المياه: أزمة موارد أم أزمة إدارة؟ المياه الجوفية في اليمن: عجز دائم واستخدام عشوائي متزايد
صوت الأمل – عبد العزيز علي وحنين أحمد ورجاء مكرد
المياه في أرقام
اليمن تتكون من ثلاثة نطاقات مناخية: النطاق الجاف، النطاق شبه الجاف، النطاق الرطب، من إجمالي مساحة اليمن كاملة، فالأراضي الزراعية تشكل فقط 4-5% ، فيما معدل الرطوبة 80% في المناطق الساحلية, و 15% في بقية المناطق، ومعدل الرطوبة يعدُّ عاملًا مساعدًا لوجود المياه وتكوّن الأمطار واستقرار المياه الجوفية ومياه السدود أيضًا.
وتبعًا لهيئة الموارد المائية أن نحو 80% من استخدامات المياه تكون في الزراعة، لكن كفاءة الري متدنية إلى 20%, فيما الـ 20% المتبقية تتوزع بين استخدام منزلي وأغراض صناعية واستخدامات أخرى.
المتوسط السنوي لهطول الأمطار من 50 ملم إلى 800 ملم سنويًّا، و تعدُّ من أعلى المعدلات في الجزيرة العربية، والمياه المتجددة تقدر بنحو 2.5 مليار متر مكعب، منها 1.5 مليار متر مكعب، مياه سطحية، وواحد مليار متر مكعب تستهلك من المياه الجوفية، وإجمالي الاستهلاك السنوي 5100 مليون متر مكعب والعجز السنوي يقدر بـ 2600 مليون متر مكعب، أما عن نصيب الفرد من المياه في اليمن فـ 125 مترًا مكعبًا سنويًّا وأقل، وهو من أقل المعدلات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذي يعد ضمن نطاق الفقر المائي.
سكان الريف يمثلون 71% منهم 37% لديهم خدمات المياه المستدامة، 20% منهم لديهم خدمات صرف صحي موثوقة، بينما سكان الحضر يمثلون 29% من السكان 58% منهم لديهم خدمات المياه المستدامة،32% لديهم خدمات صرف صحي.
يعتمد اليمن بالدرجة الأولى على مياه الأمطار كمصدر رئيس لتغذية المياه الجوفية التي بدورها تعدُّ المصدر الوحيد للبلد لتغطية الاحتياجات في مختلف القطاعات والمحافظات اليمنية.
يقول تقرير صادر من (منتدى الموارد المائية الإقليمي 2012م): “إن العجز بين المياه المستخدمة والمتجددة بلغ أكثر من 1 مليار متر / السنة، يُغطَّى من مخزون المياه الجوفية، وإن 90% من المياه تذهب لصالح الزراعة بينما 8% للخدمات المنزلية وفي الصناعة 2%.
بينما في عام 2010م بلغ حجم الاستخراج 3.5 مليار متر مكعب بينما كان حجم المياه المتجددة 2.1 مليار متر مكعب، غُطي النقص البالغ 1.4 مليار متر مكعب عن طريق ضخ المياه من طبقات المياه الجوفية وفقًا لمؤشر الاجهاد المائي Falkenmark المعترف به دوليًّا.
كما استعرض التقرير أهم التحديات التي تواجه قطاع الماء في اليمن والمتمثلة بمحدودية المصادر الحالية، خصوصًا المياه الجوفية في مناطق المرتفعات الجبلية، وعدم الاستفادة المثلى من المياه السطحية ومياه الأمطار في المرتفعات الجنوبية والغربية وافتقار مشاريع حصاد المياه إلى الدراسة التفصيلية قبل تنفيذها والتدهور النوعي للمياه الجوفية وتداخل مياه البحر مع الخزانات الجوفية العذبة في المناطق الساحلية والتوسع الكبير في المساحات المرورية المعتمدة على المياه الجوفية.
من جانب أخر قدم نوري جمال (مهندس الهيد وجيولوجي في وزارة المياه والبيئة) تقارير عديدة تختص بالوضع العام للمياه في اليمن، حيث أوضح: “أن أوضاع المياه المأساوية والاستنزاف الكبير وغير المنظم لمصادر المياه أدَّى إلى اختلالات حادة في المدن الكبيرة وعجز في وصول مياه الشرب الآمنة إلى السكان، أما بالنسبة إلى المناطق الريفية فإن امدادات مياه الشرب الآمنة صحيًّا لا تتوفر إلا لأقل من نصف الأسر القاطنة هناك.
وحذر المهندس نوري من انخفاض في مناسيب المياه الجوفية بمعدل 4-1 أمتار/العام، في بعض مناطق البلاد، وأكثر من 10م بالقرب من مناطق التجمعات السكانية، مثل صنعاء الذي يهددها خطر نضوب المياه خلال العشر إلى العشرين سنة القادمة، كما أن التناقص المتزايد للموارد المائية يرافقها ازدياد في تدهور جودة المياه.
وضع المياه في تعز
استعرض المهندس خالد علي الشجاع (مدير عام الهيئة العامة للموارد المائية في تعز) في تقرير جرى إعداده للهيئة عام 2020م الوضع العام للمياه والأسباب التي أدَّت إلى ما يسمى (الفقر المائي) والمتمثلة في الفقر الشديد في الحقول المستغلة، بالإضافة إلى عدم استقرار انتاجيتها ومحدوديتها، حيث يبلغ نصيب الفرد في اليمن وفي أحسن الظروف إلى 33لترًا/ اليوم .
وأضاف: “الاحتياج الفعلي للمياه وصل على أقل تقدير إلى (100م3 / السنة)، بينما النسبة التي حددتها منظمة الصحة العالمية بلغت (1000م3/ السنة)؛ وأن التوسع العمراني وزيادة عدد السكان سنويًّا الذي بدوره أسهم في شحة الموارد المائية إضافة إلى التلوث النوعي في نوعية المياه سواء في حوض المدينة أم الأحواض المائية الأخرى.
كما قال: “مشكلة المياه كانت موجوده في السابق وازدادت سوءًا وانعدامًا في الوقت الحالي، حيث كانت تعز تتغذى من ستة حقول مائية لعدد 65 بئرًا موزعين في مناطق مختلفة بين (الحيمة، الحوبان، الضباب، المدينة، حبير، ذي السفال، الحوجلة والعامرية)، وفي الوقت الحالي وقوع خمسة أحواض خارج سيطرة مؤسسة المياه الذي عملت على إيقاف ضخ المياه من الحقول خارج المدينة إلى سكان المدينة منذ بدأ الصراع.
وبيَّن “أن قلة انتاجية الآبار وهبوط المنسوب المائي من 7 لترات / الثانية إلى 1.5 لتر/ الثانية , وعدم توفر المشتقات النفطية بصورة مستمرة لتشغيل الآبار, إضافة إلى ربط معظم الآبار بالشبكة الرئيسة مباشرة وازدياد الفاقد المائي في الشبكة الرئيسة الذي يقدر بنسبة 45% تقريبًا أسهم في حرمان المناطق المرتفعة من المياه وتفاقم المشكلة”.
“ما يقارب 20 بئرًا ذات إنتاجية مقاربة لإنتاجية آبار المؤسسة يجري تشغيلها ساعات مختلفة للتخفيف على المواطنين في الحارات والمناطق المختلفة”. هذا ما وكَّده الشجاع حول دور المؤسسة في التخفيف من معاناة الناس.
وأضاف: “أنه لابد من تفعيل ومشاركة المنظمات الدولية والإنسانية والقطاعات الخاصة للإسهام في التخفيف من الوضع المائي لسكان المدينة وتوفير أدنى الاحتياجات في ظل الظروف الحالية التي تمر بها البلاد.
حفر 10 آبار جديدة
من جانبه أوضح سامي جامل (مدير مؤسسة المياه والصرف الصحي في مديرية المظفر): “أن المؤسسة حاليًّا تعتمد على 20% من مصادر المياه المتوفرة لديها، أي ما يمثل 18 بئرًا إسعافيَّة تغذي المدينة، حيث يوجد 80% من مصادر المياه خارج المدينة لا يُستفاد منها بسبب الوضع الصعب التي تمر بها المحافظة.
وفي إطار البحث عن حلول عاجلة ومستدامة للوضع المائي الصعب الذي تمر به مدينة تعز أشار إلى: “أن المؤسسة تعمل على التواصل المستمر مع المنظمات الدولية، لتنفيذ عدد من المشاريع المتعلقة بعودة إنتاج الحقول المائية الموجودة خارج المدينة إلى سيطرة المؤسسة والاستفادة منها”.
كما بيَّن: أن هناك مشروعًا سيُنفَّذ عبر مؤسسة استجابة للأعمال الإنسانية وبدعم من دولة الكويت، يتمثل في حفر وتأهيل 10 آبار جديدة داخل المدينة لتغطي المناطق المحرومة من المياه التي تشمل (الدحي، الجديري، المدينة القديمة، عقاقة، محطة الجامعة).
تقديرات المياه الجوفية
المهندس يحيى المحبشي (رئيس قطاع الدراسات والتخطيط في الهيئة العامة للموارد المائية) يقول: “الهيئة تقوم بعدد من الأنشطة المتعلقة بمعرفة نوعية وكميات المياه في الأحواض المائية، ولدى الهيئة فروع في عدد من المحافظات اليمنية تقوم بمراجعة نوعية المياه وتقديرات هبوط المياه في الآبار الجوفية وتمتلك الهيئة عددًا من الآبار الجوفية ومحطات الرصد البالغ عددها أكثر من 800 محطة رصد مناخي ومائي, و بسبب الأوضاع الحالية قلَّ النشاط الخاص بجمع البيانات من هذه المحطات؛ لذا تسعى الهيئة في الوقت الحالي إلى إعادة نشاط شبكة الرصد المائي في المحافظات، الذي يقوم بإعداد الموازنات والدراسات المائية, المتعلقة بمناسيب المياه في الآبار.
وعن حقيقة نضوب المياه الجوفية، يقول المحبشي :” تقديرات المياه الجوفية ليس من السهل الحصول عليها، وتحتاج إلى دراسات تفصيلية دقيقة جدًا، تتضمن دراسات مسح جوفية وتحليل مياه وعمل دراسة جيولوجية تركيبية لمعرفة نوع الطبقة وامتداد طبقات المياه، ونوكّد أنَّ هناك دراسات معدة ولكن لا يجري فيها تحديد كمية المياه الجوفية.
كما يضيف: “أن حوض صنعاء وصعدة هما أكثر الأحواض تضررًا بسبب حفر الآبار بطرق عشوائية وغيرها، تبعًا للدراسات الدقيقة التي نُفِّذت من قبل، ولكن حتى الآن لم نصل إليها على الوجه المطلوب, ولا حتى المانحين دخلوا فيها، فالدراسات التي أُجريت لتقييم الأحواض المائية من ناحية (الجودة, الكمية, النوعية, الاستخدامات) تُبيِّن أنه ليس في كل منطقة حوض فـ “تعز” لا يوجد فيها حوض لأن الحوض المائي له معايير ومحددات ثابتة الحدود (السُمك) حيث إن سُمك الماء في الطبقة الجيولوجية بالجمهورية اليمنية قُسم على 14 حوضًا مائيًّا، هذه التقسيمات ليست دقيقة جغرافيًّا وإنما إداريًّا”.
فيما يرى فهد الجنيد (الإعلامي المتخصص في مجال المياه):” أن زراعة القات هي أحد أهم الأسباب التي أدَّت إلى استنزاف الأحواض المائية لاستهلاكها نسبة كبيرة من المياه الجوفية”.
استخدام طريقة تقنين المياه
حسن الشيخ (خبير المياه الجوفية) يوكِّد: “أن وضع اليمن في المياه ــ بالأخص المياه الجوفية ــ معقد جدًا، ونسبة المياه السطحية مثل مياه السدود ضئيلة جدًا، بعضهم يعتقد أن مياه الأمطار تغذي المياه الجوفية ولكن هذا غير صحيح، فالمياه الجوفية عميقة ولا تصل إليها مياه الأمطار”.
وقال: “مشكلة المياه الجوفية قديمة منذ 1983م حتى أنه في عام 1984م أُغلقت آبار مياه الشرب في عدن، 4 آبار (بالشيخ عثمان) بسبب زيادة الاستنزاف، وطغت مياه البحر على المياه الجوفية، ومازالت هذه الآبار مغلقة، منها أيضًا بئر أحمد، وجرى الرفع بمشكلة المياه ولكن لم يتجاوب أحد”.
وحول جفاف الأحواض يقترح: “استخدام طريقة تقنين المياه خصوصًا في الزراعة، والري الآلي التقطير، موكِّدًا: “أن الوزارة عبر هيئة الموارد تبذل جهدًا كبيرًا في حماية استنزاف الأحواض عبر متابعة عملية الحفر العشوائي ومنعها ووضع خطط لحماية الأحواض وتغطيتها صناعيًّا وإدخال عدادات لتقنين المياه بالذات الآبار”.