‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة إعادة إعمار اليمن - الجزء الثاني معالم تاريخية وأثرية… بين الصراع وإهمال الجهات الرسمية والدولية

معالم تاريخية وأثرية… بين الصراع وإهمال الجهات الرسمية والدولية

(صوت الأمل – (منال أمين – علياء محمد

     تعد المعالم التاريخية والأثرية في اليمن شاهدًا حقيقيًّا على حضارة البلاد منذ آلاف السنين، وتميز بها اليمن عن غيره من دول العالم، ولكن مع مرور الزمن وتعدد الصراعات والتغيرات المناخية تعرضت تلك المعالم والمباني والمواقع الأثرية إلى الإهمال وبعضها إلى الاندثار والتخريب.

      عمر باحفي (صحفي مهتم بالتراث) يقول لـ “صوت الأمل”: إن بعض المعالم التاريخية والأثرية في اليمن تعرضت للتدمير كليًّا وجزئيًّا خلال السنوات الست الماضية، وهذا يعدُّ خسارة حقيقية للبلاد، فالمعالم الأثرية تعبِّر عن التاريخ اليمني العريق.

      ووكَّد أن عدم اهتمام الجهات المعنية والمجتمع بالتراث والحفاظ على الآثار والمعالم والأشياء التاريخية سيسهم في القضاء على جزء كبير من تاريخ اليمن وهويته وحضارته.

متحف ذمار

     وكَّد غيلان حمود (أستاذ الآثار بكلية الآداب جامعة صنعاء) أن الصراع أثر تأثيرًا كبيرًا على المواقع الأثرية والمتاحف التاريخية الموجودة في كل المحافظات اليمنية، فلم تُدمَّر المباني الأثرية فقط، بل دُمِّرت حضارة شعب وثقافته، شعب تميز بتاريخه الزاخر وبالتنوع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي العريق.

      وأضاف لـ “صوت الأمل” قائلًا: إن من أهم المناطق المتأثرة بالصراع في اليمن “متحف ذمار الإقليمي للآثار” الذي يُعدُّ من أبرز المتاحف في اليمن، ويضم أكثر من 12 ألف قطعة أثرية تاريخية شاهدة على التراث الثقافي الغني لليمن، حيث يعود تاريخ تلك القطع إلى العصور الحجرية والحضارية والإسلامية، وقد تضررت تضررًا كبيرًا في 2015 جراء الصراع القائم.

     كما أوضح أن “المنبر الخشبي للجامع الكبير” الذي كان موجودًا في المتحف يحمل طراز (سمراء الثالث)، وكان من أبرز المعالم الأثرية الفريدة من نوعها في اليمن، وقد دُمِّر كليًّا.

     ويقول: “هذا المنبر ـ للأسف ـ لا يمكن إعادة إعماره مرة أخرى لأنه انتهى فعليًّا، حتى إذا قمنا بإعادة إعماره أو ترميمه فلن يكون بالقيمة الأثرية القديمة نفسها”.

  ووكَّد غيلان أهمية تحويل الهيئة العامة للآثار إلى مجلس أعلى يتكون من مختلف التخصصات من (الأوقاف والأمن والجامعات والأكاديميين والمتخصصين والمهندسين) ويقوم بالتنسيق والتشبيك بين المؤسسات الرسمية والجهات الدولية للحفاظ على ما تبقى من الآثار والمعالم التاريخية.

    ويرى أن تحقيق عملية إعادة الإعمار للمباني الأثرية لن يحدث إلا عن طريق تطبيق عملية التوثيق حسب المعايير العلمية المتبعة في جميع أنحاء العالم، وهذا ما لا نجده وما لا يطبق في بلادنا.

حضارة حضرموت

   يقول رياض باكرموم (المدير العام للهيئة العامة للآثار والمتاحف حضرموت – المكلا): إن تاريخ مدينة حضرموت وحضارتها يمتدان إلى أكثر من مليون عام، فحضرموت تحتوي على (كهف القزة) في مدينة الهجرين أسفل وادي دوعن، وهو أحد روافد وادي حضرموت الكبير، وقد نقَّبت البعثة السوفيتية العلمية المجمعية عام ١٩٨٤ عن هذا الكهف، واكتشفت فيه آثارًا للإنسان يعود تاريخها إلى أكثر من مليون عام أي منذ العصر الحجري.

   واستعرض باكرموم لـ “صوت الأمل” أهمية مدينة حضرموت تاريخيًّا، قائلًا: إن المدينة مازالت تحتفظ بمواقع ومناطق أثرية متميزة يعود تاريخها إلى حقبة المملكة القديمة، ومن أهم تلك المواقع مستوطنة “ريبون القديمة” الواقعة أسفل وادي دوعن، ويعود تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد، وتتضمن “معبد الإلهة ذات حميم، ومعبد الإله سين، وشبكات قنوات الري”.

  وتابع قائلًا: هناك عشرات المواقع والمدن التي ما زال بعض منها قائمًا، كشبام حضرموت، وسيئون، وتريم، ومريمه وغيرها؛ ومازالت تحتفظ بمواقع تاريخية منذ الفترة الإسلامية، مثل الشحر، وشرمة بساحل حضرموت.

      وبيَّن أن المدينة تتميز بالعمارة الطينية التي استخدمت ومازالت تستخدم في مباني أودية حضرموت ومئات الحصون والقلاع كقصر سيئون الذي يعد أكبر مبنى من الطين، وناطحات السحاب في شبام، وقلاع العمودي، وباصرة الطينية العملاقة بدوعن.

     وحول تأثير الوضع غير المستقر في البلاد على تلك المعالم والمباني التاريخية، يشير باكرموم إلى أن كل المواقع الأثرية في مدينة حضرموت تضررت جراء عمليات التخريب والسرقة، بسبب غياب دور الجهات الرسمية والأمنية في الحفاظ عليها، وأبرز تلك المواقع متحف المكلا. كما أثرت التغيرات المناخية في بعض الأماكن القديمة، مثل “مستوطنة ريبون” التي تضررت من آثار السيول خلال الفترات الماضية.

   ويقول: لقد قامت السلطة المحلية في حضرموت بجملة من مشاريع الترميم لعدد من المواقع الأثرية من أهمها ترميم متحف المكلا (القصر السلطاني)، وحصن (الغويزي)، وترميم المدرسة الوسطى بغيل باوزير. وفيما يتعلق بالجهات الداعمة فقد قامت بترميم مسجد (شكلنزا) بالشحر، وترميم سور (سدة) وبعض مباني شبام، وترميم قباب وأضرحة المكلا وغيل باوزير التي دمَّرتها الجماعات الإرهابية عام ٢٠١٥.

تاريخ عدن

      تبعًا لتصريح من الهيئة العامة للآثار والمخطوطات في اليمن، فان إجمالي المتاحف التي تضررت جراء الصراع في اليمن بلغت 25 متحفًا متضررًا كليًّا وجزئيًّا، وأن 48 مبنى أثريًّا وتاريخيًّا تضرر في مدينة عدن وحدها.

      وأوضحت الهيئة أن المعالم والمباني التاريخية في مدينة عدن تضررت تضررًا كبيرًا، بعضها سُوِّيت بالأرض مثل (جامع الحسينية) الخاص بطائفة البهرة في مديرية كريتر، والمتحف الحربي الذي تضرر جزئيًّا في الجهة الشرقية منه، ومبنى قصر العبدلي (المتحف الوطني) الذي يضم متحف الآثار ومتحف الموروث الشعبي، ومبنى رصيف السياح في ميناء التواهي الذي تضرر كليًّا، وكنيسة (البادري) وضريح الشاطري في المعلا، وغيرها من المعالم التاريخية والأثرية والدينية.

         معين يونس آل عامر (باحث تاريخي في مجال التراث اليمني) يوضح لـ “صوت الأمل” أنه في أثناء فترة الصراع ارتفعت وتيرة تهريب الآثار بسبب الوضع الأمني غير المستقر بالبلد، وأن الحكومة والهيئة العامة للآثار تبذل جهودًا كبيرة في الحدِّ من هذه الظاهرة، خصوصًا أن عائدات بيع الآثار تذهب لتمويل المستفيدين من استمرار الصراع في اليمن.

      وأضاف قائلًا: إن هناك جهودًا مبذولة من كل الجهات المعنية في موضوع إدراج المواقع الأثرية والمدن التاريخية في اليمن ضمن قائمة اليونسكو لحمايتها والحفاظ عليها مثل (مدينة كريتر) لأهميتها التاريخية، بالإضافة إلى منطقة (صهاريج عدن) التي وجب حمايتها من أعمال السطو والتخريب.

     وحول أهمية إعادة الإعمار يقول آل عامر: إن عملية إعادة إعمار المواقع الأثرية التي تضررت من الصراع أصبحت واجبة ويتطلب تنفيذها على وجه السرعة، لكن هناك عوائق تحول دون المضي بعملية التأهيل والحفاظ على التاريخ، أهمها ضعف المنظومات المحلية السياسية (السلطة المحلية) وعدم جديتها في القيام بدورها في هذا المجال، فإذا لم تتوفر الحماية الأمنية والتوعية المجتمعية لهذه المواقع فلن يكون هنالك أي نتائج مهمة لأي أعمال ترميم أو تحريز لهذه المواقع، وهذا ما يقلق المنظمات الدولية الخاصة في هذا الجانب مثل منظمة اليونسكو.

     ووكَّد أهمية تحديد الجهة الإدارية المشرفة على عمليات الحماية وإعادة الإعمار، وضرورة إشراك المجتمع بحمايتها عبر التوعية بأهمية الحفاظ على الآثار، والتبليغ عن عصابات نهب الآثار، وتبادل المعلومات ضمن فرق متخصصة مع الجهات الرسمية، وتبني المبادرات المجتمعية وتشجيعها في هذا المجال.

محافظة لحج

   تعدُّ محافظة لحج من المحافظات اليمنية العريقة التي عاصرت كل المراحل التاريخية، وتتضمن لحج مواقع ومعالم تاريخية متميزة، حيث ستجد “جبل تلع” التاريخي العريق في منطقة العند، ومستوطنة صبر، ودهسم، وتبنى ـ الاسم القديم لمحافظة لحج ـ وجبل سبأ، وخور العميرة وغيرها.

      كما ذكر مكتب الآثار في محافظة لحج أن المدينة تحتوي على 143 موقعًا أثريًّا يعود تاريخيها للعصر الحجري القديم والفترة الإسلامية المتأخرة. 

       أروى أحمد حسن (مهتمة بالآثار، من محافظة لحج) تقول لـ “صوت الأمل”: إن أبرز المعالم التاريخية والسياحية في محافظة لحج هي قصر دار الحجر، وقصر الروضة ـ حاليًّا كلية الزراعةـ وقصر السلطان فضل عبد الكريم في منطقة الحوطة، وهذه القصور لم تحظَ بأي اهتمام لا من السلطة المحلية ولا من المنظمات الدولية.

        وذكرت أن كل القصور حالتها سيئة جدًا، وأصبحت مدمرة بسبب استمرار الصراع والإهمال الذي تسبب في عملية البسط على مساحتها، مثل قصر الروضة وقصر دار الحجر.

       كما أشارت إلى أن مدينة لحج تحتوي على مساجد تاريخية عريقة مثل مسجد الدولة، ومسجد الجامع، وقد تضررت أيضًا وهي بحاجة ماسة إلى عمليات تأهيل وترميم بالطراز المعماري نفسه الذي بنيت عليه، كما تضم المدينة أبرز المعالم الأثرية في منطقة تبن وتشمل: الرعارع والميبة ـ عبارة عن خرائب ـ والعرائس، الذي تضرر أيضًا من الصراع ويعد معلمًا أثريًّا وسياحيًّا عليه إقبال كبير بخاصة في موسم الأمطار والسيول والأعياد.

محافظة تعز

       واستنادًا إلى تقرير للهيئة العامة للآثار والمتاحف في محافظة تعز فأن المعالم الأثرية المتضررة على مستوى مركز المدينة بلغت نحوًا من 15 معلمًا أثريًّا وتاريخيًّا من مآثر دينية، وحصون، وقلاع، ومتاحف، وقباب، وأضرحة، ومدارس، وحمامات أثرية قديمة.

   ووفقًا لتقرير أصدرته منظمة “مواطنة لحقوق الإنسان اليمنية” في 2018، فأن ثمانية من المعالم التاريخية في محافظة تعز دُمِّرت منذ بداية الصراع في 2014.

       هنا يوكِّد محبوب الجرادي (مدير الهيئة العامة للآثار تعز) أن هناك العديد من المعالم والمواقع الأثرية التي تضررت جراء الصراع والتغيرات المناخية في المحافظة، أهمها المتحف الوطني ـ أكبر متاحف تعزـ في منطقة العُرضي جنوب شرقي المدينة، وقد تعرض لأضرار جسيمة وكبيرة بسبب القصف المتواصل، والأمطار الغزيرة التي تسببت في انهيار مبنى البوابة، بالإضافة إلى تعرضه للسرقة والنهب والحريق.

     كما بيَّن لـ “صوت الأمل ” تعرض متحف الموروث الشعبي في إطار المجمع المتحفي في العُرضي للسقوط وانهيار الجزء الجنوبي منه، بالإضافة إلى تعرضه لنهب جميع المحتويات بما فيها أسلاك الكهرباء والأبواب والنوافذ.

      وتحدث قائلًا: لقد تعرض متحف “صالة التاريخي” الذي كان يحتوي على أكثر من 300 حجرة أثرية للهدم الكلي، وتضرر أيضًا متحف “قلعة القاهرة التاريخي” للتدمير الكلي وانهيار معظم أبراج القلعة وأسوارها، كما دُمِّرت قبة “عبد الهادي السودي”، وقبة “الملك المؤيد” واستراحته غربي القلعة كليًّا، بالإضافة إلى تضرر جزئي لإحدى مآذن الأشرفية وجامع حسنات، وتهدَّمت الواجهة الأمامية لمبنى فرع الهيئة العامة للآثار في تعز.

         موكِّدًا، أن كل هذه الأضرار كانت في إطار مركز المدينة، وهناك العديد من القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن سُلبت وسُرقت، الأمر الذي أفقد مدينة تعز الإرث الثقافي الذي كانت تتمتع به.

    كما أفاد الجرادي، أن الهيئة العامة للآثار في تعز تعاني من مشكلة التمويل خصوصًا في عملية ترميم المعالم الأثرية كونها مكلفة للغاية، وتحتاج إلى دعم حقيقي لإعادة البناء، وقد رُصد مبلغ 50 مليون دولار لإعادة ترميم المعالم الأثرية المتضررة في المدينة.

   وأوضح، أنه خلال الفترة الماضية تواصلت مع بعض المنظمات الخارجية والمعنية بهذا الخصوص وعلى ضوء هذا أُعِيد ترميم المتحف الوطني بالكامل وعلى مرحلتين، وتعمل على ترميم متحف الموروث الشعبي.

صنعاء القديمة

         أشارت دعاء الواسعي (رئيسة مؤسسة عرش بلقيس للتراث والسياحة) إلى أن عددًا كبيرًا من المدن التاريخية والمواقع والمتاحف الأثرية في اليمن تضررت جراء الصراع، ومنها من تعرض لعمليات نهب وسرقة، ولعل من أبرز تلك المواقع الأثرية التاريخية مدينة صنعاء القديمة التي تعرضت بيوتها للهدم والتدمير، وقدر عددها بـ 30 ألف منزل. وفقًا لعملية التوثيق والحصر التي قام بها الصندوق الاجتماعي للتمويل (اليونسكو)، والهيئة العامة للآثار، بالإضافة إلى مسجد (الإمام الهادي) في صعدة، ومسجد (الإمام الصنعاني) في صنعاء، وغيرها من المواقع الأثرية اليمنية.

     وأضافت لـ “صوت الأمل” قولها: إن هناك جهات قدمت مشاريع لإعادة ترميم عدد من المواقع الأثرية والتاريخية المتضررة من الصراع كان أهمها مشروع إقامة دورات تدعم الصناعات الحرفية القديمة التي نُفِّذت في صنعاء وزبيد بدعم من الصندوق الاجتماعي وبالتعاون مع الهيئة، بالإضافة إلى أن اليونسكو قدم مشروعين لدعم المنازل القديمة المتضررة.

      وحول دور الجهات الداعمة تقول دعاء: إن قلة التمويل والدعم المقدم لإصلاح ما خلفه الصراع من أضرار على المباني والمواقع الأثرية يرجع إلى ظهور فيروس كورونا، وتوجه الكثير من المنظمات إلى الدعم الصحي والدوائي خلال فترة الجائحة.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

92.9% اللُّحمة المجتمعية أولوية لإعادة الإعمار في اليمن

صوت الأمل – رجاء مكرد       أوضحت نتائج استبانة إلكتروني أجراها ي…