الافتتاحية: الثروة السمكية

يُعَدّ اليمن من البلدان العربية المطلّة على شريط ساحلي طويل، ويصل طول الشريط الساحلي لليمن تقريبًا 2500 كيلو متر على امتداد البحر العربي وخليج عدن جنوبًا والبحر الأحمر شمالًا، ويمتاز اليمن بموقع جغرافي مهم من حيث التنوع المناخي والبيئي، كما أن المياه البحرية غنية، وتتسع فيه التداخلات والتضاريس الجبلية والرملية والأودية، هذا الموقع هيأ لوجود بيئة مناسبة للأسماك والأحياء البحرية، فوفرة الثروة السمكية ما هي إلا نتيجة لما يتمتع به اليمن من مركز استراتيجي حباه الله به، هذا الموقع الذي تنبسط حدوده البحرية مع عمان بالبحر العربي إلى نهاية حدوده مع السعودية بالبحر الأحمر.

   وتتوزع المياه البحرية على تسع محافظات، ست محافظات منها على سواحل خليج عدن وبحر العرب وثلاث محافظات على البحر الأحمر، إلى جانب 163 جزيرة يمنية تمتاز كافة هذه الجزر بظروف ملائمة لنمو وتكاثر أنوع شتَّى من الأحياء البحرية، ومع كلِّ هذا فإن اليمن يشكو عجزًا في ميزان تبادل الصادرات السمكية في التجارة الدولية بينه وبين دول العالم، مع قدرته على الاكتفاء الذاتي لما تجود به بحاره بمختلف الأسماك.  

    إنَّ إمكانات التصدير لهذه الثروة الغذائية تجعل تنمية الثروة السمكية ضمن الحلول الاستراتيجية المتاحة لتعديل العجز في ميزان التبادل الغذائي السمكي والإسهام في تحسين وضع الأمن الغذائي، كون القطاع السمكي يعدُّ من أهم القطاعات الرئيسة والمهمة للاقتصاد اليمني نظرًا إلى جودة الثروة السمكية في اليمن، حيث تُصدَّر الأسماك إلى أكثر من 40  دولة عربية وأوروبية وآسيوية، ومن أفضل الأنواع التي تُصدَّر: الجمبري، والحبار، والشروخ، والأسماك الطازجة المختلفة. وتتراوح نسبة مشاركة قطاع الأسماك في الناتج المحلي ما بين (1-2 %) ويعدُّ قطاع الأسماك مصدرًا أساسًا لتوفير البروتين الغذائي، وتصل حصة المواطن من الإنتاج إلى (8)كيلوغرامات في السنة إلا أن هذه الحصة لا تبلغ ثلث الحصة التي توصي بها منظمة الصحة العالمية للفرد في السنة وهي (25) كيلوغرام.

      ومع زيادة الطلب لسدِّ حاجة النمو السكاني ولتحسين الميزان الغذائي الذي يعدُّ مصدرًا لدخل شريحة واسعة من أفراد المجتمع في القرى والتجمعات السكنية حيث تعيش معظم الشرائح الفقيرة من السكان المنتشرة على طول السواحل والجزر اليمنية،  ومع أن المخزون السمكي يسمح باصطياد أكثر من 350 -400 ألف طن سنويًّا من دون أن يتأثر هذا المخزون؛ إلا أن حجم ما يُصطاد مازال محدودًا خصوصًا في الفترة الأخيرة، ومشاركة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي هي الأخرى مازالت محدودة وضئيلة وذلك لانخفاض حجم الإنتاج السمكي الناتج عن انعدام استخدام الوسائل الحديثة لعمليات الاصطياد، ووجود بعض الأسباب والعوائق التي أدَّت إلى ضعف الإنتاج، فمعظمها تُعزى إلى أن وسائل الصيد المستعملة في اليمن عمومًا لا تزال بدائيَّة ويعجز الصيادون عمومًا عن امتلاك السفن المجهزة لمهام الصيد الحديث على الشواطئ اليمنية وفي المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية البحرية التابعة لليمن؛ ولذا فإن مهمة إنشاء صناعة متطورة لصيد الأسماك تقوم أساسًا على أكتاف الدولة والشركات المستثمرة التي تعاني من عجز كبير في هذا المجال. ومن أسباب ضعف الإنتاج أيضًا أن سكان السواحل اليمنية يفتقرون إلى برامج الدعم والتشجيع والتثقيف والتوعية المجتمعي لتنظيم القطاع البحري وتنميته، وهذا أيضًا دور لا بد من أن تؤدِّيه الدولة والاستثمارات الخاصة على وفق خطط علميّة سليمة، ولا يمكن استثمار الثروة السمكية استثمارًا كافيًا أو أن تتطور على نحو متدرج ومستدام إلاَّ بإنشاء المصانع المواكبة لهذا الاستثمار، مثل: مصانع الحفظ، والمعلبات، والتبريد، والإعداد للتصدير. كذلك لا بد على الحكومة من إنشاء كلية لعلوم البحار ومراكز الأبحاث؛ لتخريج تخصصات نوعيَّة تلبِّي حاجة سوق العمل من خبراء الثروة السمكية وعلماء البيئة البحرية؛ ولأجل وضع خطط لتنمية هذه الثروة السمكية وحمايتها من الصيد الجائر والآفات والأمراض البحرية والأوبئة التي تفتك بملايين الأسماك في كلِّ سنة جرَّاء تلويث المياه والشواطئ البحرية، ومن أجل تعزيز مكانتها محليًّا وإقليميًّا.

وهذه المسؤولية تُلقَى بكاملها على الحكومة في مسألة حماية الثروة السمكيّة وتنمية هذه الثروة، ومراقبة الشركات الصناعية التي يمكن أن تقضي على الثروة السمكيّة بما تلقيه من نفاياتها السامة أو بممارسة الصيد بالجرف والتفجير. وللاستفادة المثلي من هذه الثروة السمكية التي تتنوع من حيث الأسماك السطحية والأسماك القاعية ينبغي طلب الاستثمار الرأسمالي الكافي في قطاع صيد الأسماك، وتشجيع القطاع الخاص على إنشاء وتبني مزارع الاستزراع السمكي بمواقع تُختار على وفق دراسات وأبحاث علمية لتنمية إنتاج وحماية الأسماك من التلوّث والأوبئة، وتوفير الغذاء والأسمدة لها بحيث تُقدَّم التسهيلات والامتيازات، وتُحسَّن الوسائل والأدوات العصرية للصيد بأساليب العلم الحديث ويُحسن أسلوب التنظيم على نحو لا يكتفي بحفظ هذه الثروة فقط بل تنميتها نوعًا وكمًّا عن طريق القيام بالدراسات والبحوث الحديثة التي تجعل من القطاع السمكي قطاعًا واعدًا اقتصاديًّا كون الاستزراع السمكي يعدُّ من الحلول المناسبة المطروحة لعمل انتعاش بهذا القطاع نظرًا إلى امتلاك اليمن شريطًا ساحليًّا ومسطحات شاسعة تعدُّ من أطول شواطئ المنطقة العربية التي تمثل 20% من السواحل، إلى جانب أن هذه الشواطئ تمتاز بتنوّع بيئيٍّ يجعلها غنية بجودة الأسماك المختلفة من الناحية الكميّة والنوعيَّة، وتصل أنواع الأسماك تقريبًا من (400-450) نوعًا سمكيًّا وأحياء بحرية وهذا يتطلب إنشاء مصانع التبريد والتعليب والحفظ، إلى جانب زيادة القيمة المضافة في صناعة صيد الأسماك، ولن يتحقق هذا إلَّا باهتمام الحكومة اليمنية بقطاع الأسماك كأولوية ملحَّة في خططها وسياساتها ورؤيتها الكلية نحو تطوير الاقتصاد الوطني وتخفيف الفقر وتحقيق الأمن الغذائي السمكي، وكون الثروة السمكية من الثروات الطبيعية المتجددة ومصدرًا مهمًّا للدخل القومي اليمني تحتاج إلى الاهتمام بها، كما أنها مورد اقتصادي.

ويجب على المسؤولين عن هذا القطاع العمل التكاملي لتجاوز الأضرار التي لحقت بالقطاع السمكي والصيادين جرَّاء الصراع القائم والأعاصير والمنخفضات المدارية الأخيرة(2015 ـ 2020) التي أدَّت إلى تدمير عدد كبير من قوارب الصيادين وتدمير مواقع الإنزال السمكي إلى جانب انتشار جائحة فيروس كورونا التي أوقفت الصادرات السمكية إلى الخارج. كل هذه العوامل  تتطلب عمل الحلول والمعالجات لهذه المشكلات والتحديات التي يواجهها الصيادون التقليديون وتعزيز قدرة الجهات المعنية على فرض الرقابة البحرية الصارمة على نشاط الاصطياد ووضع خطة عاجلة لمعالجة انخفاض الإنتاج السمكي بدعم القوارب المحسنة للاصطياد بدلًا عن القوارب التقليدية، وتحسين مراكز الإنزال السمكي وإنشاء كواسر وألسنة بحرية ومصايد الاستزراع السمكي بالشكل الاقتصادي إلى جانب تفعيل عمل جميع الهيئات السمكية وصندوق تشجيع الإنتاج الزراعي والسمكي، وتنفيذ وتفعيل اللوائح والقوانين للحفاظ على الثروة السمكية من العبث وحل مشكلات التصدير عن طريق تحسين تنمية الإنتاج، وحتى يتحقق ذلك فإنه يتطلب من الحكومة استكمال البنية التحتية للقطاع السمكي والمؤسسات الإنتاجية والتسويقية ومواني الصيد، بالإضافة إلى تفعيل وتعزير دور مؤسسات وهيئات البحث العلمي والإرشاد السمكي  ورقابة الجودة ومراكز التدريب والتأهيل والتثقيف المجتمعي للصيادين، إلى جانب إعادة جاهزية بعض المنشآت السمكية لضمان استمرار تقديم الخدمات الضرورية اللازمة لأسطول الصيد التقليدي والتجاري.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

84% يؤكدون أهمية تأثير عائدات الثروة السمكية على الناتج القومي في اليمن

أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام التي نُفذ من قبل إدارة الأعلام التابع لمركز يمن انفورميشن …