وادي ميتم “إب” يتيم من المياه النقية
صوت الأمل – سماح عملاق
تعتبر محافظة إب في وسط اليمن من أكثر المحافظات الزراعية المعروفة، وتتميز بوديانها الزراعية الخصبة ذات المناظر الخلابة مما يجعلها محطة جذب للسياحة الداخلية والخارجية.
وادي ميتم احد وديان اب الزراعية الرائعة ويقع في عزلة ميتم التي يبلغ عدد سكانها 18311 نسمة, وفقًا للتعداد السكاني الأخير في اليمن والمعلنة نتائجه في العام 2004م، ومن المتوقع ارتفاع هذا العدد إلى أكثر من ضعفه خلال أكثر من 16 عامًا، وتقع العزلة على بعد 8 كم شرق مدينة إب.
تتوزع مساكن المواطنين في أنحاء وعلى حواف وادي ميتم ومنها قرية “الجحلة” ومنطقة “النافش” التي تعدُّ منتجعًا طبيعيًّا خلابًا في حالته البكر من دون أي استثمارٍ لخصائصهِ السياحية المميزة.
ولأن منطقة ميتم من أكثر المناطق المؤهلة للزراعة في إب عامةً فإن معظم سكانها يقتاتون لقمة عيشهم منها ويعملون مزارعين فيها خلفًا عن سلف.
في نزولٍ ميداني لـ”صوت الأمل” إلى وادي ميتم وجدنا اللون الأخضر هو الطاغي على الأعين، وقالت مصادر محلية من السكان هناك:” إن هذا هو حال الوادي طوال العام – حتى في قيظ الصيف- وذلك لجملةٍ من الأسباب نستعرضها في هذا التقرير.
السقي بمياه الصرف الصحي
مع المعرفة العميقة لمعظم المزارعين بخطأ ما يرتكبونه في نقل مياه الصرف الصحي بمولداتٍ إلى مزارعهم، واطلاعهم على الأضرار الجسيمة لذلك, إلا أنهم مستمرون في ري مزارعهم عن طريق هذا المصدر.
يقول أحد المزارعين(يتحفظ عن ذكر اسمه) لـ”صوت الأمل” :”أنا أستخلص المياه الصافية من غرف التفتيش الخاصة بمياه الصرف الصحي التي أرها لا تسبب أضرارًا صحية كبيرة للأشجار , بل نعدُّها نوعًا من أنواع السماد، ولولا الضرورة ما لجأتُ لمياه المخلفات”.
بينما يعقّب ناجي عبيد (مزارع) ، بقوله: “من واجب الدولة بناء سدود لتخزين المياه طيلة فصل الشتاء, الأمر الذي سيسهم في عدم اللجوء إلى مياه المجاري واستغلال مياه الأمطار في فصل الصيف”.
وتقع محطة الصرف الصحي في أقصى جنوب وادي ميتم, حيث تقل طاقتها الاستيعابية لأكثر من الضعف عن ما تصلها من مخلفات، جاء ذلك وفقًا لتصريح سابق من المهندس عبدالعليم خالد سيف، (مستشار تقييم الموارد البيئية بالمحطة الإقليمية للبحوث الزراعية “إب، تعز”) لصحيفة الثورة عام 2013م ) الذي قال فيه :” إن المعالجة غير صحيحة لأن المحطة منذ إنشائها صممت لمعالجة نحو(5000 /لتر مكعب ) من المياه يوميًّا، بينما تصل نسبة المياه المتدفقة إليها في العام 2013م من (10.000 – 12000 / لتر مكعب) من المياه وهذه الكميات مضاعفة وتفوق الطاقة الاستيعابية للمحطة ما ينتج عنها معالجة غير صحيحة وغير مكتملة”.
وتصل كمية المياه المتدفقة إلى المحطة خلال العام إلى نحو4.500.000 لتر مكعب من المياه المعالجة بطرق بدائية غير مكتملة تبعًا لما قاله المهندس عبدالعليم، الأمر الذي يجعل مياه الصرف الصحي تطفو وتسيل على طرقات الوادي لتغمر المحاصيل الزراعية فتؤثر في المياه الجوفية التي تدعّم مشاريع المياه الصالحة للشرب.
مع المعالجة
يرى مزارعون كثيرون أن استعمال مياه الصرف الصحي للري بعد معالجتها لا يحقق أية أضرار، بل يسهم في نضج الثمرة بفعل المخلفات التي يعدونها نوعًا من سماد التربة ويعترفون – فقط – بكارثية سقى المزارع من المياه التي لم تعالج بعد مروها من محطة الصرف الصحي.
قامت المحطة الإقليمية للبحوث الزراعية بتحليل كمية من مياه الصرف الصحي الداخلة إلى المحطة التي لم تصل إلى أحواض المعالجة, وتبين عن طريق التحليل أن عدد الخلايا البكتيرية وصلت إلى (210) خلية لكل (100) مل لتر ، ثم أُخذت عينة أخرى بعد مرور المياه ومخلفات الصرف الصحي بأحواض المعالجة من المياه المعالَجة في حوض التعقيم, كمرحلة أخيرة للمعالجة , قامت بتحليلها, ووجدت أن الخلايا البكتيرية كانت (47 )خلية بكتيرية لكمية المياه السابقة نفسها.
مياه الشرب والقات
يشكو أهالي وادي ميتم من بيع واستخدام المياه الصالحة للشرب “الوايتات” في مزارع شجرة القات، حيث تقول إحدى المزارعات:” إنه يجري سقي القات بماء الشرب ، الأمر الذي يسهم في تأخير وصول الماء إلينا , إلَّا بعد طلوع الروح ـ حسب وصفها ـ والذهاب إلى جلب المياه في الأوعية من أماكن بعيدة.
وتستنزف هذه الشجرة التي تطغى على وادي ميتم كثيرًا من مياه الآبار, فضلًا عن سيول فصل الصيف التي يذهب معظمها إلى مزارع القات.
ونظرًا لارتفاع سعره وعوائده؛ فإن مزارعي وادي ميتم يسقونه بالري الجائر الذي يستنزف مياه المشاريع الأهلية والحكومية، مما يؤثر سلبًا في مخزون المياه الجوفية في الوادي؛ الأمر الذي ينذر بكارثةٍ من الجفاف حال لم تتخذ مؤسسة المياه في المحافظة أية إجراءات تحدّ من حجم الكارثة.
الآبار والسدود
توجد أكثر من ستة آبار تابعة لمؤسسة المياه في وادي ميتم، إضافة إلى امتلاك ستة مزارعين لآبار سطحية، وامتلاك اثنين آخرين لبئرين “أرتوازيين”، وذلك بناء على إحصائيةٍ مدّنا بها مدير فرع الزراعة بمديرية المشنة المهندس عبدالله سعد الكامل، حيث أشار إلى ” أنه لم تحقق ثمانية آبارٍ أهلية كفاية المزارعين للري, حيث تمتد مساحة الوادي من مثلث المواصلات إلى أطراف وادي ميتم الجنوبية ,بما يضم أكثر من 15 هكتارًا”.
ويضيف الكامل لـ”صوت الأمل” :بين 150 مزارعًا في وادي ميتم يستعمل 97% منهم مياه الصرف الصحي-غير المعالجة- طوال العام باستثناء فصل الصيف الذي تعم الوادي فيه محاصيل الذرة والشام المسقية من مياه الأمطار، ونحن في بحثٍ جهيدٍ عن حل لمشكلة الصرف الصحي في الوادي منذ أكثر من 10 أعوام من دون جدوى”.
في السياق ذاته، يوكِّد المهندس عبدالحكيم المفتي (مدير الإرشاد الزراعي بمكتب الزراعة والري ) “هناك ثلاثة كروَف(حواجز مائية أو سدود صغيرة) في وادي ميتم لتخزين مياه الأمطار الصيفية للشتاء, ولكن لا تكفي المزارعين “.
وأضاف: “أن المشكلة مستفحلة منذ سنواتٍ طويلة، ومصدر الري بالمجاري هو الحل الوحيد الذي يجده مزارعو الوادي”.
و يستدرك القول :”الري بالمجاري ليس الحل الواقعي، ولا نشجعه نهائيًّا, ونحاول أن نضع حلًا أخر بكل الطرق الأمنية والصحية والبيئية عبر منظماتٍ مهتمة ووزارة الزراعة والري ومكتب الصحة العامة”.
حلول وبدائل
يقول المهندس عبدالحكيم المفتي :”استثنينا وادي ميتم من الدعم بمنظومة الري الحديثة لأن مزارعيه لم يتركوا لنا حلًا, ولم يدركوا خطأ ما يفعلونه من استخدامٍ غير رشيد لمياه الوادي العذبة أو العادمة، وهذا الاستثناء أحد أضرار غياب الشعور بالمسؤولية من قبل المزارعين”.
ويضيف:” دعمنا المزارعين سابقًا بأدوات وقائية خاصة ضد الأمراض عبر منظماتٍ مانحة وعن طريق وزارتي الزراعة والصحة، وحاولنا منعهم عبر المنافذ من إدخال محاصيلهم الزراعية إلى الأسواق لاسيما المحاصيل الورقية الملامسة لسطح التربة ونفذنا حملات توعية كثيرة، ووجدنا أن المزارع يدرك الأضرار, و لكنه يتساءل (من فين أعيش؟) وبما أن البدائل صعبة وغير متوفرة من تحلية وتنقية المياه نظرًا لضعف إمكانات مكتب الزراعة، ومؤسسة المياه والصرف الصحي يظل الحل الوحيد هو إقناع المزارعين”. وفقًا للمهندس المفتي.
وحول الحلول المتاحة يقول:” الاستغلال الأمثل لمياه الأمطار في الوادي للحد من استخدام مياه المجاري عن طريق الكرفانات، وقنوات الري، والخزانات التجميعية، وكذلك إحكام منافذ مياه المجاري، إضافة إلى التنسيق مع الجهات ذات العلاقة وقيام كل جهة بواجبها، وتكثيف الحملات الرقابية على الأسواق, يعدُّ من أهم المعالجات للمشكلة”.