الإعمار النفسي

صوت الأمل – أحلام القباطي

أشار العالم النفسي (سوليفان) إلى أن القلق الناتج عن أخطار حقيقية يهدد الإحساس بانعدام الأمن النفسي لدى الفرد، ويشوه إدراكه للواقع، كما يؤثر على شخصيته وسلوكياته.

ويشتمل مفهوم الإعمار النفسي على جوانب عديدة، دون الاقتصار على جانب واحد من جوانب الحياة؛ فهو يتضمن: الأمن الاجتماعي، الصحي، الثقافي، التربوي، القيمي، القانوني الاقتصادي، ومن ثم فهو يمثل الحالة المأمول الوصول بالمجتمع إلى درجة عالية من الطمأنينة والتوافق والتوازن الانفعالي.

تعد الصراعات المسلحة من أخطر النكبات والمصائب التي تتعرض لها الحياة البشرية؛ إذ تدمر الإنسان وتفقده الأمان النفسي، الذي يقضي على التوازنين (الانفعالي والنفسي) لأفراد المجتمع. والرعاية النفسية – في اليمن – لا تحظى باهتمام كبير لمواجهة ردة فعل الصدمات، وما بعد الصدمات النفسية جراء الصراعات والنزاعات المسلحة، في حين أن غالبية المتخصصين يؤكدون أن أخطر آثار الصراعات، هو ما يظهر – بشكل ملموس، وواضح للعيان- لدى جيل كامل، عاصر الصراعات وويلاتها، ومن ينج منها سيعاني من آثار الصدمات ومشاكل نفسية متعددة تتراوح خطورتها بقدر استيعاب المجتمع –والأهل كذلك- ووعيهم في المقام الأول، وبقدر إمكانيات الدولة، ورغبتها في علاج الآثار النفسية وتخفيفها، وكيفية مد يد العون للمواطنين؛ لإعادة بناء  التوازنين  النفسي والاجتماعي.

  تتضمن عملية إعادة الإعمار، كثيرًا من المحاور، وقد يكون من أهمها المحور الاجتماعي، والاقتصادي، والعُمراني، والمؤسساتي؛ لذلك يعد الإعمار النفسي أحد أهم العوامل التي تؤدي بالفرد إلى الصحة النفسية، والتوازن الاجتماعي، ومن ثم إلى شخصية ناضجة سوية ومنتجة تشارك في بناء وطنها.

إن إعادة الإعمار –بكل جوانبه- تمثل متغيرًا مهمًّا في الحياة بمختلف جوانبها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولا سيما فيما يتعلق بالإدارة المحلية والدولية، كما أنها عملية ضرورية في الدول التي تعاني من الصراعات، أو التي خرجت منها. إن الصرعات المستمرة، تؤدي إلى فقدان الأفراد للأمن النفسي؛ ونتيجة لذلك تظهر العديد من الأمراض النفسية المختلفة، لدى شرائح المجتمع كافة.

يعد الأمن النفسي الدعامة الأساسية للأمن القومي، ولا يمكن أن يشعر الإنسان بالاستقرار دون تمتعه بالأمن النفسي، وما تمر به اليمن من ظروف صعبة -بفعل الصراعات والنزاعات المسلحة لأكثر من ست سنوات- لا بد أنه يترك آثاراً نفسية مدمرة.

 وتترك الصراعات العنيفة آثارها النفسية السيئة على جميع أفراد المجتمع، وما يبث في القنوات الفضائية وما ينشر في الصحف والمجلات، من خراب ودمار ودماء وأشلاء متناثرة وجثث مقطعةٍ دليلٌ واضح على تلك الانتهاكات التي أثرت -ولا تزال- على الجوانب النفسية والصحية مما زاد من تفاقم الأزمات، وهذا أمر يستدعي من منظمات المجتمع المدني التدخل السريع بتقديم حلول مساعدة على تجاوز الآثار المختلفة للصراعات، على الجانب النفسي والشخصي لأفراد المجتمع.

 وفي الوقت ذاته، ثمة آثار لا يمكن أن يمحوها الزمن، وهي الآثار النفسية التي تتركها الصراعات في نفوس أبناء المجتمع، سيما أولئك الذين يعانون -بشكل مباشر- من الرعب والقلق بسب الصراعات وتداعياتها، أو فقد أحد الأقارب، أو إصابته بإعاقة، فضلاً عن الأمراض العضوية العديدة التي قد تكون الضغوط النفسية الشديدة سببها الأساسي، وعادة ما يطلق مصطلح الأمراض “السايكوسوماتية” وما أكثرها!

يمثل الأمن والاتزان النفسيان -في أي مرحلة من مراحل العمر- حاجة أساسية وملحة لأفراد المجتمع، وهي من متطلبات الشخصية السوية، ولا بد من توفير الأمن النفسي للفرد؛ كي يستطيع أن يعيش متوافقًا مع نفسه ومع الآخرين، ويكون  قادرًا على ممارسة دوره في المجال المجتمعي والمهني بشكل إيجابي؛ لذا يجب بناء برامج علاج نفسي مكثفة تعالج آثار الصدمة -وما بعد الصدمة- لكل شرائح المجتمع اليمني.   ولا ننسى الإشارة إلى أن بعض المهتمين يتناولون مفهوم “إعادة الإعمار” من منطلق أنه عملية تقتصر على ترميم الجانب العمراني الذي تأثر جراء الصراعات؛ بينما إعادة الإعمار -في الواقع- عملية شاملة، تأخذ في الحسبان كل ما يتعلق بالنسيج الاجتماعي، وكل ما يسـتهدف جهـود التعافـي لجميع أفراد المجتمع، من نساء وشباب وأطفال وشيوخ وجميع شرائح المجتمع، بالإضافة إلى الجانبين العمرانيين المادي والمؤسساتي.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

73.3% البنية التحتية والنسيج المجتمعي اليمني مدمر كليًا

صوت الأمل – رجاء مكرد أوضحت نتائج استبيان إلكتروني أجراه يمن انفورميشن سنتر، منتصف شهر أكت…