المطاعم والمقاهي التاريخية: تاريخ الأقليات الدينية في المجتمع العدني!
صوت الأمل – منال أمين
مدينة عدن، تتميز – منذ القدم – بتنوعها الديني والعرقي والمذهبي.. الذي ترك آثارًا واضحة على الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية أيضا.. وجعلها منبرًا للسائحين والزوار: من مختلف المحافظات اليمنية، ودول العالم.. ولعل من أهم الأمور- التي تشتهر بها عدن، منذ القدم – أكلاتها المتميزة، التي مزجت بين كافة الثقافات والطوائف الموجودة فيها.
(أحمد أنور: أحد سكان مديرية كريتر العتيقة) يقول: منذ القدم – وإلى الآن – كان أبناء مدينة عدن يتفاخرون بذهابهم إلى المطاعم، التي تقدم أشهى المأكولات المتميزة والعريقة.. والتي تعبر عن تاريخ المدينة وتعايشها، خاصة تلك المطاعم، التي تقدم أكلات ذات أصول هندية وافريقية وباكستانية.. وغيرها من المأكولات، التي تميزت بها المدينة.
وذكر أنور – الذي ينحدر من أصول هندية- إن من أشهر المطاعم – التي عرفها الناس في أرجاء المدينة -(مطعم ريمي) الذي كان يقدم مأكولات حارة هندية الأصل مثل: بطاط أبو حمر، وعتر، وكُشن بروكُشاري، وعُشّارـ وهو عبارة عن ليمون حامض، مع البسباس الأحمر ـ ودال هندي، وغيرها من الوجبات الحارة، والحلويات..التي كانت متميزة، وذات نكهة مختلفة، تميز أبناء عدن من ذوي الأصول الهندية،أكثر من غيرهم.
ومن ناحيته (الإعلامي فضل علي) يقول: شوارع وحارات مدينة عدن، مازالت – إلى الآن – تُظهر مدى التجانس العرقي والطائفي المتنوع، وتداخله في النسيج المحلي للمدينة؛ من خلال أسماء شوارعها وحاراتها.. التي مازالت موجودة إلى الآن: مثل حارة اليهود، وشارع البهرة، وحي الدوابية، وحارة الهنود، ومعبد الفرس، ومنطقة رزميت، والمكاوية وغيرها.
وبيّن فضل: أن مطعم ريمي -الذي أنشئ في ثمانينيات القرن الماضي، في منطقة الزعفران -مزج – في أكلاته وشهرته – الطابع الهندي، الذي أثر على المجتمع العدني خاصة، واليمني بشكل عام.. وقد أُغلق أمام رواده منذ عام تقريبا؛ الأمر الذي سبب شيئا من الإحباط لعشاق المذاق الهندي المتميز.
تأثير مطاعم الأقليات في المجتمع
ثمة مطاعم تاريخية- عرفها الناس في عدن، منذ القدم– أسهمت في نشر ثقافة أتباع الديانات والطوائف المختلفة في المجتمع اليمني.. وترسيخ أنماط مختلفة، في تناول الوجبات المتميزة في المناسبات.. إذ أصبح الناس يتناولون وجبات مختلفة – خلال أيام مخصصة لها من الأسبوع- ضمن عادات وتقاليد أصبحت راسخة في عقولهم – منذ القدم – كأكلة الدال الهندية، التي يتميز بها سكان عدن، خاصة في أيام الجمعة أثناء التجمع العائلي, والزربيان مع العُشّار.
لمطاعم عدن تاريخ طويل؛ فقد كانت تلعب دورا مهمًّا، بل تكاد تصبح جزءًا من التاريخ.. وبعض هذه المطاعم الشعبية يمتد عمرها إلى 100 مئة سنة.. هذا ما ذكره (محمد أحمد البيضاني: الكاتب العدني والمؤرخ السياسي في كوبنهاجن).. وأشار في مقال له بعنوان (مطاعم عدن الشعبية) إلى أن هذه المطاعم لم تغير مواقعها، أو حتى مستوى الأثاث فيها؛ وذلك حتى تحافظ على الكيان القديم والسمعة التاريخية.. ما جعل هذه المطاعم الشهرة تصبح جزءا من التراث الوطني، وليس مجرد مطعم».
من ضمن المطاعم الشعبية التاريخية المشهورة في عدن – والتي لها ارتباط بالأقليات- مطعم (بالو)المتخصص في بيع الكباب، والذي يعود تاريخه إلى عام (1926) والذي أنشأه – في منطقة (الميدان بمديرية كريتر) – لـ (محمد بالو) ذو الأصول الهندية المسلمة.
مالك المطعم نجيب بالو -الذي يعتبر من الجيل الرابع لمؤسس المطعم – يقول: المطعم يحرص دوما على تقديم وجبة الكباب للزبائن، بنكهته الخاصة.. التي أسهمت في استمراره إلى يومنا هذا.. ويضيف: المطعم أصبح عمره (94 أربعة وتسعين عامًا) ورغم ارتباطه بطائفة معينة، فما زال يستقطب كثيرًا من الزبائن في عدن وخارجها.. ويستقبل كثيرًا من الحجوزات في العديد من المناسبات.
من جهته، يقول للصحيفة (أحمد قاسم: أحد زبائن المطعم) أن للمطعم سمعتَه الكبيرة على مستوى عدن، والمحافظات اليمنية.. خاصة في تقديم وجبة الكباب ذي المذاق المتميز، التي أكسبته كثيرًا من الشهرة على مدى الأعوام الماضية.. وطبعا لا أحد يعرف سر نكهة الكباب، التي تتميز بها عائلة بالو.
ومن المطاعم القديمة والمشهورة (ذات الانتماء العرقي في عدن) (مطعم صالحو) الذي كان يملكه رجل صومالي الأصل.. وقد أنشئ – حسب شهود من سكان منطقة الميدان، بمديرية كريتر – منذ سبعينيات القرن الماضي.. , وقد كان متخصصًا في تقديم وجبة الغداء والعشاء.. المتمثلة بلحم الغنم الصومالي، مع المرق والروتي والكراعين. وذلك بشكل مختلف ومتميز في تلك الفترة.
تقول (الحاجة سعيدة الكاف) كنا- في الثمانينيات – نشتري من (مطعم صالحو) وجبة الغداء -وأحيانا العشاء -لأن ما يقدمه في تلك الفترة كان متميزا ونظيفا.. خاصة أنه – في تلك الفترة– لم يكن يوجد مطاعم كثيرة مثل اليوم.. ومع مرور الزمن – وإغلاق المطعم – مازال يحتفظ بسمعة طبية في عقول الكثير من الناس.. جعلته يعتبر من أهم المطاعم التاريخية، التي تركت بصمة عند الناس..
مقاهي الأقليات: مكان تجمع كل الأطياف
للمقاهي الشعبية دور متميز في رسم ملامح وتاريخ هذه المدينة (عدن) المستوعبة لجميع الأعراق والطوائف في المجتمع اليمني.. والتي برز ظهورها في مطلع القرن الماضي، حسب الدراسات التاريخية لمدينة عدن، ويعود تاريخ تلك المقاهي إلى أكثر من مئة عام، جمعت فيها كثيرًا من الانتماءات والطوائف والأديان -من أبناء المدينة وزوارها – يتم فيها تبادل الخبرات والحكايات والمعلومات والعادات والتقاليد.. لكل فئة من أتباع المذاهب والأطياف الدينية المختلفة.
ومن أهم وأقدم تلك المقاهي- في مدينة عدن التاريخية – (مقهى زكو) في منطقة الميدان، ومقهى (الحاج شوكة الصومالي) في شارع الزعفران، ومقهى(الصومال)في مديرية المعلا، ومقهى (فؤاد أمان) الهندي في الشيخ عثمان، ومقهى (فارع)الذي أنشئ مطلع الثمانينيات بالزعفران، ومقهى(سيلان)في شارع السبيل، ومقهى(السكران)- الذي ظهر في الستينيات – في شارع الشيخ عبد الله إسحاق، في مديرية كريتر.
يٌعد مقهى (زكو) من أقدم وأشهر المقاهي في مدينة عدن التاريخية.. الذي أسسها – في ثلاثينيات القرن الماضي، خلال حكم البريطانيين لعدن – الحاج زكريا محمد إلياس ذو الأصول الهندية.
وقد اكتسب شهرة كبيرة؛ بسبب موقعه في منطقة سوق كريتر القديمة، التي تعتبر من أكثر المناطق ازدحامًا.. يقدم فيه الشاي العدني الشهير، والمتميز بنكهته المختلفة، التي أسهمت في شهرته على مستوى المدينة، والبلاد بشكل عام.. كما كان يقدم المقهى أيضا بعض الوجبات الخفيفة، وحاليا أصبح يقدم وجبات متنوعة ذات طابع تقليدي هندي.
هنا يشير إحدى مرتادي المقهى (الحاج عوض أحمد: 53 عاما) إلى إن المقهى يعتبر المتنفس الوحيد الذي يعدل المزاج، وأنه تعود – منذ وقت طويل– زيارته.. خاصة لدى ارتشاف قلص « كأس» الشاهي الأبيض المتميز مع الخمير، ولقاء الأصدقاء، وتبادل الحديث عن كل ما يدور في البلاد، وذكريات الزمن الجميل.. ويضيف: أن لديه كثيرًا من الأصدقاء، من مختلف الأديان والطوائف.. وانه يشاركهم احتفالاتهم، وبعض طقوسهم لإيمانه بأهمية التعيش فيما بين البشر جميعا.
في استطلاع خاص (بصوت الأمل) مواطنون يؤگدون أهمية الدولة المدنية؛ من أجل حرية المذاهب!
شدد مواطنون يمنيون على «أهمية إقامة نظام دستوري، عبر تحديد قوانين معينة، تكفل حرية ممارسة …