قضايا الأراضي والعقارات في اليمن.. بين ضعف القضاء وقوة السلاح
صوت الأمل – منال أمين وعلياء محمد
قضايا الأراضي والعقارات في اليمن تعدُّ من القضايا الصعبة التي تُؤرِّق القضاء اليمني في مختلف المحافظات اليمنية في الوقت الراهن. وتتعارض أحكام القضاء ـ في الغالب ـ مع التقاليد والقواعد العرفية السائدة في حلِّ مثل هذه النزاعات، الأمر الذي تسبب في ازدياد مشكلة حلِّ هذا النوع من القضايا.
مع استمرار الوضع الأمني غير المستقر في البلاد وتجاوز الأعراف والتقاليد والقوانين انتشرت لغة السلاح والقوة بين عدد كبير من الجهات والأشخاص في مختلف المحافظات للاستحواذ على الأراضي العامة والخاصة من دون وجه حق وبقوة السلاح.
احتكار وسطو
يقول الشيخ عبد الله أحمد الحماطي (محكم قبلي): “إن في الآونة الأخيرة ظهرت مشكلات كثيرة فيما يتعلق بتملُّك الأراضي بطُرق عديدة تمثلت في الاحتكار والسطو والبيع والشراء عن طريق النصب ومشكلات الميراث وغيرها، الأمر الذي زاد من حدة الخلافات بين المتخاصمين، ووصل بهم إلى الاقتتال والاشتباك مع بعضهم بعضًا، مما أدَّى إلى زيادة عدد القضايا في المحاكم اليمنية”.
مضيفًا: “لعدم ثقة الناس بالقضاء ـ في هذه الفترة ـ فيما يتعلق بقضايا الأراضي، أصبح ويلجأ الكثير من المواطنين إلى التحكيم القبلي نظرًا لسرعته في الفصل بين القضايا مع العلم أن التحكيم القبلي لا يختلف عن الحكم القضائي بالفصل بين الخصوم على أرض أو عقار معين، فنحن نقوم بعمل الإجراءات نفسها من طلب الوثائق الرسمية للتأكد من صحة الادعاء، ونبدأ بالتحقق والاطلاع عليها ثم التحكيم، وتختلف مدة الحكم ما بين يوم إلى شهر”.
محمد الثلايا (أحد المتضررين من قضية شراء أرض لتعرضه للنصب)، يقول: ” اشتريت أرضًا من مكتب للعقارات وعندما أتيت لأبني عليها فوجئت بظهور شخص آخر يدَّعي أن الأرض ملكه، ويمتلك وثائق تثبت ذلك، حينها تنازعنا حول الأرض ووصلنا إلى درجة الاشتباك بالأسلحة، وأُوقِف البناء إلى أن يُفصَل بيننا في القضاء، ومازال النزاع على الأرض مستمرًا إلى الآن”.
مشكلات الأراضي
ولمعرفة مشكلات الأراضي الموجودة في القضاء اليمني أكَّد القاضي مازن أمين (صنعاء) “أن مشكلات الأراضي متعددة ومتنوعة تمثلت في قضايا خاصة بالتركة وقسمة الأراضي وخصومات تتعلق ببيع وشراء الأراضي ودعاوى ملكية كدعاوى الغصب والاستيلاء ومنازعات تتعلق بأراضي الوقف، وأخرى بأراضي الدولة وعقاراتها؛ وتختلف كل قضية عن الأخرى بحسب خصائصها التي قد تكون سببًا إما في سرعة الحسم أو التأخير”.
وللقضاء دور مهم في تحقيق العدالة فيما يختص بقضايا الأراضي، حيث يقول محمد قاسم نعمان ( رئيس مركز اليمن لدراسات حقوق الإنسان في عدن): “للقضاء والنيابات العامة دور مهمٌ في عملية إعادة بناء السلام في المجتمع اليمني, كونهما يعملان على حماية وتعزيز سيادة القانون على الأرض، ولكن الإشكالية تكمن في ضعف دور الجهات الأمنية المعنية بحماية القانون التي تعدُّ حاليًّا مسلوبة ولا تقوم بعملها على الوجه الأمثل، حيث تأثرت كثيرًا بواقع الصراعات، وتمخض عنها عشرات بل مئات من قضايا العقارات والأراضي التي جرى الاستيلاء عليها بطرق غير قانونية، الأمر الذي تسبب في ضعف حجم العجز الذي يعاني منه بعض القضاة في معالجة مثل هذه القضايا، وتخوفهم من إصدار أحكام قد تُودِي بحياتهم، وهناك وقائع حدثت في هذا الصدد.
وأضاف لـ “صوت الأمل”: “لم يعد القضاء قادرًا على أداء واجبه في حماية القانون وحقوق الأنسان عمومًا بسبب تفشي الفساد داخل هذه الأجهزة والسلطات، وسيطرة نفوذ الفاسدين الذين لا يريدون للقضاء والنيابات أن تؤدي دورها الحقيقي، حتى يتمكنوا من حماية فسادهم الذي شمل العقارات والأراضي، ومع استمرار إغلاق المحاكم والنيابات ازدادت الأمور سوءًا، فيما يتعلق بتلك القضايا.
معالجات
وحول المعالجات المطلوبة لإعادة دور القضاء، يؤكد نعمان” أن القضاء له دور كبير في حل الخلافات والمشكلات المتعلقة بالأراضي والعقارات, ولكن هذا مرتبط بمجموعة من الإجراءات والخطوات الضرورية لحماية منتسبي القضاء, أهمها: إعادة هيكلة مؤسسات القضاء وإزاحة الفاسدين الذين تسببوا في تشويه كبير لدور القضاء, وضرورة توفير ضمانات كأن يكون القضاء مستقلاً لا يخضع لأي جهة , بل يخضع فقط لمراقبة الشعب عن طريق مجلس النواب, وهذا مع الأسف لم يعد قائمًا في الوقت الحالي, الأمر الذي تسبب في إضعاف سيادة القانون وحق العدالة”.
من جهة أخرى تقول المحامية أنغام جعفر(عدن): “إن السلطة القضائية تعدُّ السلطة الثانية للدولة وفقًا للدستور. والأحكام الصادرة عنها تعد أحكامًا قانونية ملزمة لأطراف النزاع، وتنفذ بقوة السلطة التنفيذية للدولة. والقضاء وفقًا للدستور والقانون يعد الجهة المختصة والمخولة شرعًا وقانونًا لفضِّ النازعات المتعلقة بالأراضي والعقارات، واسترداد الحقوق المسلوبة وفقًا للإجراءات القانونية المنصوص عليه.
وأشارت: “هناك فساد ـ للأسف ـ مسَّ السلطة القضائية من كل النواحي وتسبب في تأخر الحسم في الكثير من القضايا، وكثرة الاضرابات، وعطَّل العمل في المحاكم والنيابات، وخَلَق نوعًا من الإرباك، جعل المواطن يفقد ثقته بالقضاء ويلجأ إلى الحلول والبدائل الأخرى التي قد تعدُّ ـ غالبًاـ غير قانونية لإعادة حقه”.
وكشفت أنغام عن أبرز التحديات التي يمر بها القضاء، قائلة: “تعدد الجهات الأمنية وتجاوز أوامر القضاء وعدم تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء وعدم توفير الحماية المطلوبة واستخدام المتنفذين لقوة السلاح لفرض سياسة الواقع، كلها أسباب أدّت إلى ضعف القضاء حاليًّا”.
في ذات السياق، تقول الناشطة الحقوقية مرينا كمال (عدن): أن مشكلة البسط على الأراضي والعقارات انتشرت بشكل كبير في الفترة الأخيرة لأسباب كثيرة أهمها: الانفلات الأمني التي تعاني منها بعض المحافظات اليمنية، وغياب الدور الفعلي للسلطة القضائية في محاسبة الخارجين عن القانون والمساهمين في اضاف دوره.
وأضافت: لإعادة هيبة السلطة القضائية وجب العمل المشترك في اعادة إيمان وثقة المجتمع بأهمية قوة القانون وتطبيقه على أرض الواقع.
تأثر مكاتب العقارات
بسبب عمليات السطو غير القانونية على الأراضي والعقارات وانتشار عمليات بيع وشراء بوثائق قد تكون مزورة وتحرير بصائر (وثائق تمليك) لأراضٍ وممتلكات لأكثر من شخص كل ذلك أثر في عمل ونشاط مكاتب العقارات في مختلف المحافظات وأدّى إلى إغلاق بعض المكاتب، وخلق مشكلات وخلافات عديدة لا تحمد عقباها. يقول (ع . أ) صاحب مكتب عقارات في مدينة عدن: “بسبب استمرار عمليات الاستيلاء على معظم الأراضي والعقارات في مدينة عدن، وضعف الجهات الأمنية والقضائية التي تحمي حقوق المواطن، أصبحت مكاتب العقارات في المدينة تعاني الكثير من المشكلات بسبب اضطرارها إلى عمل وثائق غير قانونية تحت تهديد السلاح أو الإغلاق، الأمر الذي تسبب في عجز كبير في أداء عملها على الوجه المناسب، وتعرضها إلى خسائر مادية فادحة.
66% من المواطنون يثقون بالتحكيم القبلي أكثر من القضاء الرسمي
أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام التي نُفذت من قبل وحدة المعلومات والاستطلاع التابع لمركز (…