‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة النظام القبلي في اليمن التعليم في العُرف القبلي: عوائق مستمرة.. المرأة والطفل الأقل حظاً في الدراسة

التعليم في العُرف القبلي: عوائق مستمرة.. المرأة والطفل الأقل حظاً في الدراسة

صوت الأمل – رجاء مكرد

التعليم ركيزة من ركائز القوة التي تنهض بها الأمم؛ لأهميته في إكساب الفرد المعلومات والمهارات والخبرات التي تجعله عضوًا فعالًا في المجتمع، لكن بعض المجتمعات ــ خصوصًا القبيلةــ قد لا تعطي العملية التعليمية اهتمامًا كافيًا ويكون التعليم غير مُرحب به لا سيما الفتيات.

   ففي أغلب القبائل اليمنية كلما اتجهنا من سلم التعليم الابتدائي إلى الثانوي والجامعي فسنجد صفوف الطلاب ــ خصوصًا الفتيات ــ تقل لأسباب عديدة كالزواج المُبكر وصعوبة التنقل لعدم وجود المحرم، أو بسبب بعض المفاهيم القبلية الخاصة بالمرأة وأخيرا بسبب الصراع.

عانيت كثيرًا، أنا صممت على الدراسة (بالقوة والاصرار) والوحيدة على مستوى البيت والقبيلة التي تمسكت بالتعليم، كانت العبارة الوحيدة التي تُقال لي: (البنت لبيت زوجها) وتبعًا لهذه العبارة لابد أن أهتم بالتنظيف والطبخ والأمور المنزلية فقط”. هكذا بدأت هناء شرح معاناتها من اجل الالتحاق بالتعليم.

     هناء الوصابي (من إحدى القبائل في محافظة ذمار) جميع أخواتها لم يكُن لهُن حظ في التعليم، لأن المتعارف عليه لدى القبيلة أن الفتاة للزواج والبيت، تقول هناء: إنها واجهت صعوبات وهي تكافح لتتعلم، وإنها وأسرتها سافروا خارج اليمن (السعودية) وعلى الرغم من ذلك كان والدها حريصًا على ألَّا تلتحق بمدرسة إلا إذا كانت مخصصة للبنات.

المحرم عائق

تؤكد الوصابي أن الفتاة في العُرف القبلي ليس لها حق في التعليم، فكما هو معروف أن أغلب السكان في القبائل لديهم أراضٍ زراعية، ودائمًا يستقبلون الضيوف في مجالسهم، فمن ثمَّ تكون هناك واجبات كثيرة على الفتاة في الخدمة داخل المنزل، كالطهي والتنظيف وغيرها.

     وتضيف هناء الوصابي: إن من عوائق تعليم الفتاة في القبائل أنه لا يمكنها الذهاب للتعليم خارج منطقتها من دون محرم ــ الأخ، الأب، الزوج ــ وفي العادة يكون مشغولًا بدراسة أو عمل، وليس لديه الوقت لأخذ الفتاة إلى المدرسة أو الجامعة كل يوم، الأمر الذي يحول دون تدريس الفتيات.

تواصل هناء سرد معاناتها قائلة: إن الرجُل في القبيلة يُعامل عكس معاملة المرأة وإن هُناك فرصًا لتعليم الرجل أكثر، وإنه بالإضافة لعوائق تعليم الفتاة في العُرف القبلي المتمثلة في المحرم هناك الزواج المبكر الذي يُعدُّ إحدى المشكلات التي تقف عائقًا أمام التحاق الفتاة بالتعليم.

من جانبها (س .ن) خريجة الثانوية العامة بمعدل 96%، تقول: إن طموحها دراسة (طب تشريح)، حصلت على منحة دراسية إلى مصر ثم إلى تركيا، لكن بسبب العرف القبلي رفض أبوها أن تكمل تعليمها الجامعي في الخارج، وبعد أربع سنوات من معاناتها حُوِّلت منحتها داخليًّا ولكن بسبب الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن يضطر أبوها إلى دفع مليون ريال سنويًّا. هل أكملت تعليمها؟ هل التحقت بكلية طب؟

أرقام

تحتاج 4.6 مليون امرأة، و 5.5 مليون فتاة إلى مساعدة خلال العام 2021م، وفقًا لـ الأوتشا OCHA (وثيقة النظرة العامة للاحتياجات الإنسانية – اليمن) فبراير 2021م.

     عدم المساواة بين الجنسين أدَّى إلى انتشار الأمية بين النساء أكثر من الرجال، إذ يحتل اليمن المرتبة 155 ــ ما قبل المرتبة الأخيرةــ في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين للعام 2021م مقارنة بـ 115 في العام 2006م، وفقًا لـ آخر إحصائية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء إبريل 2021م.

   كما تُظهر إحصائية رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2017م أن نسبة الإناث باليمن في فصول المرحلة الأساسية 42%، مقابل 16% في المرحلة الثانوية.

تأثير القبيلة      

وعن تأثير القبيلة في استمرار تعليم البنات، يقول عبده أحمد نعمان (ناشط حقوقي): إن التعليم للفتيات في أغلب المجتمعات القبلية يقتصر على المرحلة الابتدائية إلى الصف السادس فقط، بحجة عدم الاختلاط في المناطق الريفية، كما تُحرم الفتيات من التعليم لاستغلالهن في العمل خصوصًا مع تفاقم الفقر في اليمن، مشيرًا إلى أن مشكلة الانقطاع عن التعليم اليوم ليست مقصورة على الجانب القبلي، بل عمَّت كل شرائح المجتمع سواء في الريف أم المدن بسبب استمرار الصراع وانعدام مصادر الدخل.

       تتفق إيمان المخلافي (ماجستير علم اجتماع) مع نعمان، في أن الوضع الراهن أثر كثيرًا في تواني الفتيات عن التعليم، فتدني مستوى دخل الأسرة دفع كثيرًا من الآباء إلى إخراج أطفالهم من المدارس وإلحاقهم بأعمال تُعيل الأسرة، وبعض الأُسر قامت بتزويج بناتها بحجة عدم مقدرتها على تلبية احتياجات التعليم. فالعُرف القبلي السائد في أغلب المحافظات اليمنية لا يعطي الفتاة اليمنية حقها في التعليم، مؤكدة ذلك بقولها: “قلما نجد فتيات أكملن تعليمهن من دون عائق سببه الأسرة أو العادات والتقاليد القبلية”.

الزواج المبكر

     لاتزال أغلب المجتمعات اليمنية تتبع آلية تكييف سلبية (تزويج الصغيرات)، الأمر الذي يحول دون التحاق الفتيات بالتعليم؛ فقد أظهرت دراسة أجراها صندوق الأمم المتحدة للسكان (الاستجابة الإنسانية للصندوق في اليمن) فبراير 2021م، أن فتاة واحدة من كل خمس فتيات نازحات تتراوح أعمارهن بين (10 – (19 تتعرض لزواج مبكر، مقارنة بفتاة واحدة من كل ثماني فتيات في المجتمعات المضيفة، حيث يمثل متوسط سن الزواج لديهم 16 عامًا.

      كما أشارت مذكرة المشاركة القُطرية بشأن الجمهورية اليمنية للفترة السنتين الماليتين 2020 – 2021م) الصادرة في 11 أبريل 2019م، إلى زيادة في معدلات زواج الصغيرات باليمن نحو 66%، حيث تسعى العائلات إلى الاستفادة من المهر لمواجهة الصعوبات المرتبطة بالصراع وحمايتهن من التحرش والعَوز.

      كما نشرت المؤسسة الخيرية في إنجلترا “فتيات لا زوجات” (فتيات لا زوجات: شراكة عالمية تتألف من 1400 منظمة من المجتمع المدني من أكثر من 100 دولة ملتزمة بالقضاء على تزويج الأطفال وتمكين الفتيات من تحقيق كامل إمكاناتهن) إحصائية أن أكثر من 65 % من الفتيات يتزوجن قبل سن الثامنة عشر، مقارنة بـ 50% قبل الصراع في اليمن، ما يعني أن ارتفاع عادة الزواج المبكر ازدادت نتيجة الفقر وانعدام الأمن الاجتماعي.

الثأر عدو التعليم

       “في كثير من المجتمعات القبلية لاتزال مشكلة الثأر قائمة، وأول ضحايا الثأر الأسرة والأطفال، وكثير من الأطفال أودى بهم الحال إلى دار التوجيه الاجتماعي. فالثأر يجبر الأطفال على الابتعاد عن التعليم، ويحرمهم من الدراسة أو يؤدي إلى تسرَّبهم من المدارس، فموضوع الثأر شائك جدًا، وهو منتشر بشكل واسع في المجتمعات القبلية نظرًا لضعف الإيمان ونظرًا لرد الفعل من المحيطين في البيت أو المجتمع. وفي بعض الأحيان يتسبب الثأر بإخراج الأسرة بأكملها من القرية وشتاتهم ونزوحهم، وحرمان الأبناء من الدراسة عمومًا” وفقًا لـ محمد عبدالله العُرافي (مدير دار التوجيه الاجتماعي).

      وأردف العُرافي لـ “صوت الأمل” قائلًا: إن ضحايا الثأر من أطفال الأحداث كثيرون، ولا توجد إحصائية محددة لعددهم. موضحًا أن المجتمعات القبلية التي تحدث فيها قضايا الثأر يكون الأطفال أول المتضررين منها بحرمانهم من التعليم، فالأسرة المنفذة للثأر تضطر إلى الخروج من القبيلة أو المجتمع خوفًا من الانتقام من الطرف الآخر، فيؤدي خروج الأسرة عن القبيلة إلى ابتعاد الأطفال عن مدارسهم.

      كما يؤكد محمد العُرافي أن دخول بعض الأطفال دار التوجيه الاجتماعي، ليس لأن الطفل ارتكب جريمة قتل، فقد يكون المنتقم الأب أو الأخوة الأكبر منه، فتقوم الأسرة بتقديم الطفل الصغير تجنبًا لتنفيذ حكم الإعدام، فيكون الطفل ضحية، إذ يبدو في البداية أنه متحمل للمسؤولية، ولكن النتائج تنعكس عليه سلبًا سواء نفسيًّا أم اجتماعيًّا لا سيما التأثير في جانب التعليم.

     مشيرًا إلى أن الأسر التي تنزح بسبب الثأر لا يسلم أطفالهم من الاضرابات النفسية، ويكونون بحاجة إلى الهدوء والاستقرار، ويتعرضون لـ البرمجة الذاتية (الخوف والرهب والقلق) المتولد عند الأطفال والآباء.

الثأر من الوسائل السيئة والسلبية التي تعمل على تسرب الأطفال من المدارس، لأنه إذا قُتل الأب بسبب الثأر يتأثر الأطفال، لأنهم يتحملون مسؤولية الأسرة من الصغر، فيعملون من أجل إيجاد مصدر دخل للأسرة.

   العُرافي يؤكد  “إن الطفل المحروم من التعليم قد يبدأ بممارسة سلوكيات خاطئة مثل التسول، والانضمام إلى الجماعات المتطرفة واستخدام الشبكات السيئة، وفي الأخير هو ضحية بسبب الثأر، وتحمله المسؤولية في سن مبكرة ليوفر مصدر دخل لأسرته، هذا فيما يخص موضوع الثأر وآثاره على الجانب الاقتصادي والنفسي والاجتماعي للأسرة ولا سيما الأطفال وكذلك أثره  المستقبلي في حياة الطفل؛ لذا وجب أن نحمي أطفالنا من كل هذه الآثار السلبية بالابتعاد عن الثأر وتحكيم الشرع والعقل قدر الاستطاعة”

اتساع الفجوة بين الذكور والإناث، حرمان الأطفال من التعليم، وعدم التحاق الفتيات بالمدارس، والزواج المبكر، مشكلات تواجه الدراسة في العُرف القبلي، وتتطلب تضافر جهود الجميع، للتعريف بأهمية التعليم ودوره في نهوض المجتمعات.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

81% من المواطنين يؤكدون: تأثير النظام القبلي على الحياة السياسية في اليمن قوياً ومؤثراً

أكد ما يقارب 60% من المواطنين اليمنيين، أن تأثير النظام القبلي على الحياة العامة في البلد …