الإعمار الاجتماعي

صوت الأمل – الدكتورة أحلام القباطي

   ينظر الأغلبية إلى عمليات إعادة الإعمار على أنها عملية بناء ما تهدم من البنية العمرانية بفعل الكارثة أو الحرب، ويعد هذا التعريف من وجهة نظر التنمية المستدامة تعريفًا ناقصًا؛ لأنه يتناول إعادة بناء ما تهدم من البنية الفيزيائية (المباني) فقط، ويهمل بقية مكونات النسيج المجتمعي والبنية الحضرية التي تعد البنية الفيزيائية جزءًا منها، حيث إن بنية الدول في حقيقتها انعكاس لحياة الافراد الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والخدمية والعمرانية والتكنولوجية.

سنحاول هنا التركيز –باختصار- على الأضرار التي لحقت بالجانب الاجتماعي في اليمن جراء الوضع الراهن الذي تشوبه الصراعات بمختلف درجاتها، من هذه الأضرار، على سبيل الذكر لا الحصر، تفاقم المشاكل الطائفية والقبلية والحزبية بين أفراد المجتمع وأحد نتائجه تشظي النسيج المجتمعي، نظرًا لتدهور الأوضاع الاقتصادية والسياسية، بالإضافة إلى سيطرة الأنظمة القبلية بدلًا عن سيادة القانون. فضلًا عن ارتفاع نسبة  الجريمة وانتشارها بمختلف أنواعها، نتيجة لتأثر القيم بالأوضاع المتردية وضعف الوازع الأخلاقي وضعف أداء الأجهزة الأمنية.

كما ظهر على السطح إهمال حقوق الأفراد وقضايا المساواة بين الجنسين وذوي الاحتياجات الخاصة، وارتفعت وتيرة المشاكل الأسرية، وتفشت الأمراض النفسية بين مختلف فئات المجتمع -لاسيما الأطفال والنساء وكبار السن والشباب أيضًا- وتفاقمَ مستوى ضعف الخدمات التعليمية وارتفع معدل تسرب الطلاب من المراحل الدراسية المختلفة خاصة الإناث مع ما يصاحبها من تردي خدمات الرعاية الصحية، وتدهور خدمات الرعاية الإنجابية، وكذلك انتشار ظاهرة العقول المهاجرة إلى دول الجوار والدول الأوروبية للبحث عن سبل عيش كريم  ومستوى معيشي أفضل لهم ولعوائلهم.

وإذا ما نظرنا إلى شريحة النساء في اليمن في ظل تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات المجتمعية؛ فقد أثر ذلك عليهن  إلى حد كبير وصل إلى درجة أصبحت فيه قدرة المرأة ضعيفة عن تغطية احتياجاتهن واحتياجات عوائلهن؛ فالصرعات واتساع رقعة الفقر أديا إلى انتشار ظاهرة الزواج المبكر للفتيات حرصاً عىل تقليص حجم الأسرة. وفي حالات أسرية  أخرى  أدى ذلك إلى تأخر سن الزواج لصعوبة توفير نفقاته، ولأن المرأة وجدت نفسها المعيل الأول في كثير من الأسر. كما اضطرت المرأة إلى بيع مجوهراتها أو رهنها كلما وقعت- هي أو أحد أفراد أسرتها- في أزمة صحية. إضافة إلى أن الأوضاع المعيشية المتردية قد أدت إلى تغيير في بعض عادات المجتمع فظهرت مجموعة من الظواهر السلبية منها ظاهرة تسول النساء أو عملهن  في الأسواق الذي كان  يعد عيباً في المجتمع، ثم إن الأوضاع الراهنة نتيجة الصراعات المستمرة دفعت ببعض الأسر إلى إرغام أطفالها على العمل في مختلف الحرف، ووصل الأمر ببعضهم إلى امتهان التسول.

 إن تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمجتمع قد أثر على كيان الأسر بشكل مباشر؛ فقد ازدادت نسبة البطالة فيه، وأدى ذلك إلى اتساع رقعة المشاكل الأسرية  كالنزاعات  بين الزوجين  التي غالباً ما تنتهي بالطلاق المسبب الأول  للتفكك  الأسري والاجتماعي.

كل هذه الأضرار تسببت في تدهور النظام الاجتماعي برمته، وانهيار النسيج المجتمعي، وهذا يحتم على الجهات المعنية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية التركيز على إعادة الاعمار الاجتماعي، بداية من الخطوة الأساسية ألا وهي ووجوب دفع جميع الأطراف إلى إحلال السلام في اليمن، والعمل على البدء في عملية المصالحة الوطنية، والمضي في إجراء جبر الضرر لجميع الفئات والأفراد، والعمل على إعادة بناء النسيج المجتمعي من خلال الاهتمام بالبرامج الإرشادية والتوعوية والخطط التنموية التي تهدف إلى إعادة ترميم بناء النسيج والنظام المجتمعي، والاهتمام بتحييد النظام التعليمي وكل مرافقه عن أي صراعات طائفية أو حزبية أو مناطقية، بالإضافة إلى أهمية العمل على النهوض بحقوق المواطنة المتساوية لجميع أفراد المجتمع بشكل متساوٍ وعادل.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

92.9% اللُّحمة المجتمعية أولوية لإعادة الإعمار في اليمن

صوت الأمل – رجاء مكرد       أوضحت نتائج استبانة إلكتروني أجراها ي…