الإسماعيليون في اليمن: ينبذون الصراعات ويتعايشون بسلام
صوت الأمل – ندى البكاري ومنال أمين
تُعد الطائفة الإسماعيلية في اليمن من أشهر الطوائف التي تندرج منها فصيلة البهرة أو المكارمة , حيث حققت الدعوة الإسماعيلية نجاحاتها في العصر الفاطمي في اليمن بشكل سري عبر الداعي ابن حوشب منصور اليمن (توفي عام 302/914) والداعي ابن الفضل (توفي عام 303/910) ـ وذلك حسب ما ذكر في حفظت الشهادات الإسماعيلية المبكرة بالنسبة للصليحين والدعوة المعاصرة في اليمن ضمن كتاب ’عيون الأخبار‘ للداعي إدريس عماد الدين ابن الحسن في المجلد السابع، وكتابه’نزهة الأفكار‘ .. وهم يتوزعون في محافظة صنعاء منطقة حراز , ومحافظة إب في قرية المزاحن , وفي عدن منطقة كريتر التي يوجد فيها سوق البهرة .
نبذة عنهم
« يُسمّى الإسماعيلية المستعلية – الطيبون- نسبة إلى المستعلي الفاطمي الذي دخل في الستر العام 1130، والتي خضعت الجماعة المستعلية لقيادة سلسلة من الدعاة المقيمين في اليمن، ثم تحولوا إلى الهند في العام 1539، وقد حافظ البهرة -كما صاروا يسمون- على ثقافة ذات نزعة طقوسية تقليدية مميزة .. هذا ما أشار إليه كتاب « تاريخ الإسماعيليين الحديث: الاستمرارية والتغيير لجماعة مسلمة « للكاتب الدكتور فرهاد دفتري مديرًا مشاركًا ورئيس دائرة البحث الأكاديمي والنشر في معهد الدراسات الإسماعيلية ومحرر استشاري للموسوعة الإيرانية ومحرر مشارك في الموسوعة الإسلامية.
وأستعرض عبدالعزيز محمد( اسم مستعار) أحد أبناء الطائفة الإسماعلية لـــ «صوت الأمل «, أن الدولة الصليحية كانت من انجح الدول في التاريخ اليمني , فقد أوجدوا نوعا من التعايش المذهبي من خلال تأسيس سلالة الصليحين الإسماعيليين على يد علي الصليحي الذي كان يعيش في حراز, وجعل من مدينة صنعاء عاصمة لحكمة ، كان شعاره التسامح الديني، وأعطى لأصحاب المذاهب الدينية الأخرى حرية الاعتقاد، ولم يرغم أحدا على اعتناق الإسماعيلية، الأمر الذي مَتَّن دعائم دولته، ثم تولت الحكم الملكة أروى (الملكة الحرة ) التي تعتبر أخر حكام الدولة الصليحية, و ساهمت في إنعاش اقتصاد اليمن من خلال صلتها القوية بالحاكم الفاطمي خلال فترة حكمها آنذاك، حيث كانت تمد له يد العون بالذهب والمعونات؛ بالمقابل يعزز من دعائم حكمها و سلطتها في تلك الفترة .
كما أوضح كتاب « تاريخ الإسماعيليين الحديث: الاستمرارية والتغيير لجماعة مسلمة» : أن طائفة البهرة شهدا حالة من الصعود في القرن التاسع عشر بفضل الحماية البريطانية لهم، وانتقل مقر قيادتهم إلى مومباي، واندمجوا بعد الاستقلال مع المسلمين الهنود، وآثروا البقاء في الهند على الهجرة إلى باكستان، ويركز البهرة على الهوية الفاطمية، ويستلهمون حضارتها وطابعها المعماري، وهم يشكّلون اليوم طبقة واسعة من التجار (البهرة تعني التاجر) والمهنيين.
ويتمركز أغلبية أبناء طائفة الإسماعيليين (البهرة) في منطقة حراز جنوب غرب العاصمة صنعاء، والتي تضم ضريح حاتم الحضرات (حاتم بن إبراهيم) الداعية الفاطمي الثالث الذي يعتبر من أحد أهم مزارات أتباع الطائفة في البلاد.
وقد قامت صحيفة (صوت الأمل) بزيارة إلى أماكن تواجدهم , في منطقة حدة بصنعاء, وأطلعت على منبر ديني يسمى (الفيض الحاتمي) وهو مخصص للبهرة , يضم عدداً من المساجد والمباني المحاطة بحديقة مليئة بالأزهار.. إضافة إلى وجود مطعم.
أما في حي الرماح بمنطقة نقم يوجد جزء كبير من اتباع الإسماعيليين ولديهم جامع البهرة المخصص للطائفة.. بالإضافة الى وجود مدرسة فقهية مخصصة لأبنائهم يتعلمون فيها القراّن والفقه ومعتقداتهم الدينية.
طائفة تعترف بالسلام والتعايش
استمرت الدولة الإسماعيلية فترة من الزمن في اليمن.. وبقي القليل منهم في مناطق محددة، وقد تركوا الحكم واندمجوا في المجتمع، وكانوا يتلقون الدعم المستمر من الدعاة الإسماعيليين والفاطميين في بقية الدول التي يتواجدون بها.
قال عبد العزيز محمد: نعتز ان نكون قد حكمنا اليمن في عهد الملكة أروي الصليحية التي تعتبر من أفضل فترات الحكم ازدهارا في اليمن آنذاك، لأننا طائفة لا تعترف سواء بالسلام والتسامح والتعايش».
من جهته، يقول سيف الدين جعفر أحد أبناء طائفة البهرة بعدن «, إن صلواتنا ومناسكنا الدينية مازلنا نقوم بها في مسجدنا « البهرة « بشكل طبيعي، وفي أغلب الأوقات في منازلنا، ولم نعد نمارس الاحتفالات الخاصة بطائفتنا منذ سنوات بسبب الوضع العام للبلد.»
طقوس دينية
يقول (المواطن الهندي الأصل مهران رستم) « إن الهنود المنتميين لطائفة الإسماعيليين (البهرة) في اليمن يمارسون حياتهم وشعائرهم الدينية بشكل طبيعي، ولكن في عدن أصبحوا يمارسوا شعائرهم بشكل فردي، كما أن لديهم مسجدي (الخوجة) الذي أغلق منذ سنوات طويلة، ومسجد (البهرة) الذي مازال يستقبل أبناء هذه الطائفة فقط أثناء الصلوات والشعائر.»
ويضيف مهران،» أن ما تبقى من طائفة البهرة في عدن يمارسوا حياتهم الدينية والاقتصادية بعيدا عن الأنظار وبشكل مستقر نوعا ما، كما إن لديهم كبير يقوم بحل مشاكلهم الحياتية بعدن يدعى « قطب الدين فخر الدين بربرا والا «.
يقول سعيد عبدالله (اسم مستعار) «لصوت الأمل»: لم يعد يتواجد من الطائفة الاسماعلية (البهرة) في عدن سواء 300 شخص وربما قد قلوا بسبب الوضع العام في البلاد.
وتعتبر الطائفة الاسماعلية من الأقليات مقارنة بالطوائف الأخرى خاصة انها طائفة تؤمن بحرية التعبير وحرية الفكر والعقيدة.. ولا ترغم أحد على اتباعها ويكتفون بعددهم المحدود.. ووفقا لــ» عبدالله» احد المنتمين للطائفة الاسماعلية: فان عدد من يمثلون الإسماعيليين في اليمن لا يتجاوز 20 ألف أما (المكارمة) فهم أكثر، ومنهم من اندمج في المجتمع لدرجة انك لا تستطيع تميزهم الا من كانوا في مناطق تمركزهم، وتتمثل طقوسهم الدينية بزيارة ضريح حاتم ابن إبراهيم وهو الداعية الفاطمي الثالث بقرية الحطيب في حراز بعد عودتهم من أداء مناسك الحج كل عام، وكانوا يحتفلون أيضا بقدوم السلطان محمد برهان الدين، سلطان البهرة في الهند ويرقصون الرقصات الشعبية ابتهاجا وتقديرا لمكانته في اوساطهم.
الظروف الاقتصادية
الإسماعيليون أحد الطوائف التي يمثل الاقتصاد لديهم أهم الجوانب في حياتهم، واشتهروا بتجارة البهارات.. إضافة الى الاستثمار العقاري والصناعي والصرافة، وهناك نسبة ممن يعملوا في القطاع الحكومي والخاص والجيش والأمن.. لكن حصتهم قليله كونهم معتمدين على جانب التجارة بشكل كبير.
يقول:» حسن عبد الله» وهو تاجر ملبوسات في باب السلام بصنعاء أحد الأسواق الذي يتمركز بها أغلبية التجار الإسماعيليين(البهرة): «نعمل نحن أبناء هذه الطائفة في التجارة منذ القدم ويعتمد عليها أغلبيتنا، والبعض منا يلتحقون بالوظائف الحكومية والخاصة.. مضيفا تربطنا علاقات مع التجار المستوردين رغم اختلاف مذاهبهم، ولا يجد أي صعوبات في التعامل معهم كوننا نتصف بالتسامح والإخاء في المجتمع اليمني «.
في ذات السياق تقول (أم رغد) احدى مرتادي السوق:(ان الإسماعيليون من أفضل التجار من حيث المعاملة، حيث إني منذ سنوات طويلة أشتري منهم بضائعهم الهندية التي تتميز بجودة عالية وبأسعار معقولة مقارنة بالمحلات الأخرى).
كما اكد سيف الدين جعفر صاحب محل عطور، واحد أبناء طائفة البهرة بعدن: أن بسبب مغادرة اغلبية أبناء الطائفة الى محافظات يمنية ودول أخرى لتحسين مستواهم المعيشي ساهم في تقلص تجارتنا في عدن ـــ التي تختص بمجال العطور ومستلزمات البخور ومواد البناء ـــــ، ولم يتبقى غير اقل من تسع محالات تجارية، ورغم ذلك مازلنا متسمرين في العمل التجاري بشكل طبيعي.»
حياتهم الاجتماعية
إن مزيج الإسماعيليين (البهرة) الفريد هو خليط من التدين والحداثة الذين يساهمون بشكل إيجابي من تطوير وازدهار الأماكن التي يعيشون فيه، ما يجعلهم يحضوا بمكانة خاصة في المجتمع.
يتميز أبناء الطائفة بارتدائهم ملابس مميزة.. حيث يرتدي الرجال قميص أبيض طويل يشبه أزياء الهنود ويضعوا فوق رؤوسهم كوفية مزخرف بخيوط ملونة بالوني الأحمر والذهبي (السماطة الحرازية) يتم ربطه ووضعه فوق الرأس بطريقة معينة، أما النساء فترتدي رداء مكون من قطعتين الأولى تغطى به الرأس والثانية تغطي الجزء الأسفل من الجسم وغالبا ما يكون بألوان متعددة وبه نقوش يدوية.
وفي نزول ميداني لـ صوت الأمل في منطقة حدة، لوحظ أن أغلب الإسماعيليون يميلون إلى الانطواء والتعايش بنفس الوقت.. حيث تقول (ام جميل) وهي أحد سكان الحي الذي يتواجد ابناء الطائفة: أسكن في هذا الحي منذ أكثر من 12 عام ولست من الإسماعيليين، لكنني وجدتهم مثالا للتعايش، غير أنهم لا يشاركوننا أفراحهم التي تتشبه إلى حد كبير أفراح باقي اليمنيين لكنها تقتصر على التابعين لهم.
وأضافت «إن أبناء الطائفة يتميزون بمهاراتهم في طهى الطعام المتنوع، وطريقة تناوله، حيث تكون بشكل جماعي في مجموعات تتكون من ثمانية اشخاص او تسعة، الامر الذي يقوي صفة التضامن فيما بينهم وغالبا ما يشاركون وجباتهم مع الأصدقاء والجيران أيمان منهم بمبدأ التعايش والمشاركة، وقبل تناول الطعام يتناولون قليل من الملح اعتقاداً منهم بأنه يشفي من مرض السقام وسبعة أمراض أخرى في مقدمته البرص».
زواج أبناء الطائفة
واستعرض أحد اتباع الطائفة إسماعيل محمد (اسم مستعار) حول العادات المتبعة في الزواج: ان مناسبات الزواج تقام على الأغلب في مناسبة الاحتفال بميلاد السلطان، حيث يقومون بتسجيل أسماء أبناء الطائفة الراغبين بالزواج، لمساعدتهم بمراسيم الزواج والمهور، والاشراف على إعداد حفل الزفاف التي تعتبر شيء رمزي فقط ويسمى (الرسم الصيفي). اما تكاليف الزواج يتكفل بها زعيمهم، ويرتبون لحفل زفاف جماعي، وكانوا يحرصون على وجود السلطان برهان الدين لزيادة البركة حسب اعتقادهم.»
يتزوج أبناء الطائفة فيما بينهم؛ ونادرا ما يتم تزويج أبنائهم من طوائف أخرى، وان تم ذلك يتم بطريقتهم وبحسب الاحكام الشرعية لديهم.. حيث أشار إسماعيل: نحتفل بمناسبة الزواج مثلنا مثل اليمنيين بعاداته وتقاليده، ويتزوجون أبنائنا من مختلف المذاهب، اما بناتنا من الإسماعيليات فنفضل ان نزوجهن من نفس الطائفة، شخص نعرف اخلاقه بعيدا عن الجاه والحسب والنسب».
وتعد الطائفة الإسماعيلية من الطوائف المتقبلة لمعتقدات الآخرين ومذاهبهم ودياناتهم، ويميلون للسلم وينبذون الصراعات ويسعون للتعايش والسلام بين أفراد المجتمع.
في استطلاع خاص (بصوت الأمل) مواطنون يؤگدون أهمية الدولة المدنية؛ من أجل حرية المذاهب!
شدد مواطنون يمنيون على «أهمية إقامة نظام دستوري، عبر تحديد قوانين معينة، تكفل حرية ممارسة …