أصحاب المشاريع الصغيرة.. بين مخالب جهات التمويل وأنياب الوضع العام: الإرادة الشخصية هي المرتكز الرئيس لضمان نجاح أيِّ مشروع
صوت الأمل – منال أمين
أبو عدي أحمد (مالك مشروع محل بلاي ستيشن أو ما يعرف بالألعاب الإلكترونية في مدينة تعز) افتتح مشروعه منذ سنتين, وكان يكسب القليل بسبب الوضع الأمني غير المستقر في المدينة, الأمر الذي انتهى بإغلاق المحل وبيع كلِّ محتوياته لتسديد ما عليه من قروض.
ولم يستطع أبو عدي أن يلتزم بتسديد القرض الذي عليه والمقدر بـمليوني ريال اقترضها من أحد بنوك التمويل بعد مواجهته لخسائر كبيرة لم يستطع تحملها.
لعل قصة أبي عدي لم تكن الأولى من نوعها ولا الأخيرة، فالمجتمع اليمني يعاني الكثير من المشكلات التي تؤدي إلى فشل الكثير من المشاريع أو تعرقلها في أغلب الأحيان .
البنوك لا تدعم المشاريع الجديدة
تهتم بعض البنوك وشركات التمويل بقيمة الأرباح ونسبتها وفائدتها أكثر من نجاح أيِّ مشروع أو فشله أكان كبيرًا أم صغيرًا. حيث يستعرض موظف في أحد البنوك التمويلية في عدن ـ لم يشأ ذكر اسمه ـ الإجراءات المتبعة في عملية إعطاء القروض لأصحاب المشاريع، فيقول: “إن البنك لا يدعم المشاريع الجديدة بل المشاريع القائمة على الأرض, وأنه لا يعطي القرض ماليًّا بل على شكل أدوات ومعدات يحتاج إليها المشروع بدرجة رئيسة”.
وأضاف: “أن البنك يطلب دراسة جدوى للمشروع مع ضمانات تتمثل بعقار أو ذهب أو حساب في البنك لضمان تسديد الفائدة التي تبدأ من 24% وأكثر حسب قيمة القرض المطلوب”.
وحول دور البنوك التمويلية في تقديم تسهيلات لازمة لأصحاب المشاريع الصغيرة يشير إلى أن البنك يعمل على نُظم وأسس تُلزم المستفيدين من القروض بتسديد القيمة مع الفائدة خلال الفترة المحددة التي لا تتجاوز السنة أو السنة والنصف”. مبينًا أن من أسباب خسارة أيِّ مشروع عدم وجود تخطيط لتنفيذه تنفيذًا صحيحًا يؤدي في الغالب إلى حبس صاحبه أو مصادرة أملاكه التي وضعها تأمينًا لذلك القرض.
أهمية معرفة البيئة المناسبة للمشروع
محمد عز الدين(نازح من محافظة تعز)فتح محلًا صغيرًا لبيع المأكولات السريعة في إحدى مناطق مديرية خور مكسر بعدن بعد أن باع جزءًا من ذهب زوجته ولكن مشروعه لم يستمر إلَّا ثلاثة أشهر فقط وفشل. واجه خسائر كبيرة بسبب عدم معرفته بالبيئة المحيطة للمشروع والفئة المستهدفة ولوجود محلين لنفس المشروع في أماكن قريبة من السكان, الأمر الذي اضطره إلى إقفال المحل وبيع المعدات بأسعار رخيصة, وأصبح يعمل حاليًّا خادمًا في أحد المطاعم وبراتبٍ زهيد.
ولمعرفة الطرق المناسبة لنجاح أيِّ مشروع أو فشله يقول الدكتور أحمد مبارك بشير (استشاري استراتيجي وتطوير أعمال) لـ “صوت الأمل”: “إن من أسباب فشل المشاريع الصغيرة عدم معرفة عملية التدفقات النقدية وإدارتها عبر الأنشطة المتعلقة بالمشروع وعدم إدراكه لأهمية معرفة المكان والبيئة المناسبين, والتكرار في فتح المشاريع نفسها في مكان واحد, وهذا ما يعاني منه أصحاب المطاعم وعربات المأكولات السريعة في الغالب”.
ويضيف: “عدم استيعاب صاحب المشروع لصدمات الزبون والسوق و النمو مع مرور الوقت يؤثر في نسبة نجاح المشروع التي تصل فترة بقائها على الأرض مابين سنة إلى ثلاث سنوات, حيث نلاحظ أنَّ الكثير من المشاريع قد اختفت” .
ويقول: “إن حجم الخسائر في هذا الاقتصاد يعد كبيرًا ومؤثرًا يسهم في انخفاض الدورة الاقتصادية وعدد العمالة في البلد, حيث توفر هذه المشاريع المستقلة 60% من الوظائف في مختلف المجالات والتخصصات “.
“هناك مرتكزات رئيسة لضمان نجاح أيِّ مشروع تتمثل في تعزيز الإرادة الشخصية للأفراد القادرين على العمل والقدرات الشخصية التي يمتلكها ربُّ المشروع في أيِّ مجال ومعرفة عملية التنظيم المصغر من ناحية الدورة المالية التي يمتلكها, وإدارة الدخل والتدفقات النقدية والنشاط, ومعرفة حجم السيولة المتاحة بالنسبة إليه والسوق المستهدف ومعرفة حجمه لتحقيق إيرادات عن طريقه والتفرد في نوعية المنتجات المعروضة التي تخلق نوعًا من الإبداع والتأثير وتبنيها لمشاريع كبيرة تسهم في نجاحها والعمل على تنفيذ مراحل مختلفة لإنجاح المشروع الذي يبدأ بـ(الفكرة ،التصميم، الإقلاع الأول، التمويل الثاني، الإقلاع الثاني، مرحلة النمو، مرحلة التحول، الخروج المبكر ( الأمن )” . هذا ما استعرضه بشير لنجاح أي مشروع.
تأثير المشاريع في الاقتصاد الوطني
كما وكَّد الدكتور بشير :” لدى المشاريع الصغيرة تأثير قوي في الاقتصاد الوطني والإنتاج المحلي بدرجة رئيسة وقدرة على التقليل من نسبة البطالة عبر خلق وظائف تشغيلية لذوي الدخل المحدود تحسِّن المستوى المعيشي للكثيرين منهم, وهذا الأمر يعدُّ من أبرز النقاط الأساسية في عملية التأثير “.
محمد عامر (مالك محل أدوات إلكترونية من عدن) قدّم على منحة لدعم المشاريع الصغيرة التي نفَّذها أحد المعاهد الكبيرة, وشارك في دورات تأهيلية حول التخطيط والتنفيذ لمشاريع خاصة, وتسلم قرضًا بقيمة مليون ونص ريال في عام 2018م لفتح مشروعه الخاص.
ويسرد عامر حديثه قائلاً: أن المشروع حاليًّا ناجح واستطعت تسديد قيمة القرض كاملًا ووفرت فرص عمل لثلاثة عمال داخل المحل برواتب جيدة, وذلك بسبب الإصرار والتخطيط الجيد الذي يعدُّ من النقاط الأساسية في نجاح أيِّ مشروع “.
وأضاف: “ما زلت أواجه عددًا من الصعوبات المتمثلة في تأخر وصول البضاعة عن وقتها المحدد من التجار وارتفاع الأسعار المستمر, بالإضافة إلى الوضع الأمني غير المستقر”.
وزارة الصناعة
للجهات الحكومية دورٌ في دعم المشاريع الصغيرة كونها الجهة المخولة في تسجيل وإعطاء التصاريح لأصاحب المشاريع والإشراف عليهم. ذكرت المهندسة كلثوم أحمد (مدير عام الصناعات والمنشآت الصغيرة في الوزارة) أن الوزارة لا تمتلك حاليًّا تقريرًا أو إحصائية مفصلة حول عدد المشاريع الصغيرة والأصغر بسبب ما تعرضت إليه قاعدة البيانات من أضرار تسبَّبت في فقدان كل البيانات.
وأوضحت أن الوزارة تعمل حاليًّا على عملية مسحٍّ صناعيٍّ شامل للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وتحدد نوعية عمل المشاريع الخدمية والصناعية والتجارية عمومًا على مستوى البلاد.
وحول الصعوبات التي تواجه عمل المشاريع ـ من وجهة نظرها ـ تذكر المهندسة كلثوم لـ”صوت الأمل” أن ارتفاع تكلفة إنشاء وتأسيس مشروع خاص يعدُّ من أصعب المشكلات التي تواجه أصحاب المشاريع, بالإضافة إلى عدم استقرار العملة وارتفاعها ارتفاعًا مستمرًا والزيادة في التضخم ونقص الضمانات التجارية وفقدان الثقة بين أصحاب المنشآت التجارية وأصحاب المشاريع الصغيرة والمنافسة المستمرة. كل هذا وأكثر يؤدي إلى فشل أغلب المشاريع الصغيرة “.
وفي آخر إحصائيات صادرة عن وزارة الصناعة والتجارة عام 2015م أوضحت أن عدد المشاريع الأصغر قد بلغ أكثر من 21.801 مشروع، و الصغيرة أكثر من 5322 مشروعًا، بينما المتوسطة 531 مشروعًا على مستوى البلاد .
منذ أكثر من ست سنوات وقطاع المشاريع الصغيرة في اليمن يتعرض للكثير من الصعوبات والخسائر وأحيانا الاستغلال من أصحاب الجهات التمويلية فَقَدت على إثره أكثر من 90% من تلك المشاريع وجودها على أرض الواقع ومن بقى منها فيصارع الوضع غير المستقر. متمنِّيًا وجود حلول جذرية من الجهات المعنية لتحسين مشاريعهم التي تسهم في استمرار عجلة التنمية في البلد .
56% يؤكدون أن المشاريع الصغيرة تُساهم في مكافحة الفقر والبطالة
صوت الأمل – رجاءمكرد بيَنت نتائج إستطلاع إلكتروني أجرته صحيفة “صوت الأمل” التا…