‫الرئيسية‬ الأعداد السابقة القضاء في اليمن تاريخ القضاء اليمني وأهمّ مساراته..

تاريخ القضاء اليمني وأهمّ مساراته..

صوت الأمل – نشوان المجاهد

الحديث عن تاريخ القضاء في اليمن يحتِّم علينا الحديث عن الأعراف القبلية، التي تراكمت ونشأت ولازمت القبائل العربية كافة منذ ما قبل الإسلام، إذ كانت الأعراف القبلية هي الوسيلة المتبعة للتقاضي وحلِّ النزاعات والخلافات واسترداد الحقوق وردع الجناة … ومن يتولى الفصل في هذه الأمور وفقًا للعرف هم مشايخ  القبائل بدرجات مختلفة أعلاها يسمى المراغة (أعلى مرجعيات العُرف القبلي). اشتهروا بالحكمة والعِرَافة والعدل وغيرها من الصفات التي يجب أن يتصف بها أعلى السلم الهرمي في العرف القبلي.

ومما قامت ونشأت عليه الأعراف القبلية تعزيز مكارم الأخلاق والشيم والفضائل ونصرة الحق وتحقيق العدالة… فقد جاء الإسلام معززًا لهذه القيم ومضيفًا لها القيم الإسلامية التي أزالت السيِّئ عن هذه الأعراف وعززت الجيد منها، وقد ورد عن الرسول (ص) عن “حلف الفضول” (العُرف القبلي عند العرب قديمًا)، الذي وقع بين قبائل قريش قبل البعثة أنه قال عنه: ” ولو دعيت به في الإسلام لأجبت”.

وهو الأمر الذي حصَّن الأعراف القبلية ومنعها من أن تتصادم مع الشريعة الإسلامية لتظل قائمة حتى بوجود الأحكام الشرعية والقضاء الشرعي، وقد استمرت الأعرف القبلية لصيقة بالقبائل العربية عامة والقبائل اليمنية خاصة حتى اليوم.

وعند دخول اليمن في الإسلام أرسل الرسول (ص) رسلًا عنه لليمن لتعليم اليمنيين أحكام الإسلام وعينهم قضاة وولاة عنه، فكان الإمام علي بن أبي طالب _كرم الله وجه_ قاضًيا وواليًا على أجزاء من اليمن، وكذلك الصحابي معاذ بن جبل قاضيًا وواليًا في منطقة الجند باليمن، وهما أول من توليا القضاء باليمن في الإسلام ، وحكما بين الناس وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، وذلك إلى جانب مهامهما كولاة للأمر على المواطنين في تلك المناطق ومعلمين لهم لأحكام الإسلام وأحكام الشريعة الإسلامية.

 وقد استمر تعيين القضاة والولاة على اليمن من قبل الخلفاء الراشدين بحسب مناطق اليمن المختلفة آنذاك، ومع توسع رقعة الإسلام وتشعب أمور الحياة ومهام إدارة الدولة الإسلامية وتعدد الولايات التابعة للخلافة الإسلامية، أنفصل منصب القضاء عن منصب الوالي بخاصة في المدن والولايات الإسلامية الكبرى، وأصبح يُعيَّن والي للولاية ويُعيَّن قاضٍ تعيينًا مستقلًا للولاية نفسها، واستمر هذا الأمر في الخلافات الإسلامية المتعاقبة.

وفي الخلافة العثمانية التي حكمت اليمن قام الأتراك باعتماد اليمن (ولاية اليمن) أقسام عديدة ووحدات إدارية، عُرفت بــ (الألوية) كل لواء يتكون من عدد من المخاليف(تقسيم جغرافي) وكل مخلاف يظم عددًا من الأقضية مثل (قضاء عمران وقضاء رداع وقضاء إب)، وكان القضاء يتكون من نواحٍ عديدة ، وكلُّ ناحية تظم عدة عزل في كل عزلة عدد من القرى، ويُعتقد أن تسمية قضاء؛ هو نتيجة لتقسيم المناطق الجغرافية لمجموعة يكون المسؤول الأول فيها عبارة عن قاضٍ، يوكل إليه الفصل في قضايا الناس وحلِّ النزاعات إلى جانب قيامه بالمهام الإدارية لهذا الإقليم الجغرافي، من جمع للزكاة والضرائب وتنظيم شؤون الناس وغيرها من المهام الأخرى، (حيث كانت تعد يسيرة في ذاك الزمان ولم تكن بالأمر الذي يتطلب تكوين جهاز إداري مستقل عن القضاء).

عند انتهاء الحكم العثماني بهزيمتهم في الحرب العالمية الأولى وانسحاب الأتراك من اليمن 1919م وقيام المملكة اليمنية المتوكلية، لم يتغير كثير وضع القضاء في اليمن، سوى أنه أُلغيت تسمية المخاليف وأُعِيد توزيع التقسيم الإداري لليمن وأصبح اليمن مكونًا من ألوية عديدة يرأس كل لواء أمير يعينه الإمام نائبًا عنه في إقليم اللواء، وفي كل لواء قضاء (تقسيم إداري يتكون من مجموعة من العُزل) ونواحٍ يرأسها قضاة يجري تعيينهم بأمر من الإمام نفسه، ويتبعون الأمير في اللواء، وفي الوقت ذاته يُعيَّن جميع القضاة من قبل الإمام نفسه.

 وقد كان الكثير من القضاة يمارسون المهام القضائية والإدارية في الوقت نفسه، فكان يعرف القاضي باسم “الحاكم” وإلى جانبه عدد من العمال أغلبهم من القضاة أو من المشايخ يطلق عليه لقب عامل مثل: “عامل الأوقاف”، يعملون تحت إدارة القاضي “الحاكم” وأمير اللواء وجميعهم يتبعون الإمام عينه.

ولم يتغير نهج الإمام في تعيين القضاة عما كان عليه أبان الدولة العثمانية، إذ  ظل منصب القضاء منحصرًا على بعض الأسر اليمنية كما كان في عصر الدولة العثمانية، حيث كان يجري تولية منصب القضاء داخل هذه الأسر جيلًا بعد جيل.

 وبعد قيام الجمهورية العربية اليمنية 1962م، دخل اليمنيون في صراعات أهلية استمرت عدة سنوات وخلال العقدين من بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، يمكن الحديث أنها تعدُّ الفترة الزمنية التي أحدثت تغييرًا كبيرًا في مسار القضاء اليمني عما كان عليه لعصورٍ مديدة من الزمن، فحدث في مطلع السبعينيات سن القوانين وإنشاء المحاكم ومجلس القضاء، ويمكن الإشارة إلى نهاية فترة الصراعات الأهلية بين (الجمهوريين والملكيين)، وقد كان لبعض القضاة دور أساس تعدى ميدان القضاء والفصل في المنازعات الشخصية داخل المحاكم، وكان لهم دورٌ ملموسٌ وبصمة واضحة في حلحلة النزاع اليمني الأهلي، وبناء السلام في اليمن والدولة الجمهورية، ويمكن الإشارة إلى القاضي عبد الرحمن الإرياني والقاضي الشهيد عبدالله الحجري، وكثير غيرهم ممن أسهم في بناء مؤسسات دولة الجمهورية العربية اليمنية، وترسيخ قيم التسامح والتعايش وبناء اليمن والسلام، سواء بين الأطراف المتنازعة داخليًّا أم اليمن والدول الأخرى.

بعد قيام الجمهورية العربية اليمنية (نهاية السبعينيات ومطلع الثمانينيات) _ التي تعدُّ بالفعل محور تغير مسار القضاء في اليمن_ أُنشِئت كلية الشريعة والقانون، ونهاية الثمانينيات أُنشِئ المعهد العالي للقضاء وأصبح لكل طالب متفوق تخرج من  كلية الشريعة والقانون الحق في الانخراط والتسجيل في المعهد العالي للقضاء؛ ليصبح قاضيًا ضمن السلطة القضائية في اليمن.

إن استقلال السلطة القضائية لم يكن على الوجه المطلوب في ذاك الوقت؛ حيث كانت السلطة القضائية تخضع لوزير العدل والسلطة التنفيذية وكان مجلس القضاء الأعلى بحسب القانون رقم (23) لسنة 1976م مكونًا من رئيس الدولة ووزير العدل ثم رئيس محكمة الاستئناف العليا … وكانت السلطات القضائية من نصيب السلطة التنفيذية حتى بعد قيام الجمهورية اليمنية استمر منصب رئيس مجلس القضاء الأعلى من نصيب رئيس مجلس الرئاسة، وهو ما يخالف نصَّ الدستور الذي نصَّ على استقلالية القضاء، ويخالف شكل الدولة الجديد الذي اعتمدت التعددية السياسية التي تقوم على الفصل بين السلطات (السلطة التنفيذية ، السلطة التشريعية ، السلطة القضائية).

وفي العام 2006م الذي يعدُّ أحد مسارات التحول الرئيسة نحو استقلالية القضاء، حيت عُدِّلت بعض مواد قانون السلطة القضائية أصبح مجلس القضاء الأعلى يكوَّن على النحو الآتي : رئيس المحكمة العليا، وزير العدل، النائب العام، أمين عام المجلس، رئيس هيئة التفتيش القضائي، ثلاثة أعضاء يجري تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية، على ألّا تقل درجة كل منهم عن قاضي محكمة استئناف، وتُحدِّد اللائحة كيفية إدارة أعمال المجلس ومواعيد انعقاده.

وبهذا أصبح رئيس المحكمة العليا هو رئيس مجلس القضاء الأعلى في أول مرة في تاريخ السلطة القضائية في اليمن مستقلًا نوعًا ما عن بقية السلطات الأخرى، مع أنه ما يزال يصدر بتعيينه قرار من رئيس الجمهورية ومع ذلك أصبح مجلس القضاء الأعلى هو المعني بالجانب القضائي والإداري والمالي للسلطة القضائية التي أصبحت تدرج في الميزانية العامة للدولة كرقم واحد.

ومع ذلك فقد جاءت مخرجات الحوار الوطني لتضع طموحات متكاملة لاستقلالية القضاء واستقلال السلطة القضائية ــ تمامًاــ عن بقية السلطات التنفيذية بما يمكن السلطة القضائية القيام بعملها وتحقيق العدالة والرقابة القضائية على بقية السلطات الأخرى للدولة بعيدًا عن أي ضغوطات قد تقع عليها.

النظام الدستوري والسلطة القضائية، تتشابه صلاحيات المحكمة الدستورية في الجمهورية اليمنية بعيدة عن صلاحيات المحاكم الدستورية في بقية الدول الجمهورية، تعدُّ المحكمة الدستورية في اليمن أعلى هيئة قضائية في البلاد، وقد أُسنِدت ـــ في القانون اليمني ــ المهام القضائية المتعلقة بدستورية القوانين الصادرة في الجمهورية اليمنية إلى الدائرة الدستورية في المحكمة العليا ولها الفصل في الآتي:

  1. الرقابة على دستورية القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات وذلك عن طريق الفصل في الطعون التي ترفع إليها بعدم دستورية القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات سواء عن طريق الدعوى المُبتدأَة أو الدفع.
  2. الفصل في الطعون الانتخابية.

محاكمة المتهمين من شاغلي وظائف السلطة العليا.

الرجاء تسجيل الدخول للتعليق.

‫شاهد أيضًا‬

66% من المواطنون يثقون بالتحكيم القبلي أكثر من القضاء الرسمي

أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام التي نُفذت من قبل وحدة المعلومات والاستطلاع التابع لمركز (…