أكثر من 10 آلاف شخص مصابون بالمتلازمة داون في العاصمة صنعاء، منهم 1000منتسب للمراكز الخاصة و9000 في المنازل، بالإضافة إلى آلافٍ آخرين في بقية محافظات الجمهورية».
طموح مشروع
«يطمح عبدالواحد أن يلتحق بمركز تأهيل مناسب، فيه متخصصون قادرون على فهم احتياجاته وتلبيتها وإدراك مواهبه وتنميتها، وإلى ذلك الحين سنظل سندًا له، وسيظل بوجوده بيننا سببًا حقيقيًّا لنحب الحياة» تقول والدته.
وتؤكد وفاء محمد عامر (معلمة سابقة لعبد الواحد): «ما يجعلني أؤكد أن عبدالواحد محظوظ بعائلة متعلمة، هو معرفتي القريبة بعائلات كثيرة لديها أطفال من ذوي متلازمة داون، يعانون مرارة الدنيا وخذلان الأهل، إما عن جهل وإما عن نفاد للصبر، في المجمل حتى الأطفال الذين حظوا بعائلات متفهمة ما زالوا يعانون جهل المجتمع كبارًا وصغارًا».
وتزيد وفاء: «لذوي الإعاقة طموحات كثيرة مشروعه، وهي بالأصح حقوق نخجل أن نجد من يطالب بها، ومن أبسط حقوقهم توفير الخدمات التعليمية والصحية والاقتصادية التي تتلاءم مع كل حالةٍ على حدة».
استطلاع.. انخفاض دور ذوي الإعاقة في النشاط الاقتصادي إلى 25%
صوت الأمل – رجاء مكرد وجد استطلاع الرأي العام الذي أجراه يمن انفورميشن سنتر بداية شهر سبتم…