وعورة التضاريس وندرة المياه في اليمن
صوت الأمل – د. أحلام القباطي
الماء عنصر أساسي لكل أشكال الحياة، لذا فالمجتمعات البشرية التي توفر لأفرادها فرصاً مناسبة للحصول على الاحتياجات المائية المأمونة والكافية والمرافق الصحية هي مجتمعات مرجحة أن تزدهر اجتماعياً وتنموياَ واقتصادياً.
وقد أقرت الجمعية العمومية للأمم المتحدة عام 2011 في قرار لها أن المياه وخدمات الصرف الصحي حق من حقوق الإنسان المشروعة الذي يجب توفيره، وتمحورت أهداف التنمية المستدامة لخطة 2030 في (17) هدفاً تصب في تنفيذ النهوض التنموي، وتسعى إلى وصول الأفراد إلى حقوقهم المشروعة بشكل عادل ومتساوٍ للجميع، ووافق على هذه الأهداف جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وهي (193) دولة.
وُضعت هذه الأهداف بشكل تكاملي غير قابلة للتجزئة لتحقق التوازن بين مختلف المجالات البيئية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية لتنمية مستدامة. وما يهمنا هنا هو الهدف السادس للتنمية المستدامة 2030 المتعلق بضمان توفير المياه النقية وخدمات الصرف الصحي للجميع.
لقد تزايد الاهتمام بمجال المياه والصرف الصحي في جدول الأعمال السياسي العالمي، فخطة عام 2030 للتنمية المستدامة تشير إلى أن من أكبر التحديات التي تواجه المسار التنموي هو التغير المناخي واستنفاد الموارد الطبيعة والتدهور البيئي وخطورة شحة المخزون المائي.
بالنسبة لليمن، التي تمتاز بموقع جغرافي فريد وهام، وتطل على البحر الأحمر غرباً والبحر العربي جنوباً، ويبلغ طول شريطها الساحلي إلى (2.5٠٠) كم، وتشرف على مضيق باب المندب الذي يعد من أهم الممرات المائية في العالم، وبالرغم من كل تلك الميزات فإنها لا تزال تواجه تحديات جمة في مجالات متعددة، منها تحديات نفاد الموارد المائية ومخاطر نضوبها، إذ تعد اليمن من أفقر دول العالم في المياه وفقاً للتقارير المحلية والدولية في عام 2012.
وقد أشار أحد تقارير قطاع مياه الريف إلى أن (30%) من الأنظمة المائية في اليمن عاجزة عن تقديم خدماتها، وعلل ذلك إلى نفاد مصادر المياه وانقطاع إمدادات التيار الكهربائي وندرة النفقة التشغيلية للهيئات المائية، فنتج عن ذلك إهمال في صيانة العديد من الأنظمة المائية وإصلاحها، مما أدى إلى حالة طوارئ عامة فيما يتعلق بقطاع النظام المائي بأكمله والصرف الصحي والنظافة في اليمن. بالإضافة إلى عوامل أخرى منها تزايد النمو السكاني والاضطرابات الأمنية والاقتصادية التي تسببت في زيادة صعوبة تقديم مختلف الخدمات بشكل عام -والخدمات المائية والصحية بشكل خاص- لمختلف فئات المجتمع، فضلاً عن الوضع الحرج -منذ ست سنوات بسبب الحرب وتداعياتها- الذي أدى إلى توقف أغلب خدمات البنى التحتية في أغلب المناطق، ومنها المياه والصرف الصحي.
وتعد اليمن من البلدان التي يكون منسوب المياه فيها متدنياً، وهي مهددة أيضاً بكارثة الجفاف؛ إذ لا توجد فیها أي أنهار دائمة، بل إن أغلب مناطقها تواجه تحدياً صعباً هو وعورة التضاريس وندرة المياه. غير أن سكان اليمن قد عمدوا إلى استخدام مياه الأمطار لمواجهة هذا التحدي الصعب بديلاً عن الينابيع والأنهار الجارية، فتعتمد مناطق كثيرة على مياه الأمطار التي يتم تخزينها في برك (سقايات) أو حواجز أو سدود ذات أحجام متفاوتة.
ومن أشهر السدود سد مأرب التاريخي والعظيم، وفي هذا الصدد أشار أحد تقارير الجمعية العربية لمرافق المياه (اكوا) عن الوضع المائي في اليمن إلى أن هناك نحو أكثر من (1٠٠٠) منشأة مائیة تبلغ سعتها التخزينية ما يقارب (٨٠) مليون متر مكعب، وتبلغ تكلفتها ما يقارب (16) مليار ريال، أي بمتوسط سعة (٨٠) ألفَ مترٍ مكعبٍ للمنشأة الواحدة، وبمتوسط تكلفة (16) مليونَ ریالٍ يمني وبتكلفة (2٠٠) ریالٍ للمتر المكعب الواحد.
وفي الوقت الذي تخزن المنشآت المائية البرك والسدود سنوياً ما يقارب من (5٠-6٠) مليار متر مكعب من مياه الأمطار فإن طبيعة مواسم الأمطار في الصيف تحد من كميات السيول التي تولدها، بسبب عدم توفر حواجز مائية تعمل على خزن مياه الأمطار مما يؤدي إلى احتجاز معظم مياه الأمطار في التربة السطحية يستنفدها النبات مباشرة أو تتبخر بعد ذلك عائدة إلى الجو؛ ولهذا يصعب أن تزداد كمیة السیول التي تتدفق في السهول عن (1٠%) من هذه الأمطار، أي من (٣-6) مليار متر مكعب.
وتعد مديرية القبطية من المديريات التي تشتهر بالبرك (السقايات)، وهي تمتلك طبيعة جميلة وخلابة برغم وعورة تضاريسها، وقد عمد سكانها إلى استخدام مياه الأمطار عن طريق إقامة السدود والبرك المغطاة (يطلق عليها أبناء المنطقة سقايات).
ومنها سقاية أحد أعيان القبيطة في منطقة العركبة – التي بناها في نهاية الثمانينات، وتعد أكبر وأعمق سقاية في المنطقة إلى الآن،
وقد بناها في منطقة جبلية بعيدة عن المساكن في ذلك الوقت حتى تكون مياهها القادمة من الجبال نظيفة، وقام بتمهيد بعض الجبال لتكون معابر للسيول (سواقي) تصب في المشنة ثم تدخل إلى السقاية، وقام بإيصال الأنابيب منها إلى القرية ليستفيد أصحابها جميعاً من مائها خاصة في الصيف من كل عام في أوقات النزف (جفاف الآبار). وفي الوقت الراهن قام أغلب الأهالي ببناء سقايات صغيرة خاصة بهم وببيوتهم.
وتبقى أهمية السقايات الكبيرة بوصفها حواجز مائية للموارد المائية، وهي تلي السدود مباشرة من حيث الأهمية. وعلى كل حال تعتمد اليمن لتفي متطلبات السكان في الريف والحضر من المياه على مصدرين رئيسين هما:
- المياه الجوفية: وهي المياه المخزونة منذ سنين طويلة في البرك والسدود والحواجز المائية، وتعد مصدراً رئيساً لإمداد المناطق الحضرية والمدن والتجمعات السكانية الأخرى بالمياه. وهي تعاني من ضغط شديد بسبب سوء الاستخدام لا سيما في زراعة بعض المحاصيل وريها مثل شجرة القات التي تعد من أهم عوامل إسراف المياه، فضلاً عن الحفر العشوائي للآبار والأحواض التي يعاني معظمها من فجوة بين المياه المتجددة والمياه المأخوذة منها.
ومن الموارد المائية غير التقليدية في اليمن مياه الصرف الصحي المُعالجة، وهي تستخدم بصورة محدودة وغير منظمة في الري، بالإضافة إلى تقنية تحلية مياه البحر التي لا تزال غير مستغلة رغم أن كان هناك مشروع تحت التنفيذ لتحلية مياه البحر بغرض تزويد مدينتي تعز وإب بالمياه لأنهما أكثر المناطق اليمنية عرضة للجفاف، غير أن هذا المشروع لم يكتب له الإنجاز النهائي إلى يومنا هذا.
- 2- المياه الجارية: وهي عبارة عن الجريان السطحي لمساقط الوديان ممثلة بالغيول وعيون المياه، بالإضافة إلى الحواجز المائية. وتبلغ كمية المياه المتجددة (4,781) مليون متر مكعب سنوياً. ولليمن أربعة منافذ: منفذ البحر الأحمر، منفذ الربع الخالي، منفذ البحر العربي ومنفذ خليج عدن.
إن التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية تتوقف على الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية في ضوء تكامل موارد المياه العذبة والنظم الإيكولوجية المتصلة بالمياه والبيئة، إلا أن التغيرات المناخية، والنمو السكاني، وزراعة القات، والتلوث الذي تشير التقديرات إلى أن استمراره سيؤدي إلى تدهور البيئة الطبيعية، واستمرار استنزاف الموارد المائية بالشكل الحالي، وشحة مصادر الطاقة وعدم استغلال مصادر الطاقة الطبيعية للمساهمة في الحفاظ على النظم الإيكولوجية الصحية، كل ذلك سيؤدي حتماً إلى كارثة بيئية. والماء أساس البقاء لكل الكائنات الحية، بل والحياة بذاتها، وهو حق أساسي لبقاء البشر، وعنصر مهم لمستقبل البشرية.
ولذا لا بد لنا من العمل على النهوض ومشاركة كل أفراد المجتمع للتمكن من إدارة استخدام المياه؛ فالمشاركة المجتمعية في صنعِ القرار يمكنها أن تحقق فوائد كثيرة، ومن الواجب أيضاً توفير سبل أفضل لقياس نوعية هذه المشاركة وفعاليتها، ولنتمكن من ذلك لا بد أن تنتبه الجهات ذات القرار لنقاط جوهرية، منها:
- تلبية خدمات الصرف الصحي لكل فئات المجتمع، مما يعني زيادة كفاءة الموارد المالية القائمة وتعبئة أشكال إضافية ومبتكرة من التمويل المحلي والدولي للتمكن من إقامة المشاريع المائية الداعمة (تحلية المياه، تنقية المياه، ترشيد استخدام المياه).
- · تنمية القدرة البشرية على تقنيات مواجهة تحديات النقص الشديد في القدرة المؤسسية على نطاق قطاع المياه.
- التركيز على تقنيات إدارة الموارد المائية بشكل آمن، بحيث يمكن الاستعانة بالتكنولوجيا الذكية، كتفعيل استخدام تقنية تحلية المياه التي أصبحت أمراً ضرورياً لا بد أن تركز الجهات المعنية عليه، سواء الحكومية أو منظمات المجتمع المدني.
- الحفاظ على مصادر المياه (المياه الجارية والمياه الجوفية) عن طريق نشر التثقيف حول ترشيد استخدام المياه في الزراعة والري والاستخدامات الأخرى.
- إقامة الحملات التوعوية والندوات التثقيفية حول كيفية ترشيد استخدام المياه بشكل يحافظ على مستوى مخزون المياه الجوفية والجارية، والاستفادة من السدود لتغذية خزانات المياه الجوفية، كما أنه يمكن إعادة تخزين المياه الجارية الناتجة الفائضة من المياه الجوفية في خزان الماء الجوفي من أجل زيادة حجم كمية المياه الممكن توفيرها وخزنها لدعم تغذية الآبار الجوفية.