النزيلي: ضرورة إعادة النظر في تجربة السدود وتقييم تقارير (نضوب الأحواض)
أزمة المياه أصبحت متجذرة داخل المجتمع اليمني، وتختلف فصول قصصها المتعددة مع المعاناة من محافظة إلى أخرى، وذلك مع استمرار الحفر العشوائي والتلوث والاستخدام غير الرشيد في ظل وجود غير فعّال للجهات المعنية التي ينبغي عليها تحديد السياسات المائية والتخطيط لها وإعطاء قطاع المياه في اليمن الأولوية لمعالجة الوضع.
ولأهمية دور المختصين في التخفيف من حدة هذه الأزمة، صحيفة “صوت الأمل” أجرت حوارًا صحفيًّا مع نائب مدير مركز المياه والبيئة للدراسات العليا الأستاذ الدكتور فضل النزيلي لمعرفة المشكلات التي تعاني منها الأحواض المائية في اليمن وكيفية تحسين الخدمة:
- ما هي أهم المشكلات التي تعاني منها الأحواض المائية في اليمن؟
هناك أحواض تعاني من مشكلة التلوث والاستخدام العشوائي الذي أسهم في البدء بنضوب بعض الأحواض، حيث يعاني كلُّ حوض من مشكلة تختلف إلى حدٍّ ما عن بقية الأحواض، هذا الأمر أسهم في تنفيذ فكرة (لامركزية إدارة الأحواض المائية) التي كانت فكرة جيدة أدَّت إلى نتائج إيجابية.
- هل يعني هذا أن لكل إدارة صلاحيات مستقلة عن الإدارة المركزية؟
نعم، في كلِّ فرع هناك لجنة تسمى (لجنة إدارة الحوض) مسؤولة عن متابعة حالة الحوض وأي مشكلة قد تطرأ، فمثلا في حوض صنعاء، مركزنا عضو في لجنة إدارة الحوض، وفي آخر اجتماع للجنة في شهر إبريل الماضي نُوقشت الإجراءات المطلوبة للحفاظ على الحوض ووضع حلُّ بما يتعلق بالتلوث، حيث نعمل على وقف الحفر العشوائي، الذي يعد أحد أهم أسباب استنزاف المياه الجوفية.
- ما هي الإجراءات التي اتُّخذت لمنع الحفر العشوائي أو تقنينه؟
هناك جملة من القرارات التي نرجو أن تطبق على أرض الواقع، تمثلت في توقيف استيراد الحفارات ومنع مرورها من النقاط الأمنية إلا بتصريح من لجنة إدارة الحوض.
- كيف يمكن الاستفادة من مياه الأمطار في تغذية الأحواض المائية، كونها أهم مصادر المياه في اليمن؟
فعلا الأمطار ومياه السيول هي المورد الوحيد للمياه الجوفية، وللاستفادة منها يجب التركيز على حصاد مياه الأمطار وإجراء الدراسات اللازمة لتوفير مصادر لتغذية المياه الجوفية، ومن المؤسف أن مياه الأمطار ــ حتى اليوم ــ تستخدم فقط لري المزروعات، ونسبة كبيرة منها تذهب إلى البحر، ونسبة بسيطة تغذي المياه الجوفية.
هناك إجراءات جرى العمل بها كاستخدام الحواجز المائية بعمق خمسة إلى عشرة أمتار في مناطق حقل الآبار لحقن المياه الجوفية، وقد نُفِّذت في مناطق محددة دُرِست جغرافيًّا، بحيث تكون في طبقات مناسبة لنزول المياه المحقونة إلى الحوض.
فمثلا في منطقة صنعاء القديمة ولكون آبارها آبارًا ضحلة (غير عميقة)، فالتغذية المائية تجري بسهولة عن طريق ما تسمى “المقاشم”، وهي أرض مخصصة لزراعة الفجل والكراث، بحيث تُجمَّع مياه الامطار فيها. وأثبت هذا النظام الذي عمل عليه اليمنيون القدامى جدارته في تغذية المياه الجوفية في مدينة صنعاء.
- هذا يقودنا إلى السؤال عن تجربة السدود، هل نَعدُّها تجربة ناجحة لتغذية المياه الجوفية؟
كلُّ تجربة لها مميزات ولها عيوب، ومن مميزات تجربة السدود أنها أسهمت في حجز مياه الأمطار والسيول قبل أن تذهب إلى البحر، ولكن ينبغي أولًا تحديد الهدف من حجز هذه المياه، فهل الهدف تغذية المناطق الزراعية أو الاستفادة منها في الشرب أو استخدامها في أغراض صناعية مثلا؟ والأهم تحديد المكان المناسب لبناء السدود، وذلك عبر دراسات جدوى تأخذ في الحسبان معايير عديدة منها تحديد منطقة الأمطار، يكون السدُّ في منطقة تمركز تصب فيه السيول. وهنا تشترك هيئة الأرصاد في تحديد مواقع السدود، وأيضًا استخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل نظام المعلومات الجغرافية المعروف بـ(G.I.S)، واستخدام الأقمار الصناعية كمؤشر لوجود الماء، عن طريق معلومات فنية معروفة لدى المتخصصين في هذا المجال، ومع هذا أقيمت السدود حسب تحديد المواقع، ولكن لم تكن ناجحة بالوجه المطلوب، فربما كانت الأهداف غير واضحة.
- هل تدعو إلى إعادة النظر في موضوع بناء السدود؟
نحتاج إلى إعادة نظر لتقييم التجربة السابقة واستخدام طرق علمية واضحة تقوم على دراسات جدوى مسبقة قبل البناء وتحديد الهدف منها بمعايير ذات مردود مجدي للبلد، ليس فقط على المستوى الزراعي بل يشمل أيضًا الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.
- هناك تقارير دولية متعددة تتكلم عن نضوب المياه الجوفية في عدد من الأحواض المائية.. ما تقييمك لهذه التقارير وهل فعلاً هناك أحواض نضبت؟
موضوع معقد جدًا أن تعرف كمية المياه الموجودة في الأحواض الجوفية لأنها عبارة عن أشكال تحت الأرض غير محددة، وتحتاج إلى جيوفيزياء حديثة وموجات مغناطيسية للوصول إلى نتائج صحيحة عن وجود الماء من عدمه وتحتاج أيضًا إلى وجود آبار استكشافية يصل عمقها إلى اثنين كيلو متر، في مواقع مختلفة من أطراف الحوض عبر نظام (الأواني المستطرقة)، بحيث تستطيع أن تحدد كمية المياه، وتُستخدم كمؤشرات شهرية أو سنويَّة فيما يعرف باسم (الموازنة المائية).
وعملية مراقبة وتقييم المخزون المائي في الأحواض يفترض أن تكون عملية دائمة ومستمرة، ويجري التعامل معها كمعيار لسنوات طويلة.
- هل تعني أن هذه التقارير بحاجة إلى إعادة النظر فيها؟
هذه التقارير مبنية على أسس ومعايير انتهت وتغيرت بحكم التغيرات المناخية التي حصلت خلال الفترات اللاحقة، فتلك التقارير بحاجة إلى تحري الدقة في المعطيات التي بنيت عليها لتكون مناسبة للاعتماد عليها في التخطيط لما ينبغي اتخاذه في المستقبل من إجراءات للحفاظ على الأحواض المائية ومنسوب المياه الآمن فيها.
وينبغي في الوقت الراهن استخدام تقنية الـ(GIS) لتحديد الوضع الحالي للمخزون المائي، وتدريب الكوادر اليمنية في هذا المجال.
- ماذا عن الوضع القانوني للمياه في الوقت الراهن؟
لدينا قانون ساري المفعول صدر بتاريخ 2002م، ومن وجهة نظري فهو كافٍ للحفاظ على المياه لو طبِّق كاملًا.
- القات يستهلك 80% من المياه الجوفية، كيف يمكن معالجة هذه المشكلة؟
هذه المشكلة تحتاج إلى منظومة حل متكاملة، لكن فيما يخص المياه فأعتقد أنه على الأقل ينبغي إلزام مزارعي القات باستخدام طريقة الري بالتقطير وتجنب طريقة الغمر لأنها تستنزف المياه الجوفية.
- ما هي مقترحاتكم لتحسين وضع المياه في اليمن؟
أولًا إشراك الجهات المحلية كافة في تحديد السياسات المائية والتخطيط لها، واعتماد مخصصات مالية مناسبة وإعطاء الأولوية لمعالجة المشكلة، كما أقترح التركيز على تشجيع الزراعة في المناطق التي توجد فيها وفرة مياه وتخصيص المناطق التي فيها شحَّة مياه للشرب فقط.