قطاع المياه باليمن وأزمة المياه الحالية والتحدي المحلي والرؤية المستقبلية للمجتمع الدولي لتوفير الأمن المائي
صوت الأمل – م. احمد سعيد الوحش
اتسع الاهتمام بقضية المياه منذ النصف الثاني من القرن العشرين وذلك بعد أن تشعبت مظاهر ومشاهد هذه القضية فالندرة والتلوث والاستنزاف الجائر وتدهور البيئة الطبيعية وبروز مخاوف من نشوب صراعات اقليمية ونزاعات داخلية والتنافس بين القطاعات المختلفة في البلد الواحد حول المياه كل ذلك فرض أن تأخذ قضية المياه طريقها نحو صدارة موضوعات التقارير الاقتصادية والصحية والاجتماعية والزراعية والبيئية التي تعدها المنظمات والجهات المعنية برصد مظاهر الحياة الطبيعية في العالم بصفة عامة واليمن بصفة خاصة ومع التقدم المتسارع الذي يشهده العالم اصبحت مسؤولية الدول بل والمجتمع الدولي برمته ضمان توفير المياه النقية لكل انسان، واصبحت المياه واحدة من القضايا التي تندرج ضمن مهمات وأهداف المؤسسات الدولية والهيئات العالمية التي تضع على عاتقها تحقيق الاحتياجات الاساسية للإنسان وعلى رأسها ماء الشرب النقي الخالي من التلوث.
فالأمم المتحدة وضعت المياه في سلم اولوياتها، واعتبرتها حقا أساسيا من حقوق الانسان.. وربطت التنمية المستدامة بمدى اهتمام المجتمعات بالموارد المائية، واثير هذا الموضوع في العديد من الاجتماعات والمؤتمرات والقمم العالمية، وتمكنت الأمم المتحدة في قمة الالفية نهاية عام ٢٠٠٠ في نيويورك من انتزاع تعهد من دول العالم بتحقيق عدد من الأهداف لمكافحة الفقر وتحسين مستوى معيشة الانسان (سميت أهداف الألفية التنموية). واحتلت قضية المياه والصرف الصحي مكانة بارزة في تلك الأهداف حيث تعهدت الدول بأن تخفض بحلول عام 2020نسبة السكان غير المزودين بخدمات مياه الشرب النقية والصرف الصحي الى نصف نسبتهم ي عام ٢٠٠٠ وفي هذه القمة والقمة العالمية للتنمية المستدامة التي عقدت بعد ذلك فى(جوهانسبرغ عام ٢٠٠١ ) تعهدت الدول المناحة بتقديم العون والدعم لمساعدة الدول الفقيرة على تحقيق هذه الأهداف.
وكان لليمن حضور ومشاركة في العديد من الفعاليات الدولية ولاشك أن مثل هذا الحضور يفيدها خاصة عند بحث مسالة دعم قطاعات المياه في الدول النامية، وهذا ما يستدعي رفع كفاءة الاسلوب التفاوضي مع المنظمات والدول المانحة لإقناعها برفع مستوى الدعم لهذا القطاع والاسهام في تنمية المصادر المائية ومكافحة الفقر والدخول في تنسيق مع الهيئات والمنظمات الدولية بهذا الشأن ليس استجداء وانما يندرج في اطار التزامات تؤكد عليها دائما القرارات والتوصيات التي تخرج بها المؤتمرات والمنتديات العالمية، ففي المنتدى الثالث حول المياه الذي عقد عام ٢٠٠٢ مدينة (كيوتو) باليابان، تعهدت عدد من الدول المتقدمة بتقديم ٢ مليار دولار لغرض تحسين الادارة المستدامة لموارد المياه العذبة في البلدان النامية ومنها اليمن تحت ما يعرف ب (مبادرة المياه للفقراء). وهذا التعهد يأتي دعما لأهداف إعلان الالفية للأمم المتحدة والخطة التنفيذية التي اقرت في مؤتمر (جوهانسبرغ)، الساعية الى خفض نسبة الناس غير القادرين على الوصول الى مياه الشرب السليمة بواقع النصف ونسبة السكان غير المزودين بوسائل آمنة للصرف الصحي الى النصف بحلول عام ٢٠١٥ وفي ذلك المؤتمر ايضا اتفق مندوبو ١٨٢ دولة على أن المساهمة على مستوى الاهالي أمر اساسي في جلب المياه المأمونة ووسائل الصرف الصحي لكل سكان العالم كما قدم في ذلك المنتدى اكثر من مائة تعهد بشأن المياه فمثلا تعهدت منظمة اليونسكو ومجلس المياه العالمي بالمساعدة في حل المشاكل المرتبطة بالمياه المشتركة بين الدول (او المياه العابرة للحدود) وذلك بتوفير خبراء فنيين وعقد الدورات التدريبية ومواجهة التحديات في مجال المياه والمرافق الصحية. وقدمت تعهدات مماثلة من مؤسسات مانحة ومنظمات دولية منها منظمة الأغذية والزراعة الفاو والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وبرنامج الامم المتحدة الإنمائي وبرنامج (المياه والصرف الصحي الذي يشرف عليه البنك الدولي لتمويل بناء القدرات الوطنية لبناء المشاريع ولمراقبة التقدم المحرز في تحقيق أهداف الألفية التنموية وتعهدت المفوضية الاوربية بدعم جهود الدول لرفع كفاءة استخدام المياه واكد البيان الختامي لمنتدى (كيوتو) على ضرورة ان توضع في الاعتبار جميع البدائل الرامية لتعزيز امدادات المياه المتوفرة بما في ذلك زيادة التخزين عن طريق حقن المياه الجوفية والسدود التخزينية والتحويلية وتبني ممارسات جيدة بشكل واسع لتفادي التكاليف البيئية والاجتماعية ومخاطر الماضي السيئ في استخدام المياه وحث البيان على ضرورة تبني منهجية الادارة المتكاملة للمياه، مذكراً في هذا الصدد بأن معظم الدول التي تواجه ازمة مياه تواجه في الحقيقة أزمة مياه ، وهي إشارة الى ضعف الادارة المائية اذ يتطلب التحكم الجيد بالمياه عن طريق أجهزة سياسية واجتماعية وإدارية فعالة خاضعة للمسائلة والرقابة تتبني اسلوبا متكاملا لإدارة موارد المياه في إطار من الشراكة المجتمعية لتلبية الاحتياجات البيئية والبشرية كما أكد المنتدى على الحاجة لبناء القدرات البشرية والمؤسسية وعلى أهمية التوعية وتيسير الوصول الى المعلومات ودور كل ذلك في تعزيز فعالية إدارة المياه كما تم تأكيد دور الحكومات في تمويل البنية التحتية لقطاع المياه عن طريق مؤسسات القطاع العام، بالإضافة الى المساهمات والمساعدات الخارجية من المؤسسات المالية الدولية والقروض التجارية والاستثمار الخاص نظرا للصلة الوثيقة بين الأمن المائي من جهة والتنمية وتخفيف الفقر من جهة ثانية، فإن الاستثمار العام في ادارة موارد المياه قد اهمل اهمالا خطيرا خصوصا في ظل الفوضى وعدم الاستقرار السياسي ، فطبقا لبعض الدراسات فإن الدول النامية ومنها اليمن ، والدول التي في طور التحول الاقتصادي ستحتاج الى 180 مليار دولار سنويا لكي تحقق أمن مائي على المستوى العام خلال الخمس والعشرين سنة القادمة وسيتطلب ذلك إدارة تنفيذية تمتلك الخبرة والرؤية الى جانب إدارة مالية كفأ .
وفي القمة العالمية للتنمية المستدامة تعهدت الولايات المتحدة بالعمل بالدول الاكثر فقرأ بالمياه ومنها اليمن مع شركاء حكوميين وغير حكوميين لتحقيق أهداف أساسية هي:
• الوصول الى خدمات مياه نقية وصرف صحي، وتحسين إدارة مستنقعات الأمطار، وزيادة إنتاجية المياه.
وفي تقرير صدر عام ۲۰۰۰ بعنوان “عالم مؤمن مائياً : رؤية مستقبلية للمياه والحياة البيئية” نبه المجلس العالمي للمياه الى مدى خطورة أزمة المياه الحالية، حيث لا يتمكن الفرد من الحصول من الحد الاني من المياه النظيفة له وقدم في تقريره عدد من التوصيات لتحقيق (امن مائي) يوفر لكل انسان في الحاضر والمستقبل امكانية الحصول على المياه الصالحة للشرب والصرف الصحي والغذاء الكافي وتامين كميات مياه كافيه لتلبية هذه الاحتياجات بشكل منسجم ومتكافئ مع الطبيعة، وقد تضمنت التوصيات زيادة الاستثماري المياه العالمية الى اكثر من ضعف حجم الاستثمار الحالي والذي يقدر بحدود۸٠ مليار دولار سنويا ليصل الى 180 مليار دولار سنويا، وتأتي هذه الزيادة في أغلبها من القطاع الخاص، مما يعني عدم حدوث أي زيادة في الإنفاق الحكومي وتعزيز الآليات المنظمة لإدارة الموارد المائية بشكل شامل ومتكامل على مستوى الأحواض المائية وجعل المجتمعات المحلية صاحبة المصلحة صاحبة الكلمة الفاصلة في الأمور المتعلقة بإدارة الموارد المائية والسماح للقطاع الخاص بتولي عمليات التمويل والإدارة وضمان حماية الفقراء والبيئة حيث يعد ذلك من الوظائف الاساسية للحكومات وعمل تسعير المياه بحسب كلفتها، وذلك من اجل تشجيع الحفاظ على مصادرها والتمكين من صيانة منشآتها ووقف هدرها وتشجيع تبني الأساليب التكنولوجية المناسبة في استخدامها.
هذا وقد قدر المجلس العالمي للمياه أن الزيادة المطلوبة في الاستثمارات سوف تؤدي بشكل مباشر الى انحسار الشرائح المحرومة من المياه وخدمات الصرف الصحي بنسبة ( ٧٥٪) واذا كان الجميع يدركون أن معالجة ازمة المياه مسؤولية وطنية واقليمية ودولية فان الأمم المتحدة تحث على اتخاذ تدابير عملية لترجمة هذا التوجه، فالمياه تعتبر من بين العناصر الرئيسية التي تحظى باهتمام البرنامج الخاص للأمن الغذائي في منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، والذي نفذ في الفترة ( 1994 الى2000) في 55 بلدا، حيث وفر البرنامج العون لبلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض للنهوض بأمنها الغذائي عبر تحقيق زيادات سريعة في قدرتها الانتاجية وفي انتاجها من المحاصيل الغذائية، وخفض التباين في المستويات الانتاجية من سنة الى اخرى، وفي هذا السياق يتم إدخال التكنولوجيا التي تثبت جدواها ولا سيما النظم الصغيرة لتجميع المياه والري والصرف الصحي ولعل مثل هذا التوجه قد لمس في عدد من المشروعات التي تنفذها منظمات دولية متخصصة في اليمن منذ وقت بعيد منها مشاريع تنموية بالعديد من المحافظات ثم اتت مشاريع اكثر تخصصا مثل مشروع الحفاظ على المياه الجوفية والتربة ومشاريع الري بالسيول ومشاريع التنمية الريفية ومشاريع السدود التخزينية والتحويلية لتغذية المياه الجوفية ومشروع التنوع الحيوي والتكيف مع المناخ ، غير أنه لا يخفى على احد ان التنسيق بين اليمن والجهات الدولية في هذا الشأن ما يزال محدود الفعالية بسبب تنازع الاختصاصات والصلاحيات بين اكثر من جهة اذ لا يوجد جهاز حكومي واحد مختص بالمياه يمتلك الصلاحيات والسلطة الكافية لتولى القيادة سواء فيما يخص إدارة مياه الشرب ومياه الري كون مازالت التدخلات بقطاع المياه متشعب الى جانب ضعف الادارات المختصة القائمة على إدارة المياه ومصادرها، وحيث من عام ٨٢ الى عام ٩٢ سعى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لإنشاء المجلس الأعلى للمياه الذي لم يسفر هذا الجهد إلا عن نتائج فنية متواضعة، في حين قدم الهولنديون الدعم للدراسات التقييمية للموارد وذلك من خلال الإدارة العامة للهيدرولوجية التابعة لوزارة النفط والثروات المعدنية في ذلك الحين، بدون أن توجه أي قناة للربط مع الادارة المتكاملة. كما قام المانحون الاخرون، مثل اليابان والالمان بتمويل مشروعات محددة بعيدة عن مفهوم الإدارة المتكاملة لقطاع المياه.
وفي عام 1995 اتفق برنامج الامم المتحدة الانمائي والحكومة الهولندية والبنك الدولي والجانب الالماني على اتباع اسلوب تنسيقي في موضوع المياه من خلال المجموعة المتعددة الاطراف حول المياه. وعندما انشئت هيئة الموارد المائية عام 1995 أنيطت بها مسؤولية تخطيط إدارة الموارد المائية ومراقبتها ووضع التشريعات والتوعية العامة، ظل ذلك التنسيق مفقودا مما جعل الحاجة ملحة لتصحيح هيكلية هذا القطاع.
وللخروج من هذا التشتت تبنت الحكومة اليمنية منذ منتصف التسعينات عدة برامج اصلاحية لقطاع المياه، ودعمت الحكومة الالمانية هذا التوجه من خلال السكرتارية الفنية لإصلاح قطاع المياه والصرف الصحي، كما حظي هذا التوجه بمساندة فعالة من باقي الدول والمنظمات المانحة كهولندا، واليابان، والبنك الدولي، وتعزز هذا الدعم اكثر بعد انشاء وزارة المياه والبيئة، التي تمكنت من تحقيق الكثير من التنسيق مع المانحين.
وترتكز التدابير المطروحة لحل ازمة المياه على الافكار التي بلورتها (مجموعة الجهات المانحة المتعددة
الاطراف لمياه اليمن) على هدى (الفكر المائي الجديد الذي يؤطر السياسات ويوجهها نحو ادارة كفؤة للموارد المائية ان النموذج المحبذ لدى البنك الدولي والمانحين فيما يخص ادارة المياه يفترض قيام الحكومة بمهمة الادارة المتكاملة للموارد المائية بحيث تكون مسئولة عن السياسات المائية وتخصيص المياه والانظمة والضوابط والجوانب البيئية الا ان المانحين يتفهمون طبيعة الاوضاع الجغرافية والاجتماعية والفنية والمالية لليمن في ظل الاوضاع الراهنة حيث يصعب على الحكومة ان تقوم بهذه المهمة المتكاملة لوحدها دون مشاركة المجتمع ودون دعم المانحين، وفي هذا الصدد ساهم المانحون بتقديم رؤى وافكار لحلول وخيارات متعلقة بمواجهة مشكلة المياه في العديد من المناطق اليمنية.
فالبنك الدولي عرض رؤيته لمواجهة الأزمة المائية في اليمن من خلال أفكار لحلول عاجلة مثل ترشيد الاستخدام للمياه ، واستخدام طرق حديثة للري للحد من الهدر والاستنزاف للمياه الجوفية للمحاصيل الزراعية وقام بتمويل العديد من المشاريع بهذا المجال ، أما الحلول الآجلة فتتمثل في ضرورة العمل على تنويع مصادر للحصول على المياه مثل اقامة السدود والحواجز التحويلية في الاودية الزراعية والاستفادة القصوى من مياه الامطار بتنفيذ خزانات حصاد مياه الامطار وإعادة تأهيل السدود والبرك الاثرية مع معالجة مياه الصرف الصحي لإعادة استخدامها ي أغراض معينة الى جانب البحث عن مصادر اخرى للمياه بعيداً عن محيط المدن وحماية الاحواض المائية من التلوث والبناء العشوائي فيها.
وبالمثل قدمت الحكومة الالمانية رؤيتها في هذا الموضوع من خلال المسودة الاستراتيجية اليمنية الالمانية في مجال التعاون الإنمائي التي تقوم على ما يلي:
ادارة الموارد المائية بهدف الحد من وقوع الازمة وخفض الفاقد باستخدام تكنولوجيا ترشيد المياه، وضع تعرفه معقولة للمياه، تكثيف التوعية الشعبية وضمان مشاركة القطاع الخاص وتطبيق سياسات لإصلاح القطاع، اصدار وتطبيق الإطار القانوني ودعم المؤسسات المستقلة للمياه والصرف الصحي وتشجيع مشاركة المستفيدين من الخدمة واصحاب القرار المحليين ودعم المنظمات الاهلية المحلية مع خلق التنسيق الفعال بين الجهات المانحة لدعم برنامج إصلاح القطاع.
لقد قدمت العديد من الدول المانحة دعما لمشاريع مائية في عدد من المحافظات اليمنية، وتقوم سياسة الدعم على العمل مع السلطات المحلية والأهالي مباشرة، واتباع اسلوب العرض والطلب كأساس لتقديم الخدمات، واتباع معايير عادلة لاختيار المديريات، مثل: نسبة السكان المزودين بمياه نقية، نسبة الوفيات بين الاطفال الذين تقل اعمارهم عن 5 سنوات، نسبة الفتيات الملتحقات بالمدارس.
أخيرا نستطيع القول بان اليمن تستطيع تنمية قطاع المياه من خلال رفع كفاءة استخدام المخصصات وتحسين ادارة المشاريع المائية فإمكانيات اليمن المادية محدودة في ظل الصراع القائم وجائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19) لمواجهة مشكلة بحجم مشكلة شح المياه ولكنها تستطيع ان تنمي هذه الامكانيات من خلال الاستفادة المثلى من الدعم المقدم من الصناديق العربية والمنظمات الدولية إذا ما أحسن استغلال هذا الدعم وتم التوسع في التعاون مع الآخرين في هذا المجال الذي يحظى بالكثير من المبررات المحلية والدولية لدعمه باهتمام.