البطالة في اليمن.. محلك سر: تؤدي البطالة إلى الإخلال بالأمن وانتشار العنف
صوت الأمل – سماح عملاق
تتفق العديد من الدراسات العلمية في اعتبار البطالة مفهومًا يُطلق على مجموعة من الأفراد المؤهلين صحيًا وعلميًا ونفسيًا للعمل، لكنهم لم يجدوا فرص عملٍ مناسبة في المجتمع الذي يعيشون فيهِ، وبالتالي؛ فإنّ هؤلاء الأفراد لا يمتلكون موردًا أو رزقًا يوفر لهم احتياجاتهم الشخصيّة -سواء كانت اقتصادية أو معنوية- ويُستثنى من هذا التعريف العاجزون والمتقاعدون وكبار السن والمرضى والأطفال.
التطور التكنولوجي والبطالة
يرى الشاب (جميل عايض) -29 عامًا، من محافظة الضالع- أن البطالة إحدى الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى تدهور أي مجتمع، أخلاقياً واقتصادياً وأمنياً؛ حيث إن تكدس الأيدي العاملة من الشباب يخلق العديد من المشاكل كانحلال المجتمع من الناحية الأخلاقية، ويضر بالمجتمع في النواحي الأمنية والاقتصادية التي ينجم عنها كثيرٌ من المشاكل الاجتماعية، وأنا –بوصفي خريج هندسة ميكاترونكس-أشعر بخيبة أمل كبيرة وضغط نفسي كبير، والسبب يعود إلى عدم مواكبة المخرجات العلمية لاحتياجات سوق العمل وفقًا لقانون العرض والطلب.
ومن الأسباب الاقتصادية للبطالة كثرة الموظفين، وازدياد نسبة خريجي الجامعات بشكلٍ سنوي، مع قلّة عدد الوظائف المتوفرة، وهذا ما يجعل الحكومة غير قادرة على توفير الوظائف المناسبة لهم، مما يخلق مشكلة حقيقيّة في المجتمع.
ويسرد أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة إب (الدكتور عبد الرحمن بشر) أهم الآثار الاقتصادية المترتبة على البطالة بقوله: “تؤدّي البطالة إلى إهدار قيمة العمل البشري وخسارة البلد للناتج الوطني، كما تتسبب بزيادة العجز في الموازنة العامّة. وتؤدي البطالة إلى انخفاض في إجمالي التكوين الرأسمالي والناتج المحلي الذي يؤدي بمرور الزمن إلى انخفاض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي”.
إهمال التعليم والمجتمع
ومن منظور اجتماعي، يؤكد (د. بشر) أن من أهم أسباب البطالة في اليمن هو التزايد السريع للسكان، مترافقًا مع قلّة المهن والوظائف التي تُساهم في انتشار الفقر والبطالة يومًا بعد يوم، وعدم تفعيل دور التنمية الاجتماعيّة المحليّة في المجتمع التي تعتمد على الاستفادة من التأثيرات الإيجابيّة التي يُقدّمها قطاع الاقتصاد. أيضًا، عدم الاهتمام بمجال التعليم الذي يهدف إلى نشر التوعية حول المشاكل الاجتماعية المهمة، وسبل القضاء عليها ومعالجتها وانتشار الإحباط واليأس بين صفوف الشباب.
ويقول رئيس قسم علم الاجتماع في جامعة إب (الدكتور جلال المذحجي) إن الآثار الاجتماعية للبطالة كثيرة قد تؤدي إلى فقر رب الأسرة أولاً، وتؤدي إلى مشاكل وخلافات زوجية تسبب كراهية الزوجة لزوجها العاطل عن العمل إذ تنظر إليه كرجل عديم الجدوى والفائدة، غير قادر على تحمل المسؤولية، ويدفع بالزوجين إلى الطلاق والتفكك الأسري وقد تدفع الأسرة إلى التسول، وتعد سببًا في فقدان الشعور والإحساس بالمكانة الاجتماعية.
وأضاف: “في الغالب تولد لدى العاطل عن العمل مشاعر ونزعات ودوافع حقد عدوانية ضد المجتمع تدفعه إلى ممارسة العنف ضد المرأة وأفراد الأسرة وضد المجتمع. كما أن البطالة قد تدفع بكثيرٍ من العاطلين إلى السرقة والجرائم التي تهدد أمن المجتمع.
البطالة تقود إلى الانتحار
تحلل الظاهرة – نفسيًا – المرشدة النفسية (مروى العواضي) بقولها: “يعد العمل طريقاً لإثبات الذات واحترامها، وشرطاً للحصول على المكانة الاجتماعية اللائقة، بغض النظر عن طبيعة هذا العمل؛ كون الفراغ يجعل الفرد في خواء نفسي، فنجد أنه حتى المتقاعدين عن العمل متعبون نفسيًا لفقدانهم ذلك المعنى وتلك المكانة التي تملأ الفراغ الروحي في داخلهم”.
كما أوضحت أيضاً أن البطالة قد تجعل الشباب ينصرفون إلى تعبئة أوقاتهم بسلوكيات ممقوتة كمضغ القات والتدخين بشراهة وإدمان المخدرات والسرقة، وفي أسوأ الأحوال قد تقودهم نحو الانتحار؛ ولهذه الأسباب يعد العمل مهمًا في تكنيك العلاج النفسي. وعلميًا، نحن نتبع العلاج بالعمل والانشغال عن الهموم العابرة التي يتجاوزها المريض بما هو أهم.
الدين والعمل
أمر الدين الإسلامي بالعمل، ومن الغنائم فيه اغتنام الفراغ قبل الانشغال حسب حديثٍ نبويّ. وقد شرح إمام جامع الجند في تعز الشيخ (محمد سيف العديني) لـ”صوت الأمل” أهمية العمل وخطورة البطالة في الدين الإسلامي بقوله: “لقد أمر الله سبحانهُ وتعالى الإنسان بالعمل واستغلال الظروف للكسب الحلال، كما أمر الرسول الكريم الإنسان المسلم بالعمل وتحدث كثيرًا عن هذا الموضوع في الأحاديث النبوية الشريفة، مثل “إِنَّ الله يُحِبُ إذا عَمِل أحَدُكُم عَمَلاً أنْ يُتْقِنَه”, و “ولأن يحتطب أحدكم حُزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا يعطيه أو يمنعهُ””.
ويؤكد (الشيخ العديني) أن للمساجد دوراً كبيراً ومهماً في توعية الشباب حول أهمية البحث عن العمل للاعتماد على الذات، والابتعاد عن كل ما يضر بالجسد والنفس.
تسهيلات قانونية
يرى أستاذ قانون الجنسية في جامعة تعز (الدكتور ياسر محمد علي) أن القطاع الصناعي من القطاعات القادرة على الحد من انتشار ظاهرة البطالة لقدرته على استيعاب عدد كبير من الأيدي العاملة، وعملية النهوض بالصناعة تساهم في حل مشكلة البطالة. وقد دعا الجهات المختصة إلى تسهيل التعامل مع المستثمرين وانشاء هيئة عامة للتنمية الصناعية لتحل محل عدد كبير من الجهات، بالإضافة إلى تقليص إجراءات الحصول على التراخيص، مما يساهم في التخفيف من معدلات البطالة والحد من انتشارها بين الشباب.
ويؤكد (د. ياسر) أيضاً أن القانون اليمني يشترط على المشاريع الصناعية توظيف وتدريب أكبر عدد ممكن من اليمنيين، على أن تقدم المشاريع خطة إحلال للكادر اليمني بدلاً عن الكادر الأجنبي خلال مدة تتناسب وطبيعة كل مشروع. وللمشروع أن يوظف غير اليمنيين طبقاً لما ورد في قوائم احتياجاته، وله الحق في الحصول على تصاريح العمل وتأشيرة الإقامة لهؤلاء العاملين لمدة (3) سنوات يتم تجديدها بناءً على توصية من الهيئة.
جهود مبذولة
يعدد مدير مكتب الرقابة والتحصيل المالي في مديرية السياني بمحافظة إب (عبد الجبار عبد الله أحمد) الجهودَ التي بذلتها الدولة للحد من انتشار البطالة بين الشباب، كأن تتوسع الدولة في تمويل المشروعات الناشئة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمشروعات متناهية الصغر، وأن تقوم البنوك بتسهيل شروط الحصول على القروض للشباب وتيسير طرق السداد، بالإضافة إلى جهود المؤسسة التشريعية في إصدار التشريعات التي من شأنها جذب المزيد من الاستثمارات وإقامة المصانع والمشروعات كثيفة العمالة.
كما أن كثيرًا من المنظمات والمؤسسات المحلية والدولية قد قامت بدعم مشاريع محلية تحد من مشكلة البطالة, وفرت فرص عمل لطلاب جامعيين مؤهلين ومعززين بالتدريب والتوجيه المستمر ماديًا ومعنويًا.
وتقول (أحلام المخلافي) -صحفية في إبpress7-: “تُعد فرصتنا بدعم وتوجيه (انترنيوز) من أجمل فرص العمل التي كنا نبحث عنها، ونحن ممتنون لحجم الدعم الذي قدمته المنظمة سواءً في التدريب أونلاين أو على أرض الواقع، وقد تعلمنا الكثير من القيم المهنية، والمعايير المنهجية للعمل الصحفي المستقل على أيدي مدربات تونسيات رائعات. ونتمنى أن يستمر الدعم مع قرب انتهاء العقود الموقعة بين موقعنا وبين المنظمة المانحة”.
خارج حدود الوطن
يقول المغترب (يوسف عبد الحميد): “نحن المغتربين نشكل دخلًا عظيمًا للاقتصاد الوطني، ورغم المعاناة التي نواجهها خارج الوطن؛ فإننا صامدون لأجل أسرنا التي نعيلها في الداخل، وهم بأمس الحاجة للمبالغ التي نرسلها إليهم كل مدة. وينبغي للدولة أن تضع مشاكل المغتربين في الخارج ضمن أولى أولوياتها”.
إن الإجراءات الحكومية المتشددة ضد العمالة في دول الخليج تُنذر بكارثة كبيرة في المستقبل القريب، وتُهدد مئات الآلاف من العمال اليمنيين بفقدان مصادر دخولهم وبعودتهم إلى الداخل في ظل أوضاع اقتصادية صعبة.
خاتمة
لا شك أن البطالة ستصبح المشكلة الأبرز في اليمن على المدى القريب بعد أن وصلت إلى نسبة 60% في العام 2018 في إحصائية نشرتها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل. ونظراً لكل هذه الأسباب، ولظروف الصراع وحالة النزاع التي طالت مستقبل الشباب اليمني؛ ينبغي إعادة دراسة مشكلة البطالة في اليمن بصورةٍ أعمق وأشمل، وتحديدها على ضوء شروط وحيثيات ومقتضيات الأوضاع المحلية، لإدراك آثارها بصورةٍ دقيقة وشاملة ومن ثم اقتراح الحلول والمعالجات التي تخفف من حدتها كدعم الدولة للمشاريع الناشئة، وتفعيل قانون الإعفاء الضريبي للمؤسسات التنموية، وتوفير فرص عمل للعاطلين قدر الإمكان.
في استطلاع رأي: 73% يؤكدون: الأوضاع الراهنة ساهمت في انتشار البطالة باليمن
أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام التي نُفذت من قبل وحدة المعلومات والاستطلاع ا…