‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة القضاء في اليمن لا لتشتكي بل لتحكم … يمنيةٌ ترأسُ المحكمة: القاضي سامية مهدي نموذجًا

لا لتشتكي بل لتحكم … يمنيةٌ ترأسُ المحكمة: القاضي سامية مهدي نموذجًا

صوت الأمل – سماح عملاق

     لم يكن اليمن هو الأسبق عربيًّا في تعيين امرأة بمنصب “قاضٍ”، لكنه أيضًا لم يتأخر عن ركب كثيرٍ من الدول العربية، فبينما عُيّنت العراقية “زكية حقي” كأول قاضٍ في العراق والمنطقة العربية عام 1959م تبعتها كلٌ من المغرب ولبنان ثم تونس ومن بعدهم اليمن؛ فقد نُصِّبت اليمنية “حميدة زكريا” كأول قاضٍ في عدن وبلدان الخليج العربي عام 1971م، وبذلك يدخل اليمن ميدان السبق في الاعتراف بمكانة المرأة وقدراتها قضائيًّا.

 في المحكمة العليا

    يمتلك اليمن نماذج مشرفة للمرأة اليمنية المكافحة والطموحة والمتحدية لكل العادات والتقاليد والصعوبات لإثبات قدراتها في مجالات عديدة أصعبها مجال القضاء، وكانت القاضي “سامية عبدالله مهدي” من أبرز النماذج التي يُحتذى بها.

     بعد 30 عامًا من العمل المتدرج في القضاء للقاضي اليمنية “سامية مهدي” وصلت لمنصب عضو في المحكمة العليا اليمنية؛ وبذلك تعدُّ أول امرأة يمنية تُعيّن في هذا المنصب المهم في تلك الفترة. 

       وقد استطاعت مهدي بكل جدارةٍ واقتدار إثبات وجودها في مناصبَ عديدة، سواء أكان في العمل أم النيابة أم المحاكم الابتدائية أم الاستئناف وصولًا بها إلى المحكمة العليا. 

التحجج بعاطفة المرأة

    سأل مراسل صحيفة الأيام ــ الصادرة في عدن ــ القاضي سامية مهدي في عام 2003م عمًّا إذا كانت عاطفة المرأة مؤثرة في عدالة الأحكام التي تصدرها فأجابته بقولها: “هذه المسألة كثير من الناس يثيرونها، وأنا أرى أن العاطفة موجودة في الذكر والأنثى، لكن لا أعتقد أن العاطفة يمكن أن تتغلب على تطبيق القانون”.

    كما أردفت قائلة: “إن القانون موجود، وأنتِ عندما تدرسين القضية لا تحكمين بمزاجك، بل مقيدة بقوانين فليس من المعقول أن تتغلب العاطفة على تطبيق القانون، وبالنسبة إلى مقولة أن (النساء أكثر من الرجال عاطفة) أؤكِّد هنا أن ليس كل النساء عاطفيات ولا كل الرجال أقل عاطفة، وإنما يعتمد ذلك على شخصية الإنسان، ولا أعتقد أن العاطفة يمكن أن تؤثر في عدالة القاضي وعدالة الأحكام التي تصدرها.

مجالات محدودة للنساء

    حتى اليوم لم تعمل قاضٍ يمنية في المجال الجنائي، بل عملت النساء في الجانبين الشخصي والمدني فقط. وللفقهاء آراءٌ تختلف بين التأييد والمعارضة؛ فبينما حرَّم بعضٌ منهم عمل المرأة في قضايا الجنايات، أباح آخرون ذلك ماعدا القصاص والحدود. 

   وحول هذا الأمر كان للقاضي (سامية مهدي) رأيها، حيث قالت: “إن عمل المرأة في الأحوال الشخصية والقضايا المالية والمدنية مناسب لها، وإنها عملت في الجانبين المدني والشخصي، ولم تعمل في الجانب الجنائي؛ فقد عملت كقاضٍ ابتدائي في القضايا المدنية، ثم في الاستئناف، وكانت عضوًا في دائرة الأحوال الشخصية حتى انتقلت إلى المحكمة العليا لكن أيضًا في دائرة الأحوال الشخصية”. 

شروط المنصب

   كثيرون يعتذرون للمرأة عن قبولها في منصب القضاء على أساس جنسها فقط، بحجة أنها عاطفية وتمتلك مظاهر الأنوثة التي قد تقتضي ــ من وجهة نظرهم ــ حرمان المرأة من العمل في المجالين الحقوقي والقضائي؛ ولكن الدستور اليمني لا يعترف بهذه الآراء، ويسرد شروط تولي مهنة القضاء، والمتمثلة في (الإسلام، البلوغ، العقل، العدل، سلامة الحواس، النزاهة، يمني الجنسية) وألَّا يقل عمرهـ/ـا عن 30 عامًا.

    وبهذه المشاركة نوكِّد بأن الدستور اليمني لم يهضم النساء حقَّهن في هذا الصدد، ولم يحدد معيار الذكورة أو الأنوثة كشرطٍ أو عيبٍ يمنع المرأة من العمل في هذه المهنة. 

بالأرقام

    حتى العام 2003م حصلت أربع قاضيات يمنيات على منصب رئيسات محاكم، كما جرى إحصاء 34 قاضية في المحاكم والنيابات، ـ استنادًا لتصريح القاضي سامية مهدي ـ ويجدر بالذكر أن أغلب القاضيات اليمنيات يتمركزن في عدن.

   وفي السياق ذاته استعرضت القاضي سامية تجربتها، قائلة: “كان لدينا رئيسات لمحاكم استئناف في ثمانينيات القرن الماضي لفترة وجيزة، وكان هناك رئيسة محاكم ابتدائية، وبعد ذلك اقتصر عمل المرأة كعضو في المحاكم”. واستدركت حديثها بالقول: “لكن التطورات التي حصلت بعد ذلك أعادت للمرأة مكانتها كعاملة في حقل القضاء”.

ناجحاتٌ وعظيمات 

      إن كليات الحقوق ومعاهد القضاء تزخر حاليًّا بالطالبات الباحثات عن فرصة لهن في مجال السلك القضائي، والاقتداء بالقاضي سامية مهدي وباقي بنات جيلها اللاتي واجهن التحدي بكل إصرار لإثبات قدرتهن في مجال القضاء، وهذا الأمر يبعث الأمل في بزوغ غدٍ أجمل يعطي المرأة اليمنية حقها، لاسيما أن نسبة المحاميات اليمنيات في تزايدٍ مستمر.

     وبصدد المجتمع ونظرته للمرأة المحامية أو القاضي تقول الناشطة الحقوقية سما المخلافي لـ”صوت الأمل”: بشأن المرأة العاملة فإنها تواجه صعوباتٍ وتحدياتٍ جمّة في اليمن عمومًا، وبخاصةً إذا كانت عاملة في المجال الحقوقي، فمجتمعنا- غالبًا- قد اعتاد أن يرى المرأة باحثةً وطالبةً لحقها الشخصي فقط، ويحاول أخيرًا استيعابها كناشطة حقوقية تنقّب عن حق المواطنين بفئاتهم المختلفة، وكمعبرة عن همومهم وتطلعاتهم”.

     وتكمل المخلافي: “باستطاعة المرأة إثبات أحقيتها في مناصب القضاء المختلفة، وإقناع المجتمع بجدارتها، وذلك بالتزامها الحدّ الأقصى من المهنية وتحلِّيها بالمصداقية والأمانة، وبتطبيقها والتزامها لأخلاقيات مهنتها”.

     كما تشيد بقوة شخصية النساء العاملات في المجالين الحقوقي والقضائي، وبصلابتهن الروحية التي تجعلهن صامدات أمام بعض أفراد المجتمع الذين لا يشجعون المرأة أو خروجها من منزلها للعمل، وبخاصة في مجالٍ مثير للشبهات التقليدية بالنسبة إلى مجتمعنا من حيث الاختلاط، والعلاقات غير المحدودة بجنسٍ معين، إنهن نساءٌ ناجحاتٌ وعظيمات. 

حياة المحامية في خطر 

   وتشارك طالبة الحقوق في جامعة تعز “أسيل المقرمي” برأيها بالتحدث عن العراقيل التي تواجهها بصفتها طالبة حقوق، فتقول: “ينظر المجتمع ــ أحيانًاــ لي ولزميلاتي بأننا متمردات على العادات والتقاليد التي تقضي ببقاء المرأة في حياءٍ ببيتها، كما ينتقد خوضنا في هذا المجال، خصوصًا في المحاكم التي تعجُّ بالرجال ويعدُّ ذلك نوعًا من أنواع الاختلاط غير المحمود. ومن أعظم الصعوبات التي قد تواجه المرأة القاضي أو المحامية هي التحديات الأمنية التي قد تجعلها عرضةً للتحرش أو الاختطاف، وقد تصل للقتل، وبخاصة في ظل الأزمة الأمنية التي نعيشها”.

    وبما سبق تعدُّ أسيل أن هذا المجال خطرٌ على حياة المرأة وسمعتها وكرامتها بين أفراد المجتمع، مع إشارتها إلى قاضيات ومحاميات وناشطات حقوقيات قد نجحنَ في تجاوز كل التحديات، ويناضلنَ جاهداتٍ لإثبات وجودهنّ، ولفرض احترامهن عن استحقاقٍ لا عن عصيان. 

     وتطلب أسيل من “صوت الأمل” إيصال رسالتها ومفادها: “لم ندرس الحقوق لهرمونات ذكورة زائدة فينا ولا لقلة احترامٍ منا لذواتنا أو لأعرافنا التي تربينا عليها؛ درسنا الحقوق لأنه حلمٌ كبيرٌ في بلدٍ نبحث فيها عن أبسط حقوقنا ولا نجدها، درسناه كي نحفظ حقوقكم، ونكون عونًا لكم ضد الفساد والظلم، فكونوا عونًا لنا لا علينا رجاءً”.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

66% من المواطنون يثقون بالتحكيم القبلي أكثر من القضاء الرسمي

أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام التي نُفذت من قبل وحدة المعلومات والاستطلاع التابع لمركز (…