من رحم المعاناة تولدت الحاجــــة للتفكير في حلول بديلـــــــــة المشاريع الصغيرة بارقة أمل للتخفيــــف من آثار البطالة والفقر في اليمن
صوت الأمل – رجاء مكرد وحنين الوحش وسماح عملاق
البطالة والفقر” أكثر المشكلات التي وَجَدت من الأوضاع السائدة في البلاد حاضنة لتزايدها يومًا بعد يوم، وتسبَّبت في أضرار جسيمة اقتصادية واجتماعية ونفسية للفرد والمجتمع واليمن عمومًا، الأمر الذي بيَّن أنه مع مؤشرات حجم الأضرار الكبير إلَّا أنه لايزال هُناك بارقة أملٍ تُظهره التماسك والسعي المجتمعي لحياةٍ أفضل. يعدُّ تقلص النمو الاقتصادي عاملًا رئيسًا للمعاناة فخلال العام 2020 م استمر انهيار الاقتصاد والعملة في ظل استنفاد الاحتياطيات مـــن العملات الأجنبية وتراجع القدرة على دعم المواد الغذائية والسلع الأخرى التي تعتمد اليمن على استيرادها بنسبة 90% بناءً على وثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية في اليمن الصادرة عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في اليمن لعام 2021م.
الاقتصاد لم يسلم..
وقد تسبَّب استمرار الأوضاع الراهنة في اليمن للسنة السابعة على التوالي في تقلص الاقتصاد اليمني بما يزيد عن النصف طبقًا لتقارير سابقة لوزارة الصناعة والتجارة .
وفي آخر تقرير نشرته وزارة التخطيط والتعاون الدولي (قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية 2021م) تبيَّن أن 11.7% المتوسط السنوي لانكماش الناتج المحلي و 85.1 متوسط نسبة الدين العام الداخلي من الناتج المحلي خلال الفترة 2014- 2019م.
التغييرات الطارئة على أسعار الصرف المحلي أثر ذلك في تدفق التحويلات المالية من اليمنيين العاملين في الخارج عقب تراجع الاقتصاد العالمي جرَّاء فيروس”كوفيد-19″، كأحد العوامل التي تقف خلف انخفاض قيمة الريال. ووفقًا لبعض التقديرات التي نشرها الفريق القطري الإنساني في اليمن فقد انخفضت التحويلات بنسبة تصل إلى 80% عام 2020م وبدأت في تعافيها ببطء منذ بداية عام 2021م، وقد كانت التحويلات لسنوات عديدة أكبر مصدر لإعالة الكثير من الاسر اليمنية التي تعتمد على أبنائها المغتربين خارج البلد ومصدر للعملة الأجنبية.
كما أن معدل تضخم السلع الغذائية في تقارير أممية قد ارتفع بنسبة 5.17 % خلال يناير 2021م مقارنة بشهر يناير 2020م وفي غضون ذلك ارتفعت ارتفعت أسعارالمشتقات النفطية بنسبة 59 و70 و88 % على التوالي مقارنةً بالأسعار الرسمية التي ظلت من دون تغيير، وهو ما أضاف عبئ جديد على كاهل الاسرة اليمنية خاصة تلك التي تعتمد على المشاريع الصغيرة كمصدر للدخل.
البطالة وصناعة الفرصة
بعد أن أصبحت فرص العمل نادرة خصوصًا في الوقت الذي يتقاضى العديد من الموظفين – لاسيما القطاع العام – جزءًا من رواتبهم وبصورة غير منتظمة؛ اتجه عدد كبير من السكان نحو افتتاح مشاريعهم الخاصة الصغيرة بتمويلات متواضعة إما أن تؤخذ اقتراضًا وإما استدانةً وإما بيعًا لممتلكات ثمينة كانت لديهم قبل الأزمة، وحاول معظمهم الخروج من عنق الزجاجة والتغلب على البطالة بابتكار وسائل سهلة تطعمهم من جوع وتغنيهم عن المسألة.
سماح الصامت (معلمة رياضيات) فقدت راتبها بسبب الظروف الراهنة فلم تجد الدخل الذي يقيها الحاجة؛ لذا افتتحت سماح معرضًا مصغرًا في غرفتها بمنزل والدها لمستلزمات النساء من ملابس وإكسسوارات وأدوات للتجميل، وقد انتهجت سماح أسلوب التسويق الإلكتروني إضافةً إلى التسويق يدًا بيد.
تقول سماح:”بدأتُ مشروعي قبل خمسة أعوام بعد بيع مجوهراتي، وواجهت بعض الصعوبات المجتمعية لكنني تجاوزتها بإرادتي، وحاليًّا أملك قاعدة بيانات للمشترين تصل لـ347 مشتريًا، وأجني أرباحًا لابأس بها وهي أفضل من الفراغ بكثير”.
بهدف تحسين وضعهم المعيشي اتجهت عائلة عارف السامعي من محافظة تعز لعمل مشروع خاص بتحضير العطور النسائية والرجالية والبخور وبيعها بأسعار أقل من أسعار السوق، فقد عملت الأسرة عملًا متواصلًا لتحقق نجاحٍ كان عونًا لهم في ظل انعدام الفرص وتدني مستوى الدخل المعيشي.
تتحدث السامعي عن مدى إسهام المشروع في تحسين دخل الأسرة ومساعدتهم في المصاريف اليومية والدراسية خصوصًا في أثناء نزوحهم من محافظة إلى محافظة فقد كان يغطِّي الدخل الأساس لهم، موضِّحة أن عائلتها تعمل على تحضير منتجاتها في المنزل، ويُباع المنتج عن طريق التسويق في مواقع التواصل الاجتماعي أو عن طريق العلاقات الشخصية.
وتستعرض العائلة الصعوبات التي واجهتها وكان أبرزها عدم وجود المال الكافي لشراء أدوات ومستلزمات البخور والعطور وكذلك الإقبال الضعيف، وعدم وجود محل أو نقطة للبيع أيضًا سبَّب صعوبة لها لأن الناس تحتاج إلى أن تأتي وتختار ما يناسبها وهذا يكون صعبًا عن طريق البيع اونلاين.
وتؤكد السامعي أن المشروع كان يعمل على تغطية احتياجات الأسرة، ولأنهم عائلة متماسكة مثابرة يستمرون في التطوير من أنفسهم ومهاراتهم في هذا المجال مع شحة الإمكانات وقلة فرص البيع مقارنة بالسوق.
“أكل ماما للكشري”
مشروع “أكل ماما للكشري ” لـبندرة الصلولي من صنعاء، والمعروفة باسم “أمّ ريم” وهي إحدى النساء اللاتي قمن بفتح مشروع لتحسين وضعهن المعيشي، وأسرتها مكونة من ستة أفراد.
اتجهت الصلولي لبيع الكشري المصري هي وعائلتها فلقى إقبالًا واسعًا لقلة البائعين، تقول بندرة: “إن الإقبال على الكشري كبير، لكن هناك مشكلات اقتصادية تواجهنا كغلاء أسعار المواد الغذائية، وكذلك غلاء الغاز وانعدامه في بعض الأحيان، ونحن في الوقت الراهن نبيع من المنزل ولا يوجد لدينا محلٌّ؛ وذلك بسبب ارتفاع المشتقات النفطية للتوصيل وارتفاع أسعار الإيجارات”.
وتؤكد بندرة الصلولي أن بيعها للكشري هو مصدر دخلها الأساس وأنهم يحاولون العمل على الدوام لتحسين دخلهم؛ ليستطيعوا العيش وتوفير مستلزماتهم الأساسية.
مشروع وادي الحسيمة
لم يستسلم أبناء وادي الحسيمة عزلة أعبوس، للظروف التي انتجتها سنوات الصراع وتدهور الوضع الاقتصادي فكانت البداية تكاتف مجتمعي وتمويل ذاتي من أهالي المنطقة لمشروع مركز وادي الحسيمة، بتشجيع من الصندوق التكافلي التنموي لأبناء الحسيمة وتشجيع صندوق الدكتور حبيب ردمان.
المركز يسهم في تنمية قدرات المرأة وذلك بتدريبها وتنمية ما لديها من مهارات كالخياطة والتطريز، والنقش، وصناعة الحلويات والعطور. استهدف المركز العديد من الفتيات لتدريبهن أولًا ثم جعلهن مدربات لأخريات. هدفه العام أن تكون ربة البيت قادرة على الاكتفاء ذاتيًّا تستطيع خياطة ملابس أطفالها بنفسها ولا تلجأ إلى المنتج الخارجي.
كما يُسهم المشروع في التنمية الزراعية، إذ جَلَب 150 شتلة بُن، 50 شتلة مقدمة من الصندوق التنموي لأبناء الحسيمة. وبالتعاون مع صندوق القرنة أعبوس، وُزِّعت الشتلات لمعظم الأسر لحصد تنمية زراعية تزيد من الرافد التنموي للوطن.
يقول إسكندر درهم (مهندس جيولوجي ومؤسس الصندوق التنموي لأبناء الحسيمة- أعبوس): “إن هناك نتائج إيجابية للمشروع فقد أسهمت في تحسين الوضع الاقتصادي للأسر. وأنهم رأوا نتائج المشروع حين فتحت كثير من المتدربات عروض بيع وصارت لهن مشاريع صغيرة”.
دور اجتماعي ونفسي
وعن تأثير المشاريع الصغيرة في الفرد والمجتمع تقول وفاء طلحة (متخصصة في المعالجة النفسية والتقييم في مركز التنمية والإرشاد الأسري):”إن المشاريع الصغيرة أسهمت كثيرًا في تخفيف العنف الأسري خصوصًا الآن، لأن أغلب المشكلات حاليًّا يكون سببها اقتصاديًّا وهذه المشكلات قد تنعكس سلبًا على الأسرة ـ المحيط الخاص بالفردـ ما قد يتسبب بعنف نفسي أو جسدي للتعبير عن الغضب من الأوضاع”.
وتؤكد طلحة أنه من المهم جدًا أنَّ الفرد يجد مصدر دخل إضافي إلى عمله ليشغل وقته ويطور مهاراته، وكذلك ليحصل على مصدر للرزق ويتفادى المشكلات الأسرية الناتجة عن قلة المال والضغط الحياتي الذي قد يتحول إلى ضغط نفسي ومن ثمَّ قد يتحول إلى مرض نفسي لا يُترجم إلَّا عن طريق العنف.
وتضيف المختصة وفاء طلحة أن المشاريع الصغيرة حقيقة تسهم في التخفيف من الضغوط الحياتية المتراكمة على ربِّ الأسرة والعمل على سدِّ حاجته، ومن ثمَّ يقل مستوى التفكير والضغط النفسي لديه وتنعكس على سلوكياته كرضا نفسيٍّ لأنه لا يعدُّ نفسه عالة على المجتمع أو على الأسرة فيشعر بالرضا عن ذاته وبرضا الأسرة.
أما عن دور المشاريع الصغيرة اجتماعيًّا، تقول سلوى محمد (ناشطة اجتماعية): “إن المشاريع الصغيرة أسهمت إسهامًا فاعلًا في تحسين الجو الأسري. الذي ترجمه التعاون بين الأب والأم والأولاد، والتعاون بين الأم والبنت بخاصة في مشاريع الخياطة والطبخ، وجعلت من المجتمع اليمني فريقًا متعاونًا ومتماسكًا، سواء في خلق الفرص أم الإسهام في دفع الأموال والتبرعات لدعم المشاريع الصغيرة”.
المشاريع الصغيرة بديل منقذ
يقول مصطفى نصر (خبير اقتصادي) لـ”صوت الأمل”: “في الحقيقة تواجه المشاريع المتوسطة والصغيرة تحديات كبيرة لاسيما مع أزمة كورونا، بالإضافة إلى تحديات الصراع وارتفاع حالة التضخم وانهيار سعر العملة، هذه كلها تحديات كبيرة أمام المشاريع الصغيرة التي تؤدي دورًا فاعلًا في تغطية احتياجات آلاف الأسر اليمنية التي تعتمد على هذه المشاريع “.
ويضيف نصر: “مع شحَّة الإحصائيات المتعلقة بالمشروعات الصغيرة إلا أن الأرقام تشير إلى أن المقترضين من مؤسسات التمويل الأصغر خلال عام 2018م كانوا 85 ألف شخص تقريبًا”.
ووفقًا لما قاله نصر “فإن عوائد هذه المشاريع تغطي دخل نصف هؤلاء المقترضين لكنها لاتعكس النسبة الحقيقية لأن كثيرًا من الناس قد يقترضون من أصدقائهم لإنشاء مشاريعهم الصغيرة مثلًا، ومع ذلك فهي تعطي نسبة عالية جدًا وتغطي احتياجات العديد من السكان”.
ويستدرك نصر بقوله: “لكن المشاريع الصغيرة تواجه تحديات كبيرة في ظل غياب البيئة الداعمة لها والمضايقات التي تحدث من جهات رسمية متعددة والكلفة الباهضة في ظل عدم توفر المتطلبات الأساسية كالمشتقات النفطية والكهرباء والمياه، هذه الأمور ضاعف من المشكلات أمام المشاريع الصغيرة وتحدُّ من قدرتها على الصمود أحيانًا، لذلك نجد أن كثيرًا منها تصل إلى حالة الإفلاس مع غياب أرقام دقيقة، حسب ماذكرت لكم لكن هذه الأرقام تعطي لنا نسبة عالية من التقديرات. إن الأرقام تكشف حجم الكارثة على المستوى الإنساني، لكن هناك حالة تكافل اجتماعي تخفف من حدة الكارثة كعائدات المغتربين ومحدودية الكلفة اليومية في اليمن للفرد التي أصبحت متواضعة للغاية لكن هذا يؤثر في مستقبل المواطنين فيما يتعلق بالأمن الغذائي وغيره”. وفقًا لحديث الخبير الاقتصادي مصطفى نصر.
للجهات المعنية دورٌ
هاني الفقيه (شبكة اليمن للتمويل الأصغر- منظمة غير حكومية)، يقول: “إن شبكة اليمن للتمويل الأصغر منظمة لا تهدف إلى الربح. تأسست قبل 11 عامًا، بمبادرة من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والصندوق الاجتماعي للتنمية، وتؤدي دور الاتحاد الذي يضم في عضويته معظم مؤسسات وبرامج التمويل الأصغر في اليمن”.
ويقول الفقيه مضيفًا :”إن الشبكة تقدم لأعضائها من المؤسسات والبنوك خدمات التدريب والتأهيل وبناء القدرات والدراسات والبحوث والتطوير وتبادل البيانات المالية بين أعضاء الشبكة ومراقبة الأداء الاجتماعي والمالي للأعضاء، لما فيه مصلحة أعضاء الشبكة والمتمولين عبر أعضاء الشبكة” .
من جانبها تصرح المهندسة كلثوم عمر (مدير عام الصناعات والمنشآت الصغيرة بوزارة الصناعه والتجارة) لـ “صوت الأمل” بأن الدور الذي تقوم به وزارة الصناعة والتجارة للمنشآت الصغيرة يتمثل في استخراج التراخيص الخاصة بنشاط المنشآت من سجل تجاري وصناعي وحرفي، وسجل شركات تضامنية وشركات مساهمة، وكذا الوكالات والعلامات التجارية.
وتضيف المهندسة كلثوم أن دور الوزارة إقامة ورش عمل خاصة للمنشآت الصغيرة لدعمها وتحسين أداءها وعمل دورات تدريبية تخصصية تمكنهم من الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة ورفع كفاية العاملين بالمنشآت الصغيرة وعمل حاضنات صناعية للمشاريع الصغيرة، ومتابعة عمل الاتحادات الحرفية الإنتاجية التنموية للجمعيات والمؤسسات والمشاريع الصغيرة، أيضًا البحث عن مصادر التمويل وتشبيكها مع المنشآت الصغيرة بشروط ميسرة.
56% يؤكدون أن المشاريع الصغيرة تُساهم في مكافحة الفقر والبطالة
صوت الأمل – رجاءمكرد بيَنت نتائج إستطلاع إلكتروني أجرته صحيفة “صوت الأمل” التا…