البنية التحتية للسلطة القضائية .. دمار كبير ومشاكل مزمنة
صوت الأمل – رجاء مكرد
“بينما كنا في تأدية لعملنا وانعقاد لجلسات داخل المحكمة بحضور الكثير من المواطنين الذين يتابعون قضاياهم إذ رأينا أنفسنا في إعصار كامل من الدمار والأتربة التي جعلت منا ركامًا بعضنا فوق بعضٍ، لا ندري أين المفر”. هكذا لخص حزام شُريف (رئيس قلم كتاب بمحكمة عمران) صورة مصغرة لحجم التأثير الذي لحق بالمباني التابعة للسلطة القضائية في عموم اليمن.
يستعرض شُريف لـ “صوت الأمل” حجم الأضرار التي طالت المحاكم والبنية التحتية للقضاء بسبب استمرار الصراع، قائلاً: إن القصف المستمر على تلك المنطقة أدَّى إلى تدمير الكثير من المباني المجاورة للمحكمة، التي تضررت كثيرًا، وأصيب على أثره العديد من الموظفين والمواطنين وأصبح حال المبنى حاليًّا يُرثى لهُ من الناحية الشكلية كأنه من المباني الأثرية التي لا حياة فيها.
وأشار إلى “أن أغلبية المحامين والقضاة من الموظفين العاملين في مبنى المحكمة بعمران هبطت معنوياتهم بعد أن أُغلِق العمل في المحكمة لعام كامل؛ ومع مرور الوقت أُعِيد العمل في المحكمة لإنجاز قضايا الناس وسط الركام”.
مبينًا “أنه مع ما يعانيه المبنى من أضرار كبيرة نتج عنها تساقط الأبواب والنوافذ وأجزاء من الجدران، إلَّا أن العمل مستمر، وهناك تكاتف من أبناء مديرية عمران لإصلاح الأجزاء المهمة منه لضمان سلامة المواطنين “.
حجم الأضرار
نشوان الغزالي (مسؤول العلاقات العامة والإعلام بمحكمة استئناف الأمانة) يصف حجم الأضرار للبنية التحتية في القضاء، قائلاً: إن نسبة 70% من المحاكم تعدُّ مباني مستأجرة، وهي منازل عادية تفتقر إلى كل التجهيزات المكتبية، ولا تتلاءم مع طبيعة المحاكم إطلاقًا وأن نسبة المحاكم (المملوكة) للدولة قليلة جدًا، وأغلبها مباني قديمة ومتهالكـة لم تعد صالحـة للعمل وتحتاج إلى صيانة وتوسعة وتجهيزها بكل متطلبات العمل القضائي”.
مضيفاً: “أن أغلب المحاكم دُمِّـرت بسبب الصراع وبخاصة في (صعدة- عمران- إب- تعز وعدن وغيرها)، كما دُمِّر الأرشيف الخاص بالقضايا، وأصبحت البنـية التحتية للقضاء تحتاج في أقل تقدير إلى مبلغ يتجـاوز 40 مليون دولار لإعادة بنـائه، وأن قيمة حجم الأضرار في محكمة عمران تقدر مبدئيًّا بـ ستة ملايين وخمسمائة ألف”.
المجمعات القضائية في مدينة عدن لم تسلم من تداعيات الصراع، حيث تأثرت بشكل كبير في 2015، كالمجمع القضائي الذي يضم (محكمه الاستئناف ومحكمة صيرة) كان شبه مدمر، والمحكمة التجارية التي تضررت بشكل كبير، و المجمع القضائي في مديرية المعلا .. بالإضافة الى محكمة الشيخ عثمان التي تعرضت لإضرار بالغة، كما تعرضت محكمة الاموال العامة ومكتب التوثيق في المعلا لأضرار جسيمة، الأمر الذي أدى الى توقف العمل بشكل كامل، وتعطلت مصالح الناس.
وبخطوات بطيئة تم إعادة تأهيل بعض المجمعات القضائية، وإعادة العمل مرة أخرى، رغم كل التحديات والصعوبات التي تعرض اليه منتسبين السلك القضائي في هذه الفترة.
تأثيرها على قضايا الناس
سوسن الحدبة (المستشارة القانونية في منطقة عبس- حجة) تقول: “إن أبرز الصعوبات التي تواجه المحامين وسط تضرر البنية التحتية هي عدم متابعة القضايا بصفة متكررة ودائمة وصعوبة التنقل من محكمة إلى أخرى لنظر في الجلسات، وبالنسبة إلى القضاء عدم إنجاز القضايا إنجازًا سريعًا”.
وعن المشاكل في البنية التحتية للمحاكم، تقول: “إن مباني المحاكم هي مباني غير حكومية، تعاني من مشكلات في كيفية دفع إيجار مبانيها شهريًّا تصل إلى مبالغ باهظة، وأحيانًا تتسبب في تأجيل بعض القضاة مواعيد الجلسات إلى فترات طويلة، الأمر الذي يؤدي إلى عدم تدارك بعض القضاة استفهام الخصوم والانحياز إلى طرف من الأطراف بطريقة غير لائقة ــ حسب وصفها “.
وتضيف الحدبة: “كما تعاني المباني الحكومية الخاصة بالمحاكم من عدم الاهتمام من قبل الجهات الرسمية, وعدم توفر الاحتياج اللازم لها، مع وجود طابع الاستعجال في بعض القضايا ونظرها في فترة وجيزة”.
فجوة كبيرة
يستعرض نشوان الغزالي (مسؤول العلاقات العامة والإعلام بمحكمة استئناف الأمانة) أسباب الفجوة الكبيرة التي يعاني منها القضاة في هذه المرحلة، وتتلخص في: أن القضاة والموظفين يستلمون رواتب وفقًا لكشوفات عام ٢٠١٤م وفي تلك الفترة كان سعر الدولار ٢٥٠ ريالًا، والآن يصل إلى ما يقارب ألف ريال، وحرمان القضاة من الزيادات والموظفين من العلاوات السنوية والتسويات بالإضافة إلى حرمانهم من معالجة رواتبهم وفقًا لسعر الدولار اليوم يؤثر سلبًا في حياتهم ومن ثمَّ في عملهم.
حيث كان القاضي الابتدائي حديث التعيين يستلم راتب ٢٣٠ ألف أي ما يعادل ٩٢٠ دولارًا (بسعر 250 ريال) والموظف يستلم ٨٠ ألف ما يعادل ٣٢٠ دولارًا، الآن القاضي يستلم ٢٣٠ ألف وسعر الدولار يصل إلى ألف ريال أي ما يعادل ٢٣٠ دولارًا أي أن الفارق الآن ألقى عبئًا كبيرًا على القاضي ويحتاج إلى معالجة ٦٠٠ دولار شهريًّا لاستمراره في العمل.
الصعوبات
يوضِّح الغزالي: “أن أبرز الصعوبات التي يواجهها القضاء تتمثل في ثقافة المجتمع المتذمرة والمتشائمة من الوضع الحالي التي آلت إليه السلطة القضائية، فالمجتمع يَعُدُّ المُدد القانونية القضائية عذابًا له، وعدم النظر إلى المدة الزمنية ــ رحمة لكل بريء يستطيع عن طريقها إثبات براءته ــ يزيد من معاناته. ويستطيع القاضي تفحص ودراسة الملف القضائي بدقة كي يبني حكمه على ما وُجِد أمامه من أدلة. ولو قُورِنت هذه المدد ببقية دول العالم لوجدنا أن المدد القانونية في اليمن هي أقل بقليل من بقية دول العالم”
مضيفًا: “أن عدم الشعور بالأمان وعدم لجوء المواطنين إلى القضاء يأتي لأسباب عديدة أبرزها: خوفهم من القضاء ومن تكبد خسائر كبيرة في أتعاب المحاميين، وجهل المواطنين بخطورة أحكام التحكيم والأحكام العرفية، وعدم معرفتهم بأن القانون اليمني سمح للقضاء بمناقشة أحكام التحكيم والأحكام العرفية من ناحية الإجراءات فقط، وأنه لا يحق للقضاء اليمني مناقشة مضمون الحكم، أوهل الحكم منصف وعادل أم لا”.
وأوضح: “أنه في مثل هذه الحالة يلجأ المواطن إلى القضاء بحكم التحكيم مقيدًا الطعن به فيفاجأ المواطن بصدور الحكم ضده لأن صلاحيات القضاء محدودة في مثل هذه الحالة، وهذه الحالة تزيد من نزع ثقة المجتمع بالقضاء واتهامهم للقضاء بالفشل”.
المعالجات
ويرى نشوان الغزالي أن الحل لكل المشكلات التي تعاني منها السلطة القضائية في الوقت الراهن ـ حسب رأيه ـ يتمثل في تجهيز مبانٍ تتواكب مع حجم القضايا الهائلة، وتجهيز قاعات كافية ومكاتب، ونظم معلومات وربط شبكي وسرعة إنقاذ ما تبقى من البنية التحتية وترميمها وإصلاح الأضرار البسيطة، وأن تعمل الدولة والدول المانحة والمجتمع الدولي على بناء ما دُمِّر بسبب الصراع.
وفي السياق نفسه يقول حزام شريف: “إن من الحلول الضرورية إعادة بناء وتأهيل البنية التحتية للقضاء، وتكاتف الجميع لإصلاح آثار الصراع الموجودة على مباني المحاكم”.
66% من المواطنون يثقون بالتحكيم القبلي أكثر من القضاء الرسمي
أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام التي نُفذت من قبل وحدة المعلومات والاستطلاع التابع لمركز (…