صوت الأمل – حنين أحمد

يعاني المهمشون في اليمن من شتى أنواع العنصرية والتمييز ويتمّ في أغلب الأوقات تجريدهم من كافة حقوقهم الطبيعة التي كفلها لهم القانون مثل باقي المواطنين. فعلى مستوى الهوية، هم لا يملكون أي وثائق أو هوية تعرف بشخصهم في المجتمع، وحتى لم يتمّ تخصيص أماكن لهم للعيش بكرامة أو قبولهم كأفراد مهمّين في المجتمع، وذلك بحسب ما ذكر رئيس الاتحاد الوطني للمهمشين نعمان الحذيفي.

وأوضح الحذيفي أنه مسؤول عن 3 ملايين مهمّش موزّعين على مناطق عدّة في اليمن. أغلبيتهم لا يملكون الحقّ بممارسة أي نشاط أو العمل بأيّ جهة حكومية أو في أي من المرافق الأخرى، إلّا لمن استطاع إخراج وثائق إثبات شخصية، التي قد يطول استخراجها لمدّة طويلة، وذلك لعدم القدرة على دفع تكاليف استخراج الهوية وتسهيل وجود إجراءات تساعدهم في ذلك.

تبرّأ منهم المجتمع وتبنّاهم الشارع

تسعى هذه الفئة من الناس إلى اكتساب قوت يومها بشكل مستمرّ ومن دون كلل. فالعمل بجهد مضاعف لإعالة عائلتهم وتوفير أبسط الاحتياجات لمواصلة العيش. هم صامدون في وجه كل المعاناة النفسية والجسدية والاقتصادية والاجتماعية. فقد لا تقتصر معاناتهم على ذلك فحسب، بل وصل بهم الأمر إلى التنمّر ومضايقتهم بعنصرية، فقط لعدم وجود ما يثبت هويتهم أمام المجتمع.   

فؤاد أحمد سيف قائد هو أب لـ8 أولاد يعمل بتنظيف السيارات في إحدى أحياء مديرية خور مكسر في عدن وهو أحد المهمّشين الذين تبرّأ منهم المجتمع واضطروا إلى مواصلة حياتهم في تنظيف الشوارع، وغسل السيارات، والتسوّل، وحتى العمل في مجال الصرف الصحي أي المجاري.

يقول فؤاد أنه يغسل السيارات منذ ثمانية أعوام في المكان نفسه و لا يختلط مع عامّة الناس بشكل كبير كونه بلا هوية أو أية وثائق إثبات أخرى، الأمر الذي تسبّب له الوقوع بالكثير من المشاكل والمعانا, كونه الحلقة الأضعف في المجتمع.

ويضيف بنبرة يأس وحزن من الواقع المعاش: “لا يوجد من يعول أسرتي سوائي، ولم نحصل على أي من المساعدات التي تقدمها المنظمات (البصمة) إلا فيما نذر بالرغم من إننا الأحق بمواصلة تقديم مثل هذه المساعدات لأنه ليس لنا أي مصدر دخل دائم وأكبر ما نعانيه هو عدم قدرتنا في مواجهة المجتمع والمستقبل لعدم وجود هوية تعرّف بنا”.

معاناة التعليم للمهمشين

أحمد عبد القادر هو مدير التعليم العام بوزارة التربية والتعليم يؤكد لصوت الأمل: “أن كافة المدارس تقبل كلّ الطلاب من جميع فئات المجتمع وليس من إحصائيات خاصة بفئة معيّنة، كما ليس هناك إجراءات تعسفية ضدّ المتقدّمين للتعليم. فكلّ المدارس تتّبع إجراءاتها الطبيعية لكلّ الطلّاب من دون استثناء”.

وأضاف: “أما بالنّسبة للأطفال المهمّشين الذين سُجِّلوا من الصّفوف الأولى، فهؤلاء تتمّ مساعدتهم في استخراج لهم شهادة ميلاد أو شهادة تسنين ليواصلوا دراستهم بشكل طبيعيّ من دون أن يتم تصنيفهم وتسميتهم بأي مسمّى”.

ويشير عبد القادر أيضاً إلى أن الوزارة نفذّت دورات حول كيفيّة استقطاب فئة المسرّبين من المهمّشين والفقراء ليتمّ إعادة دمجهم في المدارس وتعليمهم بالشّكل المطلوب من خلال تقديم المساعدات اللازمة لهم بشكل عام، خصوصاً للرّاغبين في التّعليم والغير القادرين على تكاليفها. فالوزارة ترفض وتشدّد على عدم التّفريق بين الطلاب كافّة وعدم وجود أي نوع من التنمّر أو المضايقات والاهتمام بقبول الآخر والمشاركة في تعزيز المنافسة بين الطلّاب في التّحصيل العلميّ.

وعن الخطط المستقبلية التي تقوم بتنفيذها الوزارة في كلّ المدارس، أشار عبد القادر إلى أن ليس للوزارة خطط مستقبلية حول كيفيّة استقطاب هؤلاء الأطفال الموجودون في الشوارع (أي عن المهمّشين)، وتوعيتهم على أهمية التّعليم في بناء ذاتهم و قدراتهم وتحفيزهم على مواصلة التعليم ليواجهوا كافة التحديات ويصبحوا عوناً لأنفسهم ولأسرهم في المستقبل.

في السّياق نفسه يؤكد مصطفى كامل وكيل الأنشطة في مدرسة أزال في مديرية التواهي في عدن أن إدارة المدرسة تستقبل جميع الطلّاب على حدّ سواء من دون التّفرقة بين الطلّاب، وليس هناك إجراءات ضدّ أي فئة ان كانت. كما تقوم المدرسة من خلال مجهود ذاتي أو بالتعاون مع بعض الجهات الدّاعمة في التّركيز على أوضاع الطلّاب الّصعبة في بداية كل عام دراسي من خلال تقديم مساعدات عينية تتمثّل في توفير الحقيبة المدرسية، الزّيّ المدرسي، ووجبة الإفطار، فضلاً عن التّركيز خلال العام الدراسي على تفعيل قسم الأخصائي الاجتماعي في المدرسة بالشّكل المطلوب وذلك لتنفيذ أنشطة مدرسية تعمل على التّوعية في تأليف جميع الطلّاب في كيان واحد.

منظمات داعمة للتعايش

وعن دور منظّمات المجتمع المدني في تعزيز الهوية لدى فئة المهمّشين، تؤكد نور السقاف رئيسة جمعية التعايش أن الجمعية تسعى إلى تعزيز التعاون المشترك بين كافة أفراد المجتمع لعملية التّنمية وتعزيز التّعليم لكلّ الفئات المجتمعية. إذ ساهمت بتنفيذ العديد من المساعدات في مجال تعليم الأطفال من فئة المهمّشين والمنقطعين وإدراجهم في المدارس والعمل في مجال التّمكين الاقتصادي للمرأة المهمّشة من خلال فتح دورات تدريبية في المجالات الحرفية المختلفة لتحقيق هويّتها بين أوساط المجتمع بالشّكل الذي يحافظ على كرامتها.

وتضيف السقاف لصوت الأمل أن الجمعية تقوم بدورات تدريبية للمعلّمين في سبيل تعزيز التّعايش السّلميّ وقبول الآخر لزرعها بين أوساط الطلّاب من خلال تنفيذ برامج توعوية تستهدف الطلاب حول مفاهيم التعايش وعدم التفريق بين بعضهم البعض.

الوضع الاجتماعي للمهمّشين

علّقت الدكتورة رجاء مقبل، دكتورة علم الاجتماع في جامعة عدن كلية الآداب، على الوضع الاجتماعي للمهمّشين قائلةً أن المهمشين يعتبرون في المجتمع من الفئة المعدومة من أبسط مقوّمات الحياة. هي فئة تجاوزت مستوى الفقر حتى وصلت إلى مرحلة انعدام إثبات هويّتها بالرّغم من أنه ليس من فرق بينهم وبين باقي أفراد المجتمع، وأن مجتمعهم هو من يقوم بمثل هذه التصنيفات والمفارقات بين الأفرا من خلال التركيز على الوضع الاقتصادي للشخص واللون والعرق.

وتضيف أنه ليس من الإنسانيّ عمل مثل هذه الفوارق والممارسات العنصرية على أساس اللّون والعرق وإلغاء حقيقة وجودهم من قبل المجتمع جيلاً بعد جيل.

وطالبت الدكتورة رجاء الجهات المعنية وذوي العلاقة بوضع المعالجات والحلول اللازمة  لحماية هذه الفئة من الأفكار المتجذّرة في أذهان الناس والتي تنقل أفكارها ومعتقداتها للأجيال المتلاحقة، لاسيما ضرورة العمل المشترك على حماية الإنسان وحقوقه وتقبّل الآخر الذي يعتبر أحد أفراد هذه البلاد.

واستعرضت الدكتورة أخيراً القوانين التي وردت في الدستور اليمني المادة 41 المتضمنة: “المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامّة”، الأمر الذي وجب على الجهات المعنية الاعتراف بهم كفئة مؤثّرة في المجتمع، وعدم تصنيفهم بمسمّيات مغلوطة تقلّل من شأنها باعتبارهم جزء لا يتجزّأ من هذا الوطن.  

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

احصاءات اليونيسف حول العنصرية في اليمن

يبلغ متوسط ​​النسبة المئوية الإجمالية للمهمشين في اليمن 7.89٪ من إجمالي السكان. …