الأمن الغذائي في اليمن بين الواقع ومواجهة التحديات : اليمن في المرحلة قبل الأخيرة من انعدام الأمن الغذائي وارتفاع تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء بنسبة تزيد على 25% في 12 محافظة يمنية
صوت الأمل – علياء محمد
يواجه اليمن ظروفًا اقتصادية واجتماعية وإنسانية غير مسبوقة بسبب استمرار الصراع وعدم وجود قواعد وأنظمة صارمة تنظم العمل في مختلف القطاعات، ما أدَّى إلى تفاقم أزمة الأمن الغذائي في اليمن والإصابة بشلل في عدد من الأنشطة الاقتصادية التي قد تساعد في التخفيف من معاناة المواطنين.
في تقريرٍ صادرٍ عن السكرتارية الفنية للأمن الغذائي يونيو 2021م كشف عن التحديات التي تمر بها عملية إنتاج وتسويق المنتجات الزراعية، المتمثلة في ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب ارتفاع أسعار الوقود والمدخلات الزراعية المختلفة، نتيجة لتدهور سعر صرف العملة المحلية، وعدم وجود وسائل خزن حديثة لمنتجات المزارعين في الأسواق المركزية، وضعف القوة الشرائية نظرًا لتدني دخل الفرد.
كما أشار التقرير إلى التحديات التي تواجه عملية الوصول إلى السلع الغذائية المستوردة، نظرًا لتذبذب الواردات للسلع الغذائية نتيجة ضعف توفر السيولة النقدية من العملة الصعبة، وتأثير جائحة كورونا في الملاحة الدولية، وارتفاع تكاليف نقل السلع بين المحافظات، و قلة فرص العمل، وتفشي البطالة بين الشباب.
فيما تتمثل التحديات التي تواجه النشاط السمكي في قلة الإنتاج، لعدم توفر وسائل حفظ فوق القارب أو في مراكز الإنزال السمكي، واستخدام قوارب قديمة المواصفات ووسائل اصطياد تقليدية، وانخفاض مستوى الجودة للأسماك ومستوى الدخل، وعدم القدرة على شراء أجهزة حديثة في عملية الاصطياد وتحديد مواقع الأسماك، وغياب الأبحاث السمكية، وعدم معرفة المخزون السمكي .
ارتفاع أسعار السلع
“فقدت نحو 40 % من الأسر اليمنية مصدر دخلها الرئيس الذي أدَّى إلى زيادة إجمالي معدل الفقر في اليمن” . وذلك وفقًا للتقرير الاقتصادي الصادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية في أغسطس العام 2020م.
وحسب تقرير نشر في موقع الأمم المتحدة يوليو 2021م بيَّن أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية العالمية – بزيادة 34% على أساس سنوي خلال شهر يونيو – أدى إلى ارتفاع تكلفة الغذاء في اليمن الذي يعتمد على الاستيراد، وارتفعت تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء بنسبة تزيد على 25% في 12 محافظة يمنية منذ بداية العام 2021م مع أعلى ارتفاع في مأرب والضالع ولحج وصعدة وإب وعدن، وأبين، حيث سجلت مأرب أعلى ارتفاع بلغ نسبته 44% بسبب الصراع.
كما ذكر تقرير الأمم المتحدة أن إجمالي عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد يبلغ 16.2 مليون شخص، منهم 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، و 400،000 من هؤلاء معرضون لخطر الوفاة إذا تُركوا من دون علاج، كما يعاني نحو 1.2 مليون امرأة حامل ومرضع من سوء التغذية الحاد في مختلف المحافظات.
أم علي أحمد (إحدى النساء اليمنيات تعمل في قطاع التربية والتعليم)، تقول: ساءت أوضاعنا المادية بسبب الصراع، وأصبحنا غير قادرين على توفير عدد من المواد الغذائية واكتفينا بتوفير الأشياء الضرورية فقط للاستمرار بالحياة بسبب انقطاع الرواتب، وقد كانت المساعدات الغذائية التي تقدمها بعض المنظمات تسهم في تخفيف الوضع نسبيًّا ولكنها بدأت تتناقص عامًا تلو الأخر، ففي البداية كنا نحصل على المساعدات كل شهر ثم كل شهرين والأن لا نستلمها الَّا كل أربعة أشهر وأحيانًا غير كاملة.
ويؤكد فؤاد أحمد (عامل حر في البناء) نعاني حاليًّا من وضع سيِّئ للغاية، لا نستطيع توفير الأشياء الأساسية من الغذاء والدواء فنشتري بعضًا منها بالدين، وليس هناك أي عدالة في توزيع المساعدات الغذائية ولا تصل للأشخاص المستفيدين فعلًا.
مراحل انعدام الأمن الغذائي
أشار السكرتير الفني للأمن الغذائي نوري جمال لـ”صوت الأمل” إلى أن انعدام الأمن الغذائي يمر بخمس مراحل مختلفة، تتمثل المرحلة الأولى في الحد الأدنى ويعرف تصنيفها على أن أكثر من 80% من الأسر في المنطقة قادرة على تلبية الاحتياجات الغذائية وغير الغذائية. تليها مرحلة الشدة وتقدر بها نسبة الأسر 20% قادرين على استهلاك الغذاء المناسب ولكن ليس لديهم قدرة الإنفاق على بعض الاحتياجات الأساسية غير الغذائية.
وأضاف : أن المرحلة الثالثة تعرف بالأزمة والتي تعاني فيها 20%من الأسر فجوات في استهلاك الغذاء مع ارتفاع في سوء التغذية الحاد أو أعلى من المعتاد، أما المرحلة الرابعة فتعرف بالطوارئ وتضم نسبة 20 %من الأسر التي تعاني من فجوات كبيرة في استهلاك الغذاء وارتفاع شديد في سوء التغذية، وزيادة في معدل الوفيات أو فقدان شديد للوصول إلى سبل كسب العيش . وآخر مرحلة تعرف بمرحلة المجاعة وفيها تعاني 20% من الأسر الفقر الشديد، بحيث يكون الجوع والعوز والموت واضحًا.
وحول ما وصل إليه اليمن من مراحل انعدام الأمن الغذائي يرى جمال ” أن عددًا من المحافظات اليمنية وصلت إلى المرحلة الثالثة، وبعض المناطق من دون المساعدات الغذائية الإنسانية وصلت إلى المجاعة، وهناك عدد كبير من الأشخاص فقدوا حياتهم بسبب الجوع”.
تحديات تواجه الأمن الغذائي
أوضح حسان الخولاني (مدير عام قطاع البحوث والإرشاد الزراعي) “أن غالبية الشعب اليمني يعيش تحت خط الفقر نتيجة للأوضاع الراهنة التي حالت بينهم وبين تحقيق الأمن الغذائي وبات يعتمد غالبيتهم على المساعدات الغذائية”.
مؤكدًا ” أن الإنتاج المحلي لم يستطع تلبية حاجة المواطنين من المحاصيل الغذائية المختلفة من حيث الكمية والنوعية وإمكانية الوصول إليها في الوقت المناسب بالكمية الكافية”.
وحول العوائق والصعوبات التي تواجه تحقيق الأمن الغذائي في اليمن يشير الخولاني إلى أن التحديات تتمثل في النمو المتزايد للسكان والتغيرات المناخية المتمثلة في عدم انتظام مواسم الأمطار، وتذبذب كمياتها وانخفاض إنتاج السلالات المحلية من الثروة الحيوانية، بالإضافة إلى محدودية المساحة الزراعية ومصادر المياه، حيث تبلغ المساحة الصالحة للزراعة 1452438 هكتارًا وتمثل 3.6% من إجمالي المساحة الكلية لليمن، في حين بلغت المساحة المحصولية 1124436 هكتارًا .
وشدد الجولاني “على أهمية التخلص من زراعة القات التي تسببت في انخفاض إنتاجية الأصناف المحلية من الحبوب والبقوليات”.
المتطلبات
يرى حسن عبد الجبار (رئيس قسم كلية الزراعة) أن متطلبات تحقيق الأمن الغذائي تكمن في توفير الأراضي الصالحة للزراعة، وتوفير البذور المحسنة و إيجاد خطط تشجع المزارعين على استخدام التقنيات الحديثة في الري التي تقلل من استهلاك المياه”.
مضيفًا : لن يتحقق الأمن الغذائي إلا بضمان توفير الغذاء وسلامته وتأمينه من أي أثر متبقٍّ من السموم أو المبيدات، بالإضافة إلى الاعتماد على المنتجات المحلية، والاهتمام بتنمية المجالات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني .
حلول ومعالجات
يقول الخولاني : يجب أن توضع برامج إلزامية للاستفادة من مصادر المياه الثانوية، مثل المياه الرمادية والمياه العادمة منخفضة المعالجة في ري الأشجار والشجيرات الغابية، ومراعي النحل التي من شأنها تحسين الوضع الغذائي، وتنفيذ برامج مشتركة مع جهاز الصحة في المناطق للتوعية بأهمية الغذاء الصحي السليم الذي يمكن الحصول علية باتِّباع أسلوب الزراعة المنزلية لمحاصيل الخضروات.
وأضاف: بضرورة الإكثار من نشر وتعميم السلالات المحسنة من الأغنام والماعز والدواجن لدى المزارعين والمربيين، ونشر الأساليب والتقنيات التي من شأنها زيادة دخل الأسر الريفية مثل الصناعات الغذائية للمنتجات الزراعية النباتية والحيوانية الفائضة.
70% يؤكدون أن استمرار الصراع يعد من أبرز التحديات التي تواجه اليمن في تحقيق الأمن الغذائي
أوضحت نتائج استطلاع الرأي العام التي نفذته إدارة الأعلام التابع لمركز يمن انفورميشن سنتر ل…